الهر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد اللطيف الخياطي
    أديب وكاتب
    • 24-01-2010
    • 380

    الهر

    الهر


    07 ـ 12 ـ 1998



    كانت العاصفة تزمجر في الخارج، كوحش أسطوري مداه كل المدى يبتلع الحياة ولا يترك وراءه إلا الموت و الخراب.
    أدخل رأسه تحت الغطاء، ثنى ساقيه وجعل كفيه بين فخذيه. في هذا الوضع استشعر بعض الدفء وبعض الأمان. قارن وضعه هذا بوضع جنين في رحم أمه... ليته لم يولد، حياة كله شقاء وعدو وراء السراب.
    يقولون: عندما يكتمل الجنين يأتيه ملك من السماء، يحكي له عن حال الدنيا ويسأله إن كان يريد رؤيتها. ثم يكون ما يختاره...
    كيف اختار إذن هذه الحياة، لماذا لم يقل لا أريدها. ألم يكن أحمق، أحمق .. رنت هذه الكلمة بداخله، رجعت به الذكرى إلى أيام الصبا، إلى أقصى ما يتذكر.
    كانوا في تلك القرية الصغيرة ينادونه بالمجنون، وأحيانا بالهر. وإمعانا في إيذائه يرددون "هلال، لهب، هر" فتثور ثائرته، يصرخ، يبكي بقوة وينشب أظافره في وجه خصمه.. يعض بعنف، ينط في الهواء وينطح غريمه على أم أنفه... وكان دائما ينتصر، لذلك بدؤوا يتجنبونه. ربما كانت روح هر كبير تتقمصه، لذلك فهو كثير الحنو على القطط الصغيرة والإعتناء بها ولا يحتمل رؤيتها تتألم...؟
    ماتت أمه وهو في الخامسة من عمره.. سحبوه يومذاك إلى بيت عمه في القرية المجاورة ونصبوا له أرجوحة ـ إنها مسافرة، وستعود بعد أيام ـ هكذا قالوا له. لم يبك في ذلك اليوم، وحتى حين تيقن من وفاتها لم يتركوه ليبك .. لكنه ذرف الدموع بعد ذلك لسنين طويلة وظل ينتظرها...!
    في البيت كانوا يتحاشون الحديث عنها أمامه.وفي تلك المرات القليلة التي حدثت، كان يتركهم ويسد عليه الباب في غرفة خالية وينتحب في صمت، حتى إذا غيروا الحديث وهدأت نفسه عاد للجلوس معهم كي لا ينتبه إليه أحد.
    في الشارع لم يكن يستطيع الصمود أمام من يحدثه أو يسأله عنها، عبراته دائما تخونه وتسبق الكلمة التي تتجمد على طرف لسانه فيفر متذرعا بأي شيء.. لا يريد أن تفضحه دموعه، لا يريد أن يستدر عطف أحد...
    هاهي دموعه تخونه مرة أخرى وزفراته تخنق صدره وتمتزج بزمجرة العاصفة. أزاح الغطاء عن وجهه ملتمسا بعض الهواء، استنشق بعمق فخرجت من أعماقه زفرة لم يستطع أن يحملها إلا بعض آلامه. كم هي ضيقة رئتيه.. لو أنهما تتسعان لكل الهواء فيستنشقه مرة واحدة ويزفر زفرته الأخيرة... تقلب في مكانه فصدرت عن عظامه طقطقة، كأنها صوت أغصان تتكسر، وأحس بزلزلة خفيفة تسري في المكان، انتبه إلى أنها صادرة عن الفراش فحدث نفسه: ماذا لو زلزلت الأرض فعلا وأنا على هذه الحالة من العياء، فتصبح هذه الجدران رديفا للموت بعدما كانت تعني الدفء والأمان...
    فلتزلزل، ولتتهاوى الجدران ـ وهو يدس رأسه تحت كومة من ملابسه التي اتخذها وسادة ـ سينضاف رقم واحد إلى عدد الضحايا.. إنني أفضل الموت هنا في هذه اللحظة على فراشي الدافئ على أن أقضي ما تبقى من الليل في العراء... فجأة، تناهى إلى سمعه صراخ ضعيف انتشله من الأعماق ليزج به أمام هذا الواقع الذي يطارده. استل رأسه من تحت "الوسادة"، أصاخ السمع ... أتى الصوت واضحا.. صراخ رضيع... أتكون قد فعلتها مومس... لا، لا يمكن، إنه.. إنني... لمعت عيناه الخضراوان ببريق كهر محاصر يستعد لآخر هجوم... اندفع نحو النافذة يفتحها، وهناك رآه في زاوية من الجهة الأخرى للشارع.
    فتح الباب وسار يقاوم العاصفة... ثم عاد.. خصلات شعره تلتصق بجبينه، تقطر ماء، لكنه لا يشعر بالبرد.. لم يعد يحس بالعياء.. كان يبدو، وهو يحضنه في قميصه، كأم أو كهرة تنجو بصغيرها بعد معركة ضارية...

    · هذه أول محاولة قصصية كتبتها.. النص ينشر لأول مرة إلكترونيا وهو صادر ضمن مجموعتي "كرسي على الرصيف" سنة 2003

    * هذه الكلمات "هلال، لهب، هر" من كتاب اللغة العربية للقسم الابتدائي الأول
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد اللطيف الخياطي; الساعة 11-03-2010, 11:11.
    [frame="2 98"]
    زحام شديد في المدينة.
    أما الوجوه فلا تعكس سوى الفراغ المهول
    [/frame]
  • ماهر اسماعيل طلبة
    عضو الملتقى
    • 21-05-2009
    • 176

    #2
    العزيز عبد اللطيف .. اذا كانت هذه هى محاولتك الاولى فى القصة فنحن سنقبلها كما هى .....ههه
    لقد نجحت تماما فى خلق حالة من التعاطف مع بطل قصتك واعتقد ان هذا نجاح تام للعمل يؤكد أننا امام عمل جيد ... نص جميل يا عزيزى ، محكم .. لم تفلت خيوطه من بين يديك طول الطريق .. اتمنى لك التوفيق الدائم
    تحياتى

    التعديل الأخير تم بواسطة ماهر اسماعيل طلبة; الساعة 11-03-2010, 11:56.
    [B][FONT=Arial][SIZE=6][COLOR=DarkRed][CENTER]وقفت بين شطين علي قنطــــــــــــــــــرة
    الكدب فين و الصدق فيـــــــــــن يا تري
    محتار ح اموت .. الحوت خرج لي وقالي
    هو الكلام يتقــــــــــــاس بالمســـــــــــطرة
    عجبي !!![/CENTER]
    [/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=6][COLOR=DarkRed]
    [/COLOR][/SIZE][/FONT][URL="http://mahertolba.maktoobblog.com"][FONT=Arial][SIZE=6][COLOR=DarkRed]مدونتى حكايات [/COLOR][/SIZE][/FONT][/URL][/B]

    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      الزميل القدير
      عبد اللطيف الخياطي
      وبالرغم من أنك نوهت أن النص كتب في 98
      إلا أني ومع ذلك رأيته نصا جميلا
      يحتاج بعض المرور والتعديل وحذف بعض الكلمات التي جاءت فائضة
      كإلى أقصى ما يتذكر.. وجدتها فائضة
      ولذلك بدؤا... تعوض ب فبدأوا وهكذا من تلك الكلمات البسيطة ولكنها تخل بالنص
      تقبل تحياتي ومودتي
      وليتك تتفاعل مع نصوص زملاءك وتقرأ لهم فهو بالنتيجة فائدة تعم الجميع
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • عبد اللطيف الخياطي
        أديب وكاتب
        • 24-01-2010
        • 380

        #4
        صديقي العزيز ماهر،

        ربما يرجع الفضل في هذا النص للقط أكثر مما يرجع لقلم مبتدئ .. أعتقد أن جميع القصص التي كتبت عن القطط نالت حظا من التوفيق.
        سلامي
        [frame="2 98"]
        زحام شديد في المدينة.
        أما الوجوه فلا تعكس سوى الفراغ المهول
        [/frame]

        تعليق

        • عبد اللطيف الخياطي
          أديب وكاتب
          • 24-01-2010
          • 380

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
          الزميل القدير
          عبد اللطيف الخياطي
          وبالرغم من أنك نوهت أن النص كتب في 98
          إلا أني ومع ذلك رأيته نصا جميلا
          يحتاج بعض المرور والتعديل وحذف بعض الكلمات التي جاءت فائضة
          كإلى أقصى ما يتذكر.. وجدتها فائضة
          ولذلك بدؤا... تعوض ب فبدأوا وهكذا من تلك الكلمات البسيطة ولكنها تخل بالنص
          تقبل تحياتي ومودتي
          وليتك تتفاعل مع نصوص زملاءك وتقرأ لهم فهو بالنتيجة فائدة تعم الجميع
          الأديبة المتألقة عائدة محمد نادر،
          لو قدر لي إعادة كتابة هذا النص لاتخذ صيغة أخرى، ليست بالضرورة أفضل من هذه .. لاشك توجد به بعض الهنات فالكمال لله وحده ... لكن النص تولد في ظروف خاصة و كتب بالأعصاب، وأنا لا أحبه جملة، وبه مقاطع توترني وأمقتها .. لكن النص الآن اتخذ حياته الخاصة،هو في ملكية القارئ الذي يملك الأصل والذي لا يجب خيانته.. تلك تجربة يجب أن تبقى كما هي بما لها وما عليها... لكن يمكن تصحيح الأخطاء اللغوية متى وجدت.

          أنا معك أختي الكريمة في الدعوة للتفاعل ، فلأجل هذا نحن هنا وهذا ما تتميز به المنتديات عن المنابر الأخرى.. لكن كما يقال"الجماعة تعرف الواحد و الواحد لا يعرف الجماعة" على الوافد أن يلقي التحية وعلى المقيم واجب الترحيب.. حاليا لا أملك الوقت للتفاعل مع النصوص المطولة، كما أن التفاعل الإيجابي يكون بالقراءة المتأنية وبالملاحظات الحقيقية التي تتطلب وقتا، لكن لابأس بالمجاملة أحيانا من أجل مد جسور التواصل ..فالتواصل هدف نبيل أيضا، أما المحبة فهي أنبل من الأدب نفسه...

          تقبلي المحبة مع الاحترام
          [frame="2 98"]
          زحام شديد في المدينة.
          أما الوجوه فلا تعكس سوى الفراغ المهول
          [/frame]

          تعليق

          يعمل...
          X