في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، أفاقـت على صوت والدها الخافت و هو يحاول إيقاظها من نوم عميق. بعجب نهضت من الفراش و تبعاً لطلبه ارتدت ملابسها الكاملة و خرجت إلى الصالون لأن هناك من يريد التحدث إليها و إلى شقيقها الأصغر...
على الكنبة الموجودة في زاوية الغرفة المنيرة بضوء خافت ، رأته ، عسكري لا يصغر بعمره عن والدها بالكثير ، يدخن سيجارة "مارلبورو" يتكلم الى أخيها الجالس على الكنبة العريضة تحت شباك أحكم الوالد إغلاق درفاته مما زاد من عجبها و هي تعلم أن والدها من محبذي فتح الشبابيك في الليل ، هواء الليل يأتي بالصحة ، على حد قوله .
هذا "فلان" قريبي، قال الوالد يعرفها على الزائر . تبادلا السلام ، و جلست بالقرب من أخيها بانتظار توضيح عن سبب هذه الزيارة المتأخرة ، و لم يطل الإنتظار . بكلمات مقتضبة أعلمها الوالد بأنهم سيسافرون مع اشراقة الشمس الى ( ...... ) لبضعة أيام ، و بأن القريب الكريم سيرافقهم في السيارة إلى المطار لتأمين وصولهم بدون عراقيل. و اختتم الوالد بأن قريبه قد وضع نفسه في موقف حرج لمساعدتهم على مغادرة الوطن ، و بأنهم سيعودون عندما تهدأ الأحوال و لذلك لا داعي للنقاش في القرار الذي اتخذه ، و بذلك أخرس سلسلة التساؤلات الغاضبة و الرافضة التي انسابت من فمها .
بهدوء مثير أطفأ الزائر سيجارته ، تنحنح ، و بصوت يشوبه الحنان و الحزم قال أن أسميهما كناشطين وطنيين قد وُضعت على لائحة (.........) و قد يتعرضان "لمشاكل" ما ، و أنه بحكم القرابة ، و بحكم معرفته بأن مبادئهما هي فوق الشبهات ، و بأن نشاطاتهما لا تتجاوز تلك المبادىء ، قرر أن يجنبنهما التعرض لأي ظلم قد يواجهانه.
نظرت الى أخيها و رأت في عينيه أفكارها الرافضة لمغادرة البلد و السفر الى الخارج .
عندما نظرت الى والدها رأت وجهه الكريم يعتصره الخوف و القلق عما قد يحصل لو انهما رفضا السفر و قررا البقاء .
عندما نظرت الى والدها رأت وجهه الكريم يعتصره الخوف و القلق عما قد يحصل لو انهما رفضا السفر و قررا البقاء .
سألت : اسبوعين فقط ونعود ؟؟ طبعاً ، طبعاً أجاب والدها ، اسبوعين فقط ، و من الممكن جداً أقل من ذلك ..
اعتمر قلبها هلع الحب لأبيها حين سمعت نبرات التعب والأسى في صوته .
بتثاقل ، نهضت و أخيها لتحضير حقائب السفر ، و شاشة من الدموع تغلف عينيها ...
كان أخيها في التاسعة عشر من العمر و كانت في الواحد و العشرين ....و في أواخر شباط 1976 ...
إبتـــــدآ المشــــــوار ...
***********
تعليق