القصة القصيرة جدا في قفص الإتهام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعيد أبو نعسة
    عضو الملتقى
    • 11-03-2010
    • 455

    القصة القصيرة جدا في قفص الإتهام


    لم يشهد نوع أدبي ما شهدته القصة القصيرة جدا من جدل محتدم خلال الندوات و المؤتمرات التي عقدت حول هويّتها من جهة و حول أحقيّتها في الحياة من جهة أخرى .
    فالأنواع الأدبية الأخرى فرضت نفسها في حيّز الوجود كأسلوب لا غنى عنه من أساليب التعبير ؛ و لم يمانع أحد في تلقّفها و لم يسألها عن بلد المنشأ طالما أنها تقدّم نفسها مرآة للإبداع و الجمال اللذين يتجاوزان حدود الوطن و الجنسية .
    لماذا تُحارب القصة القصيرة جدا هذه الحرب الشعواء ؟ تُقام في وجهها السدود و تُغلق دونها الحدود و تكال لها الردود التي تحمل في طياتها التهكّم و السخرية أحيانا .
    هذا يسميها ومضة و ذاك يسميها برقية و آخر يقول : لمحة وأخرى تقول:طرفة و خامس يقرّر: إنها فكرة و سادس يشعرنها مطلقا عليها اسم : خاطرة ؛ما جعلني أنضمّ إلى ركب المتفذلكين مختارا لها اسما جديدا: قَصَجَة .اختصارا لاسمها الطويل جدا و الذي لا يتناسب و جوهرها .
    إذا كانت حجّة المحاربين تتمركز حول حجمها الصغير جدا فالقصة القصيرة أيضا ثارت على الرواية و أعلنت الانفصال محققة نجاحات لا تُحدّ و جمالات لا تحصى .
    وإذا انتُقِدت لاجتزائها بعض عناصر السرد كالزمان أو المكان أو كليهما معا فهذا التحرر يزينها ولا يشينها و يُنصّبها منارة يخترق نورها أمداء الزمان و المكان ويُعلّق على صدرها وسام الشمولية .
    و إذا تناوشتها سهام النقد لأنها تُكثّف الصور و المشاهد و الرؤى إلى درجة تقرّبها من الغموض فهذا فخر لها و قد قرّر الإمام النفّري رحمه الله :" كلما ضاقت العبارة اتّسع المعنى." لأن خيال القارئ يسرح في تصوّر المشهد كما يحلو له فيغدو مشاركا في كتابة النص غير مكتفٍ بلعب دور المتلقّي السلبي ؛ولا بأس بمثل يدعم هذا الرأي:
    ( لو وصفنا الحديقة بأنها قِبلة المتنزهين و أمل الراغبين في السعادة و الجمال ؛ تتطاول أشجارها معانقة كبد السماء وتتلاون أزهارها معلنة أنها السحر بعينه .
    ووصفناها بأنها : جنّة .
    فأيّ الوصفين أقدر على تحفيز الخيال ؟! )
    و إذا جوبهت بأنها تدور حول حدث واحد و حبكة واحدة لا غير فهذا يقدّمها للقارئ على طبق من البساطة و الوضوح بعيدا عن تداخل الأحداث و تشابك العُقد .
    و إذا اتّهمت بأنها أباحت نفسها لكلّ من هبّ و دبّ من حملة الأقلام فهذا جُرم هي منه براء و الجاني هو من يستسهلها و ينتهك حرمتها .
    و لعل الرمح الذي يكاد يصيب منها مقتلا هو ضبابيتها التي تقلص الرؤية حولها فتجعلها عصيّة على التمظهر بقوام فريد يميّزها عمّا يشبهها من أنواع القصّ الأخرى كالطرفة و النادرة رغم أنّ الفرق بينها شاسع.
    فالطرفة ( النكتة و الملحة ) هي نص سردي قصير يهدف إلى الإضحاك تحديدا ،يختلقها الراوي ساخرا من الفكرة التي تختزنها معتمدا على مبدأ الإدهاش و عدم التوقّع ما يجعلها شبيهة بالإحجية. و البعض لا يفرّق بينها و بين النادرة .
    بينما القصة القصيرة جدا لا تهدف إلى الإضحاك إطلاقا و إن لبست ثوب الطرافة أحيانا راسمة البسمة على وجه القارئ ؛ و لعل ما يميّزها هو سخريّتها السوداء التي تفضح الواقع المرير والتي تستمطر الحزن بدل الفرح كقصّتي هذه:
    وا
    (على وقع الاستغاثات الصاخبة بُعث المعتصم من مرقده؛ كانت النداءات حادة و حارّة في لهفتها .
    أصمّ أذنيه للوهلة الأولى ثم تلفّت حوله يمنة و يسرة فلم يجد نساء عربيات يستغثن بل ملوكا و رؤساء و أمراء ، فأصيب بسكتة دماغية .)
    كما أنّ القصة القصيرة جدا تتميز عن النادرة في كونها تسرح في عالم الفانتازيا الخيالي الرائع بينما النادرة تسجيل حرفي لحدث اجتماعي أو تاريخي غير مألوف يتّصف بالغرابة و الإدهاش لذا فالأَولى تصنيفها في خانة القصص التاريخي كما أن النادرة قد تترهل على مدى صفحات و قد تنكمش في سطور قليلة بحسب عدد الشخصيات و الأحداث فيها، بعكس القصة القصيرة جدا .
    أما تشبيهها بالفكرة فخطأ فادح لأن الفكرة قد لا تروي حدثا ولا تتلبس شخصية ولا تتأطّر في زمان أو مكان .
    و الخاطرة أيضا تختلف عن القصة القصيرة جدا لأنها أشبه بالمناجاة و البوح الحكيم و هي بعيدة عن السرد المتضمن حكاية كقولنا مثلا :
    ( لماذا أيها الحُبّ كلّما اقتربنا منك ازددت بُعدا و كلما توددنا إليك ازداد صدّك ؟)
    أمّا الومضة فهي لمحة موجزة تتأرجح بين الشعر و الخاطرة وهي إلى الصورة الشعرية أقرب .لذا فهي أبعد ما تكون عن القصة القصيرة جدا .
    إزاء ما تقدّم و بعد نفي علاقة القصة القصيرة جدا بالإنواع الأدبية الأخرى فلا بدّ من تحديد معالمها من خلال العناصر الأساسية التي يجب أن تتوافر فيها و هي :
    1- الحكاية : فعليها أن تحكي حكاية تماما كالرواية و القصة القصيرة و المسرحية و المقامة و النادرة و...
    2- الشخصية : فلا قصة بدون شخصيات تُنجِز الحدث و تشكّل جوهر السرد الأساس و لا يُشترط في الشخصية أن تكون إنسانا فالحيوان و النبات والجماد كلها تصلح للعب الدور.
    3- الوحدة : أي الإضاءة على حدث واحد بعينه مصوغ في حبكة واحدة تُبدي وضوحها للعيان لأن تنوّع الأحداث يستدعي تشابكها و يؤدي إلى تعدد الحبكات و العقد التي تقود إلى أكثر من احتمال و إلى تكرار الأفكار في معظم الأحيان ما يرمي بالقصة إلى هاوية الترهل و الذبول .
    4- التكثيف المقصود : و لعله الهوية الأبرز التي تحملها القصة القصيرة جدا و هو يعتمد على ضغط الصور و الرؤى بشكل موجز مختصر يحافظ على جوهرها بكل مكوّناته دون شرح أو تفصيل أي على مقاسها تماما دون تطويل مملّ أو إيجاز مُخلّ .و لعل هذا الشرط هو الأصعب بين عناصرها لأنه يحتاج إلى الموهبة المبدعة و الثقافة الثرّة و القدرات اللغوية والتركيز الذهني الشديد و هذه شروط تبدو تعجيزية يجفل منها الكتّاب فيديرون ظهورهم للقصة القصيرة جدا منصرفين إلى مجال إبداعهم الأساس .
    5- المفارقة : و هي عنصر جوهري لأنها تتمحور حول تقنية تفريغ الذروة و صدم القارئ بما لا يتوقّع و هنا يلمع وجه الشبه بينها و بين الطرفة و النادرة لأن المفارقة تشكّل عنصر التشويق اللذيذ الذي يميزالقصة الناجحة و يسكب المتعة و الارتياح في نفس القارئ .
    6- انتشار الجمل الفعلية بشكل لافت ؛لأنها في إيحاءاتها الدلالية تشير إلى الحركة و الحالة و هما شرطان لازمان من شروط السرد و هذا لا يعني الاستغناء عن الجمل الإسمية لضرورتها في الوصف الذي لا تحتفي به القصة القصيرة جدا في أغلب الأحيان ؛لأنه إن طغى على السرد هدم الحدود التي تفصلها عن الخاطرة وعن المقالة الوصفية .
    7- العنوان : وهو رغم أهميته في النصوص على اختلاف أنواعها فإنه في القصة القصيرة جدا يجب أن يختار بدقة لأنه يلعب دورا حاسما مضيئا على المضمون شاحنا للرؤى و الدلالات .
    وحين تزدان القصة القصيرة جدا بعناصرها تأتلق فيها الفكرة ماسةً تتعاكس عليها المرامي البعيدة و الدلالات المبطّنة ،يستوحيها القارئ الفطِن متّكئا على المفردات الدالّة و المختارة بدقّة و دراية فإذا هو في دقائق معدودات يقرأ قصّة ماتعة غنية بالرموز و الأبعاد و المعاني التضمينية في جوّ ساحر و ساخر يُشكّله الخيال الخصب المنطلق من أرضية الواقع المرير الذي تعبث به قوى الشرّ و الظلام لتجد القصة القصيرة جدا نفسها الأقدر على ملامسة المواضيع الحساسة كالعولمة و صراع الحضارات و الديمقراطية و الدكتاتورية و قضايا الإنسان العادلة و الإرهاب في أسلوب يتوخّى التلميح مستغنيا به عن التصريح .
    و القصة القصيرة جدا إذ تقدّم نفسها نوعا أدبيا جديدا له أنصاره و مؤيدوه المدافعون عنه تضع نفسها تحت المجهر مهيبة بالنقاد أن يفسحوا لها في الطريق كي تأخذ مكانها اللائق بها طالبة منهم الحذر و الدقّة في التعاطي معها لأنها طرية العود تتوق إلى من يحتضنها و يرعاها.
    تجارب الكتّاب و المبدعين ما زالت خجولة في ارتياد هذا الفنّ النثري الجديد و هي لا تكفي بضآلتها الحالية لتشكيل نظرة نقدية وافية ومحددة حولها ما يجعل التسرّع في الحكم عليها أقرب إلى النقض منه إلى النقد .
    هذا الخجل في التجريب يقابله خلل في المشهد النقدي ,فبين ناقد يُطبّل و يُزمّر لفلان أو علاّن من معارفه كَتَبة القصة القصيرة جدا و بين ناقد محايد،تهتزّ المعايير و يختلّ التوازن وتفقد(القصجة )
    عذريّتها و ألقها بعد أن عرّشت الطحالب على صدرها حارمةً ساحتنا الأدبية متعة التلذّذ بنوع أدبي جديد جميل توّاق للظهور، ومناسب لواقع الأمور، اسمه : القصة القصيرة جدا .

    </b></i>
  • نبيل عودة
    كاتب وناقد واعلامي
    • 03-12-2008
    • 543

    #2
    الأديب الناقد سعيد ابو نعسة
    سررت جدا بمقالك ، واعتقد ان مو ضوع القصة القصيرة جدا يحتاج الى الكثير من الفحص والكشف والإختبار ، ومن ملاحظاتي ان القارئ لا يوليها الاهتمام الذي يظهر في المنتديات خاصة ، من مدائح أجزم انها توجه لصاحب القصة وليس لقصته ، لأن الكثير من القصص لا قصة ولا انشاء بسيط.وأجزم عن ايراد نماذج حتى لا أعلق بحرب كونية.
    هذا من جهة ، من الجهة الأخرى ، ارى ان تطوير اصطلاح القصة القصيرة جدا ( ققج)جاء ليغطي على عجز البعض ، ولا اتهم الجميع لأنه حقا يوجد لدى بعض الكتاب ما يقع جغرافيا في حدود القصة القصيرة . وقد قارنت في مقالي المنشور بنفس المنتدى بين فوضى الشعر المنثور والققج .. حتى اليوم لم يحلق الشعر المنثور الا لدى شاعر واحد هو محمد الماغوط ، رغم ان بعض المعقبين اشاروا الى اسماء أخرى ، ولكني بكل أسف اقول لا يوجد شعر منثور الا لدى الماغوط والقليل لدى محمود درويش في اطار قصائد موزونة ، ولدى نزار قباني .. اما الاشارة لشاعر نثري ، فلا ارى غير الماغوط.
    نفس الحال ب الققج . ربما عدد من الكتاب القليل من بين الاف المكتشفين لهذا القطب القصصي المتجمد تلفت كتاباتهم الانتباه .
    السؤال ما هي معايير ال ققج ؟ هل تختلف عن فن القصة القصيرة ؟ واذا كانت تختلف ، هل يجوز الحاقها القصري بفن القصة الذي تفتقده ؟ انا مثلا لا اعتبر الكتابة شعرية حسب ترتيب النص . انما الكتابة الشعرية (او الشعر )هي التي لا يمكن ان تصاغ الا شعرا، واذا قراتم نصا موزونا ويبحر في بحور الخليل ، ويمكن صياغته نثرا ، فهذا لا يمكن ان يكون شعرا.
    نفس الأمر بالقصة ، بدون المركبات القصصية ، وأهمها عناصر الدهشة والفكرة الدرامية واللغة القصصية التي من المفروض ان تكون درامية أيضا لتتداخل مع دراما القصة ، والتوازن بين الخطابين التاريخي والفني ، ولا أعني التعادل بينهما ، انما معرفة استعمالهما في النص بشكل غير ميكانيكي ، هو ما يخلق القصة ، لذا المساحة مقررة . جملة الإمام النفّري :" كلما ضاقت العبارة اتّسع المعنى".هي جملة صحيحة وعبقرية ، ولكن لننتبه الى انها تنفع في العلوم ، والبحث الاجتماعي والأخبار ، والرسائل ، والكتابات المتعددة ، الا في القصة ، صحيحة ببناء جملة قصصية قصيرة معبرة وغير فضفاضة وبدون فذلكة لغوية .ولكن لا يمكن ان نقول ان رواية الحرب والسلام مثلا ، أعظم عمل روائي في التاريخ البشري ، كانت ستكون أجمل لو اختصرها تولستوي . وقصة يوسف ادريس عن طبيلة من السماء لم يكن من الممكن ان توصل القارئ لما اوصلته لو اختصرها ادريس بدون ان يرسم أجواء القرية التي اندفعت تركض دون ان تعلم ما يجري..او لو اختصر خطبة بطلها الجائع ...
    قرات قصتك عن المعتصم ، فكرتها رائعة ، ومعبرة عن واقع مخجل ، ولكنها ليست قصة. ربما لو غيرت ترتيبها لأعتبرتها استمرارا لمدرسة الماغوط الشعرية.لماذ لا تكون القصة القصيرة جدا مثل هذه القصة :


    أمباتيا


    في دراستي للفلسفة ، وفيما بعد في قراءاتي المختلفة ، لم أجد الكلمات التي أعبر بها بدقة عن هذا الاصطلاح "امباتيا". حتى سمعت حكاية من امرأة روتها وهي تشعر بالارتباك. قالت:



    - - انا متزوجة منذ أربعة عقود .. لم أعد أشعر برغبة في الاقتراب من زوجي.. رغم الحاحه الدائم... اتهمني اني باردة جنسيا .. ومن كثرة الحاحه ذهبت للعلاج لدى طبيبة مختصة سألتني : .



    - ما مشكلتك بالضبط ؟



    - ربما برودة جنسية .. لا أشعر بجاذبية نحو زوجي ولا برغبة في معاشرته .



    - حسنا، احضريه معك في المرة القادمة ، وسأجري الفحوص المناسبة وبعدها نرى ما العمل.



    وواصلت السيدة الحديث :



    - بعد اسبوع عدت مع زوجي الى عيادة الطبيبة. قالت له الطبيبة انه من أجل علاج برودة زوجته الجنسية .. عليها ان تفحصه أولا ... وأضافت:



    - رجاء اقلع هدومك ايها السيد .. لا حاجة للإرتباك .. انا طبيبة ورأيت الاف مما تظنه مميز رجولتك.. .. تأكد يا سيدي عندما كنت صغيرة استغربت اني لا أملك ما يملكه أخي ويفخر به . هل تعرف ماذا قالت لي والدتي ؟ قالت اني بما املكه استطيع عندما أكبر ان املك الاف مثل الذي عند أخي .. لذا لا ترتبك ، انت لست المالك الوحيد لهذا الشيء الذي تفخرون به يا معشر الرجال...



    وواصلت المرأة حكايتها:



    - وبدون خيار، قلع زوجي ملابسه .. وبان عاريا كما ولدته أمه.. خجلت عنه .. ولكننا في عيادة للعلاج



    قالت الطبيبة:


    - الآن در حول نفسك دورة كاملة.. مرة أخرى.. سر خطوة للأمام .. ارجع خطوتين الى الخلف.. الآن استلق على السرير من فضلك .. لا تخبئ عورتك .. لا تخجل .. لست ساحرا للنساء لتخاف علينا من رجولتك ..استلق .. حسنا .. يداك على الجنبين .. الآن أرى.. قم يا سيدي وارتد ملابسك وانتظر زوجتك في الخارج .


    وقامت تسجل ملاحظات في دفترها.



    خرج زوجي وبقيت لوحدي مع الطبيبة. قالت:


    - يا سيدتي انت لا تعانين من برودة جنسية .. انا أيضا لم أشعر بجاذبية نحو زوجك !!
    هل هناك مساحة مقررة سلفا ؟
    تحياتي

    تعليق

    • يسري راغب
      أديب وكاتب
      • 22-07-2008
      • 6247

      #3
      الاديب والناقد
      الاستاذ سعيد ابو نعسة المحترم
      كل التحية والتقدير
      بالنسبة لي اخشى ان اتحدث عن انطباعاتي الشخصية في ثلاث اجناس ادبية هي / الخاطرة والقصيدة النثرية والقصة القصيرة جدا لانني مغرم بالفكرة الواضحة المباشرة الواقعية الصادمة واعشق الكلاسيكية في كتابة القصة القصيرة التي تبعث في النفس لمحات الاثارة والتشويق لحدث ياتي بحدث يتابع سلفه ويوحي بما يليه من احداث متلاحقة متتابعة تعطي نكهة الاستمرارية الروائية ان كانت في القصة الطويلة او الرواية ويشتط التفكير معي في وجود فروقات بين الرواية والقصة الطويلة واختهما الصغرى القصة القصيرة لكن القصة القصيرة جدا كفن ادبي اراه مثل الروبوت الالي كل ما فيه تصنع ويعمل بالريموت كنترول اي انه موجه لا يقترب من التلقائية وعذوبة الحضور الانفعالي للحظة الادبية المدهشة الانسيابية في الكتابة القصصية
      ارى التركيز والتكثيف والادهاش والاستفزاز اسئلة يريد مخترعوا القصة القصيرة جدا منها ان يوهموا قارئها بانها الاعجوبة في الخلق الفني والابداعي الذي يثبت للقاريء مهارة الروائي في الاختزال الى حد الشهقة الاخيرة وهذا ما لاينطبق ابدا على فن قصصي بقدر ما ينطبق على مساجلة شعرية او نثرية من باب حديث الروح للارواح يسري
      كذلك الحال مع الخاطرة التي تكتب احيانا او غالبا كقصيدة نثرية ويختلف البعض على تصنيفها مابين الخاطرة او النثرية
      اود هنا فقط ان اعترف بان الخاطرة التي هي الخاطرة الاصلية انما هي التي تشبه مواضيع التعبير والانشاء اللغوية التي كنا نتعلمها في المدارس الاعدادية والثانوية من جمال في اللغة وتوصيف في الاماكن والاشخاص والمناسبات والمعاني الكبيرة التي يمكن لكل منا ان يتطرق اليها تفصيلا في خاطرة هي اقرب الى الموضوع الانشائي منها الى حالة حب عذبة منغمة
      والقصة القصيرة جدا ما هي الا سطور ابداعية يمكن انتاجها من اي عمل روائي ادبي كبير يكون فيها التجلي لكاتب القصة قد وصل فيها حد الروعة واحيانا اقرا قصص احلام الجزائرية فاخرج منها بعشرة الاف قصة قصيرة جدا دفعة واحده
      فهل هي تقطيع الرواية الى قصص قصيرة جدا
      ربما
      لكن يجب ان نتفق ان مسمى القصة القصيرة جدا يحتاج الى وقفة متانية لكي لا نخلط بينه وبين الخاطرة االمعاصرة احيانا وبين شطر من القصيدة النثرية احيانا اخرى او سطر من قصة قصيرة او طويلة لاديب قدير
      اعتقد انها مثل الاغنية الشبابية تضج بالموسيقى وتجعلنا نفرح عند سماعها لكنها لا تبقى في الذاكرة لفترة اطول من اللحظة
      وتلك رؤيا ذاتية احببت ان انقلها للتصحيح والاستفاده من التصحيح في التعامل مع الخاطرة والقصيدة والقصة القصيرة جدا
      مع كل احترامي وتقديري لشخصكم الكريم

      تعليق

      • نبيل عودة
        كاتب وناقد واعلامي
        • 03-12-2008
        • 543

        #4
        [align=right]
        الأديب الناقد سعيد ابو نعسة
        ننتظر تفاعلك .
        الموضوع هام جدا .. اليك مجموعة ققج ..او ترنيمات او لنسميها لقطات



        لقطــات قصصيــة *


        ( ترنيمــات )



        بقلم : نبيــــل عــــودة



        عــلاج جــذري


        وصل مرعوبا للطبيب.
        - اثناء تناولي لوجبة سمك علقت شوكة في حلقي .. انها تؤلمني .
        عاين الطبيب حلقه ، ثم أعطاه زجاجة دواء .
        - ما هذا .. انها قطرة للعيون ؟
        - بالطبع .. ليتحسن نظرك وترى الشوكة عندما تأكل السمك في المرة القادمة..

        ــــــــــــــــــــــــــــــ

        الأمنية الأخيرة


        قتلثلاثة اصدقاء بحادث طرق. قال لهم ملاك الموت : سأُلبي لكم آخر أُمنية، ماذا تريدونان يقولوا عنكم محبيكم وأصحابكم قبل الدفن؟
        قال الأول : ليقولوا انه كان معلمابارعا وموته خسارة للعلم .
        قال الثاني : ليقولوا انه كان كريم الأخلاق محبالمساعدة الغير .
        قال الثالث: ليقولوا .. توقفوا لا تدفنوه .. انه يتحرك !!


        __________


        ماسورة إطفاء الحريق قصيرة


        اقترح رجل الاطفائية على زوجته ان يكون نظام البيت تماما كما هو في محطة الإطفاء.
        -وكيف ذلك ؟ سألته .
        -عندما ينطلق الصفير الأول نرتدي ملابسنا. مع اطلاق الصفير الثاني نصعد لسيارات الإطفاء ، مع الصفير الثالث تنطلق سياراتنا بأقصى سرعتها..مع الصفير الرابع نبدأ بمد مواسير الإطفاء وإطفاء الحريق .
        -وافقت زوجته ...
        -في صباح اليوم الأول بعد اقرار نظام البيت الجديد أطلق صفارته، فخلعت ملابسها. ففعل مثلها. أطلق الصفير الثاني فقفزت الى السرير ، فقفز وراءها ، اطلق الصفير الرابع فتداخلا بانصهار..
        بعد لحظات تناولت الصفيرة وصفرت بقوة ... تفاجأ ، فقد انتهت الصفرات الأربع ؟
        - هذا صفير خامس لم نتفق عليه .. ما المشكلة؟ سألها وهو غارق في أحضانها ..
        - النار تشتد اشتعالا وماسورة الإطفاء قصيرة جدا .

        ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


        دفن حماتــــــــه ..


        التقى مع صديقه جميل ، تفاجأ بوجهه المليء بالجروح والكدمات .
        -ماذا حدث لوجهك يا جميل؟ من ضربك .. ؟
        -لم يضربني أحد.
        -ومن سبب لك هذه الجروح والكدمات ؟
        -لا شيء مهم .. اليوم قبرت حماتي ؟
        -حسنا ، ومن سبب لك الجروح ؟
        -أه .. هذا بسبب رفضها الدفن .

        ـــــــــــــــــــــــــــــ

        سفيـــــــه اللســـان


        اشتكت الطالبات من سفاهة لسان المحاضر.. واتفقن على ترك محاضرته في المرة القادمة ،عندما يتكلم بسفاهة ، احتجاجا على سفاهة لسانه .
        في المحاضرة التالية ، قالكعادته ، في فرنسا يوجد نقص في الزانيات ، وفرنسا فتحت ابوابها لإستقبال زانيات منذوي ثقافة عالية فقط.. وضحك بانبساط .
        احتجت الطالبات على سفاهة لسانه وكمااتفقن قمن لمغادرة الصف.
        تفاجأ المحاضر ، وخاطب طالباته :
        -
        ما زال الوقتمبكرا ، الطائرة القادمة الى فرنسا تنطلق غدا فقط .
        ـــــــــــــــــــــــــــــ

        عزرائيل في منتصف الليل


        قرع عزرائيل باب البيت بعنف . قال الرجل لزوجته :
        -انظري من هذا المزعج في منتصف الليل .
        -قم انت . اصرت الزوجة وعادت لنومها .
        تواصل القرع المزعج ، فقام الزوج متثاقلا ، وفتح الباب بغضب :
        -ماذا تريد في منتصف الليل أيها الوقح ؟
        -انا عزرائيل وجئت لآخذ روحك .
        التفت الزوج الى زوجته :
        -يا روحي ، هذا الشخص يريدك ، تقضلي رافقيه !!

        ـــــــــــــــــــــــ


        مقطعان

        ( 1 )

        عندما أقضي ليلة
        مع زوجة ضابط
        أهرب قبل الفجر
        حتى لا اتهم
        مع ضوء الفجر
        بدخول منطقة عسكرية.

        ( 2 )

        من لا يموت
        في بلادي
        يوم الحرب
        يموت بحوادث الطرق
        ومن لا يتشوه يوم الميلاد
        يتشوه يوم الحرب !!


        ـــــــــــــــــــــ
        • لقطات ( او ترنيمات ) - تعبيران اقترحهما الدكتور الأديب والمفكر الفلسطيني أفنان القاسم لهذا اللون القصصي . ومشيرا الى التسمية الفرنسية لهذا اللون ( لقطات والنص الواحد لقطة ) ولكني أميل لتعبير ترنيمة.
        • نبيل عودة – nabiloudeh@gmail.com
        هل هذه قصص؟
        انا في شك ولا ارى اي قصة ، مجرد طرف وترنيمات
        عندما قرأت كلماتك عن التكثيف اصبت بحيرة.. ما هو التكثيف؟ لم اجد تكثيفا في القصص القصيرة جدا. اصلا المساحة لا تحتمل اكثر من فكرة مضغوطة. هذا هو التكثيف؟
        لا أظن؟
        التكثيف يحتاج الى مساحة ، ولا يعني الإختصار . هذا مفهوم خاطئ للتكثيف.. يستعمل بغير مكانه.
        هل استبدل تعابير طويلة بكلمات اقل يعني تكثيف؟ مثلا :"كان محمد مريضا ،" اذن هل القول "محمد مريض" ، هي تكثيف ؟ او:" قلت لحبيبتي انت أجمل النساء ولذلك انا أحبك " هل التكثيف ان نقول : احبك يا أجمل النساء؟؟؟؟
        اشرحوا لي حتى أصير أعرف ما هو هذا التكثيف!!!
        [/align]
        التعديل الأخير تم بواسطة نبيل عودة; الساعة 25-05-2010, 15:44.

        تعليق

        • د. سعد العتابي
          عضو أساسي
          • 24-04-2009
          • 665

          #5
          اخي الغالي سعيد
          في نهاية النصف الاول من القرن الماضي من بزغ فجر الشعر الحر
          شنت على رواده حملة شرسة لدرجة انهم اتهموا بالجهل مرة وبتخريب التراث العربي اخرى.... ولعل ذلك يعود لاامرين هما:
          1- الجهل بهذا الوليد الادبي الجديد...
          2- ضعف المنجز انذاك _ طبعا لغير الرواد_
          ولعل التاريخ يعيد نفسه مع القصة القصيرة جدا .. فسبب الجهل وضعف المنجز الادبي توجه لها السهام
          لك ودي
          التعديل الأخير تم بواسطة د. سعد العتابي; الساعة 25-05-2010, 17:04.
          الله اكبر وعاشت العروبة
          [url]http://www.facebook.com/home.php?sk=group_164791896910336&ap=1[/url]

          تعليق

          • نبيل عودة
            كاتب وناقد واعلامي
            • 03-12-2008
            • 543

            #6
            أخي د. سعيد العتابي ، تحية وتقدير
            كنت اود ان يتفاعل كاتب المقال.. لا بأس ، الغائب عذره معه .
            ليس بالصدفة اني نشرت بعض القصص القصيرة جدا ، ولدي عدد يتجاوز اليوم العشرة قصص أخرى ، وكلها وليدة ساعتين كتابة .. أي اني قادر على انتاج صناعي متواصل بلا توقف ، لأن الأفكار على قارعة الطريق والنص لا يحتاج الى جهد وتفكير وتكتيك كتابي وفهم كيف ندخل عناصر الدهشة ، وكيف ننجز لغة درامية موازية للفكرة القصصية الدرامية ، واين نصل بالنص ، والنهاية المناسبة للفكرة.. ومشكلة الخطاب الفني والخطاب التاريخي/ الأيدولوجي في النص .
            ايضا عزيزي شعر النثر لم يثبت نفسه .. عدا مقاطع قليلة في شعر محمود درويش ، ونزار قباني ، لا يمكن تسمية شاعر نثري كبير الا الماغوط .. ولكنه حالة نادرة جدا في الثقافة العربية آمل ان تتكرر.
            هذا لا يعني ان النثر الشعري ملغي. نجد قصائد جميلة ولكنها قليلة جدا . والمعني ان النثر الشعري او الشعر المنثور لم يتبت نفسه بعد حتى لو كان هناك مليون شاعر نثرعربي اليوم .
            القصيرة جدا ستبقى قصيرة جدا عن الوصول الى فن القصة. وهذا في انتاجي أيضا.. ما قمت به تجربة لأفهم جوهر القصة القصيرة جدا ، لم أجد الا ان أي صاحب قلم متمرس ، قادر على الخوض بهذا النوع النصي بدون موهبة قصصية.حتى لو وجدنا مقاطع مؤثرة وجميلة ، يبقى الجو السائد غير مقنع .
            هل يتغير هذا الوضع ؟
            ننتظر .. من يعرف . في الفكر والثقافة والفن ممنوع اللجوء الى المواقف النهائية القاطعة.وما نطرحه هي قناعاتنا اليوم .. حتى هذه الدقيقة.

            تعليق

            • آسيا رحاحليه
              أديب وكاتب
              • 08-09-2009
              • 7182

              #7
              أساتذتي الكرام..
              أود المشاركة هنا لأني أحب هذا النوع من الكتابة و كانت لي فيه نصوص هنا في الملتقى ..و أميل جدا لتسميته " لقطات قصصية " - كما أشار إلى ذلك الأخ الفاضل نبيل عودة ,أكثر من ق ق ج.
              على ذكر التكثيف , أود القول أني حين دخلت الملتقى أدرجت قصة لي في عشرين سطرا تقريبا , و اعتقدت ,لقصرها النسبي المتمثل في عدد السطور أنها قصة قصيرة جدا..و لم أكن قبل ذلك قد جرّبتُ كتابة هذا النوع .
              تفضّل بعض الإخوة بالقراءة و نصحني أحدهم بضرورة التكثيف و الإيجاز لكي يمكن اعتبارها قصة قصيرة جدا..بصراحة حاولت التكثيف فلم أفلح..لم أعرف كيف يمكنني تكثيف العبارة أو المعنى..ثم فكّرت في العكس و قلت في نفسي سوف أمدّد في السرد و أضيف الأحداث لتكون قصة قصيرة أو قصة فقط ..و حاولت و نجح الأمر..أقصد أعتقد ذلك و سوف أدرجها لاحقا في الملتقى..إذن فبمقدور ال ق ق ج - في نظري -أن تتحوّل إلى قصة و العكس غير صحيح..هذا يعني أن الق ق ج تحمل فكرة يمكن توسيعها..أما أنها قصة بالمفهوم المتكامل للقصة فالنقاش لا يزال قائما حول ذلك .
              هذا يجعلني أقف محتارة نوعا ما أمام التكثيف و الإيجاز و مدى تحمّل الفكرة لهما .
              استوقفني أيضا في موضوع الق ق ج , ترديد لفظة قفلة , و بعض الإخوة يقترح قفلة حادة ..لماذا 'حادة ' ؟..لا أدري ..مع أني أعلم أن نهاية القصة عموما ليس شرطا أن تكون صادمة أو مفاجئة أو مدهشة . بعض النهايات تكون سلسة و مريحة
              و جميلة
              .
              استغربتُ أيضا من بعض الإخوة الكرام أنْ اعتبروا أن الق ق ج يجب أن تحمل عناصر المكان و الزمان و الحدث و الصراع و الحل تماما كما في القصة..و لم أستطع أن أستوعب كيف لكاتب أن يدرج كل هذه العناصر في سطرين أو ثلاثة .
              تحيّتي و احترامي للجميع.
              التعديل الأخير تم بواسطة آسيا رحاحليه; الساعة 25-05-2010, 17:51.
              يظن الناس بي خيرا و إنّي
              لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

              تعليق

              • نبيل عودة
                كاتب وناقد واعلامي
                • 03-12-2008
                • 543

                #8
                [align=right]الأديبة آسيا رحاحلية
                وجهة نظرك تعبر عن تجربة سليمة تماما .
                كل النتفات القصيرة او اللقطات - الترنيمات التي نشرتها ، هي مادة لتحول الى قصص قصيرة . واثبتت تجربتي ، كما هي تجربتك حسب ما جاء في نصك ، ان الأمر ممكن ويعطي قصة قصيرة فنية لا غبار عليها.
                رأيي ( ولا أطعن بموقف الآخرين ) ان تعبير التكثيف الذي يستعمل لا معنى له، لأن التكثيف هو في الفكر وليس في النص. النص اللغوي مهمته التعبير عن فكرة بكلمات واضحة بلا ديباجة وفذلكة لغوية.ومن كان تفكيره سليما قادر على طرح فكرة بدون ترهل ، اذا كان هذا هو التكثيف فاهلا وسهلا به ..
                اما من كانت فكرته غير واضحة ، فنصة يجيء مترهلا حتى لو كان عبقريا في اللغة العربية.ولعدم التكرار أسجل مقالي عن القصة القصيرة جدا الذي نشرته قبل فترة وجيزة:[/align]


                [align=center]ملاحظات ثقافية حول القصة القصيرة جدا[/align]


                بقلم : نبيل عودة

                [align=right]أعترف ان بعض ما قرأته مما يسمى قصص قصيرة جدا جميل .. ولكنه جمال سريع العبور والتلاشي ، لحظة بعد قراءة النص . وبعض النصوص مجرد ثرثرة بلا معنى ولا فكرة ولا رؤية ، ولو اراد كاتب متمرس مثلي ( لا اعني نفسي بالتحديد انما تعبير لغوي يشمل الآخرين أيضا ) لأنتج مجموعة قصصية من القصيرة جدا كل يوم ، وربما بمضمون وروح دعابة ، وفكرة فلسفية ، ونص شاعري ، أجمل من كل ما قرأت من قصص قصيرة جدا.
                انا لست مقتنعا من أمرين بكل ما يسمى القصة القصيرة جدا ، اولا من كون هذا اللون ينتمي لعالم القصة ، وثانيا من رؤيتي ان التسمية قصة قصيرة جدا هي تسمية دخيلة على عالم القصة،القصة القصيرة هي قصة قصيرة وقد تكون ومضة حقا ولا ارى ان المساحة هي المقررة ، انما المضمون ، وما يسمى بدون وجه حق قصة قصيرة جدا ، القليل منه فقط ، يمتلك عناصر القصة... والباقي ليس قصة وليس أدبا حتى.. ولا ارى ضرورة لإقامة الفصل " العنصري" بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا !!
                هل هذا يعني ان قصة قصيرة مصوغة بكثافة روائية ، تصير ، حسب هذا المنطق " رواية قصيرة جدا؟ " . قناعتي ان هذه التسمية عبثية!!
                القصة القصيرة جدا تفتقد للمبنى القصصي بحكم مساحتها ، وغياب عناصر هامة مثل الخطاب التاريخي والخطاب الفني ، وبناء الحدث ، وبناء سيكولوجية الحدث وأبطاله، أي بمفهوم أوضح دراسة العوامل النفسية للفكرة الدرامية ولشكل تصرف الأبطال . ربما ينفع نص ما يسمى قصة قصيرة جدا ليكون حالة معينة داخل قصة.
                أعرف ان موقفي سيثير رفضا واسعا ، لأن الكثيرين من الذين فشلوا في صياغة قصة قصيرة يبحثون عن تغطية ثقافية ، وآمل عدم اعتبار هذا الموقف تهجما ، بل نقدا، ورأيا شخصيا ، للوصول الى صيغة عقلانية .. ومبررات كتابتي له لأني لم أتعود ان ابقي رأيي طي الكتمان .. والبحث عن علاقات ترفع مكانتي ، او مواقف لها الكثير من المؤيدين !!

                لا أطرح ما أطرحه لأنتقص من قيمة اي كتابة أدبية ابداعية. وكما قلت بعض ما يسمى القصص القصيرة جدا قرأتها بمتعة ، رغم اني لم أدخل في نوسطالجيا القصة القصيرة ، او أجواء الدهشة والاحساس بالحدث ، وشعور التواصل والرفض لمواقف ابطال النص القصصي ، او القناعة الفكرية بموقف او نهاية . وخلافي ليس حول قدرات ابداعية لبعض كتابها ، لأن الأكثرية المطلقة من كتاب هذا اللون ، صاروا تماما مثل شعراء آخر زمان ، الذين هبطوا على الشعر بدون فهم ادوات الشعر ، ولغة الشعر وصياغة الصور الشعرية ، ووجدوا بالمنثور غطاء تنكريا ، بينما الشاعر الوحيد الذي اثبت نفسه في الشعر المنثور هو الشاعر محمد الماغوط . وقد نجد القليل عند غيره من المنثورات الجيدة .. ولكنها لا تشكل حالة ثقافية .
                لذلك نرى الكثير من حاملي صفة شعراء وكتاب قصة قصيرة جدا ، او حتى قصة قصيرة ، ولا نجد بينهم الا عددا نادرا من الشعراء والكتاب ، وبالكاد لديهم روح أدبية تستحق الالتفات .
                يقلقني تماما ان حالة من التسيب والسهولة التي وجدها البعض في هذا اللون من الكتابة ، قد تقود الى تعميق أزمتنا الأدبية .. بحيث تصير الكتابة القصصية القصيرة جدا ملعبا للكثير من الفاشلين قصصيا ، تماما كما ان الشعر المنثور أضحى لعبة يمارسها الفاقدون حتى للحس اللغوي وليس لبحور الشعر وأوزانه فقط . .
                أفهم ان شاعرا مجيدا مثل محمود درويش او نزار قباني كتبا قصائد النثر ، او ظهرت نثريات في قصائد بعضها موزون . لدرجة ان القارئ العادي ، او المثقف أكثر ، يستصعب أحيانا الفرز بين الموزون والمنثور او فهم ان بعض الشعر ، رغم انه على المسطرة من ناحية الوزن الا انه يبدو لغير الملمين بالأوزان الشعرية ،نثرا .
                أحد الأدباء العرب داخل اسرائيل ، الدكتور فاروق مواسي أصدر مجموعة قصص قصيرة جدا حملت عنوان " مرايا وحكايا" قرأتها وأعجبتني روحها الأدبية .. ولكني لا أستطيع قبولها كقصص ، لا قصيرة ولا قصيرة جدا . تفتقد لمبنى القصة . ربما كتابة ذكية ببعضها روح الدعابة . لذا امتنعت من الكتابة عن مجموعته رغم رؤيتي انها لوحات كتبت بذكاء وحس أدبي جميل . واليكم نموذج ، وهي القصة الأولى في المجموعة:

                سمك

                سألته وهي تهاتفه : أي الطعام أحب اليك ؟
                أجابها بلا تردد : سمك .. !
                ولم تكن تحب السمك ...
                والفت نفسها بعد ايام تكثر من شراء السمك للعائلة ، تقدمه مقليا ومشويا وتاكله بشهية ..
                وتساءلت العائلة: ما سر شراء السمك بهذا القدر ... ترى هل رخص السمك ؟!

                ****

                أعترف انها فكرة جميلة ، وهي أجمل قصة برايي في المجموعة ، ولكن السؤال ، الم يكن من الممكن تطوير عقدة قصصية من نفس هذه الفكرة السريعة ، وجعلها أكثر جمالا وأكثر اندماجا بجو قصصي يعيش لفترة أطول في ذهن القارئ ، ويخلق انفعالات درامية تدوم في ذاكرة القارئ لفترة أكثر امتدادا ؟
                سيقولون لي عصر السرعة .. هذه حجة تولد ميتة. اذن تعالوا نجعل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلاج الطبي يخضع لفكرة السريع جدا، أو القصير جدا ..؟
                فكرة القصير وارتباطها بعالمنا السريع ، هي تدمير للأدب .
                ربما تكون قصة قصيرة لا تتعدى الخمسين كلمة. أو أقل ، ولكنها ليست قاعدة اطلاقا. وتحويلها الى قاعدة يبنى عليها تحمل في داخلها ميكروبات قاتلة للأدب .
                الأدب متعة نفسية وجمالية وفلسفية وأخلاقية وتطويرية ونقدية .. ورحلة في عالم الانسان والطبيعة والجماليات ، لا يمكن اختصاره الى قصة قصيرة جدا ، تكتب خلال دقيقتين .
                من هذا الشكل مثلا قصة كتبتها خلال دقيقتين بدون فكرة مسبقة، من أجل ان أثبت لنفسي أولا عبث فكرة القصة القصيرة جدا . وقدرة كاتب متمكن من مهنته ( لا اعني شخصي بالتحديد ، ولكني أحد المتمكنين مهنيا على الأقل ان لم يكن فنيا أيضا ) ان يصوغ عشرات من النصوص ، من هذا النوع ، خلال جلسة واحدة قصيرة. واليكم النموذج :

                أضف الى رجائك ورقة ياناصيب

                كان يصلي لربه ان ينقذه من تدهور حالته الاقتصادية ، بأن يجعله يفوز بمليون دولار بسحب اليانصيب . وتمضي الأيام والأسابيع ، والله لا يستمع لندائه. أخيرا وقف يصيح بأعلى صوته: الم تقل على لسان ابنك اقرعوا يفتح لكم ؟ ابحثوا تجدوا ؟ اكاد اموت جوعا وانت لا تسجيب لندائي بأن أفوز ياليانصيب!"
                وجاءه صوت مجلجل من السماء: " عليك ان تقوم بخطوة كي تساعدني على مساعدتك ، اشتر اولا ورقة يانصيب .

                وقصة أخرى :

                كتابة تافهة ..؟

                جلس يهودي متدين في عيد الفصح في حديقة ، وكان يأكل المصة . جلس بقربه رجل أعمى ، قدم له اليهودي قطعة من المصة ، تلمس الأعمى المصة باصابعه من الجهتين وسال بحيرة : " من كتب هذه التفاهات ؟"

                وقصة أخرى:

                من تصدق ؟

                دخل بيته ووجد زوجته وافضل اصدقائه عاريان في السرير. قبل ان يفتح فمه قفز صديقه من السرير قائلا : " قبل ان تقول شيئا أخي ، فكر جيدا ، من تصدق ، صديقك ام عينيك ؟ "

                هذه القصة قد تبدو نكتة عابرة ولكنها فلسفيا تطرح موضوعا هاما :" على أي نوع من المعلومات عن عالمنا يجب ان نعتمد ؟"

                هل تريدون ان اواصل ؟

                انسانية

                "الانسانية ؟
                ليست ان يبصق صدرك دما من طلقة مدفع في يد عدو.
                الانسانية؟
                ان تزغرد رصاصاتك فرحا بالنصر !!"

                هل يمكن وصف هذا المقطع بالقصة؟

                مقاومة

                انت في مهمة ، ومهمتك تطبيقية ، مهمتك ان تضغط باصبعك الى الوراء ، بعد ان يكون الصليب المنبعث امام عينك عبر منظار البندقية ، قد تعلق كوسام الشرف فوق صدر الجندي الذي احتل ارضك "

                غضب أيوب

                فقام ايوب ومزق جبته وجز شعر راسه وخر على الآرض ساجدا.
                قال ايوب : عريانا خرجت من بطن امي وعريانا اعود الى هناك ، الرب أعطى والرب أخذ ، فليكن اسم الرب مباركا ."
                وقتلت فلسطين!!

                بعد نكسة 1967 كتبت مجموعة "ٌقصص جو " تحوي عشرت المقاطع المستقلة في اطار قصصي واحد ، بامكاني تحويلها الى أكثر من 50 قصة قصيرة جدا . ولكني لا أشعر بأني ابدع كتابة قصصية ، انما فذلكة نصية لا أكثر.

                وهذه قصة أخرى من جعبتي السريعة .

                الموجات الثلاث
                وصلت قبل ايام ، كنت في رحلة الى بحر هائج . أضعت هناك ثلاث موجات ، وعندما وصلت ميناء النهار اكتشفت اني أضعت ايضا نصف البحر وحبيبتي التي كانت تحتضنني بين وديانها وجبالها .. آه من ألمي . حملتني الريح بعيدا عنها.. وها انا أبحث عنها حتى اليوم .
                ****


                مثل هذه القصص لا تحتاج الى الدخول في مشكلة التكنيك القصصي ، وضبط الخطابين الأدبي الفني من جهة والتاريخي الأيديولوجي من الجهة الأخرى ، لصياغة قصة فنية متوازنة ، وانتاج نص يشد القارئ ويثير دهشته.. مثل هذه "القصيرة جدا " لا تحتاج الى التفكير بخلق عالم البطل وشخصيته ، ودراما واقعه ، مثل هذه القصة لا تحتاج الى خلق أحداث حياتية ونص متماسك يأسر بدهشته القارئ ، وتكريس تفكير وجهود فنية لجعل الفكرة أكثر كثافة في ذهن القارئ ، وأكثر عمقا اجتماعيا ، وأبعد في صياغتها من مجرد خبر كتب بروح الدعابة السوداء او البيضاء.
                لاحظت ان بعض الزملاء يعلقون على القصص القصيرة جدا بكلمة مكررة " كثافة " هل حقا يدركون مفهوم التكثيف في الأدب او في النص اللغوي او في الطرح الفكري؟ رجاء لا تدمروا هذا التعبير باستعماله في غير مكانه ، يكفينا ان مفهوم الحداثة صار يطبق على كل كتابة مفككة وهابطة لغويا وفنيا .. وبجهل كامل لمعاني التعابير والاصطلاحات ومضامينها ومصادرها الفكرية .
                القصة القصيرة جدا ليست تكثيفا لشيء ، بل اختصارا لفكرة وتجزيئها . لا افهم ما هو التكثيف في النص القصصي ، الا اختراعا لإصطلاح من أجل التغطية على الفقر القصصي.
                هذا رأي .. لست متمسكا ومتعصبا له ، او لأي رأي آخر ، لأن عالمنا متحرك متغير متطور ، عاصف بأفكاره ومعاييره ، ممتد بعمقه واتساعه بكل الاتجاهات ، وفقط الملقّنون ( بفتح القاف ) يتمسكون برأي ثابت لا يتغير..
                هذه هي قناعتي ، حتى هذه اللحظة على الأقل.. !!
                ملاحظة: احد كتاب القصة القصيرة جدا البارزين طلب مني في حوار له مع طروحاتي ، بعد ان نشرت المقال ، ان أكتب قصة قصيرة جدا ، ليقول لي رأيه بقدرتي القصصية ، ورغم وجود عدة قصص قصيرة جدا في مقالي ، الا اني لم اتردد وكتبت القصة التالية بسرعة الضوء!!

                الشكل الجديد
                حين بلغ السيد مفيد الستين من عمره ، قرر الخروج للتقاعد.
                في اول صباح يتحرر فيه من التزامات العمل ، وقف يتأمل ما فاته من نفسه امام المرآة .
                سره منظره الذي لا يشي بعمره . قال لنفسة ، يجب ان اقص شعري وأصبغه ، ان ارتدي بنطال جينس الذي طالما اشتقت له . ان اشتري قميص ملون واودع القمصان البيضاء التي عافتها نفسي ... ان لا استعمل مرة أخرى ربطة العنق، مظهرا شعر صدري ..ان أنزع نظارات النظر واستبدلها بالعدسات اللاصقة .وسأبدا من هذه اللحظة تغيير شكلي وحياتي ...
                بعد يومين خرج من المحلقة رجلا وسيما بشعر اسود قصير وببنطال جينس وقميص مفتوح على شعرات صدره ، نافخا صدره وابتسامة رضاء صغيرة ترتسم على شفتيه.
                وفجأة زعقت فرامل سيارة مسرعة لم تنتبة للسيد مفيد.
                كان الألم فظيعا ، وكان عاجزا عن أي حركة . خاطب ربه : اردت ان أشعر بطعم الحياة يا الهي ، لماذا لم تمهلني" وسمع صوتا قويا ، ربما لم يسمعه أحد غيره : " اسف يا مفيد ، لم أعرفك بشكلك الجديد!!"

                نبيل عودة – Nabiloudeh@gmail.com

                [/align]



                تعليق

                يعمل...
                X