عودة ميشو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد عيسى
    أديب وكاتب
    • 30-05-2008
    • 1359

    عودة ميشو

    صراخ في كل مكان ، السماء تصطبغ بأضواء النهار ، بألوان قوس قزح دام ، يسمع أنين أصحابه ، بكاءهم ، تعانقه السماء ، تحتضن روحه التي تبحث عن سكن ، على الأكف اللاهثة تحمله الرياح ، لم يعد يدري أين هو ولا كيف ..
    ينهض من فراش دافئ ، يتحسس طريقه عبر الظلام الدامس ، هل مات ؟
    يتعثر ، تؤلمه جراحاته في كل مكان بجسده المنهك ، تصدر عنه آهة خافتة ، يستمر في طريقه ..
    يتحسس زر الإضاءة ، يبدو أن الكهرباء معطلة ، أصوات الانفجارات تمزق سكون الليل ، لكنها أيضاً تضيء المكان ولو لثوان ..
    في مستشفى هو إذن ، تلك أسِرَّةً لا تشي بغير ذلك ..
    لم يمت ، لم يحن وقت مغادرته بعد .. أراد الله أن يبقى ، لفعل عظيم ربما ينتظره ..
    معركة أخرى ولا شك ..
    جهاز الهاتف غير بعيد ، وعلى غير عادة الأشياء يعمل ، يسمع طنينه المريح ، على ضوء القنابل التي تنفجر كل حين ، يضرب أول رقم يعرفه .. يبشر الجميع بأنه باق .. لم تنته الحكاية بعد ..
    ******
    العائلة حزينة تجلس في صالون البيت ، أمامهم مائدة الطعام لم يمسها أحد ، وفي العيون نظرة حزينة لا تخفى عن الناظرين ...
    - لكم أفتقد أحمد .. تقول الأم ودمعتها فوق خديها تنظر لزوجها ، كأنها تستجديه ..
    - لا تحزني أيتها الغالية ، فقد فقدناه شهيداً ، والشهداء لا يموتون ، ذكراه باقية في كل ركن من أركان هذا البيت العتيق ...
    تغالبه دموعه ، فيحاول مداراتها حتى لا يراه الآخرون فيضعفون ...
    وكيف ننسى يا أبا أحمد ، وكيف ننسى ... تقول الأم ...
    منظر جثته الممزقة لا يغيب عن مخيلتي لحظة واحدة ، الدماء التي اختلطت بأشلائه الطاهرة ، الحياة التي غادرته وهو في ريعان شبابه ...
    لم تعد هناك مدرسة ، لكني لم أتخلى عن كتبه ، لم يعد هناك ميشو ، لكن سريره لم ولن يمسه أحد ، خزانة ملابسه كما هي ، ذكرياته كما هي ، ملامحه لم تتغير ، أي طائرة تلك التي تشوه ملامح ابني ... أي قوة في العالم لن تغير من كينونته شيئاً ... باق هو ولم يمت ... باق هو ولن يموت ...
    رنين الهاتف فجأة ، يمزق السكون ..
    يمسح الأب دموعه بأكمامه يرفع سماعة الهاتف ..
    صوت يأتي من بعيد ، من حدود لم يتصورها ، من هناك ، من ظلمة مكان لا يعرف معالمه بعد ..
    -( آلوووووو ... كيفك يابا ... أنا ميشووو )
    ذات صوته ، نبرته ، احساسه ، كل شيء ..
    ذهول عارم يحيط به ، دهشة تمزق جمود وجهه ..
    يسقط دون وعي ..
    مغشياً عليه ..
    وزغرودة غريبة جاءت من بعيد ..
    ******
    فمن ذا الذي دفناه وتلقينا فيه العزاء ..
    شهيدٌ آخر ..
    *****
    صوان عزاء ينبت في مكان قريب ..
    ليلة حزن دامية تنتظرُ آخرينْ ..
    *****



    حقيقية أيضاً..
    :(
    ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
    [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الرائع المقاوم
    أحمد عيسى
    صدقني اقشعر بدني
    وهل تصدق بأن هذه الأيام عشتها أنا كلها
    مررت بمثل هذا الموقف وكان يوما عصيبا
    آه من الحروب فلها ذاكرة لاتصدأ
    تقبل تحياتي
    ولفلسطين محبتي فهي قضيتنا المركزية التي لن ننساها أبدا
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      هات سيدي هات .. اتحفني .. لكن لو كنت أطلت قليلاً ولم تدعني هكذا جامد الوجه مثل الأب .. يا سلام على تلك الدمعة التي اعتصرتني مع هذا الرجل ..!
      كم كانت فرحتي حينما أجاب الأب دون غيره .. هناك من يفضل رد الأم .. وهناك من كان ينتظره يدق الباب .. لكن هكذا كان الواقع و شاءت الحقيقة .. لتفرض نفسها بكامل فرحتها و بأتم جمالها ..
      البداية أكثر من ممتازة .. أحسست فيها بحركة و صخب .. كان مشهداً دامياً تراجيديا رائع .. كل شئ كان يتحرك أمام ناظري .. وضوء المتفجرات الذي كان يضئ الأماكن لثوان كان بطل المقدمة .. بطل كاسر أجدت رسمه و وصفه ..
      أحييك صديقي عليها و على بسمه الأمل التي شعت في وجهي فجأة ..
      خالص محبتي أحمد
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • أحمد عيسى
        أديب وكاتب
        • 30-05-2008
        • 1359

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
        الرائع المقاوم
        أحمد عيسى
        صدقني اقشعر بدني
        وهل تصدق بأن هذه الأيام عشتها أنا كلها
        مررت بمثل هذا الموقف وكان يوما عصيبا
        آه من الحروب فلها ذاكرة لاتصدأ
        تقبل تحياتي
        ولفلسطين محبتي فهي قضيتنا المركزية التي لن ننساها أبدا
        الزميلة العزيزة : عائدة

        تلك مواقف لا تنسى ..
        وصدقيني لو كتبت لخرجت مئات القصص .. ربما الاف .
        لكن المصائب متشابهة في العديد منها ، ولو أن التفاصيل دائماً تختلف ..
        ماذا أكتب وفي القلب غصة .. وبأي قلم سأكتب مأساة عائلة السموني التي فقدت العشرات منها .. المآسي كثيرة ..
        كتبت قصة صحفية عن عائلة السموني . ربما كانت تناسب الحدث وتتوافق معه أكثر ..
        ربما ادرجها لو كان هذا مكانها الصحيح ..

        تحيتي عائدة .. وشكري لوجودك دائماً ، وتشجيعك المستمر ..
        كل الود والحب
        ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
        [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

        تعليق

        • أحمد عيسى
          أديب وكاتب
          • 30-05-2008
          • 1359

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
          هات سيدي هات .. اتحفني .. لكن لو كنت أطلت قليلاً ولم تدعني هكذا جامد الوجه مثل الأب .. يا سلام على تلك الدمعة التي اعتصرتني مع هذا الرجل ..!
          كم كانت فرحتي حينما أجاب الأب دون غيره .. هناك من يفضل رد الأم .. وهناك من كان ينتظره يدق الباب .. لكن هكذا كان الواقع و شاءت الحقيقة .. لتفرض نفسها بكامل فرحتها و بأتم جمالها ..
          البداية أكثر من ممتازة .. أحسست فيها بحركة و صخب .. كان مشهداً دامياً تراجيديا رائع .. كل شئ كان يتحرك أمام ناظري .. وضوء المتفجرات الذي كان يضئ الأماكن لثوان كان بطل المقدمة .. بطل كاسر أجدت رسمه و وصفه ..
          أحييك صديقي عليها و على بسمه الأمل التي شعت في وجهي فجأة ..
          خالص محبتي أحمد
          الأخ الحبيب : محمد سلطان ..
          الواقع يفوق الخيال أحياناً ..
          عائلة ميشو دفنته ، وتلقت فيه العزاء لمدة ثلاثة أيام كاملة ، ثم جاءها اتصال من المستشفى الذي يعالج فيه ابنها ، ليكتشفوا أنهم دفنوا جثة أخرى ، لشهيد آخر كانت عائلته تعتبره مفقوداً ولم تعلنه فقيداً بعد ..
          مفاجأة سارة كانت لعائلة ميشو (أحمد) لكنها كانت صدمة لعائلة أخرى ..
          سعيد جداً أنني استطعت تصوير جزء من هذا الواقع ..
          سعيد بوجودك أكثر ..

          تحيتي أيها الحبيب
          ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
          [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

          تعليق

          يعمل...
          X