لنعلم أن أحق الناس بتفقد نفسه هو من اعتقد سلامتها من تلك الأدواء ، فالجمل لا يرى اعوجاج رقبته ...."
نصادف في حياتنا اليومية من يعتني بمظهره و هندامه ، فيروقنا ذلك و يعجبنا ، لكننا نُصدم حين نشاهد بعض تصرفاته التي تخلو من الذوق ، ونتعجب من عدم تناسب شكله و مضمونه.
و نلتقي في مجلس عابر بمن يوشك أن يكمل الأربعين من عمره ، فإذا تحاورنا معه وجدنا تناوله للأمور لا يختلف كثيراً عن تناول الصبيان ! فنكون أكثر عجباً ! و قد يجتمع الأمران في وقت واحد ، فيكون ذلك من سوء حظنا ذلك اليوم ! هذه النماذج تمثل حالة من تأخر النضج الفكري ، و ما ينتج عنه من خلل في السلوك ، و هي وإن كانت مزعجة أو مؤذية لمن يقابلها ، إلا أنها أكثر أذى لأصحابها .
و هم مع ذلك آخر من يشعر بها ! فكيف وصلوا إلى هذه الحال ؟! جواب هذا السؤال يكمن في أن تنمية الأجسام أسهل و أسرع من تنمية العقول .
و تحسين الشكل أسهل و أسرع من تحسين الطباع . و عليه يمكن تحويل شخص من الهزال إلى السمنة في عدة أشهر ،و تغيير هيئته الخارجية في ساعة .
لكن من الصعب تحويله في سنوات من جاهل إلى عالم ، أو من سيء الأخلاق إلى حسنها . حتى على مستوى الدول يكون في مقدور أي دولة صنع تنمية مادية في فترة يسيرة ، لكنها تعجز عن تحقيق تنمية فكرية بنفس المستوى وفي ذات المدة .
ذلك أن التنمية الروحية و الفكرية أصعب و أبطأ بكثير من التنمية المادية .
و على سبيل المثال: لو أن شخصاً هداه الله إلى التوبة وسلك طريق الاستقامة لوجدنا أن تحوله نحو الأفضل يكون عبر طريقين :
ظاهر: يتمثل في التزام الشرع في الأمور العملية كالمواظبة على الصلاة ، و ترك التدخين ، و نحو ذلك .
وباطن : يتمثل في إعادة صياغة كل شيء بداخله بما يتفق مع طريقه الجديد . و بينما لا يحتاج في الجانب الأول إلا لأيام ، يحتاج في الجانب الآخر لسنوات حتى يصل إلى بعض ما يطمح إليه . و بما أن الناس قد جُبِلوا على حب الراحة و طلب النتائج السريعة ، كان اهتمامهم منصباً على جانب الشكل ، وأهملوا جانب المضمون كونه يحتاج إلي جهدٍ أكبر ، و وقت أطول .
و لو حسبنا كم مرة يتفقد المرء عيوبه الخارجية " في ملابسه ، أو سيارته مثلا "، في مقابل كم مرة يتفقد عيوبه الداخلية " المتعلقة بتفكيره أو أخلاقه " لوجدنا أن النتيجة في المتوسط: 1 في اليوم للأول مقابل 1 في السنة للثاني .
على أن هناك من لا يعترف أصلاً بحاجته لمثل هذا التفقد ! و الأمر ينطبق كذلك على تفقد الوالدين لأطفالهما ، و تفقد المعلم لتلاميذه لنجد أن آليات التنمية الخارجية تأخذ حيزاً من الاهتمام أكبر بكثير من آليات تنمية العقل و الروح .
و هذا ما يفسر لنا عدم التناسب في بعض النماذج التي نشاهدها بين اهتمامها بالشكل و اهتمامها بالمضمون . مع أن أهمية العقل و الروح تفوق بكثير أهمية الجسد ، و الثمرة التي نقطفها من تنمية العقل تفوق بكثير تلك التي نقطفها من تنمية البدن فقط ، و إنما تميزنا عن البهائم بالفارق بيننا و بينها في مستوى التفكير . إذا اتفقنا على هذا فإننا بحاجة لإعادة النظر في مدى اهتمامنا بتنمية العقل و تهذيب النفس ، لاسيما و الأمة تحتاج للعقول أكثر من حاجتها للأبدان ، و إنما تأخرت عن غيرها من الأمم بسبب إهمالها لتنمية العقل و انشغالها بما لا ينفع .
تعشق الألقابَ في غير العلا****وتُفدِّي بالنفوس الرُّتَبا
وَهْيَ والأحداثُ تَستهدفها****تعشق اللَّهوَ وتهوى الطربا
ثم لنعلم أن أحق الناس بتفقد نفسه هو من اعتقد سلامتها من تلك الأدواء ، فالجمل لا يرى اعوجاج رقبته . و على من سلم من مثل هذه العيوب ، أن يحتاط من فتح الباب لوجودها مستقبلاً ، و ليكن أكثر عدلا بين مراعاة التنمية البدنية ، و التنمية العقلية. و ليربأ بنفسه و بمن يقوم على رعايتهم أن تكون ثيابهم أجود من أخلاقهم ، أو تكون أجسامهم أكبر من عقولهم
امانة النقل من شبكة القلم
نصادف في حياتنا اليومية من يعتني بمظهره و هندامه ، فيروقنا ذلك و يعجبنا ، لكننا نُصدم حين نشاهد بعض تصرفاته التي تخلو من الذوق ، ونتعجب من عدم تناسب شكله و مضمونه.
و نلتقي في مجلس عابر بمن يوشك أن يكمل الأربعين من عمره ، فإذا تحاورنا معه وجدنا تناوله للأمور لا يختلف كثيراً عن تناول الصبيان ! فنكون أكثر عجباً ! و قد يجتمع الأمران في وقت واحد ، فيكون ذلك من سوء حظنا ذلك اليوم ! هذه النماذج تمثل حالة من تأخر النضج الفكري ، و ما ينتج عنه من خلل في السلوك ، و هي وإن كانت مزعجة أو مؤذية لمن يقابلها ، إلا أنها أكثر أذى لأصحابها .
و هم مع ذلك آخر من يشعر بها ! فكيف وصلوا إلى هذه الحال ؟! جواب هذا السؤال يكمن في أن تنمية الأجسام أسهل و أسرع من تنمية العقول .
و تحسين الشكل أسهل و أسرع من تحسين الطباع . و عليه يمكن تحويل شخص من الهزال إلى السمنة في عدة أشهر ،و تغيير هيئته الخارجية في ساعة .
لكن من الصعب تحويله في سنوات من جاهل إلى عالم ، أو من سيء الأخلاق إلى حسنها . حتى على مستوى الدول يكون في مقدور أي دولة صنع تنمية مادية في فترة يسيرة ، لكنها تعجز عن تحقيق تنمية فكرية بنفس المستوى وفي ذات المدة .
ذلك أن التنمية الروحية و الفكرية أصعب و أبطأ بكثير من التنمية المادية .
و على سبيل المثال: لو أن شخصاً هداه الله إلى التوبة وسلك طريق الاستقامة لوجدنا أن تحوله نحو الأفضل يكون عبر طريقين :
ظاهر: يتمثل في التزام الشرع في الأمور العملية كالمواظبة على الصلاة ، و ترك التدخين ، و نحو ذلك .
وباطن : يتمثل في إعادة صياغة كل شيء بداخله بما يتفق مع طريقه الجديد . و بينما لا يحتاج في الجانب الأول إلا لأيام ، يحتاج في الجانب الآخر لسنوات حتى يصل إلى بعض ما يطمح إليه . و بما أن الناس قد جُبِلوا على حب الراحة و طلب النتائج السريعة ، كان اهتمامهم منصباً على جانب الشكل ، وأهملوا جانب المضمون كونه يحتاج إلي جهدٍ أكبر ، و وقت أطول .
و لو حسبنا كم مرة يتفقد المرء عيوبه الخارجية " في ملابسه ، أو سيارته مثلا "، في مقابل كم مرة يتفقد عيوبه الداخلية " المتعلقة بتفكيره أو أخلاقه " لوجدنا أن النتيجة في المتوسط: 1 في اليوم للأول مقابل 1 في السنة للثاني .
على أن هناك من لا يعترف أصلاً بحاجته لمثل هذا التفقد ! و الأمر ينطبق كذلك على تفقد الوالدين لأطفالهما ، و تفقد المعلم لتلاميذه لنجد أن آليات التنمية الخارجية تأخذ حيزاً من الاهتمام أكبر بكثير من آليات تنمية العقل و الروح .
و هذا ما يفسر لنا عدم التناسب في بعض النماذج التي نشاهدها بين اهتمامها بالشكل و اهتمامها بالمضمون . مع أن أهمية العقل و الروح تفوق بكثير أهمية الجسد ، و الثمرة التي نقطفها من تنمية العقل تفوق بكثير تلك التي نقطفها من تنمية البدن فقط ، و إنما تميزنا عن البهائم بالفارق بيننا و بينها في مستوى التفكير . إذا اتفقنا على هذا فإننا بحاجة لإعادة النظر في مدى اهتمامنا بتنمية العقل و تهذيب النفس ، لاسيما و الأمة تحتاج للعقول أكثر من حاجتها للأبدان ، و إنما تأخرت عن غيرها من الأمم بسبب إهمالها لتنمية العقل و انشغالها بما لا ينفع .
تعشق الألقابَ في غير العلا****وتُفدِّي بالنفوس الرُّتَبا
وَهْيَ والأحداثُ تَستهدفها****تعشق اللَّهوَ وتهوى الطربا
ثم لنعلم أن أحق الناس بتفقد نفسه هو من اعتقد سلامتها من تلك الأدواء ، فالجمل لا يرى اعوجاج رقبته . و على من سلم من مثل هذه العيوب ، أن يحتاط من فتح الباب لوجودها مستقبلاً ، و ليكن أكثر عدلا بين مراعاة التنمية البدنية ، و التنمية العقلية. و ليربأ بنفسه و بمن يقوم على رعايتهم أن تكون ثيابهم أجود من أخلاقهم ، أو تكون أجسامهم أكبر من عقولهم
امانة النقل من شبكة القلم
تعليق