من الأنف الى النهد .. قصة قصيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مجدي السماك
    أديب وقاص
    • 23-10-2007
    • 600

    من الأنف الى النهد .. قصة قصيرة

    من الأنف إلى النهد
    بقلم : مجدي السماك
    لم يكن الليل قد اكتملت عتمته بعد ، هو بقايا أصيل يلفظ أنفاسه الأخيرة مثلما تفعل كل الأصايل . النادل غائب . جعجعة تشبه الغناء صاخبة عالية تضرب طبلة أذن كل من يقترب للمقهى ، لا احد سوى شاب بكتلة لحمية مهولة الضخامة مترامية الأطراف تكومت على كرسي مقابل تلفاز عتيق ، يشفط حسوة وراء حسوة من الشاي بنهم و بالشيشة يقرقر.. ليس بعيدا خلفه قعدت انتظر النادل لتلبية نداء مخّي بالقهوة و الشيشة .. انتظار استغاثة محفوف بالسأم و الملل .
    بلهفة يحدق في شاشة التلفاز و شغف .. تحول جسمه إلى عين جمة بعدسة محدبة عظيمة . كثير الانفعال و سريع التأثر بما يبحلق ، أخذ وجهه يضيء بالشهوة و بالشبق يتلألأ حتى توهج و بالكبت شعشع . هي أغاني فيديو كليب جديدة على ما يبدو ، كلماتها سوقية ، للحظة بدا ضجيجها للموسيقى اقرب . تلاحق نظراته مغنيات عاريات يرقصن في غرف النوم و ينبطحن فتتدلى منهن الأثداء كالعناقيد ، و بالحمّام أيضا .. ها هي أصوات قبيحة مؤذية للحس تجأر بما يشبه الغناء وتنعق .. صرت أترحم على كوكب الشرق أم كلثوم وهفا برأسي الموسيقار محمد عبد الوهاب .. سابقي من عشاق غنائهما أنا ، و بالطرب الأصيل متيم .
    بالفطرة قفزت يدي إلى جيبي ، سحبت علبة السجائر كي أخرج منها واحدة ، بالسليقة وضعت السيجارة في فمي و بالعادة امتدت يدي لتناول الولاعة .. الولاعة غير موجودة .. طلبت منه ولعة بصوت جهوري : ولعة .. يا أخ لو سمحت .. يا أستاذ . لكنه لا يرد و لا يحفل ، كأنه أبدا غير موجود ، و كأني غير موجود أبدا.. كل حواسه تحولت إلى عين واحدة ملتاعة متسمرة تشاهد ، كل خلية من خلايا جسمه تحولت إلى عين ثاقبة تحدق في جهاز التلفاز بنّهم طائل وشغف جم .. يرفع كف يده إلى فمه ، يسكب به من فمه بوسة ، يمسكها جيدا خشية انزلاقها أرضا فتكسر ، يكوّرها براحة يده ، ثم يقذف بها شاسة التلفاز فتترصع .. تفريغ كهربي كما الغيوم بينه و بين الشاشة .. بوسة عقب بوسة حتى عج المكان بالقبلات و ازدحم ، خلته يقتحم الشاشة ليقع على المغنيات الفاتنات حين تململ هائجا . بالتلفاز وجدتني أحدق أنا أيضا .. لم أر سوى فتيات بشفاه لذيذة منفوخة بعناية فائقة ، كأن بيكاسو رسمهما ، قبل النفخ كانت مثل نوى البلح الأصفر الناشف ، أنوف مسمسمة تم كشط الزائد منها بعملية جراحية .. نهود شدت بالسيلكون حتى تكوّرت و طلزت ، قبل الشد كانت تتدلى كالضرع .. فبدا أن مقومات الغناء تغيير السحنة من الأنف إلى النهد ، و الهيئة تغني نيابة عن الحنجرة .. أما عن المؤخرة فالحديث يطول و يمتد . أسراب من التأوهات و أرتال من الغنجات تخللت الغناء بالإثارة تغلفت و إلى القلوب انسلت .. ها هو ذا دمه يغلي بالشهوة ويبقبق و عظامه بالشبق تطقطق .
    نداء السيجارة كالدبوس يوخز راسي .. أخذت ازعق بصوت مرتفع : يا أخ ..ولعة .. يا أستاذ ، لو سمحت .. لا حياة لمن تنادي . صنم حي ضخم هائل هائم غائب حاضر . تارة يزم شفتيه و تارة يتلمظ . ها هو ذا يقعي .. خفت أن يهجم على التلفاز ، لكنه التهم ما تكوم أمامه من حلوى .
    فجأة حضر النادل .. دهش مني . سألني مستغربا : كيف تزعق عليه ! ؟
    قلت ببراءة جريئة : أريد ولعة .. لمّ لا ازعق به .. أعلى رأسه ريشة ؟
    دب الضحك بالنادل حتى قهقه بجلجلة رنانة . بدوري سألته : لمّ تضحك ؟
    أجاب بكلمات قد انسلت من ضحكاته : انه شخص أطرش !.
    Magdi_samak@yahoo.com
    عرفت شيئا وغابت عنك اشياء
  • سامر طلعت
    عضو الملتقى
    • 04-11-2007
    • 10

    #2
    انهيار ثقافي

    المبدع الكبير مجدي السماك / تحياتي لك
    لقد لخصت مشكلة عويصة و هي انهيار الثقافة على العموم والتي ادى انهيارها الى انهيار الاغنية .
    تحياتي لك

    تعليق

    • مريم محمود العلي
      أديب وكاتب
      • 16-05-2007
      • 594

      #3
      الرائع مجدي السماك
      هذا جيل يسمع الأغنية فيهز رجليه
      ونحن جيل كنا نسمع الأغنية فنهز رؤوسنا
      وشتان مابين هذا وذاك
      ********
      نص رائع دمت مبدعا
      تحياتي لك

      تعليق

      • مجدي السماك
        أديب وقاص
        • 23-10-2007
        • 600

        #4
        شكرا لمرورك

        اختي الفاضلة مريم محمود العلي
        اشكر مرورك الكريم .. نعم تغيرت الاغنية وسقطت
        تحياتيلك
        عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

        تعليق

        • عبلة محمد زقزوق
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 1819

          #5
          كم من أطرش مر عليه الزمان وما زال لسيدة الغناء يتمايل مع وقفتها وشموخ محضرها.
          وكم من أطرش صنعته أعين الانحلال فصار كقرد يتخبط.
          شكرا لك أخينا الفاضل مجدي السماك
          لتلك الوقفة الحاضرة والمتحضرة والتي تشي بمدى تغيب العقول... امام اشتعال نارٍ تؤجج... لتلهي كل راشد عن الوجود.

          تعليق

          • مجدي السماك
            أديب وقاص
            • 23-10-2007
            • 600

            #6
            الطرب الاصيل

            اختي الفاضلة عبلة محمد زقزوق .. تحيتي
            اشكر مرورك الكريم ..نعم اختي زمن ام كلثوم هو الطرب الاصيل و هو الطرب الخالد على مر الزمن .. لا بد ان يعود بعودة ثقافة اصيلة حية .
            تحياتي لك
            عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

            تعليق

            • مها النجار
              من المؤسسين
              • 16-05-2007
              • 380

              #7

              استاذى الفاضل
              تحليل واعى لعالم الطرب اليوم
              فالاغنية ليوم تغير مستمعيها ..هاكذا كان محور قصتك .
              اصبحت تشاهد ولا تسمع ...وما بين هذا وذاك , سقط جيل كامل , فى براثن موسيقى النهود والشفاة والاقدام
              رحم الله ام كلثوم وزمن الفن الجميل
              ررررررررررررررائع ما قرات
              دمت بالق



              مها
              [align=center]كلما طال بعدنا زاد قربا
              يجمع الحرف بيننا والخطاب
              [/align]

              تعليق

              • مجدي السماك
                أديب وقاص
                • 23-10-2007
                • 600

                #8
                الاخت مها

                اختي مها النجار
                اشكر مرورك و تعليقك و تفاعلك الجاد مع القصة .. نعم هو انطاط الاغنية الذي نعيشه
                دكت بخير
                عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

                تعليق

                • نزار ب. الزين
                  أديب وكاتب
                  • 14-10-2007
                  • 641

                  #9
                  أخي الحبيب الأستاذ مجدي
                  حتى اليوم و أنا في هذه السن المتقدمة لا زلت أدندن بأغاني ملكة الطرب أم كلثوم و موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب و محمد عبد المطلب ، و سواهم من ملوك الطرب الأصيل ، أما اغاني اليوم مثل " أحبك نص نص " أو " نجي نقسم القمر " و ما يرافقها من لقطات مثيرة - كما جرى لبطل قصتك الأطرش - فقد هبطت بالأغنية العربية إلى الحضيض و هبط معها جيل كامل فقد حاسة التذوق الفني التي كان يمتلكها حتى العامة .
                  نصك أثار قضية هامة و هذا بحد ذاته إبداع
                  دمت و دام تألقك
                  نزار

                  تعليق

                  • مجدي السماك
                    أديب وقاص
                    • 23-10-2007
                    • 600

                    #10
                    انحطاط

                    اخي المبدع استاذ نزار ب. الزين
                    اشكر مرورك ..نعم استاذ نزار هناك فارق كبير بين فن اصيل ينتمي لثقافة وحضارة عريقة وبين كلام مثل الهبل .
                    دمت بخير
                    عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

                    تعليق

                    • محمد على على مصطفى
                      عضو الملتقى
                      • 17-06-2007
                      • 83

                      #11
                      قصة جميله فيها الكثير من العبر
                      لشباب لم يعد يسمع الا بعينيه وفرق بين من يسمع ومن يشاهد

                      رائع
                      [img]http://www.upload.ps/280807/aa0cca1beb.gif[/img]

                      تعليق

                      • مجدي السماك
                        أديب وقاص
                        • 23-10-2007
                        • 600

                        #12
                        فرق كبير

                        اخي الفاضل محمد علي .. تحيتي
                        سعدت لمرورك الكريم .. نعن اخي الفرق كبير بين المشاهدة والاستماع .. هو انحطاط الاغنية لانحطاط الثقافة والقيم .
                        تحيتي
                        عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

                        تعليق

                        يعمل...
                        X