تويت
إجتماع
... وقبل أن أختم حديثي لأستمع إليكم بدوري وأصغي، كما استمعتم إلي وأصغيتم مشكورين، ثم نرسل بعد ذلك النقاش بيننا حرا طليقا، أود فقط أن أخبركم بأني لم أجمعكم اليوم، وفي هذه الساعة بالذات، إلا لأعرض عليكم ما تعرفونه جيدا مثلما أعرفه، وتدركون أهميته بقدر ما أدركها، وعساي أكون قد أوجزت في عرضه عليكم، وأوضحت لكم رأيي فيه، والسلام.
علت وجوه الحاضرين مسحة من الشرود والقلق جراء ما سمعوه من محدثهم، فتبادلوا في ما بينهم ذات النظرات، واقتسموا نفس الشعور، ثم إنهم تظاهروا بشدة اهتمامهم وانشغالهم بالموضوع، وحاولوا إيهام مخاطبهم بما يشعرون به من ثقل الأمانة الملقاة على عواتقهم ...
كل أدلى بما يزعم ويدعي أنه الرأي المقترح لمعالجة الأمر المعروض عليه، والجميع حرص على يبدو جادا ومجتهدا في إبداء الرأي، فمنهم من اسهب في بسط رأيه، ومنهم من اختصر أشد ما يكون الإختصار، حتى يظهر للآخرين أنه ممن يجيعون اللفظ ويشبعون المعنى في حديثهم ...
لكن ما إن فتح أمامهم باب النقاش مشرعا، حتى علا بعض الأصوات على بعض، فضج المجلس بعدما غص المكان، ولم يعد للهدوء مكان وسط الجلبة والضوضاء، ثم إن العيون صارت جاحظة، وتسامقت الأيدي وتسابقت ملوحة في كل اتجاه، وكأنها الطير أو غمامة فوق الرؤوس، فتمايلت الأجساد المتهالكة على الكراسي الوثيرة، ومالت حول طاولة الاجتماع المستديرة، حينا تندفع نحو الأمام، وأحيانا تتراجع إلى الخلف، فهذه أكف يصفع بعضها بعضا، وتلك أقدام تدق أرض القاعة دقا ...
وبعد أن دامت هذه الحال على حالها زمنا غير قصير، وبعد أن صمت آذان المجتمعين، وركب الصدأ ألسنتهم، وزاغت أبصار بعضهم عن بعض، وشب النفور بين الوجوه المتناثرة هنا وهناك، ولم يبق إلى الضرب والطعان، بالأيدي وباللسان، خلص أفراد إلى الإنتصار لآرائهم الخاصة والعض عليها بالنواجذ، وأفضى آخرون إلى التعصب لآراء غيرهم عنادا وضدا، وفجأة انفض الجمع وخلت القاعة ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com
... وقبل أن أختم حديثي لأستمع إليكم بدوري وأصغي، كما استمعتم إلي وأصغيتم مشكورين، ثم نرسل بعد ذلك النقاش بيننا حرا طليقا، أود فقط أن أخبركم بأني لم أجمعكم اليوم، وفي هذه الساعة بالذات، إلا لأعرض عليكم ما تعرفونه جيدا مثلما أعرفه، وتدركون أهميته بقدر ما أدركها، وعساي أكون قد أوجزت في عرضه عليكم، وأوضحت لكم رأيي فيه، والسلام.
علت وجوه الحاضرين مسحة من الشرود والقلق جراء ما سمعوه من محدثهم، فتبادلوا في ما بينهم ذات النظرات، واقتسموا نفس الشعور، ثم إنهم تظاهروا بشدة اهتمامهم وانشغالهم بالموضوع، وحاولوا إيهام مخاطبهم بما يشعرون به من ثقل الأمانة الملقاة على عواتقهم ...
كل أدلى بما يزعم ويدعي أنه الرأي المقترح لمعالجة الأمر المعروض عليه، والجميع حرص على يبدو جادا ومجتهدا في إبداء الرأي، فمنهم من اسهب في بسط رأيه، ومنهم من اختصر أشد ما يكون الإختصار، حتى يظهر للآخرين أنه ممن يجيعون اللفظ ويشبعون المعنى في حديثهم ...
لكن ما إن فتح أمامهم باب النقاش مشرعا، حتى علا بعض الأصوات على بعض، فضج المجلس بعدما غص المكان، ولم يعد للهدوء مكان وسط الجلبة والضوضاء، ثم إن العيون صارت جاحظة، وتسامقت الأيدي وتسابقت ملوحة في كل اتجاه، وكأنها الطير أو غمامة فوق الرؤوس، فتمايلت الأجساد المتهالكة على الكراسي الوثيرة، ومالت حول طاولة الاجتماع المستديرة، حينا تندفع نحو الأمام، وأحيانا تتراجع إلى الخلف، فهذه أكف يصفع بعضها بعضا، وتلك أقدام تدق أرض القاعة دقا ...
وبعد أن دامت هذه الحال على حالها زمنا غير قصير، وبعد أن صمت آذان المجتمعين، وركب الصدأ ألسنتهم، وزاغت أبصار بعضهم عن بعض، وشب النفور بين الوجوه المتناثرة هنا وهناك، ولم يبق إلى الضرب والطعان، بالأيدي وباللسان، خلص أفراد إلى الإنتصار لآرائهم الخاصة والعض عليها بالنواجذ، وأفضى آخرون إلى التعصب لآراء غيرهم عنادا وضدا، وفجأة انفض الجمع وخلت القاعة ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com