زهرة الآس / ربيع عقب الباب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    زهرة الآس / ربيع عقب الباب

    مسرحية




    زهرة الآس









    تأليف
    ربيع عقب الباب










    إهداء
    إلى محمد أمين إبراهيم .. الشاعر الجميل والأروع من بين كتاب الأطفال
    صديقي الوحيد
    وقاتل وحدتي فى زمن أصبح
    ضنينا .. كافرا بالمودة !
    أهديك زهرتي .. عدى الجميل ، رقته ، وعلمه
    وقلبه المحب !















    الشخصيات
    عدى : عدى بن زيد العبادى التميمى
    النعمان : النعمان بن المنذر بن ماء السماء
    سلمى : أم النعمان
    عدى : عدى بن أوس بن مرينا
    الوزير : الربيع بن زياد
    الأسود : الأسود بن المنذر بن ماء السماء
    سعد القرقرة : أخو عدى بن زيد و النعمان فى الرضاعة
    ظالم : قهرمان عدى بن زيد
    هند : أخت النعمان وزوج عدى بن زيد
    أبى : أبى بن زيد العبادى أخو عدى
    الشيخ : مرزبان من مرازبة الفرس
    عبيد : عبيد بن الأبرص الشاعر المشهور فى الجاهلية
    زيد : من بنى بقيلة
    عامر : رسول أبى إلى الحيرة وصاحبه
    مجموعة من الجند و الحرس والخدم
    المكان : الحيرة – المدائن
    الزمان : فى نهايات القرن الخامس الميلادي

    قبل رفع الستار

    وصروف الدهر لا يبقى لها ولما تأتى به صم الجبال
    رب ركب قد أناخوا حولنا يشربون الخمر بالماء الزلال
    والأباريق عليها فدم وجياد الخيل تردى فى الجلال
    عمروا دهرا بعيش حسن آمنى دهرهم غير عجال
    ثم أضحوا عصف الدهر بهم وكذاك الدهر يودى بالرجال
    وكذاك الدهر يرمى بالفتى فى طلاب العيش حالا بعد حال



    اللوحة الأولى
    سلمى أرملة المنذر بن ماء السماء وأم النعمان ، تعيش حالة من فقر وبؤس .. بهو دار
    متواضعة للغاية .
    سلمى : ( وهى تتحرك فى المكان ، تخاطب أشباحها ، وتحاول مع نفسها الخروج من أزمتها ..
    فتخرجها ابنتها هند من حالتها ) بح صوتي .. و تقطعت حباله .. أين كنت ؟
    هند : معذرة يا أمي .. لم أسمعك .. كنت أودى بعض مهام الدار .
    سلمى : بعض مهام .. ومارية زوج أخيك .. هوووه .. مالكم تبعدون عنى .. مع من أتكلم .. مع
    الحيطان و حصى الصحراء .. وحيات الفلا .. تكلمي ؟
    هند : أمي .. ما بك .. مالك ثائرة حزينة .. أو جد جديد ؟
    سلمى : وأي جديد تتصورين .. إن هما يجثم فوق صدري .. يخنقني .. يكاد يقضى على .
    هند : أمي .. اجلسي .. تخففي مما تحملين .. أمي .. حزنك لن يرجع الوقت .. ويعيد ما ضاع .
    سلمى : أما قلت لك أين مارية ؟
    هند : إنها لا تفارق النعمان .. لا تتركه لحظة من ليل أو نهار .
    سلمى : نعم .. نعم .. أشرت عليها بذلك .. إنه يحبس نفسه فى حجرته .. و ليل نهار يصرخ .. يصرخ
    ويطحن رأسه في جدران الدار .. إني خائفة .. لو يخرج .. لو يبتعد عن هنا قليلا .. ربما تخلص
    من هذه الآلام .
    هند : لو أن عديا هنا .. لهانت جبال الصحراء .
    سلمى : عدى .. أرسلت فى طلبه .. لكنى لا أعرف أين هو الآن .. لا أعرف .. المدائن .. دمشق ..
    بلاد الروم .. بالله عليك ألا قلت أين أنت يا عدى ؟
    هند : قلبي يحدثني .. أنه قادم .. قادم يا أمي .
    سلمى : قلبك .. هيه .. منذ متى .. وقلبك يحدثك يا بنت ؟
    هند : منذ متى .. هووووه .. أمي .. ألا تعرفين أن عديا له في قلبي تماما كما للنعمان أخي .
    سلمى : لا .. لا أعرف .. و إياك !
    هند : لم يا أمي .. ألم يملأ القصر لعبا و هرجا و غناء هو و النعمان .. وكبرت على عينيهما ؟
    سلمى : لم يعد قصر .. لم يعد .....
    هند : أوه يا أمي .. دوام الحال محال .
    سلمى : المصيبة أن أباك يرحمه الرب هو الذي ضيع كل شيء .. كل شيء .
    هند : ما كان ليتصور يا أمي أن تكون نهايته بهذا اليوم الكريه .. يوم حليمة .. وكاد يفعلها
    ويدحرهم فى عرينهم .
    سلمى : كل ما يؤلمني أخوك .. النعمان .. وحالته التي تزداد سوءا .
    هند : يا أمي .. أتذكرين يوم جعل كسرى على الحيرة زيد بن أيوب العبادى ؟
    سلمى : يرحمه الرب .. رفض زيد أن ينادى بملك الحيرة .. وأصر على عودة المنذر .
    هند : وأنت أما قلت لي يوما .. عدى أكثر محبة لبيت المنذر من أبيه .. أليس هذا كلامك ؟ ( فجأة
    تجهش ) .
    سلمى : هند .. بنيتي .. ما بك .. هند ( تسرع نحوها .. تأخذها على صدرها ) هند .. ما بي يكفيني
    .. أريحي أمك .
    هند : ( تتماسك .. تمسح وجهها ) لا شيء يا أمي .. لا شيء .
    سلمى : وهذا البكاء .. تكلمي .. تكلمي .
    هند : كابوس .. محض كابوس يا أمي .
    سلمى : كابوس .. مالنا والكوابيس .. لا تجد لها مرتعا إلا فى دار المنذر ؟
    هند : ( لنفسها ) هند .. تماسكي .. لا تفضي ما عندك .. سوف يكون غضبها بلا نهاية .. كيف
    تقولين أرى عديا .. ولثلاثة أيام مقتولا .. وعلى عين النعمان .. كيف يا هند ؟ ابتلعي غصتك
    .. هيا .
    سلمى : تكلمي .. لم لا تتكلمين ؟
    هند : أبى المنذر .. أبى يا أمي ( تعود للبكاء ) يأتيني مربتا ، كأنه يعزيني فقد عزيز .
    سلمى : ربما كنت أنا .
    هند : أمي .. كفاك الرب .. مازلت غادة حلوة .. اغفري لي كوابيسي يا أمي .. ولكن لا أعرف لم
    كان عدى يومض و يختفي .. لم ؟
    سلمى : يا لكوابيس المناذرة .. ليت عديا يأتي .. ألا تسمعني يا ولدى .. تعالى لأمك سلمى .. تعالى !
    هند : أمي .. ارمي أثقالك خلف ظهرك .. سوف أعود لأنهى عملي .. اهدئي ( تحوطها بذراعيها و
    تقبلها قبل أن تنصرف ) اهدئي يا أم الملك .. هيه .. اهدئي !
    سلمى : ( تتحرك .. ما تزال فى حالة قلق و اضطراب ) أضعتنا .. أضعت ولدك يا منذر .. تركته
    للضياع فى صحراء لا تتنفس إلا كراهية و حقدا ، حاولت معك كثيرا .. يا منذر اعقدها له ..
    اتركها للنعمان .. لكنك كنت تروغ منى .. تهرب فى محاريب خوفك .. وتصرخ .. والأحد
    عشر رجلا الآخرون .. لن يتركوه .. عندهم الجاه و المال و الجمال يا منذر ..كل ما حرمنا منه
    ولدنا عندهم .. بنى مرينا أنت خير من يعرفهم .. أنت خالق هذا .. ألا سحقا للملك
    وللملوك ..ثم ذهبت إلى حتفك .. فلا كانت لهم و لا له .. ركبها إياس بن قبيصة .. اهنأ
    برقدتك .. وطبا نفسا .. وابنك هنا يهلك .. يهلك يا منذر ..تدبدب الكوابيس على صدره
    وفى مناماته ..وتكاد تقتله .. ألا تبا للمناذرة .. واحدا واحد .
    ( طرق على الباب .. تتجه إليه .. تفتح ) أخيرا يا بن زيد .. أخيرا تذكرتنا !
    عدى : مرحى مرحى يا أم الملك !
    سلمى : أم الملك .. يقول أم الملك ؟
    عدى : اعطني أولا قبلتك الحلوة .
    سلمى : قبلتي .. مازلت تذكرها .. بالله عليك ألا قلت لي .. ما كل هذا الغياب ؟
    عدى : ألا تعرفين يا أمي ؟
    سلمى : تتغيب هذه الأيام بينما أخوك يهلك !
    عدى : يهلك .. تقولين يهلك ؟
    سلمى : يهلك يا عدى ، ليل نهار تهاجمه الكوابيس .. الشياطين .. وصوت المنذر يجلده .. خذ بثأري ..
    خذ بثأري .. وأنت سائح هنا و هناك من كسرى إلى قيصر !
    عدى : أي ثأر يا أمي .. وكلنا يعرف ما تم ؟
    سلمى : نعم .. ولكن هذا ما يحدث يا ولدى .
    عدى : يجب أن يتأكد .. قاتل أبيه قتل يوم حليمة .. نعم .. إلا إذا كان يقصد الحارث ؟
    سلمى : تعرف أخاك يا عدى ، وكيف ظلمه المنذر حيا وميتا .. كيف نبذه بعيدا .. كان لا يطيق
    رؤيته .. لا يطيق .. ودائما يكشر فى وجهه و ينهره .. ولده .. كان بكاؤه يمزق قلبي .. يمزقه
    عدى : أمي .. لست معك فيما ترين .. كان المنذر يرحمه الله يربيه كما يحب.. فلا تبالغي .. كان لا
    يريد لولده أن يشب مدللا .. ناعما .. أنت فقط .. سلمى أم الملك .. ذو القلب الرحيم ..
    وهذا شأنك دائما .
    سلمى : إنه يموت يا عدى .. يموت .
    عدى : النعمان أقوى من الموت يا أم الملك !
    سلمى : دبرنى يا عدى .. ماذا أفعل .. وأنا أرى ابني بلا حيلة .. بلا حيلة .. لا مال و لا جمال ..
    ولا عزوة !
    عدى : لا .. لا تقولي هذا يا أم .
    سلمى : كيف لا أقول .. وهذا واقع الحال يا عدى .. سوف يضيع .. يضيع !
    عدى : تركها المنذر و هو يعلم بأس ولدك .
    سلمى : أين هو بأسه ؟ لا تكذب .. و لا تضحك على بمعسول الكلام !
    عدى : تعرفين عديا .. ألا تعرفين عديا يا أم الملك ؟ ( يهمس بها )
    سلمى : مازلت تردد ها أم الملك .. أم الملك .. وأين هذا الملك ؟ هاهو فى الداخل يموت كمدا ..
    كمدا يا عدى !
    عدى : قسما برأسك يا غالية لن يكون ملك سوى النعمان .. ولدك !!
    سلمى : و الحيات التي تسعى من حوله ؟
    عدى : معركة النعمان معركتي يا أم الملك .. أنسيت أنه أخي .. من ثدي واحد رضعنا ، وفى حجر
    واحد وضعنا وشببنا .. الكسرة كنا نقتسمها .. والهدمة .. وحبة الفاكهة .. حتى الضحكة و
    دمعة الحزن !
    سلمى : لكن قلبي لا يحتمل ما يتم .. آه يا منذر .. لم لم تنهها .. كان الأكبر .. وكان عليك أنهاؤها .
    عدى : لو لم يكن للنعمان المنزلة العليا عند مولاي المنذر ما تركها هكذا !
    سلمى : يترك الحيرة دون ملك ، ليعلو ابن قبيصة فوق الجميع !
    عدى : أيام .. إن هي إلا أيام .
    سلمى : قل لى يا عدى ، أرح أمك سلمى .
    عدى : لا أخفى عليك ، إنني قادم من المدائن !
    سلمى : المدائن !
    عدى : كنت فى حضرة كسرى ، وسألني عن أبناء المنذر .. حدثته عنهم .. فدهش وقال : لم لم
    يقم عليها أكبر أبنائه مثلما فعل أسلافه ؟
    سلمى : هيه .. ألم أقل لك منذ قليل ؟
    عدى : وفى نهاية حديثي معه ، طلب مثولهم بين يديه !
    سلمى : مثولهم بين يديه ..دمرت ولدى يا عدى .. سوف يختار واحدا من أخوته الأكثر مالا وجمالا ..
    أضعت ولدى .. أضعت أخاك !
    عدى : ما عهدتك على هذا الضعف يا أم الملك !
    سلمى : أم الملك .. يقول أم الملك !!
    عدى : ( يجلسها ) انتظري .. عندي تدبير !
    سلمى : يأية حلة يسعى إلى كسرى .. إنه لا يملك حتى جلبابا صالحا للمقابلة ؟!
    عدى : ( يهمس فى أذنيها ) غدا حين ترينه ، وهو يتقدم على فرسه الشهباء ، ويلبس حلة الملك ،
    والصولجان فى يده ، لن تعرفيه !
    سلمى : قل لى .. قل لى كيف يتم ذلك ؟
    عدى : لا .. لن أقول لك .. لن أقول .
    سلمى : ورأس المنذر ؟
    عدى : و الله و لا رأس السيد المسيح !
    سلمى : ( يعلو صوتها ) يا نعمان .. يا ملك الحيرة .. يا نعمان .. يا أبا قابوس ؟
    النعمان : ( يفتح باب حجرته ) ارحمي نفسك وارحميني .. ما عدت أريدها .. لا أريدها.. من أرى ..
    عدى .. منذ متى و أنت هنا ؟ ادخل على .. هيا ( وهو يفتح ذراعيه ) .
    عدى : ( يسرع و يلقى بنفسه بين أحضانه ) ماهذا ؟ أأنت النعمان .. أخي ..أم شبح ضل طريقه ؟
    النعمان : ( يجهش باكيا ) شبح يصارع أشباحا .
    عدى : آه .. لك والله وحشة يا أبا قابوس .
    النعمان : لم لم تناد على .. أين كنت ؟ ولم كل هذا الغياب ؟
    عدى : منذ يومين .. وربما أكثر .. وأم الملك لا تصدق أنى عدى !
    النعمان : أم الملك .. أي ملك يا رجل .. ضاع الملك فى حرب خاسرة .. أضاعه المنذر ..أبى ..
    وأضاعني .. أصبحت محض صعلوك من الصعاليك .. هنيئا لك يا ابن قبيصة وأنت ياحارث
    الغساسنة .. آه ( كثور جريح ) .
    عدى : ( يهمس ) أقسم برأس المنذر .. أنك الملك !
    النعمان : عدى .. لا تسخر بأخيك !
    عدى : أريد عطيتي الآن !
    النعمان : ( يتلاعب بثيابه كأنه يخرج حشرات ) خذ هذه عطية ..وهذه .. وهذه واحدة .. أتريد المزيد ؟
    سلمى : عطيتك عندي أنا .. عندي أنا !
    عدى : أريدها الآن !
    سلمى : هي لك !
    عدى : من هي لك .. من هي ؟
    سلمى : هند
    النعمان : أمي
    سلمى : ألديك اعتراض .. نعطه مهرتنا ؟
    النعمان : أمي .. انتظري
    عدى : أجبها .. ألديك اعتراض .. هيه .. أتعترض على المصاهرة ؟
    النعمان : لا .. ولكن !
    سلمى : يوم تجلس على كرسي الحيرة تزف إليه هند !
    عدى : أرحت فؤادي يا أم الملك ..يدك أقبلها ..وبهذا لن يتنكر لي هذا الوحش ، لنظل فى قيد واحد !
    النعمان : أمي .. يبدو أن عديا لم يسترح بعد من سفرته .. هيا .. عندك مارية .. هيا أعدا لنا شيئا
    نأكله !
    سلمى : أمرك ( تهمس ) يا ملك الحيرة !
    النعمان : ابلعي لسانك .. رمال الصحراء عيون لابن قبيصة .. وبنى مرينا .. إن رأس الحية لا يهدأ .. لا
    يهدأ !
    عدى : عدى بن أوس .. لا .. لا .. لن يأخذ فى يدي ساعة من نهار .
    النعمان : أنت تحلم يا عدى .. تحلم !
    عدى : ولم لا أحلم معك .. وبك يصبح حلمنا الكبير حقيقة .. هل مازلت تذكره يا نعمان ؟
    النعمان : ياله من حلم .. وهل مثل هذه الأحلام قابلة للنسيان .. كنا أطفالا مثل نبت الصحراء .. لا
    نقيم وزنا لشيء .. نعم أذكره .. أمازال يخايلك أنت ؟
    عدى : فى كل لحظة .. يسابقني فى الطرقات .. وفى متاهات الصحراء و الوديان .. ماكان شيئا مر
    بالخاطر وانتهى .. إنه يملأ وجودي كله يا نعمان .. حلم .. حلم يا رجل !
    النعمان : لكن كيف .. كيف تتحول الأحلام إلى حقائق تدب على أرض الواقع ؟ كيف و نحن محاصرون
    بكسرى و قيصر و الغساسنة و الأذناب و الصغار .. كيف ؟
    عدى : ضم يدك إلى يدي ؛ لنخطو خطوتنا الأولى نحو تحقيقه !
    النعمان : وهذه يدي .. لكن لا تتركني لنفسي طرفة عين .. إني ضعيف متهالك .. لا سند لى .. ولا قوة
    لدى !
    عدى : لا تقل هذا ( يصبح أعلى رأسه لطول قامته ) بين يديك تسير الركبان ، وتركض الفرسان في
    ساحتك ، وبأمرك تعلو رؤوس و بأمرك تختفي و تنكس رايات .. نعم ( بصوت كأنه يأتي من
    بئر ) تستطيع .. نعم ..العرب .. العرب يانعمان فى ضمائرها تحن للحظات الخلاص و التوحد ..
    العرب شراذم وكيانات مبعثرة آن أن تلتئم و تتوحد .. العرب !!
    النعمان : كفى عدى .. كفى .. ارحمني من هذه القشعريرة و هذا الاهتزاز الصاعق !
    عدى : بعد قليل نخرج متوجهين إلى ابن قردس ، فإذا خذلنا قصدنا البيت الأبيض !
    النعمان : البيت الأبيض .. تقصد جابر بن شمعون ؟
    عدى : نعم .. ومن هناك تكون البداية .
    النعمان : ولم ؟
    عدى : ليباركك .. ويزودك بما نستعين به على سفرتنا إلى المدائن .. وفوق هذا أنت تعرف الرجل ..
    وتدرك مدى خطورته .. زواره كثيرون .. وأحباؤه أيضا .. ورجاله لا حصر لهم .. أفهمت ..
    هيه .. هل تعطني هند حقا .. ألن تحنث بوعدك .. تكلم .. لا .. لا تتكلم .. أعرف أعرف
    ( النعمان يجذبه خلفه حتى يختفيا )
    أرى ودكم كالورد ليس بدائم
    ولا خير فيمن لا يدوم له عهد
    وحبي لكم كالآس حسناً ونضرة
    له زهرة تبقى إذا فني الورد

    إظلام



    اللوحة الثانية
    الحيرة - خلف دار النعمان
    هند : يالها من أم .. أتُرى ......؟
    عدى : لابد
    هند : كنت فى غاية الحرص .. حتى زوج أخي وأولادها .. كنت....
    عدى : هذه أمور لا تخفى .. المحبون مفضوحون يا هند !
    هند : كم أشتاق هذا اليوم.
    عدى : ليس كما أشتاقه
    هند : أنت .. أنت يا عدى .. يا ويلى منك !
    عدى : لا تقولي هذا .. أنت هنا.. أضمك فى مناماتى و يقظتي وترحالي ومقامي .. و أنا محاط بسلاسل
    وقيود .. النعمان و المنذر .. وزيد أبى !
    هند : ليس هذا عدى !!
    عدى : حبي لهذا البيت .. لولاه لاختطفتك ، وطرت بك فى الدنيا الواسعة !
    هند : كلام .. محض كلام !
    عدى : بل هو يا هند .. أنا من ملأ البيد شعرا .. فى المدائن .. وفى بلاط قيصر .. وهناك في واحة
    دمشق .. وعلى أبواب بابل ورمل الصحراء .. وما قلت إلا صمتا وقهرا .
    هند : عدى .. لا تكثر .. أكاد أسقط !
    عدى : أنت خائفة .. ضعي ثقتك فى عدى .. وتأكدي أنك وحيدة في القلب !
    هند : وغيد كسرى وقيصر وبلاد الشام ؟
    عدى : لست كما تظنين ..إنني أعيش بحلم واحد ..أسعى وراءه دوما .. أريده حقيقة تسعى على
    الأرض .. حقيقة !!
    هند : حلم .. أي حلم ؟
    عدى : هذه البقع التي تسود الصحراء ، ويقتلها الاغتراب ، ويتحكم فى مصائرها أغراب .. هذه
    الشراذم المتهالكة الضائعة آن لها العيش مثل خلق الله .. بعزة وكرامة !!
    هند : عدى .. هذا حديث يحمل نذير خطر .. فلا تكثر !
    عدى : ولم لا أكثر ؛ حتى تعيشيه معي خطوة خطوة .. وغدا نضع أرجلنا على أبواب بدايته !
    هند : ترحل ؟
    عدى : مع النعمان
    هند : و أخوتي .. و بنى مرينا ؟
    عدى : معنا
    هند : عدى .. إني خائفة !
    عدى : ابعدي الخوف ، اركليه بقدميك ، حتى لا نموت كالجرذان !
    هند : عدى ( تبكى )
    عدى : لم ؟
    هند : من الـ ......
    عدى : لا تشغلي رأسك الجميل بمثل هذه الأمور ، أريدك لي وحدي !
    هند : لكن مصير النعمان أخي بين هؤلاء .. وكلهم .. حتى الحارث الغساني يتصل بهم ويؤازرهم !!
    عدى : ليكن .. ألا تعرفين عديا بن زيد ؟
    هند : ستصبح منهبة لغدر الكثيرين .
    عدى : ليكن .. أنا لا أخشاهم أجمعين .. ما يهمني هو النعمان ، وبه يتحقق ما أحلم !
    هند : الملك ؟
    عدى : أي ملك أيتها الـ........
    هند : قلها الغبية
    عدى : حاشاى .. لم يختر قلبي غبية .. بل أذكى نساء العالم !
    هند : المهم .. خذ حذرك و لا تأمن جانبهم !
    عدى : الرب لن يتخلى عنى .
    صوت : ( نسمع صوت ضاربة الرمل ) أرى الكف و اقرأ الرمل .. واكشف المرصود .
    هند : ألم تحك لى كيف تآمروا .. و أحكموا تدبيرهم للسيد المسيح حد الموت ؟
    عدى : هند .. لا تنشرى من حولي حيات الخوف والتردد .. اتركيني على حالي ، ولا تخنقي ضياء
    العقل فى رأسي .. أين النعمان .. يا أم .. يا نعمان .. يا زوج الملك !!
    هند : إنه يسعى لحتفه ( لنفسها ) نعم .. رأيته الليلة بعد الليلة مقتولا يصرخ بالنجدة .. يصرخ ..
    وأخي .. النعمان يسمع ويرى ، وكأنه لا يسمع و لا يرى ( تصرخ ) عدى !
    عدى : ألا من أحد هنا ؟
    صوت : ( يتردد صوت ضاربة الرمل من الخارج ) أرى الكف و اقرأ الرمل .. واكشف المرصود
    هند : انأى بنفسك يا عدى ، واتركهم لكسرى ، يفعل ما يشاء بهم !
    عدى : ورأس معد لا تركتهم أبدا ، أأتخلى عن النعمان ؟
    هند : قبل أن يتخلى عنك .. ألا تر كيف أصبح عاجزا عن أن يدرك ثأر أبيه .. ألا تر ؟
    عدى : ماذا تقولين ؟
    هند : أقول .. اترك لهم الأمر برمته !
    عدى : والنعمان .. و الأحلام ؟
    هند : محض خرافات و أوهام .. وما النعمان سوى أخ متكبر مغرور .. ليس من أولى العزم ..
    ليس ...
    عدى : لا .. لا يا هند .. ما قيمة عيش بلا مستقبل .. بلا أحلام .. مثل حيوانات الصحراء تهلكنا
    الأيام.. ونمضى .. لا .. لا .. أريدها الأخيرة .. الأخيرة .. أما النعمان فأنا كفيل به .
    هند : دمك يغرق أحلامي و مناماتى عدى .. ارحمني
    عدى : نعم الأخيرة .. لن نسمح لكسرى و لا لقيصر أن يحددا لنا كيف نعيش .. كيف نحكم ..ولا
    من نرتضى ؛ فقد بلغنا الرشد والحلم يا هند .. نعم .
    هند : ودمك
    عدى : يكون مجلس كبار .. يختار الأليق والأشجع و الأقدر مثلما يحدث فى روما .
    هند : ودمك
    عدى : أوصلك فعل جابر بن شمعون صاحب البيت الأبيض ؟
    هند : توقف عدى ( تصرخ ) لا تضحك على نفسك !
    عدى : استضافنا ثلاثة أيام بين مأكل ومشرب ، ثم أتانا فى اليوم الرابع ليقف على ما نريد .. قلت ..
    ثلاثون ألف دينار يستعين بها النعمان على حاجته .. قال بل ثمانون ألف !!
    هند : انأى بنفسك يا عدى !
    عدى : لا تستهيني بي ( نسمع تردد صوت المرأة )
    هند : انأى بنفسك
    عدى : ذهبنا قبلا إلى ابن قردس ، رفض إعطاءنا شيئا .. أصبح للنعمان فرس شهباء ، وسيف بتار ،
    وحلة ملك ، وعبيد و .........
    هند : وكوابيس .....
    عدى : سوف أخلصه منها آجلا أم عاجلا !
    هند : وأنت ؟
    عدى : أنت تكفيني !!
    هند : إلى متى ؟
    عدى : آخر بلاد الدنيا .. وآخر العمر ( تظهر المرأة تحمل على رأسها صرة وهى تنادى ) تعالى
    يا امرأة .. تعالى .
    المرأة : أمرك يا سيدي
    عدى : هل تقرأين الغيب فعلا ؟
    المرأة : الغيب لا يعرف شأنه إلا السماء يا سيدي .
    عدى : و أنت ؟
    المرأة : يكلمنا الرمل ، فنتحدث بما يكشف ، وربما أصبنا .. إن شاء الله زين فعلك يا سيدي
    عدى : اجلسي .. وانثري حجارتك و رمالك .
    المرأة : أمرك يا سيدي ( تفترش الأرض و تفتح صرتها .. وتنثر أشياءها )
    عدى : هيه .. أرينا ما ترين ؟
    المرأة : نصرة من السماء .. ما قبلها و لا بعدها .. نصرة أمام ملك عظيم .. له الجاه و السلطان .
    عدى : زين و الله .. هاتى .. لا تتوقفي .
    المرأة : أمرك ياسيدى .. إن شاء الله منصور على من عاداك .. بشرى .. بشرى أخرى .. فرح كبير
    تهتز له الرؤوس و الهامات .. انظر يا سيدي .. انظر .. الفرسان .. ألا تراهم .. انظر عروس ..
    إنها هي ( تقصد هند ) نعم هي .
    هند : أرينا يا امرأة ما تتحدثين عنه ؟
    المرأة : انظري يا سيدتي الأميرة .. ها أنت .. أليست تشبهك .. هيه !!
    عدى : حديث ساذج .
    المرأة : يفرح قلبك بنيل المراد ...... لكن
    عدى : ماذا .. تكلمي .
    المرأة : عدو يا سيدي .. وراءك بالمرصاد .. كلما رحت يمينا وراءك .. شمالا وراءك .. عداوته
    سافرة كالشمس .. وما تختفي حتى بغياب الشمس .
    هند : هيه ..صفيه يا امرأة .. صفيه .
    المرأة : اسمه اسمك يا سيدي .. لونه لونك .. لكن فعله شين الفعل .. شين .
    عدى : يا امرأة لا تغالي .. هيا اكتفيت منك .. خذي ( يعطيها بعض المال )
    المرأة : لكن احذر يا سيدي .. من رجل يبدى لك ودا ومحبة .. ويضمر لك الموت .. الموت .. الموت
    عدى : قلت لك اكتفيت منك .. هيا .. سامحك الرب .. إيه يا هند .. محض حديث مستهلك ومتكرر
    المرأة : ( وهى تنصرف ) احذر يا سيدي .. و لا تعطه أمانا .. فى ثوبك يستقر .. وفى قلبك يسكن ..
    احذر .. احذر ( تختفي .. بينما هند في حالة رعب .. تدخل فى نقاش مايم مع عدى .. ثم
    يوليها ظهره بينما ما تزال تمنعه وهو لا يستجيب .. يتم الإظلام ) .
    لج بالعين واكف من هوى لا يساعف
    كلما كف غربها هيجته المعازف



    إظلام
    يتبع
    sigpic
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    اللوحة الثالثة
    فى حدائق محيطة بقصر كسرى
    بن مرينا : فعلتها يا عدى ؟
    بن زيد : بل فعلها كبيرهم !! ( وهو يقهقه )
    بن مرينا : تغرر بأحد عشر ملكا لأجل النعمان ؟
    بن زيد : أليس كبيرهم يا عدى ؟
    بن مرينا : لو أرادها المنذر له لأعلنها دون مراجعة أحد !
    بن زيد : لا تلق بلومك على المنذر فما قصد إلا خيرا !
    بن مرينا : خيرا إذ أصبح على يديك شرا ومكرا !
    بن زيد : تركهم و الاختبار .. ظنهم بلغوا الحلم !
    بن مرينا : أي اختبار .. أنت رجل مخرف !
    بن زيد : ظنهم قادرين على اختيار الأنسب من بينهم .. ياله من رجل !
    بن مرينا : لا تلوى عنق الأشياء ؛ فما كان للمنذر عقل ضال مثلك
    بن زيد : الاختيار بين اثني عشر رجلا .. فلتكن بداية ..ومنها ينفسح الأمر فيكون بين شيوخ القبائل ..
    حتى يأتي يوم فيصبح من حق عامة القوم .. ألا تحلم بهذا يا عدى يابن أوس ؟
    بن مرينا : حقا أنت مخرف ضال !
    بن زيد : كنت أتمنى لو حكمنا العقل .. جلسنا معا .. تناقشنا .. واتفق الرأي على أي منهم .. لكن ..
    مازالنا نعيش بعقول الأجداد .
    بن مرينا : و كان عليك تركهم لكسرى يفعل معهم ما يراه مناسبا .
    بن زيد : وما ذنبي فيما حدث يا عدى إذ وقع خيار كسرى على النعمان دون إخوته ؟
    بن مرينا : ألم تسقهم سمك الذي أودى بعقولهم ؟
    بن زيد : مجرد نصيحة بريئة .. كانت لهم حرية الاختيار إذ خانني التوفيق !
    بن مرينا : تعلم كم يجلونك ويضعونك فى منزلة لا يدانيها أحد !
    بن زيد : وأنت لم لم تلقنهم الرأي الحسن ؟
    بن مرينا : حسبتك مثلهم ، نصحت ، فأمنت جانبك !!
    بن زيد : بل نصحت .. أنا أعرف .. ولم يتحسسوا الحق فى قولك يا عدى !
    بن مرينا : لسلطانك عليهم
    بن زيد : سلطاني أنا .. أنا .. أنت ربيت وكبرت وعلمت وحنكت ؟!
    بن مرينا : للأسف .. فشلت .. ولكنك ستدفع ثمن فعلتك الرخيصة
    بن زيد : لا تغال يا عدى .
    بن مرينا : كيف لا أغالى ، وهذا الأسود بن المنذر كان الأقرب إليها ؟
    بن زيد : هؤلاء أخوة يا رجل من صلب المنذر .. دعهم لشأنهم !
    بن مرينا : أيها الماكر الخبيث .
    بن زيد : لن ألهث خلف تهمك ، أو أحاول محوها ، لك ماتريد ، أهجو كما تشاء ، لكن ما أريد قوله
    لك عن طيب خاطر .. كن واقعيا .. وهيا بارك النعمان بملك الحيرة !!
    بن مرينا : أنا ؟
    بن زيد : نعم .. أنت وأخوته أيضا !!
    بن مرينا : أنت تحلم !
    بن زيد : لا .. أنت بهذا تحاول الدس و الوقيعة بين الأخوة !
    بن مرينا : أنا ؟
    بن زيد : نعم أنت .. هيا ادفعهم لمباركة النعمان .. وفورا !!
    بن مرينا : و الله لا أفعل إلا أكون .......
    بن زيد : لا .. لا تكمل يا عدى ، وابعد عنك شبح المغالاة ، ولا تكثر من سيء القول
    حتى لا تؤخذ به !!
    بن مرينا : أتهددني يابن زيد ؟
    بن زيد : حاشاى .. عدى .. إن كنت أخطأت فاعف.. وضع يدك في يد النعمان .. يا عدى آن أن
    نجتمع حول رأى واحد .. وكلمة واحدة !!
    بن مرينا : كيف .. وأنت ؟
    بن زيد : انس يا عدى .. دعنى أقل لك .. آن أن ننسى الصغائر ، ونجتمع على قلب رجل واحد ..
    ليس نحن فقط .. بل العرب أجمعين يا عدى .. والنعمان ورقة الآس التي يمكن أن نلتف حولها ،
    وليس الأسود أو أخوته !
    بن مرينا : حديث ممجوج ، وكلام بلا معنى ، تحاول به محو ما اقترفت !
    بن زيد : اهدأ يا عدى .. اهدأ .. آن للأداة .. للعبة أن تملك أمرها ، وتحسن فعلها ، أن تصبح كائنا
    مكتملا ..لا أدوات قمع لبنى جلدتنا وغيرهم من الروم والغساسنة !
    بن مرينا : وماذا أيضا ؟ ( بسخرية )
    بن زيد : ................
    بن مرينا : لم لا تتكلم ؟
    بن زيد : ..............
    بن مرينا : أكمل لعبتك .. لم لا تكمل ؟ هل سقط لسانك فى جوفك .. صارحني أهذا ما أوحت به
    دهاقين و ومرازبة المدائن .. تكلم .. وفض ما عندك ؟
    بن زيد : عدى .. أنا لا أطلب شيئا لنفسي .. بل لكم .. لنا جميعا.. كفانا ضياعا .. كفانا انصياعا ..
    كفانا يا ابن أوس !!
    بن مرينا : مجنون .. أنت مجنون .. تفكر فى مستحيلات أنت تعرف أنها لن تتحقق .. وتريدني أن .....
    بن زيد : أنت رأس القوم .. كن معي .. نشد أزر بعض !
    بن مرينا : وأي شيء تجنى من ذلك ؟
    بن زيد : بأس العرب .. عز العرب !!
    بن مرينا : ألا تكفيك منزلتك عند كسرى ابن هرمز و الحارث الغساني و طيباريوس ملك الروم ؟
    بن زيد : لا تريد أن تفهم .. أو تتواضع لتفهم .. افعل ما تشاء يا عدى .. هيا .. انس الأمر ( يتحرك
    للخروج )
    بن مرينا : انتظر يا عدى .. انتظر و لا تتركني هكذا !
    بن زيد : فكر فى الأمر .. وأنت تعرف أين تجدني !
    بن مرينا : ( يقترب منه ) هل تحدثت بهذا أمام أحد ؟
    بن زيد : ليس بعد .. اخترتك لأنى أعرف تماما قدر ذكائك و حنكتك !!
    بن مرينا : والأسود ؟
    بن زيد : عدى .. انس .. إنهم أخوة النعمان .. وهو ورقتنا الرابحة !!
    بن مرينا : ولكنني لن أ............
    الأسود : ( يدخل فجأة ) يا عدى .. يابن أوس .. أنت ( يهاجم عدى بن زيد ويكاد يعتدي عليه )
    بن مرينا : انتظر .. يا أسود .. انتظر
    الأسود : أتمنعه عنى ؟
    بن مرينا : انتظر يا أخي .. و لا تبالغ
    الأسود : أبالغ .. لولا سمه الذي دسه فى أذاننا ....
    بن مرينا : الرجل لا ذنب له
    الأسود : ذنب كسرى إذن ؟
    بن مرينا : نعم هو ذنب كسرى !
    الأسود : لا .. أنت تحاول منعه عنى .. اتركني لأقتله
    بن مرينا : تقتله ، وأين تذهب من أخيك النعمان .. ومن كسرى نفسه ؟ لا .. لا انتهى الأمر .. وعلينا
    أن نقبله شئنا أم أبينا !!
    بن زيد : قلت إذا تكلم كسرى خالفوه ، ولم أحدد لكم الحديث .. لم أحدده !
    الأسود : خالفوه .. هيه .. خالفوه !
    بن زيد : تكلم .. فأين كانت عقولكم يا آل المنذر ، ثم النعمان أخوكم الأكبر .. وهذا حقه !
    الأسود : وتعيدها .. اتركني .. اتركني لأخلص الناس من مكره و شره !
    بن مرينا : بل كان خطئي أنا يا أسود .. أنا الملام !
    بن زيد : هيا يا أسود ، خذ أخوتك ، وبارك الملك لأخيك ، ولا تجعل بينكم ضغينة أو ثغرة لحاسد أو
    حاقد !
    الأسود : وتنصح أيضا ؟
    بن مرينا : قال حقا يا أسود .. تعال .. هيا لندرك القوم .. ونقيم الولائم والسماطان .. هيا .. حديثنا
    مازال متصلا يا عدى .. ولتعلم أنى وراءك مثل ظلك .. لن أهادنك أو أتوانى إذا ما لاحت
    الفرصة لأنال منك فى كل موضع أو مكان ذهبت إليه !
    بن زيد : لك ما تريد .. هذا شأنك يابن أوس .

    ألا أبلغ عديا عن عدى فلا تجزع وإن رثت قواكا
    فإن تظفر فلم تظفر حميدا وإن تعطب فلا يبعد سواكا
    ندمت ندامة الكسعى لما رأت عيناك ماصنعت يداكا




    إظلام


    اللوحة الرابعة
    بعد خروجهم من قصر الملك النعمان
    بن مرينا : أرأيتم وقع حديثي على النعمان
    الأسود : كاد يصدق
    بن مرينا : بل قل كاد يجن يا أسود .. ظالم ألم تنته بعد من خط الرسالة ؟
    ظالم : ليس بعد .. لكنها فى سطورها الأخيرة .
    بن مرينا : والرسالة التي أعطتك إياها زوجه .. هند أخت النعمان ؟
    ظالم : مازالت فى حوزتي .. كلما سألتني .. هل التقيت به .. قلت .. لا أجده .. لكنني يا سيدتي
    أرسلتها مع أحد الرجال .. هذا كل ما تم .
    بن مرينا : احتفظ بخطها ، و لا تفرط فيها .
    الأسود : عدى .. ابعد هند عن محيط تدبيرك .
    بن مرينا : لا أستطيع .. قد نحتاج إليها .. لكنني سوف أجنبها بقدر المستطاع .. لا تخش شيئا !
    الأسود : كيف و أنت .....
    بن مرينا : أقول قد نحتاج إليها .. قد .. نضع فى حديثها إليه بعض النصائح بالابتعاد عن الأمر .. وفقط
    الأسود : نعم .. لا تغامر ؛ فهند أختي عزيزة على !
    بن مرينا : فلم وافقتم على مصاهرة عدى ؟
    الأسود : لم نطالب برأي فى هذه الزيجة .. وأنت تعلم هذا .. ألا تعلم ؟
    بن مرينا : أعلم .. أعلم .. عدى بن زيد لو ترك هكذا سيقلب كل موازين الدنيا من حولنا ..بل علينا
    جميعا .. إن له أفكار الشياطين ، وسحر الملائكة ، وترفع الزاهدين !!
    الأسود : وكذا كان أبوه .. أنا لا أنسى موقف المنذر حين ساءت علاقاته بكسرى .. وجعل على الحيرة
    زيد .. وكيف رفض أن ينادى بملك الحيرة ..كنت لا أفهم .. الآن توصلت إلى الحقيقة !
    بن مرينا : وإليما توصلت .. أنا للآن لم أفهم ماذا كان يريد .. هات لي حيا من العرب فهم إليما كان
    يرمى يا أسود ؟
    الأسود : يريدها بالمدائن و بلاد الروم و الشام .. يريدها .. نعم !!
    بن مرينا : لا .. لا .. لا تكن شطاحا نطاحا هكذا .. قل هو نوع من الود والعرفان بالجميل .. لا تهلكنا
    بالله عليك جريا خلفك !
    الأسود : فقط ؟
    بن مرينا : فقط .. وماذا بعد ذلك .. لا شيء .. أما عدى ولده فهو ذو طابع مختلف .. مختلف ؛ فأحلامه
    من الممكن تحققها ، في ظل ما نرى من ضعف كسرى بن هرمز و هيباريوس ملك الروم !
    الأسود : ليصبح هذا القبيح ابن سلمى سلطانا .. سلطانا يا عدى ؟
    بن مرينا : لا .. هذه ترهات لا قيمة لها .. مهما تهيأت الظروف .. وجرى جرى الوحوش .. هذه
    الشراذم المتهالكة المتعفنة لن تجتمع على رأى واحد .. نعم اسألني أنا .. أنا عدى بن أوس بن
    مرينا .. ثم أننا لن نمكنه من ذلك مهما حاول .. أعدك بهذا .. أعدكم يا آل المنذر !
    ظالم : هل أنا مطالب بشيء الآن ؟
    بن مرينا : خف عنا قليلا .. لا تكثر من التردد على مولاك النعمان .. أو الالتقاء بأحدنا .. إلا عند
    الضرورة .. أسمعت ؟
    ظالم : أمرك يا سيد القوم .
    بن مرينا : خذ ( يعطيه كيسا ) وانه الرسالة حتى تكون جاهزة حين يأن الوقت !
    ظالم : دام عزك يا سيد القوم ..سوف أنهها فورا ( قبل أن يختفي ) ماذا تفعل يا ظالم بنفسك ..
    وبسيدك عدى .. كيف هان عليك وهنت على نفسك ؟ ومالك بهذا الأمر الذي يدبرون ؟
    ستكون ضربتك القاصمة يا ظالم ..يا اسما على مسمى ..ليته ما تركني هنا .. ليته .. خنت
    أمانتك يا ظالم .. خنت .. توقف يا رجل ..توقف ..وأين أذهب من بنى مرينا .. أين ؟
    بن مرينا : يا ظالم ؟
    ظالم : أمرك سسسـ سيدي .
    بن مرينا : خذ حذرك .. وتجنب العيون قدر الإمكان .. هيا .
    ظالم : كما ترى .. كما ترى ( يختفي ) .
    بن مرينا : لو أتقن خط الرسالة .. وأظنه يتقنها .. كانت القاصمة لعدى !
    الأسود : هذا الظالم لا أستريح له .. لا أستريح له .
    بن مرينا : و لا أنا .. ولكن ما العمل .. وجوده لا غنى عنه .. إنه ضربتنا .. ضربتنا يا أسود .
    الأسود : لكنه لا يريحني .. نظرات وجهه تحمل الكثير من العداوة و الاتهام .
    بن مرينا : انتظر حتى ينهى نسخ الرسائل .. وبعدها .. نتخلص منه .
    الأسود : نعم .. لا أتصور أن أضطر لرؤيته كلما خطوت .. لم لم يأت زيد الغساني .. أي شيء أخره ؟
    بن مرينا : لسنا فى حاجة إليه الآن .. بل وجوده كل حين فى حضرة النعمان أخطر .. شبهه بعملية تحضير
    لرأس النعمان .. فهو يقتل تفكيره .. كن ذكيا و لا تبدى العداوة سافرة .. راوض ثورك ..
    لاينه .. حتى تقنصه دون أن يجد فرصة للدفاع عن نفسه .
    الأسود : اقتربت نهايتك يا نعمان !!
    بن مرينا : هش .. لا تكمل .. يا أبله .. لا تأت بذكر النعمان على لسانك .. أسمعت !
    الأسود : هيه .. سمعت .
    بن مرينا : الأهم عدى ، وبعدها تسير الأمور كما نريد .. ننتهي من عدى أولا .. ثم ندبر مع ابن هرمز
    الجولة الثانية و الأخطر .. هيا بنا .




    نبئت أن أبا قابوس أوعدني ولا قرار على زأر من الأسد
    مهلا فداء لك الأقوام كلهم وما أثمر من مال ومن ولد
    فلا لعمر الذي مسحت كعبته وما أريق على الأنصاب من جسد
    ما إن بدأت بشيء أنت تكرهه إذن فلا رفعت سوطي إلى يدي
    إظلام

    اللوحة الخامسة
    فى قصر منيف .. هند فى جناحها .. قلقة تتحسس بطنها العالية .. وتتحرك حزينة
    هند : شهران يا عدى ,وأنت بعيد عن الديار ، نسيتني فى هذه المتاهة ، أشهد كل يوم ، بل كل ساعة
    من ليل أو نهار ما يدور و ما يتم بين دهاليز هذا القصر .. بنى مرينا لا يهدأون ، وأخي لا حول
    له و لا قوة .. ينصت و ينصت .. إنها المهلكة يا عدى تعد لك .. لم كل هذا الغياب يا قرة
    العين و القلب .. ألا تريد رؤية ولدك .. حبيبتك هند ؟
    سلمى : ( تدخل وهى تتوكأ على عصى ) يا هند .. أين أنت يا بنيتي.. هذه البنت أصبحت تتغيب عنى
    كثيرا .. ها أنت .. لم تجلسين وحدك يا أم المنذر .. ألا تردين على أمك .. حبيبتك ؟
    ( تدنو منها ) ما هذا .. دموع .. معك كل الحق .. أنا نفسي شغفت بعدى .. واشتقت إليه
    كثيرا كأنه ابن أحشائي وبطني .. لكننا نعلم يا هند منذ شب عن الطوق أنه مثل طائر لا يسكن
    فى مكان .. السماء فضاؤه !!
    هند : والطيور تعود لأوكارها يا أمي ، لكن عديا لا يعود
    سلمى : سيعود .. سيعود يا أخت النعمان .. كيف حال ضفدعنا اليوم ؟ أرينى .. دعينى أسمع لعبه
    وهزره ( تميل برأسها على صدر هند ) لا .. لا .. هاهو يقول لك .. ألا تسمعين .. عدى قادم
    .. عدى قادم !!
    هند : عندما يعود لن أتركه .. سوف أرحل معه .. نعم
    سلمى : وتتركين أمك يا أخت ملك الحيرة ؟
    هند : لا أستطيع يا أمي ..أن أرى بعيني المؤامرات و الدسائس التي تحاك لعدى صامتة .. فلأرحل ..
    ابتعد حتى لا أرى و لا أسمع !
    سلمى : نعم يا بنيتي .. ليل نهار .. وبلا انقطاع ..وأخوك يسمع ويرهف أذنيه للجميع !
    هند : هذا ما يخيفني يا أمي .. عدى بن أوس .. و الأسود أخي .. وسعد القرقرة أخو عدى في
    الرضاعة حتى ظالم بن الحارث قهرمان عدى ، ومكمن سره ونجواه !
    سلمى : ظالم اختفى .. ما عدت أراه فى صحبة أخوتك .. و لا ابن مرينا !
    هند : أعطيته أكثر من رسالة لعدى ، و لا أعرف يقينا مصيرها ، فى يد هذا الظالم .
    سلمى : حتما تصله فظالم مهما كان رجله ، وما تركه إلا من أجلك و السهر على مصالحك .
    هند : أخشى ما أخشاه اجتماعهم معا ذهابا وجيئة .. حتى فى حضرة النعمان .
    سلمى : لكن النعمان ولدى لا يحب سوى عدى .. زوجك ..فخلى عنك هذه الهموم !
    هند : يا أمي .. النحت الدائم في الصخر قد يشقه أو يحدث فيه نتوءا !
    سلمى : صدقت يا هند .. لكن ....
    هند : لكن ماذا ؟ لابد أن يكون هنا .. البعد يقتل المشاعر وبعيد عن العين بعيد عن .....
    سلمى : وقد يؤججها !!
    هند : إن قلبي منقبض يا أمي .. إنهم يدبرون شيئا خطيرا !
    سلمى : يا هند ..يا حبيتى لا تدوري فى طواحين الشكوك .
    هند : نظرات أخي أصبحت غريبة يا أمي .. غريبة عنى !
    سلمى : النعمان هو النعمان .. إن هي إلا أعباء الحكم .
    هند : قولي لي كيف استطاعوا استمالة ظالم قهرمان عدى ؟
    سلمى : ربما كان وجوده بينهم فى صالح زوجك .. فمن عاشر عديا من الصعب نكرانه .. تعالى لنعرف
    السر من الرمل .. تعالى
    هند : يا أمي .. وما يتردد هنا و هناك .. فى الخفاء و العلن .. كأن الحيرة تتحالف ضده .
    سلمى : إنهم بنى مرينا .. عداوة منذ عشرات السنين .. تعشش فى صدورهم .. صدقتى بنيتى ما
    يذيعونه ليل نهار يحمل نذير خطر .. خاصة .. وكل ما يقال ويدور مقرون بعدى .. لكن
    النعمان مهما كان جحوده لن يتنكر لأخيه عدى .. نعم لن يتنكر له .
    هند : و نحن .. أنقف مكتوفي الأيدي حيال كل هذا ؟
    سلمى : سوف يخبرني الرمل عن بعض ما يتم .. إن كان خيرا أم شرا .. تعالى .
    هند : بالطبع شرا يا أمي .. أنسيت كيف ملك أخي الحيرة .. وما فعل عدى بهم .. إن سألك الملك
    عن أخوتك .. فقل إن عجزت عنهم ؛ فأنا عن غيرهم أعجز !!
    سلمى : ( تقهقه ) و لا الأبالسة قادرون على ما قاله عدى .
    هند : إن سألكم الملك أتكفونني العرب .. قولوا نكفيكهم إلا النعمان .. إلا النعمان !
    سلمى : ( تواصل الضحك ) فكيف ينسى النعمان عديا .. هيا يا هند .. ارمي ما يثقلك وهيا ..
    نتريض فى حديقة القصر قليلا .. أقول لك سأرسل فى طلب الساحرة غنيفرة .. نعم
    هند : لكنى اشتقت كثيرا لعدى .. وسأكتب له رسالة أخرى .
    سلمى : تكتبين له .. أتعرفين أين هو الآن .. فى المدائن أو في بلاد قيصر .. دمشق .. الـ....
    هند : سأكتب و إلا مت كمدا ..رغم أنى لا أعرف مصير رسائلي السابقة .. هل تسلمها عدى أم
    لم تصل إليه بالمرة .. إني حائرة .. حائرة يا أمي .
    سلمى : تماسكي هند .. هذه الانفعالات لا يليق بك تصديرها لولدك .. سأرسل فى طلب غنيفرة .
    خادم : سيدتي أم الملك .
    سلمى : ماذا وراءك ؟
    خادم : شيخ قادم من الصحراء .
    سلمى : وما يريد الشيخ .. أه .. قدم له ما عندك من طعام وشراب .. وأكرم وفادته .
    خادم : سيدتي .. إنه يحمل ظالم قهرمان سيدي عدى .. وهو بين الحياة و الموت !
    هند : ماذا ؟
    خادم : يقول ألتقطه من بئر على الحدود الغربية للحيرة .
    ألا أبلغ عديا عن عدى فلا تجزع وإن رثت قواكا
    فإن تظفر فلم تظفر حميدا وإن تعطب فلا يبعد سواكا
    ندمت ندامة الكسعى لما رأت عيناك ماصنعت يداكا

    إظلام


    اللوحة السادسة
    النعمان بين رجال حاشيته و ندمائه ووزيره الربيع بن زياد
    بن زياد : ( يهمس فى أذن عدى بن أوس ) الكوابيس لا تفارقه ليل نهار هذه الأيام .
    بن مرينا : أية كوابيس يا ربيع ؟
    بن زياد : إنها تأتيه بغتة منذ قتل المنذر في يوم حليمة .
    بن مرينا : لم نتحدث في هذا الشأن من قبل .. هل يفكر في نيل ثأره ؟
    بن زياد : ربما .. لكنه لم يكاشفني .. وكل ما عرفته من الخدم .. أن صوته يعلو ليلا .. وبشكل رهيب
    .. متوعدا الحارث الغساني .. ثم يهب مترنحا وجسمه يقتر عرقا .. وأنفاسه تتردد كعصف
    الريح !
    بن مرينا : هذه خبايا تستحق عليها الكثير يا بن زياد .
    الأسود : أين رحت .. لم تركته باردا يا عدى .. انه ما بدأته .. ودون تراخ .
    بن مرينا : جديد .. أسمع جديدا .. سأطلعك عليه حين نغادر .. هيه .. هل تأكدت من موته ؟
    الأسود : أثخنوه ضربا حد الموت .. ثم ألقوه في بئر سحيقة !
    بن مرينا : أقول لك .. هل تأكدت من موته .. سؤالي محدد يا أسود ؟
    الأسود : نعم تأكدت .. تأكدت .. فقد ألقى الرجال في البئر كتلا من الحصى حتى يهيأ لى أن البئر
    ردمت تماما .. لابد من إتمام الأمر الآن .. هيا لا تتركه .. لا تتركه .
    بن مرينا : هيه لم نسمع رأى مولاي النعمان فيما قيل ؟
    الأسود : مولاي لا يصدق شيئا في عدى .. أليس زوج أخته ؟
    النعمان : كونه صهري لن يشفع له حين يتأكد لى صدق ما دفعتموه يا أخي .
    الأسود : يا لك من ملك .. كل هذا و لا شيء ؟
    بن مرينا : انتظر يا أسود .. ولو جئت لك بدليل على صدق ما دفعته إليك يا مولاي ؟
    النعمان : ومعك دليل أيضا يا عدى .. لنرى ما عندك ؟
    بن مرينا : معي يا ملك الحيرة .. رغم أن ما دفعته لا حاجة له بدليل .. أقول لك يذيع بين القبائل ..
    النعمان ما هو إلا صورة .. إنه لا يملك أمر نفسه .. إنه ..........
    النعمان : عدى يابن أوس .. لا تحاول إثارة حفيظتي .. هات ما عندك و كفى
    الأسود : أرأيت يا مولاي .. أنت لا تصدق فيه كلمة .
    النعمان : ليقل ما يشاء .. و إن كان هذا لا يصدر عن عدى ؛ فليس من هذه الطينة ؛ حتى لو أمرته
    بقول ذلك !
    بن مرينا : هيا بنا يا أسود .. هيا يا سعد .. وماذا تقول فيما جاء به سعد .. أخوه في الرضاعة .
    النعمان : يا قوم .. لا تتعجلوا الأمور ؛ بعض التروى .. بعضه .
    بن مرينا : تريد دليلا .. وهذا هو الدليل يا ملك الحيرة ( يقدم له قرطاسا ) .
    النعمان : ما هذا ؟
    بن مرينا : فضها يا ملك الحيرة وسوف ترى .. رسالة من رسائله لشيوخ القبائل .....
    النعمان : هذا بالفعل خطه .. ورسمه .. وهذا خاتمه !
    بن مرينا : فلتقرأ يا مولاي بنفسك !
    النعمان : من عدى بن زيد بن أيوب بن معد إلى .............أعلمكم أنه قد آن الوقت لتنحية هذا
    القبيح ، واختيار حاكم منكم يصلح لحكم العرب و لم شملهم ؛ وذلك استعدادا للثورة على
    كسرى ووقف تدخله فى أمورنا نحن العرب .........................
    الأسود : ( يهمس ) انظر إلى وجهه يا سعد ؟
    سعد : أصبح فى وهج النار !
    الأسود : أظن أن الأمر وصل منتهاه ؟
    سعد : وأنا أرى ذلك .
    النعمان : اتركوني وحدي .
    بن مرينا : أمر مولانا ....ولو أنى كنت أود إطلاع مولاي على عينة أخرى .
    الأسود : أطرق الحديد وهو ساخن .. هيا
    النعمان : أمعك المزيد .. جرابك ثقيل هذه الليلة يا عدى .. هاتها
    بن مرينا : حتى زوجه ..أختكم يا مولاي !
    النعمان : ماذا تقول ؟
    بن مرينا : أقول زوجه تفعل المستحيل لأجل صرفه عن هذا التآمر .. لكنه يركب رأسه !
    النعمان : هات ما تحمل .. هات .
    بن مرينا : رسالة من مولاتى الأميرة هند إلى زوجها ....وقعت في يدي بمحض الصدفة .. والله بمحض
    الصدفة .. والله !!
    النعمان : ودخلتم دارى ، وعبثتم بأسرار أهلي ؟
    بن مرينا : مولاي .. كان يحملها رسول إلى الزوج ؛ فأخذناها برغمه !
    النعمان : اكتفيت يا عدى .. انتظرا أنتما ( يلوح لنديميه بالانتظار )
    بن مرينا : إذن مولاي ( يتحركون للانصراف .. ينصرفون تباعا )
    النعمان : شهور يا عدى ، وهم يعدون لك حبل المشنقة ، نعم .. إنهم لا يرتدعون ؛ كلما أغلقت أمامهم
    بابا فتحوا آخر .. عدى .. أين أنت .. لم أنت بعيد عنى .. لو تعرف قدر وحشتي ما ابتعدت ..
    هل أرسلت بالفعل رسائلك إلى شيوخ القبائل .. لم لا تجبني .. عدى أرنى وجهك الحيبب .. هل
    أرسلتها !
    عدى : ( عدى بن زيد يدخل على أطراف أصابعه ) أرسلتها !
    النعمان : فما قلت في ؟
    عدى : هذا رجلكم النعمان .. التفوا حوله .. آزروه .. فقد آن اجتماعكم .. كفى هوانا ياقوم أمام
    كسرى .. كفى مواتا وضياعا...............................أتريد سماع المزيد ...عليك برؤساء
    القبائل .. ما تريد معرفته اسألهم عنه ...( يقترب منه ويقبل كتفه ) .
    النعمان : ( بعينين دامعتين ) أسألهم ؟
    عدى : صعب ؟
    النعمان : هل ناديت بخلعي ؟
    عدى : سلهم
    النعمان : أنا الملك .. أم أنت ؟
    عدى : سلهم
    النعمان : من الذي ولد بلا دبر ؟
    عدى : ............
    النعمان : من المتكبر الظالم الغشوم ؟
    عدى : ................
    النعمان : من المريض الذى تتلاعب برأسه الكوابيس .. من ؟
    عدى : .........................
    النعمان : أليس هذا كلامك ؟ ( يلوح بالقرطاس فى يده ) .
    عدى : أرينيه ( يخطف القرطاس )
    النعمان : ( يفيق كأنه كان يتحرك وهو نائم ) من .. عدى ؟
    عدى : عدى ( وهو يفسح ذراعيه ) ادخل على يا أبا قابوس .. ادخل .
    النعمان : ( يخذله ) ألا تر ما تحمل ؟
    عدى : وما تحمل .. إن كان لي حقا فأنا أعرف و أنت تعرف !
    النعمان : عدى .. افتح القرطاس و انظر .
    عدى : إن بي شوقا إليك يا رجل ؛ فلا تقتله بحديثك .
    النعمان : عدى .. ليس هذا وقتا يصلح لتبادل العواطف .
    عدى : و لأي شيء يصلح .. للموت يا صهري النبيل ؟
    النعمان : عدى انظر ما يحمل القرطاس .
    عدى : أمرك يا ملك الحيرة ( يفتح القرطاس و هو يختلس النظرات ثم يفاجأ بما كتب ) ما هذا ......
    النعمان : كلماتك .. هل تفزعك ؟
    عدى : لا .. ليس خطى و لا هي كلماتي !
    النعمان : خط من إذن ..وحديث من .. قل لي يا عدى .. أرحني .. الشياطين تدبدب في كل جسدي ..
    حيات تفتك برأسي .. بعقلي ليل نهار .
    عدى : صدقتهم ؟
    النعمان : خلصني مما بي .. قل كتبتها مرغما .. في لحظة سكر .. في غيبة عقل .. قل أي شيء ؟
    عدى : قلت ليس خطى و لا كلماتي !
    النعمان : خط من إذن يا عدى ؟
    عدى : صدقتهم يا ملك الحيرة .. يا صهري العزيز ؟
    النعمان : أين الحقيقة .. أين هي ؟
    عدى : ( يقترب منه ويشد على يده بقوة ويجلسه على عرشه ) أنت نسيت النعمان .. النعمان ..
    فنسيت عديا .. وعدى بعض منك .. من ثدي واحد رضعنا ( ينفلت النعمان ويدور و الكلمات
    تطارده ) .. اللقمة كنا نقتسمها .. حبة الفاكهة ..شربة الماء .. حلمنا أيضا اقتسمناه كوجهي
    عملة .. أتذكر حلمنا يا ملك العرب .. أتذكره أم نسيته .. ألم أقل الطريق طويل وصعب ..
    وحذار أن يفتنوك ويقتلوا وهج الحلم فى صدرك ..ألم أقل لك عدى محض أداة لتحقيق الحلم ..
    ألم تختلط دموعنا ودماؤنا فى عهدنا معا .. ألم .....................
    النعمان : وهذه يا عدى ؟
    عدى : لتكن مائة .. ألفا .
    النعمان : وهذه يا عدى ؟ ( يلوح بقرطاس آخر )
    عدى : ( يدفع إليه بالرسالة ) لتكن مائة .. ألفا .
    النعمان : ألا تر ما تحمل ؟
    عدى : ( يلقى بالرسالتين فى حجره ) ضاع كل شيء .. وضاع النعمان .. ضاع !!
    النعمان : ( يهب واقفا ) بل أنت يا عدى .. لا أنا !
    عدى : تمكنوا منك !
    النعمان : لست لعبة أو ........
    عدى : قرارك يا ملك الحيرة ؟
    النعمان : تكلم .. ادفع عن نفسك تهمهم .. لا تترفع عليها .. تكلم ؟
    عدى : وأنت ؟
    النعمان : أنا .. أنا ماذا ؟
    عدى : هل تعرفها في ؟
    النعمان : كان محض كلام ممجوج يتناقله العامة .. فما صدقته .. ولكن أن يصل إلى ( يرفع الرسالتين )
    عدى : وسمعت العامة .. أليس كذلك ؟
    النعمان : بل نقلوا إلى ما يتناقله العامة !
    عدى : من ؟
    النعمان : عدى بن أوس و الأسود وسعد القرقرة .. وظالم قهرمانك ........هل تريد المزيد ؟
    عدى : سلاما يا ملك الحيرة .
    النعمان : لم أنه حديثي بعد .
    عدى : تصر على خيانة عقلك .. لم يا ملك العرب .. لم ؟ ( يخرج حزينا باعتدال )
    النعمان : ( يدور كثور .. يصرخ ) يا غلام .. ييا
    خالد : ( نديمه خالد بن المضلل ) مولاي .. نحن هنا.. خالد هنا
    النعمان : خالد .. خالد من ؟
    خالد : خالد .. خالد يا مولاي .. خالد .
    النعمان : ومن هذا أيضا .. ألا تر أنه غريب عن الحي .. أليس كذلك ؟
    خالد : مولاي .. هذا عمرو بن مسعود .. مسعود بن كلدة
    النعمان : من مسعود بن كلدة .. اسم غريب .. لم أنتما هنا .. تكلم وإلا قتلتك ؟
    عمرو : مولاي النعمان .. نحن نديماك .. نحن السهر و الهرج و المرج .. نحن ......( وهو يترقص )
    النعمان : لم تترقص .. يا غلام ( بصوت عال )
    غلام : مولاي
    النعمان : صب كأسى .. هيا .. من الرجلان .. ألا تعرفهما ؟
    غلام : مولاي ..
    النعمان : لم لا تجب يا أبله ؟
    غلام : ( وهو يصب الكأس تلو الأخرى ) مولاي .. مولاي
    عمرو : ( يخطف الكأس و يصب هو .. يقدمها له ) كأسك يا ملك العرب !
    النعمان : صب غيرها .. وغيرها .. وغيرها ( يشرب بلا توقف حتى يتأرجح ) لم لم ينتظر .. لم ترفع ..
    ألا تعرفه يا نعمان .. أنت تعرفه جيدا .. لا .. لا أعرفه .. لم أعد أعرف شيئا بالمرة .. و أنتما لم
    لم تنصرفا .. لم .. لم يعد أحد يأتمر بأمري .. أصبحت لعبة فى أيديكم .. أنا .. النعمان .. ملك
    العرب .. سوف أريكما كيف يكون جزاء عدم الانصياع لأمري ( يتحرك متأرجحا بسرعة ..
    يلتقط سيفه المعلق .. يتقدم منهما .. يقتلهما واحدا بعد الآخر فقد نال منهما السكر أيضا ..
    يرتمي بينهما .. يرفع يديه .. يرى الدماء ) أرأيتما جزائي .. أرأيتما ..كان يجب أن تعرفا جيدا
    من النعمان .. من النعمان ( يضحك .. يبكى .. يضحك .. يبكى ) من النعمان يا حارث .. ها
    قد أصبحت جثة هامدة .. جثة هامدة .. ودون أن أزوج ابنتي ..يالدمك الغزير الأسود .. وغدا
    أثب على ملكك .. وأنهى عليك تماما حين أنهى على بقيتك .. بنيك و أهلك .. بنيك وأهلك
    .. يا عدى بن زيد وجودك يخنقني .. يقتلني .. آن أن ترحل .. ترحل لتنتهي كوابيسي و ترحل
    بعيدا أوجاعي .. نعم ترحل .. ترحل.. عدى .. أين أنت .. عدى .. ألا تسمعنى أيها الولد
    العاق .. عدى .. لن أتركك ترحل .. سوف أموت يوم رحيلك .. نعم ( يمزق وسادة ويخرج
    ريشة يرفعها على الجثة الأولى .. ويعود ويخرج ثانية ويرفعها على الثانية ، ويعود ليأخذ ثالثة ..
    يحار ويدور ) أين أنت .. أين أنت .. كان يجب أن تكون هنا حتى أثبت رايتك ( يضعها فى
    عمامته الموضوعة على الأرض ويرفعها على رأسه ) .


    ليت شعري عن الهمام ويأتيك بخبر الأبناء عطف السؤال
    أين عنا إخطارنا المال و الأنف س إذ ناهدوا ليوم المحال
    ونضالي فى جنبك الناس يرم ون وأرمى وكلنا غير آلي
    فأصيب الذي تريد بلا غــش وأربى عليهم وأوالى


    إظلام

    يتبع
    sigpic

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      اللوحة السابعة
      سلمى أم الملك تتوكأ على عصاتها ومعها هند صغيرتها فى حالة يرثى لها – تعبران البهو
      الملكي حيث النعمان في اجتماع برجاله وندمائه .. ينفض الجمع بمجرد دخول المرآتين .
      سلمى : يا نعمان .. يا ملك العرب .. يا نعمان .......
      النعمان : عذرا يا سادة .. نكمل حديثنا فيما بعد ( يهم الجميع .. ينصرفون )
      سلمى : يا نعمان .. يا ملك العرب ......
      النعمان : تعالى يا أمي ( وهو ينتهي من وداع القوم ويسرع إليها ) لم لم ترسلي إلى ؛ فآتيك زحفا ..
      تعالى .. استريحي .
      سلمى : أستريح .. كيف أستريح يا نعمان .. كيف ؟
      النعمان : ماذا حدث يا أمي .. اهدىء .. اهدىء يا أم .
      سلمى : يقول لي اهدئي .. كيف يأتي الهدوء يا نعمان .. كيف بالله عليك ؟
      النعمان : أخبريني يا أمي .. لم كل هذا العناء ؟
      سلمى : أين عدى يا نعمان .. أين أخوك ؟
      النعمان : أمي .. أرجوك .
      سلمى : أين زوج أختك يا أبا قابوس ؟
      النعمان : تعرفين أين يا أمي .. ألا تعرفين ؟
      سلمى : لا .. أريد أن أعرف منك أنت .
      النعمان : أمي .. لقد ......
      سلمى : كيف يحدث هذا يا نعمان .. بالله عليك ألا قلت لي .. كيف طاوعك قلبك على سجنه ..
      وحبسه .. كيف ؟
      النعمان : أخطأ .. أخطأ يا أمي
      سلمى : من .. عدى .. سفير العرب في بلاط كسرى و قيصر .. يخطىء .. يخطىء ؟
      النعمان : أخطأ يا أمي
      سلمى : من رفعك على هذا الكرسي حبا وكرامة .. يخطىء ؟
      النعمان : أخطأ يا أم الملك .. أخطأ .
      سلمى : من سعى لك سفيرا فى تميم و عبس وذبيان ورواحة و كندا و بكر وتغلب وشيبان و ....
      يخطىء؟
      النعمان : هووووه .. أماه
      سلمى : لا أم لك .. أي شيطان يسكن رأسك يا نعمان .. أي شيطان ؟
      النعمان : قولي ما يحلو لك .. لن أمنعك !
      سلمى : وهذه .. وهذا الحفيد الذي أنتظر .. لا تصمت .. جئت لأسمعك .. أسمعك أنت لا أحد سواك
      النعمان : هات كل ما عندك .
      سلمى : على حجر أمه كنت تعانقه و يعانقك .. وفى بهو المنذر أبيك كنت تلاعبه و يلاعبك .. يلبس
      ملبسك و تلبس ملبسه .. الضحكة كانت مقسمة بينكما ..شربة الماء ..ثمرة الفاكهة .. وعندما
      تخلى عنك المنذر ما تخلى .. تحمل عنك نبح الكلاب ، و نهش الذئاب التي تبغي نهشك أنت ،
      ولا ترتضيك ملكا .. لا ترتضيك .. لا .....!
      النعمان : أماه ...
      سلمى : كسرت ضلعك السوي .. بل جيشا يا نعمان .. لم يا ولدى .. لم ؟
      النعمان : أقول لك أخطأ يا أم الملك .. أخطأ .
      سلمى : فلتعرف شقيقتك خطأ زوجها .
      النعمان : تحدث في أمور ما كان يجب عليه الخوض فيها .
      سلمى : وماذا أيضا ؟
      النعمان : بعث برسائل لزعماء القبائل دون علمي وتوقيعي عليها .
      سلمى : ثم ؟
      النعمان : ألا يكفى هذا ؟
      سلمى : لم أرك بمثل هذا القبح يا ابن أحشائي .. مغرور ومتكبر و تافه .
      النعمان : أمي .. لم أفتر عليه ( يقدم لها رسائله المزعومة ) هذه رسائله .. أداة إدانته التي لم يستطع
      دحضها .
      سلمى : يدحض ماذا يا نعمان .. يدحض ماذا .. وقد خنته .. وخنت صدقه و أمانته .
      النعمان : لم يحدث .. لم ......
      سلمى : حين تصدق كذب وهراء ما دفعوه إليك .. وملئوا به رأسك الغبي .. تخونه .
      النعمان : وإن كانوا صادقين ؟
      سلمى : أي صدق .. إنهم لن يتركوك .. ذهبوا إلى الرأس أولا .. والقادمة أنت .. أنت .. هذا لهوان
      شأنك عندهم !
      النعمان : أمي .. أرجوك ( يهمس ) ليس أمام هند .. أرجوك يا أم .
      سلمى : بل أمامها .. وعلى مرأى منها .. ما ذنبها .. تثكلها وهى فى هذه السن .. ألا تبا لك من أخ
      قاس .
      النعمان : أمي .. لن أتحمل قسوتك على .. لن أتحمل .
      سلمى : أنت ما رعيتني .. و لا رعيت أحد .. تعلم أنهم لن يهدأوا حتى يقتلوك أو يبعدوك عن هذا
      الكرسي .. ألا تعلم يا رجل ؟
      النعمان : سلى هند يا أمي .. صارحيني يا هند .. أليست هذه رسالتك إليه ( يقدم لها الرسالة ) ؟
      هند : أية رسالة يا أخي .. يا ملك العرب .
      النعمان : بل قولي أخي أفضل ؟
      هند : ملك العرب .. لو كنت أخي .. شقيقي .. لو كنت .. ما فعلت هذا بي .. ما فعلته .
      النعمان : هند .. أرأيت نتيجة فعلك يا أم .. هاهي .. هاهي !
      سلمى : تتكلم حقا وصدقا يا ملك العرب .
      هند : ( تحدق فى الرسالة باستغراب ) هذه نسخ .. ليست رسالتي .. و لا هو خط يدي !
      النعمان : نسخ !
      هند : رسائلي يا أخي .. حين غاب عدى .. أعطيتها لظالم قهرمانه .. أخذ منها وزيد عليها !
      النعمان : ألم تكوني على علم بما يدبره زوجك ؟
      هند : يدبر ماذا يا أخي .. يدبر ماذا .. وقد رأيت بعيني رأسي كيف تعاهدتما .. كيف تم ذلك
      بدمائكما معا .. معا .
      النعمان : انسي هذا .
      هند : كيف أنسى دم زوجي و أخي .. يا أخي .. وقد حاولت صرفه عن مقابلة كسرى وتمكينك
      من ملك الحيرة فما سمع لى كلاما .. بل هتف بفرح.. النعمان أمل طال انتظاره يا هند .. طال
      انتظاره !
      النعمان : به أو بغيره كنت الملك .
      هند : لا .. أنت تغالط نفسك يا أخي .. تغالط نفسك .
      النعمان : بنت .. التزمي حدود الأدب !
      هند : زوجي يتألم فى محبسه .. صوته يناديني ليل نهار .. ارحمني .. أطلقه .. وسوف أخذه و أرحل
      بعيدا .. أرحل بعيدا .
      النعمان : لا .. وسوف يطلقك مرغما !
      سلمى : ( تتحرك بعصبية حتى تمسك بملابسه وتشده ) لم لا تريد أن تفهم .. لم تصم أذنيك .. لم ؟
      تكن هكذا عاقا متعاليا على أهلك قبل اليوم .. لم ؟ يا غلام ( تنادى )
      الغلام : مولاي
      سلمى : ادخل ظالما .
      النعمان : ظالم .. يقولون رحل خلف عدى .. ولم يعد .
      هند : بل قتل .. لكن الله أحياه شاهدا للحقيقة .
      النعمان : أية حقيقة .
      سلمى : انتظر يا ملك العرب .. هاهو ذا مقبل .. انتظر لترى بشاعة أصحابك ومريديك .
      ظالم : ( يقبل زاحفا ) مولاي الملك .. مولاي .. سامحني يا مولاي .. سامح عبدك الضعيف .
      النعمان : ( باستغراب شديد ) من هذا .. أهذا ظالم قهرمان عدى بن زيد ؟
      ظالم : أنا هو يا مولاي .. أنا هو ( يبدو أن الساقين قد بترتا إلى جانب ذراع من الذراعين ) أنا !!
      النعمان : من فعل بك هذه الفعلة النكراء .. من ؟
      ظالم : عملي الأسود .. فقد خنت الأمانة .. خنتها يا مولاي .
      النعمان : أية أمانة يا رجل ؟
      ظالم : بيميني هذه التي بترت نسخت رسائل سيدي عدى .. وأيضا رسائل سيدتى هند .
      النعمان : ماذا تقول ؟
      سلمى : هيه ما رأيك يا ملك العرب ؟
      النعمان : نسخت ماذا .. أعد على ما قلت .. نسخت ماذا ؟
      ظالم : فى لحظة ضعف يا مولاي ، تلاعبوا بعقلي البليد ببعض دراهم ، ووعود باطلة ، وطالبوني بنسخ
      رسائل سيدي عدى .. وسيدتى هند .
      النعمان : من هم ؟
      ظالم : سيدي و مولاي
      النعمان : أقول لك من هم .. تكلم ؟
      ظالم : ( يبكى ) مولاي ملك العرب .. سيدي عدى بن أوس بن مرينا و مولاي الأسود وسيدي
      سعد القرقرة .
      النعمان : ثم ؟
      ظالم : انصعت لهم .. انصعت لهم .. اقتلني يا مولاي .. اقتلني لأستريح من عذابي ( يجهش )
      النعمان : بل تعش بعجزك .. بعذابك .. تعش ( يقهقه بهستيرى ) اكتفيت منكم .
      هند : أخي لا تغلق باب رحمتك دون أختك .. أخي اغفر و سامح إن كان أخطأ .. أخي
      النعمان : قلت اكتفيت منكم .. هيا
      هند : أمرك يا أخي .. أمرك .
      سلمى : و أنا لن أنسها لك .. سوف أهيم على وجهي فى الصحراء بعيدا .. بعيدا .. تتخاطفنى
      الذئاب و الصقور حتى لا أرى وجهك القبيح يا ابن بطني ( تتحرك للخروج )
      هند : أخي .. أراه يا أخي .. أراه .
      سلمى : هيا يا أخت الملك
      هند : ( تسقط بين قدميه ) أراه يا أخي .. أراه .
      النعمان : ( يفزع و يرفعها بيديه ) هند .. أختي .. ماذا تفعلين .. تعالى .. لك ما تريدين ..لك ما
      تريدين .. يا بن زياد !
      الحاجب : أمر مولاي
      النعمان : إلى بوزيري الربيع بن زياد
      الحاجب : أمر مولاي
      ظالم : مولاي عدى ..سامحني .. بترت يمينى التي خطت الرسائل .. قطعتها .. سيدي سامحني يا
      سيد الناس .. أنا ظالم .. ظالم .. و مولاي النعمان .. لا يسمعني .. لا يصدقني .. لا يصدقني
      .. أنا كاذب .. محتال .. خائن .. أنا خائن يا مولاي .. خائن يامولاى .. أنا من يستحق السجن
      .. بل الموت .
      النعمان : هيه يا نعمان .. أنت تعلم أنه أخذ مظلوما .. هو كبرك وغرورك وغشمك .. لم تقل سلمى
      جديدا .. أنت تعرف .. و هاأنت تختلج جوانحك فرقا لغيابه .. ومع ذلك .. يالقسوتك على
      نفسك وعلى محبيك .. تراجع يا رجل .. تراجع قبل فوات الوقت .. لم يخنك كما خنته .. ولم
      ينصت لكائد .. بل رد غيبتك .. أمام الجميع .. كلهم خدعوك .. كلهم يريدون قتلك .. كلهم
      هباء .. وهو وحده ناصيتك البيضاء ..ناصيتك الـ......ودليل براءته بين يديك ..بين يديك ..
      ألم تسمع .. ألم تر مدى قسوتهم وتدبيرهم ؟ ( يقهقه ) أنت خائف .. خائف .. بنو مرينا .. و
      الأسود رأس الأحد عشر أخا ( يقهقه كأنه ليس هو من يفعل ) لكن عديا .. قربانك إليهم ..
      قربانك إليهم .
      الوزير : مولاي
      النعمان : هذه أختنا هند .. خذها إلى محبس عدى بن زيد .. فورا يا بن زياد .. فورا .
      الوزير : أمر مولاي ؟
      النعمان : وتحمل هذا المعتوه .. وتلقى به بعيدا حتى لا أسمع صوته مرة أخرى .. بعيدا !
      أبلغ أبيا على نأيه وهل ينفع المرء ما قد علم
      بأن أخاك شقيق الفؤاد كنت به واثقا ما سلم
      لدى ملك موثق فى الحديد إما بحق وإما ظلم
      فأرضك أرضك إن تأتنا تنم نومة ليس فيها حلم



      إظلام

      اللوحة الثامنة

      في المدائن .. في دار أحد المرازبة ، وهو شيخ طاعن .
      الخادم : مولاي أبى بن زيد بن أيوب التميمى
      الشيخ : أهلا بك فى دارك بن زيد .. تفضل على الرحب و السعة .
      أبى : لم أرك اليوم فى حضرة مولاي كسرى .
      الشيخ : عفيت يابن الأحبة و ابن أخي الأحبة .
      أبى : عفيت و شفيت ياشيخ المرازبة .
      الشيخ : إن بك شيئا يا أبى .. لم أرك هكذا حزينا .
      أبى : لا أخفى عليك .. جاءتني بعض أخبار .
      الشيخ : ممن ؟
      أبى : لست على يقين مما سمعت .
      الشيخ : وما سمعت ؟
      أبى : يتردد حديث حول قتل النعمان ملك الحيرة لأخي
      الشيخ : عدى .
      أبى : نعم عدى يا شيخي
      الشيخ : كلام .. لا يعقل يا أبى يا ولدى .
      أبى : أنا إلى الآن لا أصدق .. رغم تردد أشعار لعدى هنا و هناك يتناقلها الكثيرون .. كيف يعض
      النعمان يدا له .. مدت إليه بالخير و الملك و الـ ......
      الشيخ : بعض ما وصلني عن النعمان يشينه و لا ينصفه .. لكن عديا .. لا .. لا أظن .. لا أظن .
      أبى : وأنا أيضا لا أظن .. فعدى أخي في منزلة أخ له .
      الشيخ : هو سريع الغضب .. متكبر .. متجبر إلى حد السفه .. و لا ينصت لصوت العقل .
      أبى : و لهذا جئتك يا كبير .
      الشيخ : هل فعلت شيئا حتى تستوثق من الأمر ؟
      أبى : أرسلت أحد الرجال إلى جابر بن شمعون فى الحيرة ، ومسعود بن هانىء فى شيبان ، وأيضا
      زوجه هند أخت النعمان .
      الشيخ : منذ متى ؟
      أبى : إني متعب يا كبير .. ماذا لو أن ما وصلني حدث فعلا ؟
      الشيخ : ولم لم تتصل بحذيفة بن بدر خليفة النعمان فى بلاط مولانا كسرى ؟
      أبى : تعلم أنى لا أستريح له .. و لا يستريح لي .. إني خائف .. بل أرتعد فرقا .
      الشيخ : لا تجدف يا أبى .. وانتظر يا ولدى ؛ فعدى مثل أبيه حفاظا للعهد طيب المعاشرة .
      أبى : إنه حمل وديع ورقيق .. و أنت
      الشيخ : أعرف .. أعرف ..ياله من ولد .. حضري المزاج .. والحديث و الفعل .. يحفظ على الأقل
      خمس لغات بآدابها ( طرق على الباب ) يا غلام .. انظر من بالباب
      الخادم : ( يتجه صوب الباب .. يفتحه ) مولاي .. رجل بالباب يطلب مولاي أبى بن زيد
      الشيخ : دعه يدخل فورا .
      الخادم : تفضل يا سيدي ( وهو يفسح الطريق )
      الشيخ : سوف يطمئن قلبك الآن .
      الرسول : مولاي
      الشيخ : أهلا بك يا ولدى
      أبى : أهلا بك يا عامر .. هيه .. تكلم .. ما أخبار الحيرة ؟
      عامر : مازال حيا .. حيا .
      أبى : حيا يا عامر .. حيا
      عامر : حيا يا أبى .. حيا .. لكنه في الصنين !
      أبى : الصنين ؟
      عامر : فى سجن الصنين على أطراف الحيرة .
      أبى : سجن الصنين !!
      عامر : نعم .. وهذه رسالة منه و أخرى من زوجه هند .
      أبى : هاتهما ( يفض مابهما .. يبكى )
      أبلغ أبيا على نأيه وهل ينفع المرء ماقد علم
      بأن أخاك شقيق الفؤاد كنت به واثقا ماسلم
      لدى ملك موثق فى الحديد إما بحق وإما ظلم
      فأرضك أرضك إن تأتنا تنم نومة ليس فيها حلم
      الشيخ : أبى .. تماسك يا رجل .. اجلس .. اجلس .
      عامر : كاد يطلقه ولكن .
      الشيخ : ولكن ماذا يا بنى .. أكمل حديثك ؟
      عامر : بنى بقيلة من غسان .. يحملون لعدى كرها حد الموت .
      أبى : دبرنى يا كبير المرازبة .. هذا أخي .. دموعه ودمه .. إنه يموت فى سجنه .. وهو ما تعود
      الحبس .. وهذه هند أخت النعمان تنتظر مولودها من عدى .. دبرنى ؟
      الشيخ : لا حل سوى كسرى نفسه .
      أبى : مولاي كسرى .. لا أرغب يا كبير فى الزج بمولاي كسرى في هذه الأمور .
      عامر : الضرورة يا أبى .. لا بد .. فالمؤامرة محكمة التدبير .. والنعمان يركب رأسه .. حتى سلمى أمه
      اعتزلته بعد رفضه شفاعتها فى عدى .. وأخته هند أيضا .
      أبى : لم .. لم يا نعمان .. و أنت تعلم ما يدور من حولك .. لم تغلق عينيك و قلبك عن الحق ؟
      عامر : يعلم أنهم أخوته وبنى بقيلة وعدى بن أوس .. ويعلم كذبهم .. لكن الغرور و الكبر لا حل
      لهما !
      الشيخ : رجل أخرق .. أخرق .. ولن يوقفه سوى مولانا كسرى !
      عامر : نعم .. لا بد من تدخل مولانا كسرى .. و إلا ضاع عدى .. ضاع .
      أبى : أخي ( ينهار )
      الشيخ : تماسك يا أبى .. تماسك
      أبى : ماذا لو قصدته أنا وأحد أعمامي
      عامر : لن ينصفكم يا أبى .. بل ربما اشتد فى تعنته وقسوته
      أبى : كلمات هند تقتر دما .. انظر يا كبير
      الشيخ : ( يأخذ منه الرسالة .. يقرأ .. يتفكر ) المشكلة الآن يا أبى هي حذيفة بن بدر !
      أبى : حذيفة ؟
      الشيخ : نعم .. فلو عرضنا أمرنا على مولانا كسرى .. وكلف مولانا بإنهاء سجن عدى .. سوف يطير
      أمر هذه المقابلة .. وأمر الموفودين للحيرة قبل تحرك وفد كسرى !!
      عامر : ومافى ذلك يا سيدنا ؟
      الشيخ : عدى ليس رجلا عاديا .. كلهم يعرف .. خروجه من سجنه فيه نهايتهم أو على الأقل ..
      هزيمتهم وإحباط مؤامرتهم و انقلاب النعمان عليهم !
      أبى : وما العمل ؟
      الشيخ : نحاول على قدر المستطاع أن يكون التكليف بالأمر لرجال من الحيرة مثل جابر بن شمعون
      مثلا !
      أبى : وكيف يكون ذلك .. وقد توسط من قبل جابر بن شمعون .. فما سمع له رغم ما عليه من دين
      كبير لجابر على ما سمعت ؟
      الشيخ : لكن حين يقصده حاملا أمر كسرى و شفاعته وعليها توقيعه و خاتمه ؟!
      أبى : كان يدبر له حين أرسل رسالته إلى عدى .. إني مشوق إليك .. إن لم تأت أتيتك أنا .. اقبل
      على يا زوج أختي .. يا صهري العزيز .. وهو يبطن الغدر و الخيانة !
      عامر : أبى .. وفر عليك عناءك .. و لا تقتل أخاك
      الشيخ : هيا بنا إلى مولانا كسرى .. أقول لك يا أبى .. أرسل بعض الرجال الأشداء .. يختطفون حذيفة
      ليومين .. ونطلقه .. نعم .. أجل .. لا حل سوى هذا .. هيا .
      أبى : و لكنك مريض يا كبير ؟
      الشيخ : لم أعد مريضا .. عدى يستحق الكثير .
      أبى : ألا ننتظر حتى نأخذ الإذن باكر ؟
      عامر : يا أبى .. أخوك يموت
      الشيخ : بل الآن يا أبى .. هيا بنا ..ما أريده منك أن تلثم وجهك و تلبس على غير ما تعودك الناس ..
      هيا !
      الخادم : ( يظهر حاملا ملبسا فضفاضا لسيده ، يرفعه عليه )
      الشيخ : لن أتغيب .. هيا يا أبى .. هيا .
      الخير أبقى وإن طال الزمان به
      والشر أخبث ما أوعيت من زاد
      هذا جزاؤك مـ نا لا يمن به
      لك الجميل علينا إنك البادي



      إظلام


      اللوحة التاسعة
      الوزير الربيع بن زيد و الأسود بن المنذر و عدى بن أوس .. والشاعر عبيد بن الأبرص وقد
      أحس بمصيبة وضع نفسه فيها إذ جاء النعمان يوم بؤسه الكريه !
      النعمان : هلاّ كان الذّبحُ لغيرك .. يا عبيد ؟
      عبيد : أتتك بحائن رجلاه .. هذا قدرى .. جئتك فى اليوم الخطأ .
      النعمان : أو أجلٌ بلغ أناه.. أنشدني ؛ فقد كان شعرك يعجبني !
      عبيد : حال الجريض دون القريض .. وبلغ الحِزام الطِّبيين.
      النعمان : ما أشدّ جزعك من الموت !
      عبيد : لا يرحلُ رحلك من ليس معك.
      النعمان : قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك!
      عبيد : من عزّ بزّ .
      النعمان : أنشدني قولك: "أقفر من أهله محلوب".
      عبيد : أقفر من أهله عبيدُ فليس يُبدي ولا يُعيدُ
      عنّت عنّةٌ نَكودُ وحان منه لها وُرودُ
      النعمان : يا عبيد! ويحك أنشدني قبل أن أذبحك.
      عبيد : واللهِ إن متُّ لما ضرّني- وإن أعِش ما عشتُ في واحدة
      النعمان : إنّه لا بدّ من الموت، ولو أن المنذر ، عرض لي في يوم بؤس لذبحته، فاختر إن شئت الأكحل،
      وإن شئت الأبجل ، وإن شئت الوريد ؟
      عبيد : ثلاث خصال كسحابات عاد واردها شرّ وُرّاد، وحاديها شرّ حاد، ومعادها شرّ معاد، ولا خير
      فيها لمرتاد، وإن كنتَ لا محالة قاتلي، فاسقني الخمر حتى إذا ماتت مفاصلي وذَهِلت ذوا هلي
      فشأنك وما تريد !
      النعمان : ليصب عليه دنان الخمر حتى يسقط ( الجميع يضحكون ويتغامزون بينما الخدم يؤدون أمر
      الملك حتى يفقد عبيد اتزانه ، فيسحبونه أمام الملك )
      خادم : مولاي .. هاهو كما أمرت .
      عبيد : ( وهو يترنح ) وخيّرني ذو البؤس في يوم بؤسه .. خَصالاً أرى في كلّها الموتَ قد برَقْ
      كما خُيّرتْ عادٌ من الدّهر مرّةً .. سحائبَ ما فيها لذي خِيرةٍ أنَقْ
      سحائب ريحٍ لم تُوكَّل ببلدةٍ .. فتتركها إلاّ كما ليلةِ الطّلَقْ
      النعمان : أحسنت .. هات سيفي أيها الربيع
      الوزير : هاك سيفك يا مولاي .. ألا ننتظر قليلا ؟
      النعمان : وهذه سحائبي يا عبيد ( ينزل بسيفه على رقبة عبيد فيقطعها ) احملوه بعيدا .. هيا
      الأسود : كان حظه أفضل من سابقه !
      بن مرينا : أمر له بمكافأة من الذهب صبت في فيه حد الموت .. ومات حتف الأنف !
      الأسود : ملك منحوس و شعراء منحوسون .
      بن مرينا : ليته يخلصنا من هذا المجنون ظالم الذي فقد عقله .. ودار في كل طريق ينادى على سيده !
      الأسود : هذا يتكفل به صغار القوم يا عدى .
      بن مرينا : هذا من فعلك .. قلت لك .. وأكدت عليك .. لا تتركه إلا جثة .. ضحكت على وصدقتك
      الأسود : لو رأيت الأمر لما خامرك الشك فى موته .. هل علمت بما تم بالأمس .. أتى بعدى إلى هنا .
      بن مرينا : ماذا ؟
      الأسود : ظل العبيد يجلدونه حتى تهرأ جسده .. وهو يستعطفه .. و النعمان يصرخ فيه .. طلق هند ..
      وهو يرفض .. وحين أغمى عليه .. حمله العبيد إلى سجنه .
      بن مرينا : لأجل هذا أرى أن نتخلص منه نحن .. و لا ننتظر أمر النعمان .. ألا تر إنه ضعيف أمامه .
      الأسود : الربيع بن زياد .. يقول عكس ذلك .. كان على وشك التهامه يا عدى .
      بن مرينا : و لم لم يقتله .. وينهى أمره .. لا .. لابد من وضع نهايته بأيدينا .. لا بد .. فقد يفاجئنا بإطلاق
      سراحه .. فتكون الطامة الكبرى .. نعم .
      الأسود : أنا لا أستبعد أي فعل من النعمان .. انظر إلى وجهه القبيح يحاصرنا .. انظر .
      بن مرينا : مولانا النعمان .. أما آن إطلاق سراح عدى بن زيد .
      النعمان : ( فى دهشة هو والآخرون ) إطلاق ماذا ؟
      الأسود : هل تخرف يا عدى بن أوس ؟
      بن مرينا : يا قوم صبرا ..الرجل نال كفايته من الأدب فى سجنه .. يكفى بكاؤه و أنينه الذي يملأ الحيرة .
      النعمان : أترى هذا يا عدى .. أنا أيضا أقول ابن زيد نال كفايته .. وآن إطلاق سراحه !
      الأسود : مولاي .. فعله يستحق الموت .. ولا أقل من الموت .
      النعمان : و أختك هند .. ومحبة آل المنذر لزيد بن أيوب .. أبيه ؟
      بن مرينا : نعم الرأي رأى مولانا النعمان ( للأسود ) آن أن نتحرك لتنفيذ ما أنتوينا .. هيا .. إذن مولاي
      النعمان : عدى يابن أوس ..مالى لا أرى ظالما صاحب عدى ؟
      بن مرينا : ربما فر يا مولاي حين حبس صاحبه .
      النعمان : وصلني هلاكه فى بئر فى أطراف الحيرة .. أتراه قتل نفسه .. أم قتل ؟
      بن مرينا : لا علم لى يا مولاي بهذا الأمر .. ياللأسف .. كان رجلا طيبا .
      النعمان : كان رجلا طيبا ومع ذلك قتلتموه .. لم ؟
      بن مرينا : مولاي .. من تقصد بقتلتموه ؟
      النعمان : لم يا عدى .. صارحني و لو لآخر مرة .. صارحني .
      الأسود : قتلناه لأنه تطاول على مولاي و أخي النعمان .. كان يهذى بحديث سافل ، فلم أحتمل .. لم
      أحتمل .
      النعمان : نعم الأخ الأسود .. هكذا يجب أن يكون الأخوة .. نعم نعم .
      بن مرينا : و ليته وقف عند حد القذف ، بل خاض لسانه المر فى سيرة بيت الملك .. و.......
      النعمان : لو لم أكن فى احتياج إليه لما سألتكم عنه .. دلنى على من يؤدى عمله وبنفس الإتقان ؟
      بن مرينا : أنقب الصحراء و الوديان بحثا لأجل مولاي النعمان .. أتأذن لنا ؟
      النعمان : لم العجلة ؟
      بن مرينا : بعض الأعمال التي لا تحتمل الانتظار .
      النعمان : لكم ما تريدون ( ينصرف بن مرينا و الأسود ) يناورني عدى بن أوس .. ويحاصرني بلؤمه
      ودهائه .. لا مكان لابن زيد هنا .. و لا فى أى مكان .. إنها أيام .. وبعدها .. يذهب لتكون
      خطوتي الأولى فى تحقيق حلمي .. حلمه .. بل حلمي أنا .. حلم عدى .. بل حلمي أنا ..
      يا نعمان ..أتغتال الرجل حيا وميتا .. حلمه .. انتهى الأمر .. ما عاد عدى .. تحن لرؤيته ..
      لكن الكبر يقتلك .. يقتلك ( تقتر دموعه على وجهه ) ذنبه أنه كان الأقرب و الأحب و
      الأخلص .. نعم .. كان ينازعني .. يوم السلان .. ويوم الطخفة .. هتف بأعلى صوته .. لا ..
      لا تنزل عن كبريائك يا نعمان .. لملم .. و لا تفرق و تشتت ..لملم يا نعمان .. لا تملأ أرضك
      بالعداوات .. أولى بك أن تطلب ثأرا لأبيك وإن كان ضربا من المحال .. لتتخلص من
      كوابيسك .. لا أن تجرى أمام أوامر كسرى .. يا عدى لم تكن أوامر لكسرى .. إنها دفع عن
      النفس .. ألم تر بنفسك كيف اعتدوا على قافلة الملك .. ألم تر أم أنك فقدت عينيك .. تكلم ..
      لاينهم .. وتقرب إليهم .. وخذهم بين ضلوعك ..فيصبحوا سواعد لك .. لا عليك .. تخلص
      من كوابيسك تعش أبدا .. وأنت بعض من كوابيسي يا عدى ..أنا .. نعم أنت .. لم ؟ لقبحي
      وجهلي .. لقبحي و جهلي .. أنت الملك .. وأنا محض رجل يحب الحياة والنعمان .. علمك
      يحاصرني ليل نهار .. كابوسا يجثم على صدري ..صفاء وجهك ورقتك نصل يخترق أحشائي ..
      إلى هذا الحد ؟ نعم إلى هذا الحد و أكثر..أنت رجل بائس ..يستحق الشفقة ..أنا ؟ نعم أنت لو
      أنك بعزم كسرى أو حتى قيصر .. أو المنذر نفسه .. لكنك للأسف خائر العزم .. ويوما ما
      حين لا تجد اللعبة القذرة التي تمارسها ستدمر نفسك .. وستقبض الخواء و اللا شيء ..
      انهزامات يا نعمان ..ووجهه يحاصرك لا تعرف ما يحمل .. شفقة أم شماتة .. بل لأنك أصبحت
      لعبة فى يد ابن أوس و بنى بقيلة .. نعم .. وهند ؟ وسلمى أمك ؟ وشفاعة بنى شيبان .. وجابر؟
      و ظالم .. ظالم صاحب الرسائل .. يا رجل ( يخترق صوت عبيد الفراغ من حوله )
      أقفرَ من أهلهِ ملحوبُ
      فالقطبيّاتُ فالذنوبُ
      وبدّلت منهمُ وحوشاً
      وغيّرتْ حالها الخطوبُ
      أرضٌ توارثها الجدودُ
      فكلُّ من حلَّها محروبُ
      إمّا قتيلاً وإمّا هُلكاً
      والشيبُ شينٌ لمن شيبُ
      عيناكَ دمعهما سروبُ
      كأنّ شأنيهما شعيبُ
      ( يختلط صوت الشاعر ببكاء ظالم من خارج القصر )
      ظالم : أرض توارثها الجدود فكل من حلها محروب .. واها يا سيدي .. يا عدى
      الحاجب : مولاي .. رسول من المدائن .
      النعمان : دعه يدخل .
      الحاجب : أمر مولاي .. رسول المدائن .
      الرسول : مولاي الملك .. أرسلني مولاي حذيفة بن بدر بهذه الرسالة ( وهو يقدم له قرطاسا ) .
      النعمان : ( يتناول الرسالة ويفضها ) إذن هم فى الطريق ..انصرف أيها الرسول ( الرسول ينصرف )
      فى الطريق وفد كسرى لإطلاق سراح عدى بن زيد .. كنت جادا حين نطقت بها أمام القوم ..
      إطلاق سراحك ..و الاعتذار لك .. لكن .. ها أنت ترغمني على ما أكره .. كسرى يغلق
      أمامك باب سجنك .. ليصبح قبرا لك ..نعم يا عدى .. ما كان ممكنا أصبح محالا .. لم ؟
      هذا أمر عسير وشائك .. أخوه و أعمامه فى المدائن لن يتقبلوا الأمر ..ومنذ متى وأنا أخشى
      هؤلاء ؟ انته منه يا مولاي قبل مجيء الرسل ! وهند .. أختي ؟ هي الليلة تنتظر مولودها الأول
      ..وما تعنى قطعة لحم .. نحفظها ، ونسمنها ، وننميها ، ونعلمها ؛ لتصبح لنا ؟ هو الموت إذن !
      قصدت بعض الإيلام والتخويف .. وهاهو الأمر ينفلت منك .. ينفلت .. ينفلت منك .. ينفلت
      ( يبكى ويدور فى ساحة العرش حتى يقعى .. صوت عدى يزلزله ) .
      ص : نعمان .. أخي .. أدركني .. أدركني ( يقف النعمان يدور كأنه يبحث عن مصدر الصوت )
      نعمان .. أنا عدى .. أخوك .. نعم ..أنا عدى .. أدركني .. أدرك أخاك .
      النعمان : عدى .. أين أنت .. أين .. عدى .. صوتك يملأ المكان .. أنفاسك .. روحك .. أي شيء ألم
      بك .. عدى .. إني قادم إليك .. إنى قادم .. قادم ( وهو يلملم نفسه ، يتطوح من تأثير الخمر ..
      يخرج وصوته يرن فى أرجاء القصر ) إنى قادم إليك .. عدى .. عدى ( يختفي الصوت )
      من يطلب الدهر تدركه مخالبه والدهر بالوتر ناج غير مطلوب
      مامن أناس ذوى مجد ومكرمة إلا يشد عليهم شدة الذيب
      حتى يبيد على عمد سراتهم بالنافذات من النبل المصاييب
      إني وجدت سهام الموت مغرضة بكل حتف من الآجال مكتوب

      إظلام


      اللوحة العاشرة
      عدى فى سجنه مقيد بالسلاسل
      عدى : لا قامت الدنيا .. و لا استبد بها الأرق كأنك ما خطوت يا عدى ..ما وطئت قدماك بساط
      كسرى و لا قيصر .. و لا عشت و لا كنت ...للكرسي بريق الذهب .. وأنت تكره الذهب
      فلتذهب إلى حال سبيلك .. تترفع عليها .. مثل أبيك .. كان عليها ورفض أن ينادى بالملك ..
      كان يزنها .. بل يزن كل من ملكها قاطبة .. لكنه كان يعرف أنها شهوة .. مثل أية شهوة ردئية
      .. مثل أية شهوة دنيئة .. سوف تكبر و تكبر .. حتى تأكل علمه و ملامحه .. بل ربما أكلت عمره
      كله .. لكنه كان يعرف .. و أنت تعرف .. أنت والمسيح سواء .. نعم .. وغدا تصلب أو تقتل
      سيان .. عادات جلفة غشمة دائما أبدا تلاحقهم كلعنة .. لعنة .. النعمان ورقة الآس التى
      راهنت عليها بكل ذكائك الذى تدعيه .. ونبلك .. ومحبتك له .. هي نفسها الورقة التي تذبحك
      أو تصلبك .. الكرسي ألا لعنة الله عليه .. لعنة الله عليه .. ومن صلبه يخرج أبله أو معتوه ..
      ليحكم إرث أبيه .. الناس إرثهم و المدن و الصحراء .. والكائنات .. ابك يا عدى غفلتك ..
      وغباءك .. ابك ؛ فالنهاية تقترب .. أين أنت ياحبة العين .. ونوارة القلب .. هند .. و أنت يا أم
      .. لم لم تفعلا شيئا ؟ ألم أملأ الصحراء و ذرات الهواء بكاء و أنينا .. حتى جف الدمع .. وتطير بى
      الهواء .. ما بقى سوى بعض دماء ..إنى مشوق إليك فهلا جئت لأراك .. الحلم جواد يتعثر يا هند
      .. فى متاهة الصحراء .. الحلم يا هند .. و النعمان كان حلما ردئيا .. كان مسخا .. أعرف أين
      العرب .. أعرف .. ليسوا النعمان .. و لا الأسود .. و لا بنى مرينا .. ولا بنى قبيصة .. أعرف
      .. إنهم هناك ينتظرون .. رأيتهم .. وحلمت معهم .. لكن الملوك يذبحون أحلامهم .( صوت أنين
      و بكاء يأتي من الخارج وصوت الحارس يطارده ) .
      ص الحارس : ابتعد .. هيا
      ص : سيدي عدى .. سيدي عدى .. سامحني .. لم أخنك بطيب خاطري .. كانوا بسيوفهم فوق
      رأسي .. مولاي عدى .. أنا ظالم ( بكاء ثم ضحكات ) لكنني سوف أنالهم واحدا واحد .. لن
      أتركهم .. بعتك بثمن بخس .. دراهم معدودات .. دراهم .. بضع دراهم لا قيمة لها .. لا قيمة
      لها.
      ص الحارس : إن لم تبتعد هشمت رأسك .. هيا ابتعد يا مجنون
      ص : سيدي
      ص الحارس : ( يطارده ) خذ .. ألم أقل لك ابتعد .. هيا .. خذ ( صرخات ظالم وهو يبتعد )
      ص : افتح الباب أيها الحارس .
      الحارس : من أنتم ؟
      ص : افتح الباب باسم مولاك كسرى .
      الحارس : مولاي .. مولاي كسرى .. ووو مولاي النعمان ؟
      ص : قلت لك افتح الباب .. ألا تسمع ؟
      الحارس : ( يفتح الباب ) هاهو ذا يا سيدي .. هاهو .
      أبى : عدى .. عدى أخي .
      عدى : من أرى .. أبى .. ابن أبى و أمي .. أبى
      أبى : ( يرتمي على صدره العار ى التي تظهر عليه آثار الجلد ) أخي .. أخي .. يا ربى .. كل هذا ؟
      عدى : لا يهم .. لا يهم يا أبى .
      مرزبان 1 : وصل أمر سجنك مولاك كسرى ؛ فأرسلنا لإطلاق سراحك .
      مرزبان 2 : أيها السجان .
      السجان : أمر مولاي ( السيف بيده )
      مرزبان 2 : فك قيوده .
      السجان : لا أستطيع .. لا بد من أمر مولاي النعمان .
      مرزبان 2 : لا تستطيع ؟
      السجان : عذرا يا سيدي .. مولاي النعمان يقتلني
      أبى : سوف أسرع إلى مولاي النعمان ؛ وأعود بأمره .. حالا .. حالا .. عدى .. لن أغيب .
      عدى : لا .. دعنى أنظر فى وجهك .. ضمني إلى صدرك .. نعم هكذا .
      أبى : عدى .. لن أغيب .. لن أغيب ( يسرع بالخروج )
      مرزبان 1 : تخشى مولاك النعمان و لا تخشى مولاك كسرى ؟
      السجان : سيدي .. أرجو معذرتك ..فمولاي النعمان ..........
      مرزبان 2 : طب طب .. ننتظر حتى يأتي أبى .. هيه .. و أنت يا عدى صبرا .. صبرا .
      عدى : يكفيني حضوركم إلى هنا .. نعم يكفيني . ( أصوات خيول تقف أمام السجن )
      ص : أيها الحارس .
      الحارس : مولاي ( يندفع ثلاثة رجال ملثمين )
      رجل1 : ما الذي يتم هنا يا حارس ؟
      الحارس : رجال مولاي كسرى بالداخل .
      رجل2 : ومن أمرك بفتح باب السجن لهم ؟
      الحارس : مولاي كسرى .
      رجل3 : ( يدخلون ) ما تفعلون هنا يا رجال .. من أنتم ..هيا يا رجال أنهوا مهمتكم .. هيا
      مرزبان 1 : يبدو أنهم رجال النعمان .. اتركهم لشأنهم ..مالنا و لهم ( لمرزبان 2 )
      ملثم1 : جئتك بخبر قد يسعدك يا عدى .
      عدى : ما عاد شيء يسعد أيها الجبان المتخفي .
      ملثم1 : زوجك هند .. جاءها المخاض .
      عدى : وتعرف أسرار دارى .. فلم تنكر نفسك ؟
      ملثم1 : إن مخاضها قاس رهيب .
      عدى : الرب يرعاها .
      ملثم1 : لم تأكل وجبتك بعد ؟
      عدى : وهل هذا يمنع ما جئتم لأجله ؟
      ملثم1 : ربما .. يا رجل هون على نفسك .. هيا كل وجبتك ؟
      عدى : لم أرسلك .. لم لم يأت هو .. أين النعمان ؟
      ملثم1 : فى قصره .
      عدى : لم لم يأت ليقبضها هو ؟
      ملثم1 : أ تريد من مولاك النعمان أن .............
      عدى : ولم لا أيها العدو الجبان .. كان أخي وكنت أخاه .. كان أولى بها لو قبضها هو .. لا أنتم أيها
      الجبناء .
      ملثم1 : أرسلني نيابة عنه .
      عدى : لا تثقل على .. إنه ما جئت له ؟
      ملثم1 : هكذا سريعا .. ألا تريد أن نتحدث قليلا ؟
      عدى : ألم تشبع ..ألم نتحدث كرجال .. وهاأنت تأتى فى ثياب جبان أسير شهوتك .
      ملثم1 : يا رجل ..لم كل هذا اليأس ؟
      عدى : لا تحاورني يا بن أو .....مر رجالك بإنهاء الأمر .
      ملثم1 : ما هذا الثبات الغريب ؟
      عدى : أمانة فى رقبتك أن تقرىء النعمان السلام ياابن ..قل له على لساني ..القادم لا ذنب له ..ربه
      كما تحب حتى يعش كلبا تحت قدميك ..و انس عدى .. وأحلام العظماء .. عش أحلام التعساء
      .. عشر عشرين ..مائة سنة .. حتى يأتى تعيس ليتعس الناس مائة سنة أخرى .. ثم تعيس ثم تعيس
      حتى يفنى الناس هربا من قبحكم وغشمكم ، وتبقوا لتحكموا أنفسكم !
      ملثم1 : ( يومىء لرجليه فيتقدمان ويحيطان بعدى ) هل أنهيت وصيتك ؟
      عدى : لم تسمها يا ابن .... كلام .. محض كلام أعرف لن يصله .. فأنت أجبن عن حمل أمانته .
      ملثم1 : وتشتمني .. لا يهم .. لا يهم .
      عدى : ( يصرخ ) هيا انه ما جئت لفعله .. أم تنتظر أن أمرغ وجهي تحت قدميك .. هيا أيها الجبان
      ملثم1 : ( يقهقه ) زفرات النهاية ..لا بأس .. لا بأس .. تحلم بأمة .. وعرب .. ونعمان .. لا وجود
      ..لهم و لا له .. يا رجال .. هيا خلصوه من كل هذا .. هيا ( يطبقان عليه .. يعلو صوت عدى :
      أدركنى يا نعما .. نعمان .. أخي .. ثم يختفى ) و أنتم أيها السادة .. تفضلا .. انتهى الأمر ..
      مرزبان 1 : و ما على الرسول إلا البلاغ .. وقد رأينا كل ما تم .
      ملثم1 : يا رجال .. طبا نفسا .. هذه أمور نسويها معا .. تفضلا
      مرزبان : لك ما تحب .
      ملثم1 : بعض هدايا ثمينة لمولانا كسرى .. ولكما .. وبعض الذهب .. كفيل بمحو أية إساءة .. تفضلا
      ( يتحركون للخروج .. والملثمان يلحقان بهما .. تاركين جثة عدى .. وضحكات القوم تتعالى
      من الخارج )
      النعمان : ( يقبل متطوحا .. يطل من جانب باب السجن .. يظهر كاملا .. يدغدغ عينيه .. يعاود النظر
      .. يتقدم ) عدى .. عدى .. أنائم أنت ( يقترب .. يقترب أكثر ) عدى .. لبيت نداءك .. ألا
      ترد على أخيك .. غاضب منى .. لا يهم .. سوف نكفر عن إساءاتنا معا .. عدى .. لم لا تتكلم
      .. عدى .. أنا النعمان .. أنا الغشوم المتكبر المغرور .. جئت حين ناديتني ( ينزل إلى الأرض )
      عدى ..ألا تجيب أخاك الأكبر ( يتلمس الدماء ) عدى ..لا ..عدى . ( نسمع صوتهما معا يدور
      فى مخيلة النعمان وهو يقف معطيا ظهره للصالة )
      أنت تحلم يا عدى .. تحلم !
      : ولم لا أحلم معك .. وبك يصبح حلمنا الكبير حقيقة .. هل مازلت تذكره يا نعمان ؟
      : ياله من حلم .. وهل مثل هذه الأحلام قابلة للنسيان .. كنا أطفالا مثل نبت الصحراء .. لا
      نقيم وزنا لشيء .. نعم أذكره .. أمازال يخايلك أنت ؟
      : فى كل لحظة .. يسابقني فى الطرقات .. وفى متاهات الصحراء و الوديان .. ماكان شيئا مر
      بالخاطر وانتهى .. إنه يملأ وجودي كله يا نعمان .. حلم .. حلم يا رجل !
      : ( يستدير فى مواجهة الصالة ) لكن كيف .. كيف تتحول الأحلام إلى حقائق تدب على أرض
      الواقع ؟ كيف و نحن محاصرون بكسرى و قيصر و الغساسنة و الأذناب و الصغار .. كيف ؟
      أرى ودكم كالورد ليس بدائم
      ولا خير فيمن لا يدوم له عهد
      وحبي لكم كالآس حسناً ونضرة
      له زهرة تبقى إذا فني الورد

      ستار






      الأشعار الواردة فى النص من التراث العربي .. لعدى بن زيد وعبيد بن الأبرص و بشار بن برد وضعت لتحديد مواضع الغناء فقط ، ولم توضع لتغنى ، وللمخرج حرية الأخذ بها من عدمه .
      sigpic

      تعليق

      • مهتدي مصطفى غالب
        شاعروناقد أدبي و مسرحي
        • 30-08-2008
        • 863

        #4
        [align=center]
        نصك المسرحي يا صديقي المبدع ساحر و يمتلك بصيغته الفكرية إمكانيات قصوى للمسرحة العرضية
        لك محبتي و مودتي
        [/align]
        ليست القصيدة...قبلة أو سكين
        ليست القصيدة...زهرة أو دماء
        ليست القصيدة...رائحة عطر أو نهر عنبر
        ليست القصيدة...سمكة .... أو بحر
        القصيدة...قلب...
        كالوردة على جثة الكون

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة مهتدي مصطفى غالب مشاهدة المشاركة
          [align=center]
          نصك المسرحي يا صديقي المبدع ساحر و يمتلك بصيغته الفكرية إمكانيات قصوى للمسرحة العرضية
          لك محبتي و مودتي
          [/align]

          هل أبوح لك بسر أستاذى مهتدى
          و ربى العظيم حين كنت بسبيل طرحه هنا ، وجدتك تقف أمامى ،
          و تقرأ سطوره ، ففرحت ، و أنهيت طرحه ، لأنى عرفتك إلى حد ما
          مخرجا و شاعرا ، و كاتبا جميلا

          شكرا لك على تثمين هذا العمل الذى أحبه كثيرا

          محبتى مهتدى الجميل
          sigpic

          تعليق

          • زحل بن شمسين
            محظور
            • 07-05-2009
            • 2139

            #6
            المسرح هو مدرسة لتوعية الناس وبث الثقافة بهم

            الا تعلم يا ربيع ايها النورس ..!!!
            مجهود جبار كم اتمنى انا اراها لزهرة الآس على المسرح.

            لان الصورة اكثر انطباعا من الفكرة ؟؟؟

            اما النعمان الاخير ومأساته هي مأساة البشرية
            منذ بداية الخلق ..؟!
            سيد ومسود ...
            عبد ومستعبِدِ
            حاكم ومحكوم ..
            القانون .......شريعة القوة وليس قوة الشريعة..؟!
            تاريخ بني على جماجم البشرية...ولولا هذه الجماجم ...
            لم تبني البشرية هذا الصرح للمدنية الذي وصلنا اليه ونتواصل وكأن العالم قرية صغيرة!!!!!!!!!!!!!!!!!!
            النعمان بن المنذر بن ماء السماء ....
            {{{{{{{{{{{{{{{{{{{{{{بن ماء السماء }}}}}}}}}}}}}}}}}}:
            مقطع سومري بكل معنى للكلمة هذا ما تبقى من عظمة السومريين

            مزيدا من العطاء
            المسرح هو ذلك الفكر الذي ُ صلب لاجله عظماء التاريخ ليحرروا البشرية من العبودية...

            زحل بن شمسين

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة زحل بن شمسين مشاهدة المشاركة
              الا تعلم يا ربيع ايها النورس ..!!!
              مجهود جبار كم اتمنى انا اراها لزهرة الآس على المسرح.

              لان الصورة اكثر انطباعا من الفكرة ؟؟؟

              اما النعمان الاخير ومأساته هي مأساة البشرية
              منذ بداية الخلق ..؟!
              سيد ومسود ...
              عبد ومستعبِدِ
              حاكم ومحكوم ..
              القانون .......شريعة القوة وليس قوة الشريعة..؟!
              تاريخ بني على جماجم البشرية...ولولا هذه الجماجم ...
              لم تبني البشرية هذا الصرح للمدنية الذي وصلنا اليه ونتواصل وكأن العالم قرية صغيرة!!!!!!!!!!!!!!!!!!
              النعمان بن المنذر بن ماء السماء ....
              {{{{{{{{{{{{{{{{{{{{{{بن ماء السماء }}}}}}}}}}}}}}}}}}:
              مقطع سومري بكل معنى للكلمة هذا ما تبقى من عظمة السومريين

              مزيدا من العطاء
              المسرح هو ذلك الفكر الذي ُ صلب لاجله عظماء التاريخ ليحرروا البشرية من العبودية...

              زحل بن شمسين
              أكان كسري على علم بحماقة النعمان ؟
              أم غاب عنه ، أنه مهما لعبنا ، و أذلتنا الشقاوة ، والتمرد حد التمزق و الافتئات
              أنا أمام الشرف و الكرامة لا يمكن إلا أن نكون هكذا ، أن نكون تحت أرجل الفيلة شقائق حمراء ، على أن نفرط فينا !!
              وهنا كانت النهاية لدولة وحضارة
              فهل تكون بما تم هناك ، و بالقرب من ذات البقعة ذي قار
              ذي قار أخري يلم فيها الشعث ، و يكون نداء الكبرياء هو حد الخلاص !!

              كانت المرة الأولي التي انتصر العرب كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم
              فهل كانت الأخيرة ؟!!
              لو كانت الأخيرة لأنبأنا النبي .. نعم
              لا بد أن هناك قمما قادمة

              محبتي أستاذي
              sigpic

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                أقفرَ من أهلهِ ملحوبُ
                فالقطبيّاتُ فالذنوبُ
                وبدّلت منهمُ وحوشاً
                وغيّرتْ حالها الخطوبُ
                أرضٌ توارثها الجدودُ
                فكلُّ من حلَّها محروبُ
                إمّا قتيلاً وإمّا هُلكاً
                والشيبُ شينٌ لمن شيبُ
                عيناكَ دمعهما سروبُ
                كأنّ شأنيهما شعيبُ
                sigpic

                تعليق

                يعمل...
                X