بقايا حلم..
عراق أحلى من دمي
عراق أحلى من دمي
عبد الحفيظ بن جلولي.
عراق..
شيء من الذي كان
شيء من الذي صيّر الطين حضارة
شيء ما بين جرحي وأنشودة للسيّاب..
فوق ذؤابات النخيل
ثارت "جيكور"1
وجال فوق الحلم "بلند"2
وراح الجواهري يقصف الذاكرة..
ما بين الجرح والقصيدة
تنام قنابل الشوارع
وتنزرع الأجساد أشلاء
وتغدو الأنفاس حشرجات وئيدة..
كل الصّمت كان هنا
حينما كان السيّاب
يغنّي "أنشودة المطر"
والفرات يضرب مواقيت الزّينة
والسّنابل تسرق العشق
من حواف القلب
وعصريات بهيجة للسلطنة
"فوق النخل يابا فوق.."
وعند سطرٍ أخير للمغيب
يرنو المتنبي لشكل قصيدة تبكي،،،
وفارس فقد جواده..
الشارع الخلفي حزم حقائبه
وودّع دجلة إلى وهم الجهات
الوطن لكم،،،
والتراب حدقة الخرافة
والمنفى غدا كرّاسة قديمة
أتهجّى فيها وجهي
وقهوة أمي
وكسرة خبز
غفلنا عنها في فرن الحيّ
فراحت تنادي في اللحود
عن جائع مرّ من هنا
عن طفل ضاع بين الجثث
والتوابيت..
تُهتُ عن حديقة بيتنا
وعن شلة كانت تغزل من التّمر
بقايا حلم أحلى من دمي
وتبني للسّمر شرفات
تطل على نهر دمعي
ونخلات تتهادى في مهب ريح خفيفة
تضرم نزق الشعر في حرائق الصعلكة..
بغداد..
سقط المأمون فوق بيت الحكمة
غنّى الكسور والرّضوض
لحنا من وتريات الصّهيل
مسك حلما من خيوط القمر
وعطّر القبر بالأمنيات..
سيّدي "صلاح الدين"
كم من الخيام يكفي
كي نصلي عند مداخل البصرة
ونشرب من النّهرين شهد الغربة..
مَرّوا من هنا، ومن هنا صار الطريق حديقة
للأشلاء
وغدت العناوين مآتما
تحدّق في عيون الأطفال
يا رفاق الدار مدّوا أعينكم
صوب الرغيف الرّاعف بالعرق
واصرخوا في نواصي الخيول
لعل الحلم يجثو
عند مداخل المدن القديمة
يقرأ للقادمين من سطوح الشمال
ألواح "حمّو رابي"
وملحمة "قلقامش"
وقصص من زغاريد تاهت
في الصّدى
وفي الصدى أجدني رجعا
ابحث عن عيون لم يلمسها كحل
ولم يسرق بريقها غبار الإفتتان..
عند السّاقية الجنوبية
سار حبيبان
سار الدرب خلف الشمعة الموقدة
من العطش والرّيحان
يكتب رواية العشق البغيض
بين سيول سوداء
وعيون يلوّنها البحر بالغرق...
كنّا هنا نزرع سنابلنا بالحب
وبالمحبة نصلي
وعند مراقدنا نقرأ أورادنا الخضراء
ونعشق أطفالنا حد التخمة
ونريق ماء النهرين للمدن
وللنساء..
كان جدّي ينحت من الحزن
زنبقة حمراء
يهديها جدّتي
فتغرس نايا من كلام
وتموت لتحيا "سامرّاء"
كنا نجوب حواري الكوفة حفاة
ننتعل الحروف
وعند مقاهيها
نشاكس الحكواتي
يباغتنا بعناد
يسأل عن تلميذ غبيّ لما كنا
ولم يكن منا
تلميذ غبي لا يعرف بداية التراب،،
ضحك الحكواتي
سارت مراكب
من فنجاني المقلوب
إلى غناوي "ناظم"..
عراق،،،
كل الذي كان
كل الذي صيّره الطين حضارة
سال ما بين جرحي
وامرأة تغزل ضفيرتيها
كي أرصف الوجع مواويلا
وأعلّق جسرا
بين صخب الموت
وليل القصيدة..
تعليق