في تفصيح المخزون المعجمي للهجات العربية
- - - رأي للنقاش - - -
- - - رأي للنقاش - - -
لا بد من طرح رؤية واضحة وسليمة لتفصيح العاميات من جهة، واستغلال المخزون المعجمي الموجود في العاميات لسد الثغرات المصطلحية في الفصحى من جهة أخرى. وهذا موضوع على جانب كبير من الحساسية لأنه يتطرق إلى لغتنا الشريفة التي تقصر بحقها وحق الحفاظ عليها وتطويرها وحمايتها مما تتعرض له من هجمات خارجية وداخلية تلك المجامع الكثيرة التي أوجدت للسهر على سلامتها وتطوير أدائها. والحفاظ على اللغة يبدأ بالحفاظ على حيويتها وقدرتها على استيعاب المفاهيم الجديدة والتعبير عن دقائق العلوم. والمترجم المحترف تواجه في عمله مشاكل مصطلحية كثيرة تعيق أداءه على أكمل وجه. والحلول الممكنة منطقياً في هذه الحالة هي:
1. قيام المجامع اللغوية بمواكبة التطور الحاصل في العلوم وغيرها ووضع قوائم مصطلحية تعين المترجمين في عملهم وتفي بحاجتهم؛
2. أو وضع آليات لغوية سليمة لتعريب المصطلحات والمفاهيم العلمية وغيرها وتمكين المترجيمن من تطبيقها عندما تواجههم مشكلة مصطلحية أثناء أدائهم فيعربوا المصطلحات الأجنبية تعريباً تستسيغه العربية؛
3. أو استغلال المخزون المعجمي الكبير الموجود في العاميات العربية وتفصيح اللازم منه أولاً وإدخاله في الفصحى ثانياً بهدف سد الثغرات المصطلحية.
بالنسبة إلى النقطة الأولى أعتقد أن تحقيقها غير ممكن في ظل التركيبة الحالية للمجامع اللغوية العربية التي يؤخذ عليها تقصيرها عن مواكبة التطور الحاصل في العلوم. وإذا اعتبرنا أن المجمع الأفضل بينها هو المجمع المصري، فتكفي الإشارة إلى أن هذا المجمع بدأ بين الحربين العالميتين العمل في وضع معجم تاريخي للغة العربية لا يعلم إلا ربك متى ينتهي العمل منه!
بالنسبة إلى النقطة الثانية أعتقد أن الأمر سهل وصعب في آن واحد. سهل لأنه علمي ومنطقي، وصعب لأن المترجمين سوف يختلفون في تطبيقه خصوصاً وأننا نعيش في زمن إذا اجتمع فيه عربيان اثنان خرجا على الناس بثلاثة آراء!
تبقى النقطة الثالثة. وأتساءل بخصوصها: ما المانع من استغلال المخزون المعجمي للعاميات العربية في سد الثغرات المصطلحية في الفصحى وذلك بعد تفصيحها وفقاً لقواعد لغوية سليمة؟ وما المانع من تفصيح لفظة عامية يستعملها مائة مليون عربي أو أكثر وإدخالها في معجم الفصحى إذا كان في ذلك سدادُ ثغر مصطلحي ينفذ العيب منه إلى اللغة الفصيحة؟ ثم من يزعم أن الألفاظ التي تنطق بها عامتنا (وكثير من خاصتنا) ليست عربية قحة؟ ألا يساعد تفصيح المفردات العامية للضرورة على التقليل من الفجوة الحاصلة بين الفصحى والعاميات لمصلحة الفصحى؟ ألا يساعد ذلك على التقريب بين لهجات الأهل التي تتباعد مع مرور الزمن بدلاً من توسيع الفجوة الحاصلة بينها؟ أليس في ذلك فوائد دينية وقومية على المدى البعيد؟
ألا يمكن للكلمات العامية الكثيرة المستعملة في البلاد العربية للدلالة على "البطيخ الأحمر" مثلاً ـ ومنها: "رِقِّي" في العراق، "جِبسي" و"نِمْس" في الشام، و"دلاع/ح" في المغرب من جهة، وتلك الدالة على "البطيخ الأصفر" مثلاً ومنها: "بطيخ"، "شمّام"، "آ/قاوُون" من جهة أخرى ـ إنهاء سوء التفاهم الكبير الحاصل بين أصناف البطيخ؟!
وحل مشكل البطيخ أيسر بكثير من حل مشاكل العلوم المعقدة فيما أظن.
تعليق