ساد الصمت بغتة على فصل (3-1) بعد ولوج أبلة (مسرات) مدرسة القراءة فيه ! وهدأت الفوضى العارمة التي أثارها زملائي منذ قليل تماماً ، الكل التزم الصمت خوفاً من أبلة (مسرات) !!
حتى (محسن) أكثر تلميذ مشاغب في فصلي والذي يجيد تقليد المدرسين بطريقة مضحكة – خصوصاً أستاذ / رياض مدرس الحساب – قد عاد إلى مقعده ولبس ثوب البراءة الطفولي بخبث وشيطنة .
الكل هنا يخشى أبلة (مسرات) للغاية ، والسبب هو قسوتها في إيقاع العقاب المؤلم لنا .. لذلك لا يجرؤ أحداً هنا في مجرد التنفس بصوت عالِ أثناء شرحها بطريقتها العصبية لنا .
بناءاً على (جدول الحصص) .. اليوم لدينا حصتان تعبير !
معظم زملائي يرتعبوا من حصص التعبير أو حصص تسميع (المحفوظات) ، لذلك يمكنني – وسط هذا الهدوء الرهيب – سماع (كركبة مصارين) بعض زملائي بوضوح !!
سنمر منذ الآن بساعة ونصف من القلق والترقب والخوف !
في بعض الأحيان تعاقب أبلة (مسرات) زملائي بعصبية مبالغ فيها إذا ما اقترفوا بعض الأخطاء الكتابية في موضوع التعبير بالذات ، لذلك تصرخ بصوتها (المسرسع) موجهه كلامها للفصل كله :
«أنتوا شوية بقر .. بهايم .. يا خسارة تعبي في الحصص معاكم .. أنتوا فاكرين نفسكم حتفلحوا يا حيوانات أنتم ؟؟ جاتكم القرف كلكم على بعض ! وأبقوا قابلوني لو فلحتوا » !!
من مكاني في وسط الصف الأول أرمق أبلة (مسرات) بنظرات تأملية باسمة ، كأني أنتشي من عصبيتها هذه ! لعلي أضيف سبباً أخر لاستمرار احتقاري وكرهي لها ..
كأنها تركت بيتها وعالمها الخاص وجاءت متبرعة بوقتها وتشرح لنا مجاناً !! بالطبع هي تأتي إلى هنا طمعاً في مرتبها فقط !
« النهاردة يا (موكوسين) عندكم حصة (تعبير حر) .. أصل أنا زهقت منكم !! اللي عايز يكتب أي حاجة يتنيل على عين أهله ويكتبها !! ربنا يعدي الحصتين دول على خير .. جاتكوا القرف يا بعدا » !!
نسيت أن أذكر مدى سفالة تعبيرات أبلة (مسرات) !! فهي امرأة ذات لسان (زالف) كثيراً ما يتماطر ويتراشق بالسباب لأتفه الأسباب !
«أنت مستني عزومة أنت وهي ؟؟ ما تتنيلوا على عينكم وطلعوا الكراريس واكتبوا الهباب الموضوع ! عجايب والله » !
بحكم قرب مقعدي منها ، اضطررت لدفن نظراتي بين ذراعي كراستي المفتوحة ، لكني رأيتها بطرف عيني وهي تخرج محمولها من حقيبة يدها ، ثم طلبت رقماً ووضعت المحمول على أذنها ، وأبهامها على زر الغلق ! أنها تقوم بما يسمى (ميسد كول) لشخص ما !!
من هو يا ترى ؟؟
(صفاء) مدرسة رسم ، لكنها لا تقوم بالتدريس لنا .. بل لفصل (3-2) المجاور .. هي شابة مليحة وجميلة بعض الشيء !! وقد عادت لتوها من إجازة (شهر العسل) .. هي عروسة حديثة بالمعنى المعروف ..
قامت (مسرات) لاستقبال (صفاء) بكل لهفة ، وطبعت على خدها الناعم أربع قبلات بالتمام والكمال ، ثم جلسن في مواجهة مقعدي لبدء حوار سيطول مدته لحوالي الساعة ونصف !
لكن .. هل تركت (صفاء) فصلها وحصتها وجاءت تجلس وتحكي مع (مسرات) ؟؟
لا أعلم !!
وكيف يمكنني أن أعلم ؟؟
دوت الصفعة عالياً على خدي الأيسر ..
أفقت من شرودي هذا لأجد يد (مسرات) اليمنى في الهواء بجوار خدى المصفوع ، كأنها تهدد بضربي قلم أخر إن لزم الأمر !!
هللت (مسرات) في غيظ واضح :
« أنت مابتكتبش ليه يا حيوان أنت ؟؟ أنت قاعد بتتصنت علينا ؟؟ » !
رفعت عيني لها في غل واضح ، وعدلت وضع نظارتي بعدما انعوجت بفعل ضربتها المفاجئة .. وقلت في تأني غاضب بعض الشيء :
« أنا مش بتصنت عليكي يا أبلة (مسرات) ، أنا بس بفكر في موضوع لكتابته .. عشان النهاردة – زي ما حضرتك عارفة – حصة تعبير حر ! يعني مفيش حاجة محددة عشان أكتبها ! » ..
مصمصت شفتيها في حركة قميئة وقالت :
« أحمد يا عمر .. الواد فاكر نفسه (نجيب محفوظ) واللا (يوسف السباعي) .. يا خويا أكتب أي نيلة ، خلاص يعني ؟؟ حتكتب اللي ما اتكتبش ؟؟ جاتك القرف ! » ..
استمرت نظراتي لها بنفس الثبات ، إلى أن تجاهلتني تماماً وعادت إلى حديثها مع (صفاء) !
هي طلبت مني أن أكتب ..
حسناً .. ها هو قلمي الأزرق في يدي ..
ها هي صفحتي البيضاء تنتظر جروحاً زرقاء عليها !!
ها هو الغل الذي أولد غضباً لا حد له !!
سأكتب بناءاً على رغبة مُدرستي الغير رقيقة بالمرة !
فهل تدري – هي – ماذا سأكتب ؟؟
أكتب فيكي الآن في خضم حوار أبلة (مسرات) مع صديقتها أبلة (صفاء) ..
بعيداً عن (اللولب النحاسي) الذي تنصح به أبلة (مسرات) صديقتها – بشدة – في هذه اللحظة ، وبعيداً عن نصائح الأولى التي تؤكد للثانية بعدم تكرار خطأها بعد الزواج بعدما أهملت تركيب (اللولب النحاسي) ، فكان النتيجة بأن رزقت أبلة (مسرات) بطفل وهي في شهر زواجها العاشر !
بعيداً عن كلام الكبار والقليل الأدب الذي تتبادله مدرستنا الآن مع صديقتها عديمة (اللولب النحاسي) !!
أنا بالفعل لا أعرف ماذا أكتب هنا ؟؟
(تعبير حر) ..
هذا نوع الموضوع ..
فهل يعرف طفل في التاسعة معنى كلمة (حر) هذه ؟؟
كيف لطفل أن يكتب موضوع حر وهو لا يملك حتى إفراغ مثانته إلا بعد تذلل ملّح إلى مدرسه السادي المتوحش كي يشعر بالراحة ؟؟
فكيف يكتب من لا يملك حرية التبول في أي وقت يشاء لأن يكتب "موضوع حر " ؟؟
(نقطة ، ومن أول السطر !) ..
سمعت من قبل عن اعتقال طالبة في مرحلة الثانوية العامة لأنها قامت بالتعبير عن رأيها في التعبير ضمن امتحان اللغة العربية في أخر العام ، فأبدت رأيها في السياسة وأحوال البلد الراهنة ، وأيضاً رأيها في رئيس مصر نفسه ! فقامت الدنيا من حولها ولم تقعد !! فكيف لهذه (الماجنة) الصغيرة لأن تبدي رأيها التافه في رئيس جمهوريتها المعظم ؟؟
وقد سمعت بأن صفعات مخبري وضباط الشرطة عندنا أشرس من صفعات أبلة (مسرات) !!
فكيف إذن أكتب (موضوع حر) طالما صاحب الموضوع نفسه ليس حر أبداً ؟؟
هه ؟؟
كيف ؟؟!
مطلوب مني بأن أملأك طوال الساعة ونصف بلغو لا معنى له ، فقط إرضاء لأبلة (مسرات) ومنهج اللغة العربية الغبي ..
حسناً .. دعيني أحشوك بما يدور في حديثهما الآن .. ثم أعود لأكتب فيك بما يدور في رأسي بعدها ..
م – أوعي يا صفاء تدلعي الراجل من أولها .. أتقلي عليه أوي .. أوعي تناوليه غرضه بسهولة !
ص – مش عارفة والله يا مسرات .. الراجل مش عاتقني ، حتى مش مدّيني فرصة أحط مكياج حتى .. على طول (متصربع) .. وبعد كدة (يا حبة عيني) ينام زي القتيل !
م – ما تستغربيش يا حبيبتي ، هم كدة في الأول !! بعد كدة أحنا حنتحايل عليهم ! قطيعة تقطعهم كلهم .. تصوري الراجل بتاعي (الخيبان) بقاله فترة (مش ولابد) ؟؟ بس وحياتك مش حتنازل عن حقي منه ! أنا وصيت الجزار على حتتين كوارع يرمّوا عضمه وعضم اللي خلفوه كمان .. على الله ربنا ينفخ في صورته ياختي ! ده أنا زهقت !
ص – الحمد لله .. لسة ماوصلناش لمرحلة الكوارع (هاها) ..
م – ماتخفيش ياختي ، بكرة توصلوا !! مش عارفة ياختي أيه اللي حصل للرجالة الزمن ده .. قطيعة تقطعهم كلهم مرة واحدة ..
ص – حرام عليكي ، ماتقوليش على (سومة) كدة !
م – (سومة) ؟؟ هو بقى اسمه (سومة) ؟؟ طيب ياختى ..
كراستي العزيزة ..
بغض النظر عن استيعابي لهذا الحوار الغريب أم لا ..
إلا أني كتبته استناداً إلى ما يسمى (تعبير حر) ..
ربما كان تساؤلي هنا عن نقطة واحدة :
هل سيحدث لي هذا الشيء الغامض المبهم الذي يحدث لرجال هذا الزمن أم لا ؟؟
كراستي العزيزة ..
أتمنى أن يندرج ما سبق تحت اسم (موضوع حر) ..
فهل تعرفي أنتِ إن كان هو فعلاً (موضوع حر) أم لا ؟؟
هل تهتم أبلة (مسرات) ومثيلاتها بما يكتبه تلميذ في التاسعة من العمر مثلي أم لا ؟؟
وهل سيعامل أبنها مثلي في المدرسة ؟؟
أم سيصفعه مدرس على خده مثلما حدث لي منذ قليل ؟؟
هل سيكتب أبنها (موضوع حر) أفضل مني أم لا ؟؟
هل ينام على سريره ليلاً وهو يحمل هم صبيحة اليوم التالي ؟؟ هل يقّدر كم عصا سيأخذها على يده ؟؟ وكم على ظهر يده ؟؟ وكم على مؤخرته ؟؟ وكم على خده ؟؟
هل يعلم أبن أبلة (مسرات) أن مصير وجوده في الدنيا توقف على عدم تركيب أمه لـ (لولب نحاسي) ؟؟
من قال أني نسيت ضربة أبلة (مسرات) على خدي ؟؟
أنا لم أنس أبداً .. ولن أسامحها أبداً على هذه الفعلة ..
سأردها لها بطريقتي .. ليس مهماً أن يكون الألم محسوساً على خدها أو حتى جسدها .. بل سيكون ألماً نفسياً على طريقتي أنا ..
لقد أثارت ضربتها هذه حقداً بداخلي يكفي حرارته قتلها ألف مرة ..
سأنتقم منها ..
وعلى طريقتي الخاصة ..
ولن تكفي (حتتين) كوارع لرمّ (عضمها) هي أو حتى (عضم اللي خلفوها) ..
كراستي العزيزة ..
أنا أكره أبلة (مسرات) .. وكل ما تقوله أبلة (مسرات) ..
فهل ستشي – آيا كراستي العزيزة – لها بذلك ؟؟
انتهت الحصتين ..
وانتهى وقتك معي الآن ..
بعدها ستكونين معها ..
أبلة (مسرات) ..
ربما ستطالعك كلك ..
ربما ستقرأ الموضوع كله وبحذافيره ..
ربما ستهملك أيضاً ..
هذا شأنها هي ..
لقد أنهيت ذلك المدعو (موضوع حر) ..
ولا يهمني رأيها بعدها ..
لقد مات بداخلي الخوف منها ودفنته هنا بداخلك ..
كراستي العزيزة ..
شكراً ..
إلا أني متأكد من عمق نظرتي الساخرة إلى عين أبلة (مسرات) وأنا أسلمها كراستي العزيزة ..
وأعطيتها ظهري عائداً مقعدي في وسط الصف الأول ، متجاهلاً بكل صفاقة نظرات عيناها الذاهلة والمتسائلة !
وعقلي الصغير يدور ويدور .. وبداخله أفكار شريرة وماكرة تتوالد في لهفة وغل .. ربما انعكست بضع أفكاري هذه على عيني بطريقة أو بأخرى ..
فهل ستعرف يا ترى سر نظراتي هذه ؟؟!
حتى (محسن) أكثر تلميذ مشاغب في فصلي والذي يجيد تقليد المدرسين بطريقة مضحكة – خصوصاً أستاذ / رياض مدرس الحساب – قد عاد إلى مقعده ولبس ثوب البراءة الطفولي بخبث وشيطنة .
الكل هنا يخشى أبلة (مسرات) للغاية ، والسبب هو قسوتها في إيقاع العقاب المؤلم لنا .. لذلك لا يجرؤ أحداً هنا في مجرد التنفس بصوت عالِ أثناء شرحها بطريقتها العصبية لنا .
بناءاً على (جدول الحصص) .. اليوم لدينا حصتان تعبير !
معظم زملائي يرتعبوا من حصص التعبير أو حصص تسميع (المحفوظات) ، لذلك يمكنني – وسط هذا الهدوء الرهيب – سماع (كركبة مصارين) بعض زملائي بوضوح !!
سنمر منذ الآن بساعة ونصف من القلق والترقب والخوف !
في بعض الأحيان تعاقب أبلة (مسرات) زملائي بعصبية مبالغ فيها إذا ما اقترفوا بعض الأخطاء الكتابية في موضوع التعبير بالذات ، لذلك تصرخ بصوتها (المسرسع) موجهه كلامها للفصل كله :
«أنتوا شوية بقر .. بهايم .. يا خسارة تعبي في الحصص معاكم .. أنتوا فاكرين نفسكم حتفلحوا يا حيوانات أنتم ؟؟ جاتكم القرف كلكم على بعض ! وأبقوا قابلوني لو فلحتوا » !!
من مكاني في وسط الصف الأول أرمق أبلة (مسرات) بنظرات تأملية باسمة ، كأني أنتشي من عصبيتها هذه ! لعلي أضيف سبباً أخر لاستمرار احتقاري وكرهي لها ..
كأنها تركت بيتها وعالمها الخاص وجاءت متبرعة بوقتها وتشرح لنا مجاناً !! بالطبع هي تأتي إلى هنا طمعاً في مرتبها فقط !
* * * * *
بعد أن فرغت أبلة (مسرات) من كتابة اسم المادة على (السبورة) الكالحة ، استدارت لنا وقالت :« النهاردة يا (موكوسين) عندكم حصة (تعبير حر) .. أصل أنا زهقت منكم !! اللي عايز يكتب أي حاجة يتنيل على عين أهله ويكتبها !! ربنا يعدي الحصتين دول على خير .. جاتكوا القرف يا بعدا » !!
نسيت أن أذكر مدى سفالة تعبيرات أبلة (مسرات) !! فهي امرأة ذات لسان (زالف) كثيراً ما يتماطر ويتراشق بالسباب لأتفه الأسباب !
«أنت مستني عزومة أنت وهي ؟؟ ما تتنيلوا على عينكم وطلعوا الكراريس واكتبوا الهباب الموضوع ! عجايب والله » !
بحكم قرب مقعدي منها ، اضطررت لدفن نظراتي بين ذراعي كراستي المفتوحة ، لكني رأيتها بطرف عيني وهي تخرج محمولها من حقيبة يدها ، ثم طلبت رقماً ووضعت المحمول على أذنها ، وأبهامها على زر الغلق ! أنها تقوم بما يسمى (ميسد كول) لشخص ما !!
من هو يا ترى ؟؟
* * * * *
بعد خمس دقائق دخلت أبلة (صفاء) مدرسة الرسم .. واستنتجت أن (مسرات) قد أعطت إشارة لـ (صفاء) تعلن فيها أنها متفرغة الآن !!(صفاء) مدرسة رسم ، لكنها لا تقوم بالتدريس لنا .. بل لفصل (3-2) المجاور .. هي شابة مليحة وجميلة بعض الشيء !! وقد عادت لتوها من إجازة (شهر العسل) .. هي عروسة حديثة بالمعنى المعروف ..
قامت (مسرات) لاستقبال (صفاء) بكل لهفة ، وطبعت على خدها الناعم أربع قبلات بالتمام والكمال ، ثم جلسن في مواجهة مقعدي لبدء حوار سيطول مدته لحوالي الساعة ونصف !
لكن .. هل تركت (صفاء) فصلها وحصتها وجاءت تجلس وتحكي مع (مسرات) ؟؟
لا أعلم !!
وكيف يمكنني أن أعلم ؟؟
* * * * *
(طااااااااااااااااخ)..دوت الصفعة عالياً على خدي الأيسر ..
أفقت من شرودي هذا لأجد يد (مسرات) اليمنى في الهواء بجوار خدى المصفوع ، كأنها تهدد بضربي قلم أخر إن لزم الأمر !!
هللت (مسرات) في غيظ واضح :
« أنت مابتكتبش ليه يا حيوان أنت ؟؟ أنت قاعد بتتصنت علينا ؟؟ » !
رفعت عيني لها في غل واضح ، وعدلت وضع نظارتي بعدما انعوجت بفعل ضربتها المفاجئة .. وقلت في تأني غاضب بعض الشيء :
« أنا مش بتصنت عليكي يا أبلة (مسرات) ، أنا بس بفكر في موضوع لكتابته .. عشان النهاردة – زي ما حضرتك عارفة – حصة تعبير حر ! يعني مفيش حاجة محددة عشان أكتبها ! » ..
مصمصت شفتيها في حركة قميئة وقالت :
« أحمد يا عمر .. الواد فاكر نفسه (نجيب محفوظ) واللا (يوسف السباعي) .. يا خويا أكتب أي نيلة ، خلاص يعني ؟؟ حتكتب اللي ما اتكتبش ؟؟ جاتك القرف ! » ..
استمرت نظراتي لها بنفس الثبات ، إلى أن تجاهلتني تماماً وعادت إلى حديثها مع (صفاء) !
هي طلبت مني أن أكتب ..
حسناً .. ها هو قلمي الأزرق في يدي ..
ها هي صفحتي البيضاء تنتظر جروحاً زرقاء عليها !!
ها هو الغل الذي أولد غضباً لا حد له !!
سأكتب بناءاً على رغبة مُدرستي الغير رقيقة بالمرة !
فهل تدري – هي – ماذا سأكتب ؟؟
* * * * *
كراسة التعبير العزيزة ..أكتب فيكي الآن في خضم حوار أبلة (مسرات) مع صديقتها أبلة (صفاء) ..
بعيداً عن (اللولب النحاسي) الذي تنصح به أبلة (مسرات) صديقتها – بشدة – في هذه اللحظة ، وبعيداً عن نصائح الأولى التي تؤكد للثانية بعدم تكرار خطأها بعد الزواج بعدما أهملت تركيب (اللولب النحاسي) ، فكان النتيجة بأن رزقت أبلة (مسرات) بطفل وهي في شهر زواجها العاشر !
بعيداً عن كلام الكبار والقليل الأدب الذي تتبادله مدرستنا الآن مع صديقتها عديمة (اللولب النحاسي) !!
أنا بالفعل لا أعرف ماذا أكتب هنا ؟؟
(تعبير حر) ..
هذا نوع الموضوع ..
فهل يعرف طفل في التاسعة معنى كلمة (حر) هذه ؟؟
كيف لطفل أن يكتب موضوع حر وهو لا يملك حتى إفراغ مثانته إلا بعد تذلل ملّح إلى مدرسه السادي المتوحش كي يشعر بالراحة ؟؟
فكيف يكتب من لا يملك حرية التبول في أي وقت يشاء لأن يكتب "موضوع حر " ؟؟
(نقطة ، ومن أول السطر !) ..
سمعت من قبل عن اعتقال طالبة في مرحلة الثانوية العامة لأنها قامت بالتعبير عن رأيها في التعبير ضمن امتحان اللغة العربية في أخر العام ، فأبدت رأيها في السياسة وأحوال البلد الراهنة ، وأيضاً رأيها في رئيس مصر نفسه ! فقامت الدنيا من حولها ولم تقعد !! فكيف لهذه (الماجنة) الصغيرة لأن تبدي رأيها التافه في رئيس جمهوريتها المعظم ؟؟
وقد سمعت بأن صفعات مخبري وضباط الشرطة عندنا أشرس من صفعات أبلة (مسرات) !!
فكيف إذن أكتب (موضوع حر) طالما صاحب الموضوع نفسه ليس حر أبداً ؟؟
هه ؟؟
كيف ؟؟!
* * * * *
كراستي العزيزة ..مطلوب مني بأن أملأك طوال الساعة ونصف بلغو لا معنى له ، فقط إرضاء لأبلة (مسرات) ومنهج اللغة العربية الغبي ..
حسناً .. دعيني أحشوك بما يدور في حديثهما الآن .. ثم أعود لأكتب فيك بما يدور في رأسي بعدها ..
م – أوعي يا صفاء تدلعي الراجل من أولها .. أتقلي عليه أوي .. أوعي تناوليه غرضه بسهولة !
ص – مش عارفة والله يا مسرات .. الراجل مش عاتقني ، حتى مش مدّيني فرصة أحط مكياج حتى .. على طول (متصربع) .. وبعد كدة (يا حبة عيني) ينام زي القتيل !
م – ما تستغربيش يا حبيبتي ، هم كدة في الأول !! بعد كدة أحنا حنتحايل عليهم ! قطيعة تقطعهم كلهم .. تصوري الراجل بتاعي (الخيبان) بقاله فترة (مش ولابد) ؟؟ بس وحياتك مش حتنازل عن حقي منه ! أنا وصيت الجزار على حتتين كوارع يرمّوا عضمه وعضم اللي خلفوه كمان .. على الله ربنا ينفخ في صورته ياختي ! ده أنا زهقت !
ص – الحمد لله .. لسة ماوصلناش لمرحلة الكوارع (هاها) ..
م – ماتخفيش ياختي ، بكرة توصلوا !! مش عارفة ياختي أيه اللي حصل للرجالة الزمن ده .. قطيعة تقطعهم كلهم مرة واحدة ..
ص – حرام عليكي ، ماتقوليش على (سومة) كدة !
م – (سومة) ؟؟ هو بقى اسمه (سومة) ؟؟ طيب ياختى ..
كراستي العزيزة ..
بغض النظر عن استيعابي لهذا الحوار الغريب أم لا ..
إلا أني كتبته استناداً إلى ما يسمى (تعبير حر) ..
ربما كان تساؤلي هنا عن نقطة واحدة :
هل سيحدث لي هذا الشيء الغامض المبهم الذي يحدث لرجال هذا الزمن أم لا ؟؟
* * * * *
ثلاجتنا بدأت تصدر أصوات واهتزازات عجيبة هذه الأيام .. لم أفضل ارتداء (كاب) أبداً مهماً كان أناقته .. لماذا يظن أبي أني أحب أفلام ذلك المعتوه المسمى (إسماعيل يس)؟؟ بالعكس ، أنا أكره حركاته المستفزة جداً .. أتمنى أن يصبح (محسن) صديقي في يوم من الأيام .. هل هناك أدوية تعالج التلاميذ ذوي الخط السيئ ؟؟ .. أحب أكل الموز والمانجو ، وبدأت أكره البطيخ الماسخ .. ماذا يشجع من لم يقتنع بمستوى فريق الأهلي والزمالك هذا الموسم ؟؟ .. كيف يفهم (الأسانسير) ؟؟ .. هل تتكلم الكلاب والقطط مثلنا ؟؟ هل الشيخ (مجدي) العبيط هو رجل مبروك كما يقول أبي؟؟ .. كيف تكون النار ساخنة دائما ؟؟ هل هناك نار باردة يا ترى ؟؟ .. أتمنى أن أرى جارنا أبونا (بطرس) معنا في صلاة الجمعة القادمة ، لقد طلبت منه مرة أن يأتي معي ، ولكنه رفض ! فهل سيذهب إلى النار يا ترى ؟؟ .. أتمنى أن أشرب سجاير مثل (عمو سمير) جارنا .. كيف تعلم حمار ميت العوم على سطح النيل في حين أني لا أستطيع السباحة ؟؟ .. لماذا يهتز صدر أبلة (صفاء) في حين لا يهتز صدر أبلة (مسرات) أبداً ؟؟ .. هل تشرب (أمنا الغولة) عصير قصب مثلنا ؟؟ هل ستغضب أمي لو عرفت أنني بلعت أحدى حبوب دوائها ؟؟ .. هل الشيخ الشعراوي في الجنة الآن ؟؟ .. هل هناك شجر ليمون في الشمس ؟؟ ..كراستي العزيزة ..
أتمنى أن يندرج ما سبق تحت اسم (موضوع حر) ..
فهل تعرفي أنتِ إن كان هو فعلاً (موضوع حر) أم لا ؟؟
* * * * *
كراستي العزيزة ..هل تهتم أبلة (مسرات) ومثيلاتها بما يكتبه تلميذ في التاسعة من العمر مثلي أم لا ؟؟
وهل سيعامل أبنها مثلي في المدرسة ؟؟
أم سيصفعه مدرس على خده مثلما حدث لي منذ قليل ؟؟
هل سيكتب أبنها (موضوع حر) أفضل مني أم لا ؟؟
هل ينام على سريره ليلاً وهو يحمل هم صبيحة اليوم التالي ؟؟ هل يقّدر كم عصا سيأخذها على يده ؟؟ وكم على ظهر يده ؟؟ وكم على مؤخرته ؟؟ وكم على خده ؟؟
هل يعلم أبن أبلة (مسرات) أن مصير وجوده في الدنيا توقف على عدم تركيب أمه لـ (لولب نحاسي) ؟؟
* * * * *
كراستي العزيزة ..من قال أني نسيت ضربة أبلة (مسرات) على خدي ؟؟
أنا لم أنس أبداً .. ولن أسامحها أبداً على هذه الفعلة ..
سأردها لها بطريقتي .. ليس مهماً أن يكون الألم محسوساً على خدها أو حتى جسدها .. بل سيكون ألماً نفسياً على طريقتي أنا ..
لقد أثارت ضربتها هذه حقداً بداخلي يكفي حرارته قتلها ألف مرة ..
سأنتقم منها ..
وعلى طريقتي الخاصة ..
ولن تكفي (حتتين) كوارع لرمّ (عضمها) هي أو حتى (عضم اللي خلفوها) ..
كراستي العزيزة ..
أنا أكره أبلة (مسرات) .. وكل ما تقوله أبلة (مسرات) ..
فهل ستشي – آيا كراستي العزيزة – لها بذلك ؟؟
* * * * *
كراستي العزيزة ..انتهت الحصتين ..
وانتهى وقتك معي الآن ..
بعدها ستكونين معها ..
أبلة (مسرات) ..
ربما ستطالعك كلك ..
ربما ستقرأ الموضوع كله وبحذافيره ..
ربما ستهملك أيضاً ..
هذا شأنها هي ..
لقد أنهيت ذلك المدعو (موضوع حر) ..
ولا يهمني رأيها بعدها ..
لقد مات بداخلي الخوف منها ودفنته هنا بداخلك ..
كراستي العزيزة ..
شكراً ..
* * * * *
بعد انتهاء زمن الحصتين ، قام كل تلميذ من مكانه لتسليم كراسته إلى أبلة (مسرات) .. بعضهم يرتجف في وجل ويرتعب من العقاب المنتظر في حصة التعبير التالية .. وبعضهم لا يبالي بالمرة ..إلا أني متأكد من عمق نظرتي الساخرة إلى عين أبلة (مسرات) وأنا أسلمها كراستي العزيزة ..
وأعطيتها ظهري عائداً مقعدي في وسط الصف الأول ، متجاهلاً بكل صفاقة نظرات عيناها الذاهلة والمتسائلة !
وعقلي الصغير يدور ويدور .. وبداخله أفكار شريرة وماكرة تتوالد في لهفة وغل .. ربما انعكست بضع أفكاري هذه على عيني بطريقة أو بأخرى ..
فهل ستعرف يا ترى سر نظراتي هذه ؟؟!
تعليق