الجزء الثالث من عانس
الاجزاء السابقة
ولنا حديث آخر..(عانس 2)
عانس..ولكن
من اجل التذكير
كانت نهاية الجزء الاول : وكم تملك من المال يابن عمي؟
نهاية الجزء الثاني : أنا آسفة يا ابن عمي ، ولنا لقاء آخر ، وحديث آخر
والآن الجزء الثالث
كانت لطمة مشبعة بالذكريات أغرقته بشيء ما، ألقت أحمالها تحت أقدامها ، وضعت له الأمل أمامه على الطاولة، ابتسمت للذهول المتناسل في ملامحه، الذي أنجب حيرة في داخله، ومضت تاركة الدهشة تبلعه بتلذذ ربما تحصد نتائجه
حلقت مع الطيور المغردة في زرقة السماء، رفرفت معها فوق السحب الربيعية الحالمة، المتناثرة هنا وهناك، تتآمر على ضوء الشمس فرادى وجماعات، تثرثر بهدوء مع البشر والظلال
ابتلعت نظراته الارض من تحت خطواتها، وهي تبتعد بهمة عالية، تسير كظبي يستمتع بجمال الطبيعة في بساتين زهور خلابة ، ترفرف كقمري وجد نصفه الآخر
لم يكن يرى وجهها من الخلف، لكنه كان أجمل وجه لبسته مذ عرفها، بصعوبة كانت تحاول إخفاء البريق المشع في عينيها، البريق الذي غزاهما في لحظة ضعف، إذ تعرضت أثناء هجومها لهجوم معاكس كاسح لا تدري من أين، فما كان لها غير الاستسلام الذي حول وجنتيها إلى بستان متلأليء من الجوري الندي ساعة الشفق العذري، مما لفت النظر إليها واثار استغراب أهلها في المنزل، لكنها فضلت الوحدة في غرفتها كي تعيد ترتيب مشاعرها ومستقبلها
عيناه تزغردان من الفرحة وجسده ينتفض كطائر وجد دفء أحضان خيوط الشمس المتسللة رغم الغيوم التي تلاعبها، بعد أن اغتسل بماء السماء طول الشتاء
كان قلبه يمده بالجرأة والقوة اللازمتين للإنطلاق خلفها وإنهاء تنمرد سنين الضياع، لكن عقله كان يئن تحت عبء الأمانة التي حمله إياها والده قبل وفاته، طالبا منه المحافظة عليها
حملها قبل الفطام قبل ان يعرف غير ثدي امه وصوتها
تنازع القلب والعقل السيطرة على الجسد الحائر ، وزادته التراشقات بينهما توترا ، التهمته عاصفة قطبية، فتجمد مراقبا ، منتظرا نهاية النزاع ، قلبه الذي يريد فك قيده والإنطلاق ، بدأ بدق الطبول وقرع كامل الجسد بأنهار متدفقة من الدم ، وعقله السجان الذي ضرب طوقا منيعا على كافة تصرفاته ردحا من الزمن، وما زال يثقله بالأغلال قديمها ويبتكر جديدها، وحوَّله الآن إلى تمثال قلق جالس على كرسي
احكم القلب السيطرة على كامل الجسد المرتبك، مما جعل العقل يلبس ستائر الهذيان، تدخل الاطراف في رعشة مرتبكة ، والشفاه بتمتمات مرتعشة
وما دخل أطفال بُرآء بكلامكم العبثي، الذي ألقيتموه مازحين مستهترين بمستقبلهم، ومع كثرة مضغه بسبب وبدون سبب، أحلتموه إلى التزام ووعد سررتم به ، لكنه نشر الليل على هذا العش خِيَما متتالية، لا يُرى لها سقف أو كوة تدخل خيطا من نور فرح ولو كان ضئيلا
هل أنتما مسروران الآن في قبريكما؟ هل تشاهدان مأساتنا كفيلم سينمائي ممتع ؟
أُراهن أنكما تضربان الاقداح فرحا بما أنجزتما؛ حاولتما مزج المتضادين في كوب واحد رغما عنهما، لا يمتزجان..
موت أبواها في حادث بعد عشرين سنة من الاِغتراب، ليس سببا كافيا لإرغامنا – باختلافنا وخلافاتنا - على السير معا في دروب الحياة المتلاطمة ؟ هل أردت أن تمنح نفسك صك غفران عن وعدك لأبيها؟
بالمناسبة ، هل تراه في عالم البرزخ؟ وهل أخبرته انك أنجزت وعدك له بتسويد حياة إبنيكما؟ وهل فرح أم حزن؟
قرر القلب تفريغ كامل حمولته المرفوضة على نفس رصيف الزمان والمكان ، فطرحها أرضا وأغلق أبوابه
لن أستطيع حمل وعدك أكثر من هذا ، سأُعيده لك ، فافعل به ما تشاء
ستصلك رسالتي يا والدي ، فاقرأها على مهل ، إلى أن نلتقي...
هناك خنجر يضربني في أنحاء جسدي، يناديني :
انتبه يا سيدي!
...نعم.. وقد بدأ يخرج من الزوبعة
سنقفل
آه .. نعم.. وما هذا الصوت المزعج؟
هاتفك يا سيدي ، إنه يرن منذ زمن
دعني أرى .. أُمي.. ما بك ؟
زوجتك..
تكلمي بهدوء كي أفهمك
وعادت ... أجنبي
فسقط الهاتف من يده بعد أن ضمها إلى صدره
.........
النهاية
مصطفى الصالح
01\02\2010
الاجزاء السابقة
ولنا حديث آخر..(عانس 2)
عانس..ولكن
من اجل التذكير
كانت نهاية الجزء الاول : وكم تملك من المال يابن عمي؟
نهاية الجزء الثاني : أنا آسفة يا ابن عمي ، ولنا لقاء آخر ، وحديث آخر
والآن الجزء الثالث
كانت لطمة مشبعة بالذكريات أغرقته بشيء ما، ألقت أحمالها تحت أقدامها ، وضعت له الأمل أمامه على الطاولة، ابتسمت للذهول المتناسل في ملامحه، الذي أنجب حيرة في داخله، ومضت تاركة الدهشة تبلعه بتلذذ ربما تحصد نتائجه
حلقت مع الطيور المغردة في زرقة السماء، رفرفت معها فوق السحب الربيعية الحالمة، المتناثرة هنا وهناك، تتآمر على ضوء الشمس فرادى وجماعات، تثرثر بهدوء مع البشر والظلال
ابتلعت نظراته الارض من تحت خطواتها، وهي تبتعد بهمة عالية، تسير كظبي يستمتع بجمال الطبيعة في بساتين زهور خلابة ، ترفرف كقمري وجد نصفه الآخر
لم يكن يرى وجهها من الخلف، لكنه كان أجمل وجه لبسته مذ عرفها، بصعوبة كانت تحاول إخفاء البريق المشع في عينيها، البريق الذي غزاهما في لحظة ضعف، إذ تعرضت أثناء هجومها لهجوم معاكس كاسح لا تدري من أين، فما كان لها غير الاستسلام الذي حول وجنتيها إلى بستان متلأليء من الجوري الندي ساعة الشفق العذري، مما لفت النظر إليها واثار استغراب أهلها في المنزل، لكنها فضلت الوحدة في غرفتها كي تعيد ترتيب مشاعرها ومستقبلها
عيناه تزغردان من الفرحة وجسده ينتفض كطائر وجد دفء أحضان خيوط الشمس المتسللة رغم الغيوم التي تلاعبها، بعد أن اغتسل بماء السماء طول الشتاء
كان قلبه يمده بالجرأة والقوة اللازمتين للإنطلاق خلفها وإنهاء تنمرد سنين الضياع، لكن عقله كان يئن تحت عبء الأمانة التي حمله إياها والده قبل وفاته، طالبا منه المحافظة عليها
حملها قبل الفطام قبل ان يعرف غير ثدي امه وصوتها
تنازع القلب والعقل السيطرة على الجسد الحائر ، وزادته التراشقات بينهما توترا ، التهمته عاصفة قطبية، فتجمد مراقبا ، منتظرا نهاية النزاع ، قلبه الذي يريد فك قيده والإنطلاق ، بدأ بدق الطبول وقرع كامل الجسد بأنهار متدفقة من الدم ، وعقله السجان الذي ضرب طوقا منيعا على كافة تصرفاته ردحا من الزمن، وما زال يثقله بالأغلال قديمها ويبتكر جديدها، وحوَّله الآن إلى تمثال قلق جالس على كرسي
احكم القلب السيطرة على كامل الجسد المرتبك، مما جعل العقل يلبس ستائر الهذيان، تدخل الاطراف في رعشة مرتبكة ، والشفاه بتمتمات مرتعشة
وما دخل أطفال بُرآء بكلامكم العبثي، الذي ألقيتموه مازحين مستهترين بمستقبلهم، ومع كثرة مضغه بسبب وبدون سبب، أحلتموه إلى التزام ووعد سررتم به ، لكنه نشر الليل على هذا العش خِيَما متتالية، لا يُرى لها سقف أو كوة تدخل خيطا من نور فرح ولو كان ضئيلا
هل أنتما مسروران الآن في قبريكما؟ هل تشاهدان مأساتنا كفيلم سينمائي ممتع ؟
أُراهن أنكما تضربان الاقداح فرحا بما أنجزتما؛ حاولتما مزج المتضادين في كوب واحد رغما عنهما، لا يمتزجان..
موت أبواها في حادث بعد عشرين سنة من الاِغتراب، ليس سببا كافيا لإرغامنا – باختلافنا وخلافاتنا - على السير معا في دروب الحياة المتلاطمة ؟ هل أردت أن تمنح نفسك صك غفران عن وعدك لأبيها؟
بالمناسبة ، هل تراه في عالم البرزخ؟ وهل أخبرته انك أنجزت وعدك له بتسويد حياة إبنيكما؟ وهل فرح أم حزن؟
قرر القلب تفريغ كامل حمولته المرفوضة على نفس رصيف الزمان والمكان ، فطرحها أرضا وأغلق أبوابه
لن أستطيع حمل وعدك أكثر من هذا ، سأُعيده لك ، فافعل به ما تشاء
ستصلك رسالتي يا والدي ، فاقرأها على مهل ، إلى أن نلتقي...
هناك خنجر يضربني في أنحاء جسدي، يناديني :
انتبه يا سيدي!
...نعم.. وقد بدأ يخرج من الزوبعة
سنقفل
آه .. نعم.. وما هذا الصوت المزعج؟
هاتفك يا سيدي ، إنه يرن منذ زمن
دعني أرى .. أُمي.. ما بك ؟
زوجتك..
تكلمي بهدوء كي أفهمك
وعادت ... أجنبي
فسقط الهاتف من يده بعد أن ضمها إلى صدره
.........
النهاية
مصطفى الصالح
01\02\2010
تعليق