حسون ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسام زيدان
    عضو الملتقى
    • 07-05-2009
    • 14

    حسون ..

    الغرب اتجاه إجباري ، و من السهل التعرّف إليه . انبطح تحت السلك الشائك ، و زحف على ظهره ، اطمئن أنّ لا شيء موجود في المكان سوى أنوار يتوه شعاعها في عتمة الليل .
    نهض ... و سار ...
    تلك الرائحة تشبه إلى حد كبير رائحة جسد ( ريتا ) و يؤكد لنفسه أن تلك هي الحقيقة . و في لحظة استرجع كل اللحظات التي مرّت عليهما .. و المطر يبلل شعرها ، تهرع إلى جذع زيتونة تستظل من مطر منهمر ، يرمي بكل قوته إلى قدميه ، يعدو ثوراً هائجاً ، يلتصق بها ..
    و يهز جذع الشجرة ، يتساقط الماء الذي حبسته أوراق الزيتون و يلتفت ضاحكاً :
    آه أين ستهربين ؟ فقط مكان واحد يحميك .
    تضحك و تسأل : أرجوك أين ذاك المكان ؟
    يتجهم قبل أن يجيب :
    - قلبي
    لا يدري و هو مقدم على عمل لا يحمل من الأمان بقدر ما تحمل نخلة من حبّة برتقال .
    أثناء المسير لم يتذكر أنّ رفاقاً أربع يسيرون خلفه ، و كأنه ليس كرّازاً يتحمل مسؤولية ما ، لقد أغرقته سنون الغربة بوحشتها ، لم يكن يشعر بأن أي مكان يسكنه أو يأتيه بأنه جدير به .
    بقي مشدوداً و الحبل السري يربطه برحم ذاك الجبل البعيد ، في تلك المغارات خبأ روحه ، و على تلك السفوح زرع بعضاً من تاريخه ، أصدقائه الشهداء يراهم مصابيح أشعلت بدمائهم ، هل يا تري هذا الذي يسمعه في انتصاف حركته، أرواحهم جاءت تزفه ؟ أم هي نداءات ( ريتا ) أرسلتها حرزاً يطوّق روحه ؟
    كم من الوقت مر ؟
    انتصب النهر أمامه ...
    وصل الرفاق ، امتشق حبلاً و مرساة صغيرة ، تأكد من رسوخها و بدأ العبور .
    عندما لامست قدماه سطح الماء ، تدفقت أسراب من السمك باتجاه حركة الماء ، و اقتربت من ساقيه ، و بدأت بتجربة القضم و استمر بتحريك جسده ضارباً الماء بحذائه ، تمسك بالحبل ، صرخ رفيق خلفه :
    ما أبشع أن يقضمك السمك .
    وصل الضفة الأخرى .
    كان ( حسين ) قد فقد جزءاً من لحم ساقه ، و بدأ الدم يلوّن سرواله ، و بسرعة تم تطهير الجرح و ربطه كما يجب .
    - قال ( محمد ) : ما أجمل أن يموت الإنسان بين أنياب أسماك كهذه ، و لكن إذا مات هل يسجّل شهيداً ؟ .
    التفت ( عادل ) قائلاً: كل الطرق تؤدي إلى الجحيم. جمعوا أشياءهم و تابعوا ..
    بدأت المصابيح بالاقتراب ، و بدأ الجبل بالزحف تجاه الشرق ، و المغارات ضاقت بكل الأرواح ، و أطلقتها في عرس القادم ...
    بدأت طرقات الجبل الضيقة تفك طياتها ، تتدحرج ، تمد بساطاً من تراب وطين ..
    كان يصعد و الطريق يعانق السماء ، لحظة إذا التفت إلى الخلف ، لم يرى شيئاً سوى ظلام يلف السهل ..
    بحث عن لحظة ، حاول أن يتذكّر حادثة ما ، كان كل شيء قد سبقه إلى الأمام ، أعاد اتجاه سيره و انطلق ..
    عند القمة توقفوا ، هنا سنرتاح ، توزع الرفاق .. بحث في المكان ، صعد على جذع شجرة خروب وأسند رأسه لتقاطع فرعين ، و بدأ العد .. و قبل أن تلامس خيوط الشمس الأولى أي مكان في الجبل ، لا مست جبينه المتعب .
    فتح عينين أرهقهما المسير و الظلمة ، سمع صوتاً يناديه ، لم يكن بعيداً ، كان يقف قبالته طائر حسون ، حدّق ، نظر الحسون إليه ، تبادلا النظرات استوحى من حركة عين الطائر و غشاء عينيه ، أن زمناً مر لم يرى أحداً ، ولا يفزعه وجود ما و كأنه اعتاد الغربة ، و الوحشة ، و الوحدة ، و وجد صديقاً لا يخافه كما لا تخشى الدجاجات زميلاتها .
    صدح الحسون ، و عزف على أوتار صوته أنغاماً أثارت فيه شجناً و أُنسة و كأنه صديق لهذا الطائر الجميل .
    حاول أن يقترب منه ، دفع رأسه إلى الأمام ، اقترب أكثر ، حرّك الطائر رأسه ، و كأنه يبحث عن شيء في هذا الفضاء ..
    لحظة إذ أيقن أن الحسون مسكون بالشهداء .
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    وهذا نص يستحق النجوم
    يستحق القراءة
    شجن وفيه الشجن مسكون حتى آخر ومضه
    أهديه لكم أحبتي
    تحيياتي للكاتب والف باقة ورد
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    يعمل...
    X