تسمّرتْ قدماي... وتوقفتا عن المسير....
توقّفَ صوتُ الأغنية التي كنت أدندنُ بها..
أحسستُ بجملةِ الأكياسِ التي أحملها وكأنّها أصبحت جبلاً ممتنعَ الحَمل....
أحسستُ كأنّني نلتُ صفعةً على وجهي من يدٍ عملاقة...
لحظاتٌ مرّت كأنّها سنوات...
لم أستطع - مع بذلي كلّ ما أوتيتُ من قوّةٍ - أن أحيدَ برأسي إلى أيّ جانبٍ أنأى به عن اتجاه نظرها...
لو قلتَ لي ما أكثرُ شيءٍ قد تستغربُ أن يحدثَ... لقلتُ لكَ : " أن أراها مرّةً أخرى"...
ولكنّ الله لهُ بكلّ شيءٍ حكمةُ وغاية...
انتبهتُ على نفسي... وقد قاربَتْ رقبتي من الدورانِ نصفَ دورةٍ .. لاحقاً نظراتِ عينيها المتّصلةِ بنظري...
نسيتُ حتى تلكَ الأغنيةَ التي كنتُ مترنماً بها...
نسيتُ ما أحملُ من أكياسٍ ... ونسيتُ ما ينتظرني في ذلكَ المساء....
نسيتُ لماذا كنتُ أمرّ من ذلك الشارع... حتّى أنّني نسيتُ إلى أينَ كنتُ ذاهباً...
منذُ لحظاتٍ كنتُ رجلاً طبيعيّاً... ولكنني الآنَ أصبحتُ كمن به مسّ أو عطَب..
لم تكنْ أبعدَ من خطوتينِ فقط... عندما رأيتُها.... لم أدرِ ما هي المدّةُ التي استغرقها دماغي ليميّزَ أنّها هي... ولكنها مُدّةٌ - مع قصرها - كانت منَ الطّولِ بمكان.
ظلّ جسدي ماشياً... بنفس الاتجاه... إلا أنّ رأسي ظلّ متابعاً لنظراتها إليّ... فلم أستفق إلا على نداءاتٍ من رقبتي... أن لا أستطيعُ بعدُ الالتفاف....
لم أعد أحسّ بالمارّةِ الماشينَ على الرّصيف... ولا بحركةِ السيّاراتِ في الشارع...
لم أعد أحسّ بماء المطر الذي بلل الأرضَ منذُ قليل....
لا أعلمُ لماذا نسيتُ أنّ جسدي أيضاً يمكنهُ الدّوران... فقد أعدتُ رقبتي إلى طبيعتها... ووقفتُ متسمّراً مكاني... تاركاً إياها - أو طيفها - ورائي... من غيرِ أن أدورَ وأمشيَ ورائها.. كانتْ معركةً من النّظرات... كنتُ أنا فيها الطّرفَ الخاسر!!
نعم!! إنّها هي!! أقسمُ أنّها هي!!
بعدَ تلكَ المدّةِ كلّها.... ها هي تظهرُ من جديد!!
لقد رأيتُني أثناءَ مرورها، أنظرُ إلى وجهها... وهي ترمقني بنظراتِ مَحبّةٍ مشوبةٍ بالخوف... بل الخجل....
لم أدرِ هل كانتْ تلكَ دمعةً التي لمعت في عينها؟؟؟ أم أنّني كنتُ أتخيّل ذلك!!!
كثيرةٌ هيَ الأشياءُ التي لم أدرِ كُنهها....
ولكنّ الشيءَ الأكيدَ الذي أعرفهُ أنّني أحببتُها... وأحببتُها من كلّ قلبي...
دارَ شريطٌ من الذكرياتِ في مخيّلتي...
كلّ مكانٍ جلسنا به...
وكلّ مطعمٍ تعشّينا فيه...
وكلّ مشهدٍ شهدناهُ معاً...
مرّ ذلكَ مروراً أشعلَ هشيمَ الشّوقِ في مخيّلتي... وأضرمَ نارَ الذكريات...
وددتُ للحظةٍ لو أنّنا كُنّا ما زلنا سويّةً...ولكن.. كيف كانت حينها لتكونَ الأحوال؟؟
نسيتُ أنّني واقفٌ في منتصفِ الرّصيف.. قاطعاً الطريقَ على المارةِ المساكين..
التحفوا ستراتهمُ الجلديّةَ والصوفيّةَ.. وأنواعاً مختلفةً من أغطيةِ الرأس... ومضى كلّ في سبيله... هارباً إلى الرصيفِ من بركِ الماءِ على الشارع...
ليجدوا أمامهم مَنْ سدّ عليهم طريقهمْ على غيرِ اكتراث!!
كنتُ ما زلتُ في حيرتي ودهشتي!! متابعاً شريطَ الذكريات!!
لم أنتبه لأيّ من تأفّفاتِ المارّين... ولا لطلبات بعضهم بالعدولِ عن الطريق...
لم أستفق إلا على صوتٍ يقولُ لي : "لقد تأخّرتَ."
رفعتُ نظري... فوجدتُ زوجتي ترمقني باستغراب!!!
لقد نسيتُ أنّها كانت ما زالت تنتظرني في السيّارة...
تركَ ابني الصغيرُ يدها... وألقى بنفسه يضمّ رجليّ...
ناولتُ بعضَ الأكياسِ لأمّه المسكينة... ورفعتهُ بيدي... وحملتُ باقي الأكياسِ بيدي الأخرى....
ظننتُني أضعتُ كثيراً من الوقتِ في حيرتي تلك!! فأسرعتُ الخطوَ... فلم أكن أريدُ أن أتأخّرَ عن حفلةِ عيدِ ميلاد صغيري العزيز .. مؤمّلاً إيّاهُ أنّ الهديّةً ستعجبه...
وصلنا السيّارة... فوضعتُ ألأكياسَ في الصندوقِ ... وجلستُ مهيّئاً السيّارةً للانطلاق...
ولكن قبلَ المسير... نظرتُ إلى ابني الصغيرِ في الخلف... الذي أتمّ اليومَ عامهُ الثّالث...
ثم لاحتْ منّي نظرةٌ لذلكَ المكان... الذي رأيتُها فيه...
وقبلَ أن أشرُدَ في أفكاري... عادت زوجتي لتسألني... " هل من شيء!!"....
أفقتُ من غفلتي... وأجبتها أنْ لا....
مشت السيّارةُ بين ضجيج الشوارع في هذا المساء... وقد بدأت أعمدةُ الشارعِ بالإنارة... تاركةً وراءها هديرَ الذكرياتٍ...
مشيتُ.. وبدأت السّماءُ برشّ الرّذاذ... الذي يلمعُ تحتَ أضواءِ الشّارع...
رأيتُ المارّةً يمشونَ.. كلٌّ في نفسهِ همّ يعنيه... ووسواسٌ يؤرّقه....
مشيتُ في سيارتي.. وتركتُ الشّارعَ والنّاس....
وتركتُ أكواماً من ذكرياتٍ أليمةٍ ... كانت - في أحدِ الأيّامِ - كلّ طموحي في الحياة...
توقّفَ صوتُ الأغنية التي كنت أدندنُ بها..
أحسستُ بجملةِ الأكياسِ التي أحملها وكأنّها أصبحت جبلاً ممتنعَ الحَمل....
أحسستُ كأنّني نلتُ صفعةً على وجهي من يدٍ عملاقة...
لحظاتٌ مرّت كأنّها سنوات...
لم أستطع - مع بذلي كلّ ما أوتيتُ من قوّةٍ - أن أحيدَ برأسي إلى أيّ جانبٍ أنأى به عن اتجاه نظرها...
لو قلتَ لي ما أكثرُ شيءٍ قد تستغربُ أن يحدثَ... لقلتُ لكَ : " أن أراها مرّةً أخرى"...
ولكنّ الله لهُ بكلّ شيءٍ حكمةُ وغاية...
انتبهتُ على نفسي... وقد قاربَتْ رقبتي من الدورانِ نصفَ دورةٍ .. لاحقاً نظراتِ عينيها المتّصلةِ بنظري...
نسيتُ حتى تلكَ الأغنيةَ التي كنتُ مترنماً بها...
نسيتُ ما أحملُ من أكياسٍ ... ونسيتُ ما ينتظرني في ذلكَ المساء....
نسيتُ لماذا كنتُ أمرّ من ذلك الشارع... حتّى أنّني نسيتُ إلى أينَ كنتُ ذاهباً...
منذُ لحظاتٍ كنتُ رجلاً طبيعيّاً... ولكنني الآنَ أصبحتُ كمن به مسّ أو عطَب..
لم تكنْ أبعدَ من خطوتينِ فقط... عندما رأيتُها.... لم أدرِ ما هي المدّةُ التي استغرقها دماغي ليميّزَ أنّها هي... ولكنها مُدّةٌ - مع قصرها - كانت منَ الطّولِ بمكان.
ظلّ جسدي ماشياً... بنفس الاتجاه... إلا أنّ رأسي ظلّ متابعاً لنظراتها إليّ... فلم أستفق إلا على نداءاتٍ من رقبتي... أن لا أستطيعُ بعدُ الالتفاف....
لم أعد أحسّ بالمارّةِ الماشينَ على الرّصيف... ولا بحركةِ السيّاراتِ في الشارع...
لم أعد أحسّ بماء المطر الذي بلل الأرضَ منذُ قليل....
لا أعلمُ لماذا نسيتُ أنّ جسدي أيضاً يمكنهُ الدّوران... فقد أعدتُ رقبتي إلى طبيعتها... ووقفتُ متسمّراً مكاني... تاركاً إياها - أو طيفها - ورائي... من غيرِ أن أدورَ وأمشيَ ورائها.. كانتْ معركةً من النّظرات... كنتُ أنا فيها الطّرفَ الخاسر!!
نعم!! إنّها هي!! أقسمُ أنّها هي!!
بعدَ تلكَ المدّةِ كلّها.... ها هي تظهرُ من جديد!!
لقد رأيتُني أثناءَ مرورها، أنظرُ إلى وجهها... وهي ترمقني بنظراتِ مَحبّةٍ مشوبةٍ بالخوف... بل الخجل....
لم أدرِ هل كانتْ تلكَ دمعةً التي لمعت في عينها؟؟؟ أم أنّني كنتُ أتخيّل ذلك!!!
كثيرةٌ هيَ الأشياءُ التي لم أدرِ كُنهها....
ولكنّ الشيءَ الأكيدَ الذي أعرفهُ أنّني أحببتُها... وأحببتُها من كلّ قلبي...
دارَ شريطٌ من الذكرياتِ في مخيّلتي...
كلّ مكانٍ جلسنا به...
وكلّ مطعمٍ تعشّينا فيه...
وكلّ مشهدٍ شهدناهُ معاً...
مرّ ذلكَ مروراً أشعلَ هشيمَ الشّوقِ في مخيّلتي... وأضرمَ نارَ الذكريات...
وددتُ للحظةٍ لو أنّنا كُنّا ما زلنا سويّةً...ولكن.. كيف كانت حينها لتكونَ الأحوال؟؟
نسيتُ أنّني واقفٌ في منتصفِ الرّصيف.. قاطعاً الطريقَ على المارةِ المساكين..
التحفوا ستراتهمُ الجلديّةَ والصوفيّةَ.. وأنواعاً مختلفةً من أغطيةِ الرأس... ومضى كلّ في سبيله... هارباً إلى الرصيفِ من بركِ الماءِ على الشارع...
ليجدوا أمامهم مَنْ سدّ عليهم طريقهمْ على غيرِ اكتراث!!
كنتُ ما زلتُ في حيرتي ودهشتي!! متابعاً شريطَ الذكريات!!
لم أنتبه لأيّ من تأفّفاتِ المارّين... ولا لطلبات بعضهم بالعدولِ عن الطريق...
لم أستفق إلا على صوتٍ يقولُ لي : "لقد تأخّرتَ."
رفعتُ نظري... فوجدتُ زوجتي ترمقني باستغراب!!!
لقد نسيتُ أنّها كانت ما زالت تنتظرني في السيّارة...
تركَ ابني الصغيرُ يدها... وألقى بنفسه يضمّ رجليّ...
ناولتُ بعضَ الأكياسِ لأمّه المسكينة... ورفعتهُ بيدي... وحملتُ باقي الأكياسِ بيدي الأخرى....
ظننتُني أضعتُ كثيراً من الوقتِ في حيرتي تلك!! فأسرعتُ الخطوَ... فلم أكن أريدُ أن أتأخّرَ عن حفلةِ عيدِ ميلاد صغيري العزيز .. مؤمّلاً إيّاهُ أنّ الهديّةً ستعجبه...
وصلنا السيّارة... فوضعتُ ألأكياسَ في الصندوقِ ... وجلستُ مهيّئاً السيّارةً للانطلاق...
ولكن قبلَ المسير... نظرتُ إلى ابني الصغيرِ في الخلف... الذي أتمّ اليومَ عامهُ الثّالث...
ثم لاحتْ منّي نظرةٌ لذلكَ المكان... الذي رأيتُها فيه...
وقبلَ أن أشرُدَ في أفكاري... عادت زوجتي لتسألني... " هل من شيء!!"....
أفقتُ من غفلتي... وأجبتها أنْ لا....
مشت السيّارةُ بين ضجيج الشوارع في هذا المساء... وقد بدأت أعمدةُ الشارعِ بالإنارة... تاركةً وراءها هديرَ الذكرياتٍ...
مشيتُ.. وبدأت السّماءُ برشّ الرّذاذ... الذي يلمعُ تحتَ أضواءِ الشّارع...
رأيتُ المارّةً يمشونَ.. كلٌّ في نفسهِ همّ يعنيه... ووسواسٌ يؤرّقه....
مشيتُ في سيارتي.. وتركتُ الشّارعَ والنّاس....
وتركتُ أكواماً من ذكرياتٍ أليمةٍ ... كانت - في أحدِ الأيّامِ - كلّ طموحي في الحياة...
تعليق