أهكذا يذبل الزهر سريعا؟
تلملم أشياءك في غفلة عنا وتمعن في الغياب،وقد تعودنا أن نلتف حولك في المقهى كل مساء لتحلق بنا في فضاءاتك الرومانسية،نطير كالعصافير وراءك واحدا واحدا،ونرى الحياة من عليائك ممرا قصيرا يبدأ هنا وينتهي هناك حيث الآن أنت...ألم تقل لنا مرارا نحن جملة عابرة في كلام عابر..
وحين تتوهج وسط ظلمتنا الدامسة نستريح معك في حدائق الأدب الفرنسي الذي تعشقه بجنون،وتقطف لنا من رياحينه ما يزين مائدتنا في مقهى البلدة،فيفوح شذاه ليغطي الرصيف كله،ثم تتألق وأنت تعتصر بحيرة لامارتين لتسقينا أنخاب حب لم ينل منه الموت وكانت البحيرة شاهدة:
تلملم أشياءك في غفلة عنا وتمعن في الغياب،وقد تعودنا أن نلتف حولك في المقهى كل مساء لتحلق بنا في فضاءاتك الرومانسية،نطير كالعصافير وراءك واحدا واحدا،ونرى الحياة من عليائك ممرا قصيرا يبدأ هنا وينتهي هناك حيث الآن أنت...ألم تقل لنا مرارا نحن جملة عابرة في كلام عابر..
وحين تتوهج وسط ظلمتنا الدامسة نستريح معك في حدائق الأدب الفرنسي الذي تعشقه بجنون،وتقطف لنا من رياحينه ما يزين مائدتنا في مقهى البلدة،فيفوح شذاه ليغطي الرصيف كله،ثم تتألق وأنت تعتصر بحيرة لامارتين لتسقينا أنخاب حب لم ينل منه الموت وكانت البحيرة شاهدة:
أهكـذا أبــداً تمـضـي أمانيـنـا نطوي
الـــــحياةَ وليلُ الــــــــــمـوت يطوينـا
تجري بنا سُـــــفُـنُ الأعمـارِ ماخـرة
ً بـــحرَ الوــــجـودِ ولا نُلقـي مراسينـا؟
بحيرةَ الحـبِّ حـــــــيّـاكِ الحيـا فَلَكَـم
ْ كانـت مياهُـكِ بالــــــــــنجـوىتُحيّينـا
قد كنتُ أرجو ختامَ العـامِ يجـــــمعنـا
واليـومَ للدهـر لا يُرجـى تلاــــــــقينـا
فجئتُ أجلس وحدي حيثمـا أخـــــذتْ
عنـي الحبيبـةُ آيَ الـــــــــــحـبّ تَلْقينـا
تنشدها بالفرنسية....فنسكر بالأنخاب وننسى لسعات همومنا المزمنة ونجري وراءك وأنت تطارد عنزة السيد سوغان قبل أن يداهمها الذئب...آه.... يا جميل كم كنت رائعا..
آه ...يا عصفور البلدة،اليوم حلقت وحيدا وعانقت البياض وحيدا،
كل أطفال البلدة تعالى نحيبهم في ساحات المدارس والثانويات حين وصل خبرك الصاعق،لأنهم ببراءة أحبوك فقد كنت بلبلهم المغرد في الأمسيات التي أتحفتهم بها والرحلات التي نظمتها لهم ، من بعدك يا غالي من يملأ هذا الفراغ الرهيب الذي خلفته؟من يتقدمهم ناطحا سفوح الجبال بجبينه ليسمع أشجار الغابة صوتا مختلفا عن أصوات الفؤوس الحادة وهي تقطع أوصالها؟ من يدق باب مدرستنا في تلك القرية البعيدة ،ويجتمع أطفالك بأطفال مدرستنا كي يكسروا هذه الرتابة التي اغتالت الفرح في عيونهم؟
في أمسيتك الأخيرة في مدرستنا جئت بكوكبة من الأطفال، ونشرت الفرح على الجميع ، وحين أخذت تغني مع الصغار: إني اخترتك يا وطني حبا وطواعية غنى معك الجميع ، وكنت منتشيا ورقصت بروعة على ايقاع النشيد، وحينها لم نكن ندرك أنك ترقص رقصتك الأخيرة، رقصة الديك المذبوح،
رحلت ياغالي لتزداد توهجا في داخلنا ،وبرهنت أننا في ممر يعبر بنا نحو البياض،وخلفت وراءك دنيا لم تنل من صمودك شيئا،اخترت الطفولة فضاء للإعلان عن ذاتك،ربما لأنك لا ترى البراءة إلا في عيونهم الصغيرة،هروبا من عالم الكبار الموبوء،وكنت تحدق في وجوههم تبحث عن سر هذه الكآبة التي تسكنهم ،فتصديت لها مدججا بكل أدوات الفن الهادف،
ينتظرونك صبيان حارتك التي ما غادرتها إلا محمولا على الأكتاف إلى المشفى ،ينتظرونك لتشرق في أعيونهم فتمسح حزنها وترسم بحركات جسدك النحيل بسمة الفرح على براءة وجوههم الصغيرة،في زمن عزّ فيه الفرح.
غيابك ياغالي حفر في الذاكرة أخدودا لن يكون بمقدور وحل النسيان طمس معالمه،ستظل سامقا في صحاري ذكرياتنا كنخلة عالية نلوذ بفيئها حين يشتد علينا الهجير...
غربان الموت تنعق الآن في داخلي،ولوعة الفراق تعصر أخر ما بقي في النفس من جلد...
آه ...يا عصفور البلدة،اليوم حلقت وحيدا وعانقت البياض وحيدا،
كل أطفال البلدة تعالى نحيبهم في ساحات المدارس والثانويات حين وصل خبرك الصاعق،لأنهم ببراءة أحبوك فقد كنت بلبلهم المغرد في الأمسيات التي أتحفتهم بها والرحلات التي نظمتها لهم ، من بعدك يا غالي من يملأ هذا الفراغ الرهيب الذي خلفته؟من يتقدمهم ناطحا سفوح الجبال بجبينه ليسمع أشجار الغابة صوتا مختلفا عن أصوات الفؤوس الحادة وهي تقطع أوصالها؟ من يدق باب مدرستنا في تلك القرية البعيدة ،ويجتمع أطفالك بأطفال مدرستنا كي يكسروا هذه الرتابة التي اغتالت الفرح في عيونهم؟
في أمسيتك الأخيرة في مدرستنا جئت بكوكبة من الأطفال، ونشرت الفرح على الجميع ، وحين أخذت تغني مع الصغار: إني اخترتك يا وطني حبا وطواعية غنى معك الجميع ، وكنت منتشيا ورقصت بروعة على ايقاع النشيد، وحينها لم نكن ندرك أنك ترقص رقصتك الأخيرة، رقصة الديك المذبوح،
رحلت ياغالي لتزداد توهجا في داخلنا ،وبرهنت أننا في ممر يعبر بنا نحو البياض،وخلفت وراءك دنيا لم تنل من صمودك شيئا،اخترت الطفولة فضاء للإعلان عن ذاتك،ربما لأنك لا ترى البراءة إلا في عيونهم الصغيرة،هروبا من عالم الكبار الموبوء،وكنت تحدق في وجوههم تبحث عن سر هذه الكآبة التي تسكنهم ،فتصديت لها مدججا بكل أدوات الفن الهادف،
ينتظرونك صبيان حارتك التي ما غادرتها إلا محمولا على الأكتاف إلى المشفى ،ينتظرونك لتشرق في أعيونهم فتمسح حزنها وترسم بحركات جسدك النحيل بسمة الفرح على براءة وجوههم الصغيرة،في زمن عزّ فيه الفرح.
غيابك ياغالي حفر في الذاكرة أخدودا لن يكون بمقدور وحل النسيان طمس معالمه،ستظل سامقا في صحاري ذكرياتنا كنخلة عالية نلوذ بفيئها حين يشتد علينا الهجير...
غربان الموت تنعق الآن في داخلي،ولوعة الفراق تعصر أخر ما بقي في النفس من جلد...
سلام على روحك الطاهرة،وليتلقاك الرب بغفرانه..وإننا هنا ملتفون حول مقعدك الفارغ في المقهى الى حين....
العربي الثابت
ـــــــــــــــــــــــــــ
مقطع من قصيدة البحيرة للشاعر الفرنسي لامارتين ترجمة أحمد حسن الزيات
تعليق