من الأنف إلى النهد
بقلم : مجدي السماك
لم يكن الليل قد اكتملت عتمته بعد ، هو بقايا أصيل يلفظ أنفاسه الأخيرة مثلما تفعل كل الأصايل . النادل غائب . جعجعة تشبه الغناء صاخبة عالية تضرب طبلة أذن كل من يقترب للمقهى ، لا احد سوى شاب بكتلة لحمية مهولة الضخامة مترامية الأطراف تكومت على كرسي مقابل تلفاز عتيق ، يشفط حسوة وراء حسوة من الشاي بنهم و بالشيشة يقرقر.. ليس بعيدا خلفه قعدت انتظر النادل لتلبية نداء مخّي بالقهوة و الشيشة .. انتظار استغاثة محفوف بالسأم و الملل .
بلهفة يحدق في شاشة التلفاز و شغف .. تحول جسمه إلى عين جمة بعدسة محدبة عظيمة . كثير الانفعال و سريع التأثر بما يبحلق ، أخذ وجهه يضيء بالشهوة و بالشبق يتلألأ حتى توهج و بالكبت شعشع . هي أغاني فيديو كليب جديدة على ما يبدو ، كلماتها سوقية ، للحظة بدا ضجيجها للموسيقى اقرب . تلاحق نظراته مغنيات عاريات يرقصن في غرف النوم و ينبطحن فتتدلى منهن الأثداء كالعناقيد ، و بالحمّام أيضا .. ها هي أصوات قبيحة مؤذية للحس تجأر بما يشبه الغناء وتنعق .. صرت أترحم على كوكب الشرق أم كلثوم وهفا برأسي الموسيقار محمد عبد الوهاب .. سابقي من عشاق غنائهما أنا ، و بالطرب الأصيل متيم .
بالفطرة قفزت يدي إلى جيبي ، سحبت علبة السجائر كي أخرج منها واحدة ، بالسليقة وضعت السيجارة في فمي و بالعادة امتدت يدي لتناول الولاعة .. الولاعة غير موجودة .. طلبت منه ولعة بصوت جهوري : ولعة .. يا أخ لو سمحت .. يا أستاذ . لكنه لا يرد و لا يحفل ، كأنه أبدا غير موجود ، و كأني غير موجود أبدا.. كل حواسه تحولت إلى عين واحدة ملتاعة متسمرة تشاهد ، كل خلية من خلايا جسمه تحولت إلى عين ثاقبة تحدق في جهاز التلفاز بنّهم طائل وشغف جم .. يرفع كف يده إلى فمه ، يسكب به من فمه بوسة ، يمسكها جيدا خشية انزلاقها أرضا فتكسر ، يكوّرها براحة يده ، ثم يقذف بها شاسة التلفاز فتترصع .. تفريغ كهربي كما الغيوم بينه و بين الشاشة .. بوسة عقب بوسة حتى عج المكان بالقبلات و ازدحم ، خلته يقتحم الشاشة ليقع على المغنيات الفاتنات حين تململ هائجا . بالتلفاز وجدتني أحدق أنا أيضا .. لم أر سوى فتيات بشفاه لذيذة منفوخة بعناية فائقة ، كأن بيكاسو رسمهما ، قبل النفخ كانت مثل نوى البلح الأصفر الناشف ، أنوف مسمسمة تم كشط الزائد منها بعملية جراحية .. نهود شدت بالسيلكون حتى تكوّرت و طلزت ، قبل الشد كانت تتدلى كالضرع .. فبدا أن مقومات الغناء تغيير السحنة من الأنف إلى النهد ، و الهيئة تغني نيابة عن الحنجرة .. أما عن المؤخرة فالحديث يطول و يمتد . أسراب من التأوهات و أرتال من الغنجات تخللت الغناء بالإثارة تغلفت و إلى القلوب انسلت .. ها هو ذا دمه يغلي بالشهوة ويبقبق و عظامه بالشبق تطقطق .
نداء السيجارة كالدبوس يوخز راسي .. أخذت ازعق بصوت مرتفع : يا أخ ..ولعة .. يا أستاذ ، لو سمحت .. لا حياة لمن تنادي . صنم حي ضخم هائل هائم غائب حاضر . تارة يزم شفتيه و تارة يتلمظ . ها هو ذا يقعي .. خفت أن يهجم على التلفاز ، لكنه التهم ما تكوم أمامه من حلوى .
فجأة حضر النادل .. دهش مني . سألني مستغربا : كيف تزعق عليه ! ؟
قلت ببراءة جريئة : أريد ولعة .. لمّ لا ازعق به .. أعلى رأسه ريشة ؟
دب الضحك بالنادل حتى قهقه بجلجلة رنانة . بدوري سألته : لمّ تضحك ؟
أجاب بكلمات قد انسلت من ضحكاته : انه شخص أطرش !.
Magdi_samak@yahoo.com
بقلم : مجدي السماك
لم يكن الليل قد اكتملت عتمته بعد ، هو بقايا أصيل يلفظ أنفاسه الأخيرة مثلما تفعل كل الأصايل . النادل غائب . جعجعة تشبه الغناء صاخبة عالية تضرب طبلة أذن كل من يقترب للمقهى ، لا احد سوى شاب بكتلة لحمية مهولة الضخامة مترامية الأطراف تكومت على كرسي مقابل تلفاز عتيق ، يشفط حسوة وراء حسوة من الشاي بنهم و بالشيشة يقرقر.. ليس بعيدا خلفه قعدت انتظر النادل لتلبية نداء مخّي بالقهوة و الشيشة .. انتظار استغاثة محفوف بالسأم و الملل .
بلهفة يحدق في شاشة التلفاز و شغف .. تحول جسمه إلى عين جمة بعدسة محدبة عظيمة . كثير الانفعال و سريع التأثر بما يبحلق ، أخذ وجهه يضيء بالشهوة و بالشبق يتلألأ حتى توهج و بالكبت شعشع . هي أغاني فيديو كليب جديدة على ما يبدو ، كلماتها سوقية ، للحظة بدا ضجيجها للموسيقى اقرب . تلاحق نظراته مغنيات عاريات يرقصن في غرف النوم و ينبطحن فتتدلى منهن الأثداء كالعناقيد ، و بالحمّام أيضا .. ها هي أصوات قبيحة مؤذية للحس تجأر بما يشبه الغناء وتنعق .. صرت أترحم على كوكب الشرق أم كلثوم وهفا برأسي الموسيقار محمد عبد الوهاب .. سابقي من عشاق غنائهما أنا ، و بالطرب الأصيل متيم .
بالفطرة قفزت يدي إلى جيبي ، سحبت علبة السجائر كي أخرج منها واحدة ، بالسليقة وضعت السيجارة في فمي و بالعادة امتدت يدي لتناول الولاعة .. الولاعة غير موجودة .. طلبت منه ولعة بصوت جهوري : ولعة .. يا أخ لو سمحت .. يا أستاذ . لكنه لا يرد و لا يحفل ، كأنه أبدا غير موجود ، و كأني غير موجود أبدا.. كل حواسه تحولت إلى عين واحدة ملتاعة متسمرة تشاهد ، كل خلية من خلايا جسمه تحولت إلى عين ثاقبة تحدق في جهاز التلفاز بنّهم طائل وشغف جم .. يرفع كف يده إلى فمه ، يسكب به من فمه بوسة ، يمسكها جيدا خشية انزلاقها أرضا فتكسر ، يكوّرها براحة يده ، ثم يقذف بها شاسة التلفاز فتترصع .. تفريغ كهربي كما الغيوم بينه و بين الشاشة .. بوسة عقب بوسة حتى عج المكان بالقبلات و ازدحم ، خلته يقتحم الشاشة ليقع على المغنيات الفاتنات حين تململ هائجا . بالتلفاز وجدتني أحدق أنا أيضا .. لم أر سوى فتيات بشفاه لذيذة منفوخة بعناية فائقة ، كأن بيكاسو رسمهما ، قبل النفخ كانت مثل نوى البلح الأصفر الناشف ، أنوف مسمسمة تم كشط الزائد منها بعملية جراحية .. نهود شدت بالسيلكون حتى تكوّرت و طلزت ، قبل الشد كانت تتدلى كالضرع .. فبدا أن مقومات الغناء تغيير السحنة من الأنف إلى النهد ، و الهيئة تغني نيابة عن الحنجرة .. أما عن المؤخرة فالحديث يطول و يمتد . أسراب من التأوهات و أرتال من الغنجات تخللت الغناء بالإثارة تغلفت و إلى القلوب انسلت .. ها هو ذا دمه يغلي بالشهوة ويبقبق و عظامه بالشبق تطقطق .
نداء السيجارة كالدبوس يوخز راسي .. أخذت ازعق بصوت مرتفع : يا أخ ..ولعة .. يا أستاذ ، لو سمحت .. لا حياة لمن تنادي . صنم حي ضخم هائل هائم غائب حاضر . تارة يزم شفتيه و تارة يتلمظ . ها هو ذا يقعي .. خفت أن يهجم على التلفاز ، لكنه التهم ما تكوم أمامه من حلوى .
فجأة حضر النادل .. دهش مني . سألني مستغربا : كيف تزعق عليه ! ؟
قلت ببراءة جريئة : أريد ولعة .. لمّ لا ازعق به .. أعلى رأسه ريشة ؟
دب الضحك بالنادل حتى قهقه بجلجلة رنانة . بدوري سألته : لمّ تضحك ؟
أجاب بكلمات قد انسلت من ضحكاته : انه شخص أطرش !.
Magdi_samak@yahoo.com
تعليق