احتراق لوحة بالأ ســــــود وبالرمـــــــا دي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الأحد بودريقة
    أديب وكاتب
    • 09-02-2010
    • 202

    احتراق لوحة بالأ ســــــود وبالرمـــــــا دي

    احتراق لوحة

    بالأسود وبالرمادي







    ماذا تبقى لي منك ..من رتابة أيام رصعناها بالضحك المر وبشرب القهوة المرة في شوارع حانية مسكونة بالضجر،عند منعرجات الغروب ،حيث كنا نداعب بكلماتناالقاسية ما تبقى من ظلنا الهارب في مدى أحلام معلقة على شفير الذوبان ؟ماذا تبقى لي منك..؟
    أضحيت ريحا بلا عنوان..دائرة دخان تنسحب بهدوء فاجع فاتحة في ذاكرتي باب أسئلة وأمام عيني مساحات الخريف ..
    لايمكنني أن أكتب إلا إذا كنت غيري، فكيف أكون غيري ؟
    إذن سأكتب قصة أخرى تقول أشياء ما ..تقول باب دمع ذلك اليوم لأن ماكان بيننا أقوى مني في الكتابة وأضحى صورا في اليتم.
    صباح ذلك اليوم استيقظت مبكرا على غير عادتي أيام العطلة الصيفية،لم أتناول فطوري وتوجهت رأسا إلى البيت الصغير بالمدينة العتيقة ،..البيت الذي فضلت أن تقيم فيه لوحدك مع ألوانك ونظريات التشكيل والأشعار وكتب المتصوفة وعباقرة الموسيقى الكلاسيكية، فقد ظل محياك الصامت وصورة الانكسار المرتسمة في عمق عينيك تطارداني لأني كنت أعلم في قرارة نفسي بأنك مقدم على فعل شيء ما ولا أستطيع أن أسألك ..لا أستطيع لأني إن فعلت سأكون غيري ،فثمة أشياء تنغرز في القلب ولاتحتاج لأي سؤال ..تصبح ضرورة كالهواء والألوان والكتابة ..لم أسألك لأني كنت تائها بين كل أسئلتك وجراحات تفاصيل كلما قاربتها تنهد ت عصا فير للحزن بصدري.. وهأنذا أتيه مجددا بين فضاءات بياض ودروب ملتوية تؤدي إلى بيتك، وكلما تقدمت في السير نحوه يطلع وجهك مجندلا بالصرخات وبالطعنات وبرائحة قسوة وامرأة غابت وغيبتك .
    ذاك الصباح كان آخر مرة أتوجه فيه نحو" القبو" كما كنا نسميه،بيت صغير يحتوي على غرفة وبهووشبه مطبخ ومرحاض،منخفض عن مستوى الأرض بنصف متر،تحتله رائحة رطوبة ودفء أغاني،نقاشات وأحلام شباب ،ذكريات أحبة وعشاق مروا بمراحل عشقهم وجنونهم، كانو تلاميذا ثم طلبة،تسكنهم جمرة الكتب وحكايات الأساطير ،دهشة الكتابة والأشعار والألوان وكماشة الإيدلوجيا.. وحقول الروايات الشاسعة التي كانوا يقيمون فيها باستمرار حتى صار أبطال بعضها جزء لا يتجزأمن يومياتهم العادية .لكن ذاك الصباح كسركل هذه الأشياء وفجرها في وجهي بطعم مرارة قطرتها أعوام ضياع في مدارات الرماد والخنق البطيء لوجوه مضيئة وأنامل كان باستطاعتها أن تغزل الحرف ألوانا وأشكالا..لكنها سنّة الإعفاء من حق العمل بعد ستة عشر سنة من الدراسة،سنّةُ الطرد من ملعب الحياة العادي إلى هوامش الشرخ والتشقق، إلى الانزواء في مساحات الضحالة والانكواء بنيران الفراغ واللامعنى ،هذه هي الكلمة الأخيرة التي قلتها لي:اللامعنى .حين وقفت مشدوها أمام رسم لك ولم أتبين أي معنى لتداخل ألوان رمادية متفاوتة وعواصف بلون أسود موشاة بنقط حمراء باهتة لا غير،وتساءلت:" لا يمكن أن تكون سوداويا لهذة الدرجة ؟"وكان جوابك الصمت المطبق المتخندق في سوداوية مغلقة. آنذاك أدركت عمق انكسارك وجواب مكوثك الطويل بالقبووالرغبة في العزلة كما هي عزلتي الآن وأنا أعبر هذه الدروب الضيقة لأصل إلى بيتك الصغير.وصلت.. وياليثني ماوصلت.. ياليث الطريق كانت ممتدة في اللانهائي ..كانت عوداعلى بدء من أول الصباح إلى آخر نقطة ما قبل الوصول ،حتى لا أصل ..لكني وصلت : وجدت أمامي سيارة إسعاف، جمهرة أناس من أهل الحي يلفهم صمت رهيب وصوت نحيب لامرأة خافت تفترش الأرض ..مقدمات تقول نهاية قلق صباح واحتراق لوحة بالأسود وبالرمادي ...أمامي كنت جثة في كيس بلا ستيكي أسود ممددة على محمل توضع داخل ساعفة تنطلق بسرعة منتشية بتأدية مهمتها!
    لحظتها كنت قد اتكأت على عامود الكهرباء الخشبي وشعورغامض يلفني أشبه بالانحلال وبالاستغراق في اللافكر.. في اللاوجود ..في نقطة سكون خارج العالم ..في عواصف عدم للوحة بالأسود وبالرمادي و رأسي تدور ..وتدور..وتدوروجملتك التي اختتمت بها آخر رسالةلامرأة ودعتك تومض أمام عيني وتنحل كلماتها وحروفها رعدا متكررا يرشقني بجمر اندثارك في غياب اختياري .
    كنت قد كتبت الرسالة وانتظرت مجيئها لكنها تأخرت كثيرا،سهوت للحظات ،أخرجت الرسالة وذيلتها بتلك الجملةلأبيقور وأنت تقرؤهاعلي:"لقد ناضلنا ضدك أيهاالقدر، ضد هجماتك السرية الكاسرة، والمعلنة. لكن حين يأتي موعد رحيلنا، سنمضي باصقين على هذا العالم مرددين أنشودة نصر مجيد: لقد عشنا حياة طيبة".ثم وقفت ،طويت الرسالة ،وضعتها داخل الغلاف، أحكمت إغلاقها وسلمتها إلي، طالبا مني أن أمدها لها حين تأتي، ورجوتك بكل إرادتي أن نقضي الليل معا لكنك رفضت بإصرار وعناد لا يقاوم.انصرفت وانتظرت طويلا ولم تأتِ.لقد انسحبتْ في دمعة الوداع الأخير .لا رسائل بعد الآن ..لاشيء بعد الآن ..ومن الآن لا صوت قلب عاصف بأنين الشهقات الحالمة ..لا رموش تحاكي دفء ألوان تبتعد في مساحة ضوء جميل .لك الصمت ..الجنون ..التلاشي .أنت اليباب الطالع من أيام الرماد وقلبك ،هكذا كان تلك الليلة ، قبرة في أرض جرداء ليس بها ماء ولا شجر ،في آخر الليل تبكيك أيها المطوح في الفجيعة والغربة المضاعفة .رُميتَ بسهم لعنة هذا الغياب من حياة بسيطة ووظيفة ولو وضيعة ظللت تلهث وراءها لتراوغ بها عضة اليأس ولم تجدها ويهزمك خيط الحياةالوحيد : امرأة كانت لروحك حبل التشبت وانزاحت في اختيارآخر .سبعة أفواه تنتظرالطعام كل يوم. أسرة في حاجة آنية للاستمرار عل قيد الحياة ،كسَّرتْ أجنحتها وأحلامها وكل ماتبقى لها من عمر اندس في رمادية أيام مقبلة قهرا.

    كانت تعلم أنها ودعت ذاتها ولمسة سحر ربَّيتَهُ شجرا حالما في عينيها ..لكنها أحلام تبخرت ..سبعة أفواه رمتها في أحضان سيد يملك أشياء غير الحب ..يملك بيمينه ما ينقذ الأفواه السبعة.

    لم تأت ولم أسلمها الرسالة ،احتفظت بها ولم أفتحها ولن أفتحها أبدالأني خبرتك وعشت معك أياما صادقة طيبة ، ألصقتها على لوحتك بالأسود وبالرمادي ووراءها كتبت:" رحلتما معا في الرمادي وفي الأسود.أكان عدلا ؟ أكان حلا؟ أن تفتح بابا لدمك في الشريان لتهوي في النسيان ؟ "أنا لا أسأل إلا لأمشي قليلا في ذكرى احتراق لوحة بالأسود وبالرمادي.



    ../12/09


    سالم رزقي
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الأحد بودريقة; الساعة 27-11-2011, 17:34.
    لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
    جورج أورويل

  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    سالم رزقي
    هلا وغلا بك بيننا
    نورت
    لم أقرأ النص فقد تأخر الوقت
    اليوم مساءا سأقرأه لأنه الساعة الآن السابعة إلا ربعا صباحا وأحببت أن يبقى النص على الواجهة قريبا من عيني
    لي لقاء مع نصك عصرا
    صباح الخير زميلي
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • عبد الأحد بودريقة
      أديب وكاتب
      • 09-02-2010
      • 202

      #3
      الاخت الفاضلة عائدة
      يسعدني كثيرا ان أكون بينكم
      با قات ورد وياسمين
      تحيتي ومودتي
      لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
      جورج أورويل

      تعليق

      • السيد البهائى
        أديب وكاتب
        • 27-09-2008
        • 1658

        #4
        الأخ الفاضل /سالم رزقى..
        مررت من هنا..وقرأت نصك الباذخ ..وشدنى تمكنك من أدواتك .. وسلاسة لغتك..
        وعمق أفكارك..
        لك كل التحية ودمت بكل خير..
        الحياة قصيره جدا.
        فبعد مائه سنه.
        لن يتذكرنا احد.
        ان الايام تجرى.
        من بين اصابعنا.
        كالماء تحمل معها.
        ملامح مستقبلنا.

        تعليق

        • إيمان الدرع
          نائب ملتقى القصة
          • 09-02-2010
          • 3576

          #5
          الأخ سالم :رائعٌ وموجعٌ ماقرأت ، حتى وكانّنا لامسنا زفرات قلب بطل القصة ، ولهيب دمعته المكتومة ، وشممنا احتراق لوحةٍ مؤلمةٍ بقتامتها ،أخذت معها كلّ ... ذكرى ، دمت مبدعاً ، تحيّاتي...

          تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            الزميل المبدع
            سالم رزقي
            نص لاأستطيع أن أقول عنه سوى أنه كتب بأنامل موهوب كبير
            واضح جدا تمكنك من السرد واللغة والتشويق والحبكة الدرامية
            رائع زميلي
            تركت لك النجوم وسأرشحه للذهبية
            أرجو أن تقرأ للزميلات والزملاء وتبدي رأيك وبكل صدق ومهنية ودون مجاملات ولأنك تمتلك القدرة على ذلك
            هلا وغلا ومليون مرحبا بك بيننا
            أسعدني التعرف بك
            ودي ووردي لك
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • عبد الأحد بودريقة
              أديب وكاتب
              • 09-02-2010
              • 202

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة السيد البهائى مشاهدة المشاركة
              الأخ الفاضل /سالم رزقى..
              مررت من هنا..وقرأت نصك الباذخ ..وشدنى تمكنك من أدواتك .. وسلاسة لغتك..
              وعمق أفكارك..
              لك كل التحية ودمت بكل خير..
              تحيتي الأخ الفاضل/السيد البهائي
              اسعدني مرورك وكلمتك الراقية والتي تنم
              عن ذوق ادبي جميل ورفيع
              باقة ياسمين
              ومودتي الدائمة
              لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
              جورج أورويل

              تعليق

              • عبد الأحد بودريقة
                أديب وكاتب
                • 09-02-2010
                • 202

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                الأخ سالم :رائعٌ وموجعٌ ماقرأت ، حتى وكانّنا لامسنا زفرات قلب بطل القصة ، ولهيب دمعته المكتومة ، وشممنا احتراق لوحةٍ مؤلمةٍ بقتامتها ،أخذت معها كلّ ... ذكرى ، دمت مبدعاً ، تحيّاتي...
                الفاضلة ايمان الدرع
                ليس غريبا ان يكون ردك بهذه الكلمات
                العميقة لانك مبدعة مدركة لدلالات لهب الكلمات
                تحيتي ومودتي الدائمة
                لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
                جورج أورويل

                تعليق

                • عبد الأحد بودريقة
                  أديب وكاتب
                  • 09-02-2010
                  • 202

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                  الزميل المبدع
                  سالم رزقي
                  نص لاأستطيع أن أقول عنه سوى أنه كتب بأنامل موهوب كبير
                  واضح جدا تمكنك من السرد واللغة والتشويق والحبكة الدرامية
                  رائع زميلي
                  تركت لك النجوم وسأرشحه للذهبية
                  أرجو أن تقرأ للزميلات والزملاء وتبدي رأيك وبكل صدق ومهنية ودون مجاملات ولأنك تمتلك القدرة على ذلك
                  هلا وغلا ومليون مرحبا بك بيننا
                  أسعدني التعرف بك
                  ودي ووردي لك
                  تحيتي
                  الفاضلة /عائدة محمد نادر
                  قرأت ردك وأسعدني جدا
                  والأكثر ان أجد مبدعة /قارئة متميزة
                  تركت النجوم واترك المودة الدائمة
                  وأعدك بالقراءة لكل الاصدقاء والصديقات
                  بهذا المنتدى الجميل
                  باقات ورد وياسمين
                  لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
                  جورج أورويل

                  تعليق

                  • إيمان الدرع
                    نائب ملتقى القصة
                    • 09-02-2010
                    • 3576

                    #10
                    من ذاكرة عام 2010
                    تحيّاتي أستاذ سالم ...
                    وكلّ عامٍ وأنتم بخيرٍ

                    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                    تعليق

                    • عبد الأحد بودريقة
                      أديب وكاتب
                      • 09-02-2010
                      • 202

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                      من ذاكرة عام 2010
                      تحيّاتي أستاذ سالم ...
                      وكلّ عامٍ وأنتم بخيرٍ

                      ألف شكر لهذا التذكير
                      الفاضلة إيمان الدرع
                      أعتذر عن هذا التأخير الذي قارب السنة
                      مودتي وكل التقدير
                      لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
                      جورج أورويل

                      تعليق

                      يعمل...
                      X