تويت
لأول مرة قرر أن يختلي بنفسه في تلك الأمسية من يوليوز الساخن .. مشق لفافته الثالثة.. جلب نفسا عميقا ونفث غيمة من دخان طارت كروح تغادر جسدها باتجاه السماء .. قرص خده ليتأكد أنه ليس جثة .. شعر بألم طفيف يسري بوجهه مخلفا حرارة سكنت جبينه المعرق .. لأول مرة كذلك ينتبه إلى هذا اللغز الكبير الذي هو جسده .. اللعنة من أين يبدأ فك هذا اللغز ؟.. مرر يده على رأسه واستطاع أن يتخيل تشابك العروق في دماغه والفصوص التي تؤثثه كقطع برتقالة جبلية .. القشرة المخية ذلك الدينامو الحي لحياة الجسد و نشاطه .. تريث قليلا .. قضمت الدهشة وجهه المعذب .. كيف يفكر الدماغ في نفسه ويعجب بها ؟ هل الدماغ نرجسي ؟ قد لا يصح ذلك .. لكن في آخر المطاف للنرجسية محلها على قشرة الدماغ .. كما السعادة والضحك والقراءة والخوف والعدوانية ..لها محلها كذلك ..ثم ما هي الأفكار أصلا ؟ هل المحيط الخارجي هو الفضاء الذي تتجسد فيه الأفكار ؟ أشخاص كثيرون فقدوا صلتهم بالعالم الخارجي لكنهم ظلوا يفكرون .. هل الأحمق مثلا لا يفكر ..؟ الشيزوفرينيا بالمحصلة هي حالة من الفكر المفلس .. لسعه ألم مباغث على شفتيه ..انتبه إلى عقب السيجارة المتلألئ .. رماه وسحقه برجله.. تذكر التوهامي عندما أحرق حصيدة الفقيه في الصيف الفارط وتسببت له في ستة أشهر من السجن ..شرع يضحك من أعماقه على التوهامي الأبله .. لكن نسيما شرقيا هب في تلك اللحظة على الجبل الأقرع .. فتراقصت بضع شجيرات كانت تصطف من وراءه .. تراءت له أكواخ عتيقة تشعل قناديلها لاستقبال الليل القروي .. ما أبشع الذباب في هذه القرية .. وما أبشع أفاعيها المتسللة ليلا كقطع من الموت الملون .. فرك عينيه الذابلتين .. في آخر المطاف سينعم بدفء ليلي خاص .. قليل من الحب يزيح الكثير من الخوف ..الحب الذي وطأ قلبه ذات يوم بمجرد نظرة .. أيعقل ذلك حقا ؟ كيف لنظرة واحدة أن تلحق به كل هذه الهزيمة ؟ .. اللغز يكمن في البصر .. هذا الأخطبوط هو الذي يحلل ويفسر ويمنطق ويفلسف ويتأثر ويفتن ويتسبب بالهزيمة النكراء .. والنتيجة هي.. هي الآن رفيقته التي تنتظره بقنديلها الأعمش على عتبة الدار .. أجل .. نظرة واحدة أتت بكل هذا الغيث .. هي المرة الوحيدة التي احتقر فيها اللغة المنطوقة .. وآمن أنها مجرد وهم تناقلته البشرية عبر التاريخ .. لو تظافرت ألسن كثيرة لتحكي سحر تلك النظرة الخاطفة لعجزت عن ذلك .. اللغة مجرد صنيعة بشرية .. أما الحواس فخلقت مع الإنسان وقادرة على زمام التواصل .. قد يعجز اللسان في إيصال الرسالة فتسعفه العين بسرعة خاطفة .. لذلك ربما يستغني الإنسان عن اللغة مستقبلا .. أو ربما ستتقلص وتذبل ثم تتلاشى من تلقاء نفسها .. ثم يلجأ إلى حواسه ويطور وظائفها .. والقلب ؟ القلب وهم كذلك .. تلك الألة السخيفة التي لا تمل من الحركة .. محال أن يسكن الحب هذا الكهف الصاخب ... التفت إلى الظلام الذي أتى على الأخضر واليابس .. أصوات طائشة يدوي صداها في رأسه لكنها على أية حال لازالت تؤنس وحدته .. تحسس نباح كلاب ضالة تخوض معركة تافهة .. وطيورا حلقت مغردة باتجاه الغابة .. في تلك اللحظة انتصب واقفا وتدحرج في المنحدر كحمار وفي .. عرج على الينبوع وشرب ملء يديه .. أمام كوخه الخشبي تراءت له شامخة كالنخلة تحت ضوء القمر .. امتد إليها ليقطف حبة حب .. لكنه لم يطلها .. كانت تنساب بين يديه كالريح .. هرع واندلق في مدخل الغرفة الرئيسية .. هناك وجدها تتزين بأحلى الأصباغ والثياب .. خفق قلبه و همس في نفسه .. فعلا .. شتان ما بين النظر والبصر .. !
-
التعديل الأخير تم بواسطة خالد القاسمي; الساعة 24-02-2010, 20:08. -
الزميل القدير
خالد القاسمي
يبدو نصك مختلفا
أهو فلسفة عاشق للحب!!؟
أم تفسير لما عجز الجميع عن تفسيره!
نص جميل بروح جديدة
ربما جديد بالنسبة لي طبعا
حقيقة أحسست بأني أدخل عالما مختلفا هنا
سردك جاء سلسا بالرغم من أنك استخدمت الكثير من المصطلحات!
تحياتي لك ومودتي سيدي الكريم
أعتذر عن التأخر في مداخلتي فهناك (( مشاكل نتوتيه!!)) والشابكة متعبة جداالشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق -
الاخ العزيز خالد
يعطيك العافية
صراحة تحيرت
اهي قصة ام خاطرة بنظرة فلسفية ام هي خليط بينهما
القصة موجودة وبقوة لكن النظرة الى داخل الاشياء وبعمقها شتت ذهني قليلا
في كل الاحوال
نص بليغ شجي
يحمل الكثير من الصور والتعبيرات الجديدة
همسة : الألة = الآلة
تحية وتقدير
[align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين
ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ
رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ
حديث الشمس
مصطفى الصالح[/align]تعليق
-
الأخ خالد ،لامست في كلماتك روحاّ حلوةّ تهفهف بين السطور وتحلّق في منعرجات النفس ،وتحاور الذات بصدق البوح والإحساس ، سُعدت بما قرأت،تحيّاتي...
تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدودتعليق
-
الأخت عائدة مرحباالمشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
بدوري أعتذر عن التأخر ..
سعيد بحضورك الجميل المفعم بالإنصات والتفاعل
فعلا .. حاولت أن أكون مختلفا هنا
سرني أنك اكتشفت ذلك وتفاعلت معه
تحياتي العطرةتعليق
-
العزيز مصطفى الصالحالمشاركة الأصلية بواسطة مصطفى الصالح مشاهدة المشاركة
شكرا لك على هذا التفاعل الجميل
سرني أن النص نال إعجابك وتفاعل مع ذائقتك العميقة
ودي وتقديريتعليق
-
الاخت إيمانالمشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
مساء الفل
هذا من جمال روحك وشاعريتها
أسعد الله أيامك
تحياتي العطرةتعليق
-
نص ممتلئ بالأسئلة و الاستفسارات
لغة قوية كما كانت في الضباب .. وأيضاً نفس المنطق الذي كان
فكر مغاير و أسلوب فلفسي جميل .. منطقي .. تخللته مفاهيم مجردة
أتابع نصوصك سيدي و سعيد بها .. خالص ودي و تقديري
وتحياتي لك .. واسمح لي أن أرشحه للذهبية ..صفحتي على فيس بوك
https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757تعليق
-
العزيز محمد ابراهيم سلطانالمشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
سعيد بهذا الاحتفاء الذي تتكرم به على النص
هذا التشجيع أقدره كثيرا هنا ..
لا شك أن النص أصبح ملكك كقارئ فرشحه يا سيدي الكريم
كل الود والتقديرتعليق
تعليق