صراخ في كل مكان ، السماء تصطبغ بأضواء النهار ، بألوان قوس قزح دام ، يسمع أنين أصحابه ، بكاءهم ، تعانقه السماء ، تحتضن روحه التي تبحث عن سكن ، على الأكف اللاهثة تحمله الرياح ، لم يعد يدري أين هو ولا كيف ..
ينهض من فراش دافئ ، يتحسس طريقه عبر الظلام الدامس ، هل مات ؟
يتعثر ، تؤلمه جراحاته في كل مكان بجسده المنهك ، تصدر عنه آهة خافتة ، يستمر في طريقه ..
يتحسس زر الإضاءة ، يبدو أن الكهرباء معطلة ، أصوات الانفجارات تمزق سكون الليل ، لكنها أيضاً تضيء المكان ولو لثوان ..
في مستشفى هو إذن ، تلك أسِرَّةً لا تشي بغير ذلك ..
لم يمت ، لم يحن وقت مغادرته بعد .. أراد الله أن يبقى ، لفعل عظيم ربما ينتظره ..
معركة أخرى ولا شك ..
جهاز الهاتف غير بعيد ، وعلى غير عادة الأشياء يعمل ، يسمع طنينه المريح ، على ضوء القنابل التي تنفجر كل حين ، يضرب أول رقم يعرفه .. يبشر الجميع بأنه باق .. لم تنته الحكاية بعد ..
******
العائلة حزينة تجلس في صالون البيت ، أمامهم مائدة الطعام لم يمسها أحد ، وفي العيون نظرة حزينة لا تخفى عن الناظرين ...
- لكم أفتقد أحمد .. تقول الأم ودمعتها فوق خديها تنظر لزوجها ، كأنها تستجديه ..
- لا تحزني أيتها الغالية ، فقد فقدناه شهيداً ، والشهداء لا يموتون ، ذكراه باقية في كل ركن من أركان هذا البيت العتيق ...
تغالبه دموعه ، فيحاول مداراتها حتى لا يراه الآخرون فيضعفون ...
وكيف ننسى يا أبا أحمد ، وكيف ننسى ... تقول الأم ...
منظر جثته الممزقة لا يغيب عن مخيلتي لحظة واحدة ، الدماء التي اختلطت بأشلائه الطاهرة ، الحياة التي غادرته وهو في ريعان شبابه ...
لم تعد هناك مدرسة ، لكني لم أتخلى عن كتبه ، لم يعد هناك ميشو ، لكن سريره لم ولن يمسه أحد ، خزانة ملابسه كما هي ، ذكرياته كما هي ، ملامحه لم تتغير ، أي طائرة تلك التي تشوه ملامح ابني ... أي قوة في العالم لن تغير من كينونته شيئاً ... باق هو ولم يمت ... باق هو ولن يموت ...
رنين الهاتف فجأة ، يمزق السكون ..
يمسح الأب دموعه بأكمامه يرفع سماعة الهاتف ..
صوت يأتي من بعيد ، من حدود لم يتصورها ، من هناك ، من ظلمة مكان لا يعرف معالمه بعد ..
-( آلوووووو ... كيفك يابا ... أنا ميشووو )
ذات صوته ، نبرته ، احساسه ، كل شيء ..
ذهول عارم يحيط به ، دهشة تمزق جمود وجهه ..
يسقط دون وعي ..
مغشياً عليه ..
وزغرودة غريبة جاءت من بعيد ..
******
فمن ذا الذي دفناه وتلقينا فيه العزاء ..
شهيدٌ آخر ..
*****
صوان عزاء ينبت في مكان قريب ..
ليلة حزن دامية تنتظرُ آخرينْ ..
*****
ينهض من فراش دافئ ، يتحسس طريقه عبر الظلام الدامس ، هل مات ؟
يتعثر ، تؤلمه جراحاته في كل مكان بجسده المنهك ، تصدر عنه آهة خافتة ، يستمر في طريقه ..
يتحسس زر الإضاءة ، يبدو أن الكهرباء معطلة ، أصوات الانفجارات تمزق سكون الليل ، لكنها أيضاً تضيء المكان ولو لثوان ..
في مستشفى هو إذن ، تلك أسِرَّةً لا تشي بغير ذلك ..
لم يمت ، لم يحن وقت مغادرته بعد .. أراد الله أن يبقى ، لفعل عظيم ربما ينتظره ..
معركة أخرى ولا شك ..
جهاز الهاتف غير بعيد ، وعلى غير عادة الأشياء يعمل ، يسمع طنينه المريح ، على ضوء القنابل التي تنفجر كل حين ، يضرب أول رقم يعرفه .. يبشر الجميع بأنه باق .. لم تنته الحكاية بعد ..
******
العائلة حزينة تجلس في صالون البيت ، أمامهم مائدة الطعام لم يمسها أحد ، وفي العيون نظرة حزينة لا تخفى عن الناظرين ...
- لكم أفتقد أحمد .. تقول الأم ودمعتها فوق خديها تنظر لزوجها ، كأنها تستجديه ..
- لا تحزني أيتها الغالية ، فقد فقدناه شهيداً ، والشهداء لا يموتون ، ذكراه باقية في كل ركن من أركان هذا البيت العتيق ...
تغالبه دموعه ، فيحاول مداراتها حتى لا يراه الآخرون فيضعفون ...
وكيف ننسى يا أبا أحمد ، وكيف ننسى ... تقول الأم ...
منظر جثته الممزقة لا يغيب عن مخيلتي لحظة واحدة ، الدماء التي اختلطت بأشلائه الطاهرة ، الحياة التي غادرته وهو في ريعان شبابه ...
لم تعد هناك مدرسة ، لكني لم أتخلى عن كتبه ، لم يعد هناك ميشو ، لكن سريره لم ولن يمسه أحد ، خزانة ملابسه كما هي ، ذكرياته كما هي ، ملامحه لم تتغير ، أي طائرة تلك التي تشوه ملامح ابني ... أي قوة في العالم لن تغير من كينونته شيئاً ... باق هو ولم يمت ... باق هو ولن يموت ...
رنين الهاتف فجأة ، يمزق السكون ..
يمسح الأب دموعه بأكمامه يرفع سماعة الهاتف ..
صوت يأتي من بعيد ، من حدود لم يتصورها ، من هناك ، من ظلمة مكان لا يعرف معالمه بعد ..
-( آلوووووو ... كيفك يابا ... أنا ميشووو )
ذات صوته ، نبرته ، احساسه ، كل شيء ..
ذهول عارم يحيط به ، دهشة تمزق جمود وجهه ..
يسقط دون وعي ..
مغشياً عليه ..
وزغرودة غريبة جاءت من بعيد ..
******
فمن ذا الذي دفناه وتلقينا فيه العزاء ..
شهيدٌ آخر ..
*****
صوان عزاء ينبت في مكان قريب ..
ليلة حزن دامية تنتظرُ آخرينْ ..
*****
حقيقية أيضاً..
:(
تعليق