حوار عن مسرح الطفل
الدكتور هيثم يحيى الخواجة
يؤسس لطفل اليوم ليكون الغد سليماً
أعدت الحوار
سها شرِّيف – سوريا
Suha62@hotmail.com
مسرح الطفل معلم للأخلاق و حافز للسلوك الجيد حيث يصل مباشرة لقلوب الأطفال عن طريق اللعب و الحركة و الحواس و المشاركة . و مسرح الطفل ينمي القدرات اللغوية عند الأطفال و يسهم في النمو الاجتماعي و العقلي و العاطفي و الوجداني لديهم ناهيك عن المتعة أثناء تلقي المعلومة و غرس المبادىء و القيم . و هو نوع متجدد من الآداب الانسانية .
بدأ مسرح الطفل في أوروبا على يد المربين و المربيات الذين استفادوا من آراء جان جاك روسو الذي دعا إليه في كتابه ( إميل ) و اعتبر روسو مسرح الطفل مرتكزاً أساسياً في التربية الهادفة.
ولد أدب الطفل العالمي حسب ما يتفق عليه غالبية مؤرخي الأدب في بريطانيا في منتصف القرن الثامن عشر. أما بداية الأدب الحديث الذي يعطي مساحة أكبر للخيال فقد أتت بعد منتصف القرن التاسع عشر مع صدور روائع هذا الأدب وهي «أليس في بلاد العجائب», «أطفال الماء» «وعلى صهوة ريح الشمال» .و هناك من يرجع البداية لعام 1846 للكاتب الدنمركي, هانز كريستيان آندرسن. ولكن تأخر أدب الطفل في العالم العربي كثيرا عن هذا التاريخ وذلك عبر الترجمة والاقتباس عن سلفه العالمي والأوروبي تحديداً. و تميز في النصف الثاني من القرن العشرين بإسلوب الوعظ و التعليم و العبارات الإنشائية المطولة و إسلوب التدريس و التلقين. عندما تعرف العالم العربي إلى مسرح الطفل كانت المغرب أول خشبة في العالم العربي لمسرح الطفل و مع ذلك فهناك تأخر كبير لأدب الطفل العربي عن مواكبة التطور العالمي ..
أما في العصر الحالي فقد حققنا تقدماً نوعياً في الوطن العربي على يد كتّاب بدأوا مؤخراً يتجهون نحو التخصص في أدب الطفل و من هؤلاء المؤلفين المسرحيين الدكتور (هيثم يحيى الخواجة) . و هو أحد أعلام الأدب المسرحي المعاصر و رائد من رواد مسرح الطفل في العالم العربي . نال الدكتوراه في فلسفة المسرح - اختصاص مسرح الأطفال - و عنوان رسالته (القيم التربوية والأخلاقية بمسرح الطفل في سورية من عام( 1975-2007.. كتب للكبار و الصغار في القصة و الشعر و المسرح . له أكثر من 55 عملاً أدبياً. عشرون عملاً للأطفال(إحدى عشر مسرحية و ستة قصص و ثلاث مجموعات شعرية ). قدم لأطفال العالم العربي زاداً تربوياً و أدبياً و أغنى الجانب المعرفي و الوجداني و اللغوي لديهم ونمّى ذوقهم و حسهم الجمالي بسلاسة اسلوبه البعيد عن التعقيد و الغموض حيث أعطى مساحة كبيرة للفرح و الجمال و الشعر و الموسيقى .
عرضت مسرحياته في الوطن العربي وبعضها كان بحوث تخرج في المعهد العالي للفنونالمسرحية في الكويت .كان آخر عرض لمسرحياته عرض(وسيم يصعد الى الفضاء)الشارقة 1-5-2009. كتب في العمل الموسوعي والتأريخ المسرحي من ذلك معجم المسرحيات السورية المعربةوالمؤلفة من عام 1860-1990. شارك الخواجة في مؤتمرات وندوات ومهرجانات تخص مسرح الكبار والصغار وأقام مختبراتمسرحية عدة عضو لجنة تحكيم في مسابقات قصصية ومسرحية وشعرية ومهرجانات مـسرحية تخص الكبار والصغار في الوطن العربي منذ العام 2000ولقد حكم في جوائز على مستوى الوطن العربي كما حكّم في مهرجانات مسرحية كانآخرها مهرجان الكويت المسرحي عام 2007.
في جميع مسرحياته كان يخاطب انسانية الإ نسان و يربطه بتراثه و قيمه. إنه يحمل رسالة هامة أخذها على عاتقه الا و هي طفولة العالم العربي. يكتب للطفل بكل تفاصيل حياته ,يؤسس لطفل اليوم ليكون الغد مشرقاً سليماً معافى . يكتب لاستمرارية الحياة لأن الطفل هو الحياة .
من أعماله للأطفال :
مسرحية القاضي الصغير - القطة السوداء - الفرسان الثلاثة - قرية الأحلام – أسرار المغارة – مدينة الأزهار – أبو ليرة – الكنز – الحقيبة الملعونة – عودة ورد - و نال جوائز عديدة في مسرح الكبار و الصغار و أدب الأطفال نذكر منها : جوائز أنجال الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان لثقافة الطفل العربي عام 2006
.كما أدرجت قصصه ومسرحياته في مناهج دولة الامارات الصف الرابع والخامس والسادس.أقام محاضرات متنوعة في تاريخ المسرح العربي ونقده وأدب الأطـفال في الوطن العــربي وخاصــة ســورية والإمــارات ومـــصر والــــكويت .
يصعب الحوار مع شخصية متعددة الإهتمامات و عميقة التناول للمواضيع و طرحها ومناقشتها مثل الدكتور هيثم يحيى الخواجة . فبالإضافة لولعه بالمسرح فهو ناقد ذواقة و دراساته رصينة و عميقة و جريئة .و كان لنا شرف اللقاء به حيث سبحنا في محيط معارفه فاحتضننتنا موجات سامية من المعرفة و الحكمة و نقلتنا صوب الإبداع نحو عالم مسرح الطفل :
1. يرى الباحث المغربي مصطفى عبد السلام المهماه أن المغرب عرف مسرح الطفل منذ سنة 1860 م "عندما استولى الإسبان على مدينة تطوان، حيث مثلت فرقة بروتون مسرحية بعنوان: "الطفل المغربي"، وذلك على خشبة مسرح إيزابيل الثانية بتطوان، وهي أول خشبة في العالم العربي وفي إفريقيا، وبعدها قاعة مسرح الأزبكية 1868، والأوبرا بالقاهرة سنة 1869 بمناسبة فتح قناة السويس، وبالطبع نعتبر التاريخ أعلاه، كبداية لمسرح الطفل وللمسرح عامة. لماذا هذا التأخر بالاهتمام بمسرح الطفل و لم كان السبق للمغرب ؟
الجواب: لم يظهر مسرح الطفل في الوطن العربي إلا في أواسط القرن الماضي أما عن البدايات فقد اختلفت من قطر إلى آخر وهناك وجهات نظر كثيرة و قد يكون المغرب سباقاً – كما أشار الباحث المغربي مصطفى عبد السلام المهماه- لكني لا بد أن أنوه إلى نقطتين.
الأولى: هو أن عرض مسرحية في عام 1860 لا يعني ظهور مسرح الطفل ثم هل كانت هذه المسرحية تتضمن الشروط الفنية للمسرح؟ وهل تلتها مسرحيات بعد هذا التاريخ أبرزت نمواً وتطوراً وأثراً على الجمهور؟ أسئلة جديرة بالإجابة.
في مثل هذا الطرح لأن الباحثين عن بدايات مسرح الكبار في الوطن العربي توصلوا إلى أن مسرح الكبار عند العرب بدأ في وائل القرن التاسع عشر وهناك تركيز على إنجاز أبي خليل القباني في سورية وانطلاقته المسرحية عام 1860.
الثانية: إن مسرح الأطفال انطلق من الأناشيد الدينية ومن المدارس حيث أن الفصول التمثيلية في المدارس في لبنان وسورية ومصر و العراق كانت بداية حقيقية لمسرح الطفل.
2. يقول مارتن كوين الكاتب الأميركي بأن مسرح الطفل "أقوى معلم للأخلاق وخير دافع للسلوك الطيب اهتدت إليه عبقرية الإنسان، لأن دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة، أو في المنزل بطريقة مملة، بل بالحركة المنظورة التي تبعث الحماسة وتصل مباشرة إلى قلوب الأطفال التي تعد أنسب وعاء لهذه الدروس " و لكن ما نراه بالوطن العربي بأن مسرح الطفل لم يحظ بما حظي به مسرح الكبار من قيمة ومكانة وانتشار وتدوين وتوثيق برغم أهميته بالتربية و التعليم، لماذا بقي ثانوياً بالمقارنة مع مسرح الكبار إلى يومنا هذا و لماذا لا نهتم بتدوينه و توثيقه ؟
الجواب: هناك جهود لترسيخ مسرح الطفل تختلف قوتها ونسبتها من قطر عربي إلى آخر، لكن هذه الجهود غير كافية ولا تقدم النتائج المأمولة لأنها لا تستند على التخطيط السديد و البرمجة الهادفة..
إن لمسرح الطفل – كما أكد الكثير من التربويين وعلماء النفس و الدارسين والباحثين و المهتمين و المسرحيين – أهمية كبيرة في بناء شخصية الطفل والارتقاء بسلوكه و النهوض بفكره وهو علاج للأطفال المرضى بالتأتأة وضعف الشخصية و الخوف وغير ذلك.
أما لماذا لا نهتم به فالجواب عند المعنيين... نحن نحتاج إلى مزيد من الاهتمام بحيث نضع الخطط لتطويره ودعمه وهنا أعترف بأن المشهد الحاضر لا يكفي للاستفادة من هذا الفن في سبيل الوصول إلى جيل واعد نتلمس على يديه مستقبلاً مزهراً.
3. هل يعاني المسرح العربي من تبعية المسرح الغربي ؟
الجواب: التبعية في البدايات ليست عيباً لأن المسرح بشروطه الفنية المعروفة عرفناه من الغرب وتعلمناه من هناك بسبب الأسبقية العلمية و الفنية و التجربة العلمية.
لكن السؤال ألا يحق لنا تأصيل المسرح العربي؟ هذا االسؤال يحرض على أمور كثيرة مازال المسرح العربي مقصراً في نتاجاته التنظيرية و التنفيذية.
إن الفرجة –كما أرى- هي منطلق التأصيل و إن تراثنا العربي مليء بالملامح الدرامية التي تسهم في إغناء التأصيل ودعمه وقد ذكرت بعض هذه الملامح في كتابي ملامح الدراما في التراث الشعبي الإماراتي الذي صدر حديثاً.
4. هل باستطاعة مسرح الطفل في الوطن العربي مجاراة المسرح العالمي ؟ و هل حققنا حضوراً مسرحياً عالمياً؟
مسرح الطفل – في الوطن العربي- على ما هو عليه اليوم قاصر وهو لا يقنع أطفالنا، فكيف سيجاري المسرح العالمي؟ وكيف يحقق حضوراً مسرحياً عالمياً؟
إن هذا الحلم الذي تحدثت عنه بصيغة سؤال يحتاج إلى:
1) مسرحة المناهج.
2) الاهتمام بالمسرح المدرسي.
3) الدعوة إلى الارتجالية.
4) إيجاد منشطين مسرحيين في المدارس.
5) إنشاء فرق في مسرح الطفل ودعمها فنياً ومادياً.
6) دعم مسرح الطفل بذوي الاختصاص في المسرح وعلم النفس و التربية والمخرجين المبدعين.
7) إبعاد المدعين عن مسرح الطفل.
8) تدعيم المسرح بالمهرجانات و الجوائز و المختبرات والورشات والمؤتمرات و الندوات.
9) تشجيع الكتابة في مجال مسرح الطفل.
10) إقامة عروض مسرحية مستمرة للطفل (ريبتوار).
5. الترجمات بمسرح الطفل ماتزال جهود فردية لم تتبنها مؤسسات و دور نشر متخصصة ما السبب برأيك ؟ وهل لدينا دور نشر خاصة للأطفال كما هو الحال في انكلترة مثلاً ؟
الجواب: نحن بحاجة –حقاً- إلى مسرحيات طفلية مترجمة و إلى كتب تنظر لمسرح الطفل أيضاً ذلك لأن الكثير ممن يعمل في مسرح الطفل يؤلف النص حسب ما يرى ويجتهد في التنظير أيضاً وهذا لا يجوز مطلقاً، لأن مسرح الطفل في عروضه ونظرياته لا يقبل التجريب لأننا نخاطب جيلاً يمتلك صفحة بيضاء في قلبه وذهنه، ولا بد أن نكون حذرين إلى درجة عالية في ترسيخ ما يجب ترسيخه لديه.
أعترف بتقصير المؤسسات ودور النشر في مجال ترجمة مسرح الطفل وهذا الاعتراف يتضمن دعوة إلى مزيد من الترجمة المنظمة و المدروسة حتى لا تقتصر ترجمة مسرح الطفل على الجهود الفردية.
أما ما يتعلق بدور نشر خاصة للأطفال فهي بالمعنى الذي نريده ليست موجودة.. هناك دور نشر خاصة للأطفال لا تنشر إلا القصص و الهدف الأعلى لها هو الربح و لايهمها تطور الطفل وبناء شخصيه كما ليست معنية ببرامج تخدم الطفولة ومستقبلها، فأية دور نشر هذه التي تعتمد على قارئ من الدرجة العاشرة ليكون استشارياً في نشر مطبوعاتها والتي تهتم بالغلاف الخارجي لتثير انتباه الطفل وتهمل المضمون؟!!
6. للترجمة رسالة سامية في تفاعل الحضارات و حوارها . فهل فكرت في ترجمة أعمالك؟ و ما هي الصعوبات التي قد تعاني منها ؟
منذ زمن وأنا أسعى إلى ترجمة أعمالي، لكن الأمر يبدو بغاية الصعوبة، لأن المترجم قد لا يجد من يتبنى هذه الأعمال بعد جهد قد يدوم سنوات ولهذا لا بد من وجود مؤسسة عربية تتبنى الترجمة و الطباعة معاً لإ يجاد جسور تواصل بيننا وبين الغرب.
7. ماهو متعارف عليه أن ما يكتب للطفل يتم طبعه من المال الخاص للمؤلف . و هناك بعض دور نشر عربية و لكنها لا تكاد تحصى على أصابع اليدين . فما صعوبات النشر والتسويق و التصريف لكاتب أدب الطفل و خاصة المسرح ؟
دور النشر تنشر القليل من القصص التي تدر عليها ربحاً وهي ترفض في الغالب نشر الشعر و المسرح لأن الشعر لا يطلبه الأطفال و المسرح مجاله العرض مع أن المسرح جنس أدبي كالشعر و القصة.
هذا التوجه يجعل الكاتب المسرحي في حيص بيص من أمره فليس هناك فرق تعرض مسرحياته ولا توجد دور نشر تتبنى طباعتها و إذا أراد أن يتبنى بنفسه موضوع الطباعة فإن التكلفة عالية إضافة إلى عجزه عن القيام بالتوزيع لأن هذا يحتاج إلى مؤسسات ذوات خبرة.
8. هل الإنتاج مكبوت و مقيد بمعايير بالية أم الطفل العربي لا يندمج بالقراءة و يجبر على القراءة على صعيد التدريس و الواجب المدرسي ؟
الجواب: أشكرك لأنك أوجزت أهم مشكلات أدب الأطفال بهذا السؤال فالإنتاج حقاً مكبوت وهو محكوم بالهوى و المزاجيات و الجهل وهو مقيد بمعايير آلية لا تستند على العلمية، لأن الثقافة بأدب الأطفال شبه معدومة، و إذا أضفنا رفض الطفل للقراءة بسبب المخترعات الحديثة و اللهاث وراء مغرياتها نتأكد من واقعنا المرير بهذا الاتجاه.
وبناء على ما تقدم لا بد من التوعية بأهمية القراءة و الدعوة إليها بشتى الأساليب كما لا بد من منهجية للأنشطة اللاصفية لتحقيق الأهداف منها فإذا ما تحقق ذلك فإن تغييرات جذرية ستتحقق إذ يتخلص هذا الأدب من العوائق وتصبح المناخات مؤهلة لازدهاره.
9. في الغرب و لنضع مثلا في الدانمارك نرى تنفيذ خمسة و عشرين ألف نسخة من كتاب واحد في شهر و نصف و لو قارنا هذا الرقم بالنسبة للعالم العربي لا نراه ينفذ ولا بسنة فهل يكمن ذلك في النفس العربية و ثقافتها و تربيتها و طريقة عملها ؟
الجواب: المشروع الثقافي مشروع متكامل لا يجزأ، وعندما نتحدث عن عدد الإصدارات في الدانمارك فلا بد أن نعرف كيف يتم تفعيل المشروع الثقافي هناك المشكلة عندنا هو منهجية المشروع الثقافي وتكامليته وعندما أتحدث عن هذين الإطارين لا بد أن أشير إلى حجم الميزانيات التي يحتاجها المشروع الثقافي ولهذا يأتي الاختصار من المشروع لأسباب عديدة على رأسها الميزانية وحجمها.
نأمل أن نصل إلى ما وصلت إليه الدنمارك في عدد الإصدارات لأن النفس العربية تواقة إلى ذلك ولأن المثقفين العرب قادرون على بلورة وصياغة مشروعهم عندما تسعفهم الممهدات ومدعمات هذا المشروع.
10. كيف ننظر إلى مسرح الطفل بين المنجز و الطموح و الآفاق المستقبلية ؟
الجواب: مسرح الطفل في الوطن العربي يعاني من مشكلات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر قلة الكتاب المجودين في هذا الفن وقلة الدعم وقلة المهرجانات وضعف الاهتمام وعدم وجود فرق وندرة دور العرض و الذي يزيد الطين بلّه استغلال هذا الفن وخوض غماره دون خبرة ودون معرفة.. إلخ
بعض الأقطار العربية تعمل وتسعى للنهوض بهذا الفن وقد حققت خطوات لا بأس بها أمثال سورية ومصر ولكني أرى أن مسرح الطفل يبدأ من المسرح المدرسي و أنه لا بد من وجود دور عرض خاصة بالأطفال ومن الضروري أيضاً تشجيع الكتاب و الأخذ بيدهم لكي يشعروا بصدى إبداعهم.
11. أمام متغيرات الساعة و الانفتاح الكبير و روح العصر و غزو العولمة كيف باستطاعة كاتب مسرح الطفل أن يقوي جذور الانتماء الوطني و القومي ؟
الجواب: لاريب في أن المبدع يعاني من آثار العولمة كما يعاني المتلقي، ولكن هذه المعاناة في رأيي يجب أن تكون محفزة من أجل المزيد من العمل و الإنجاز.. إن المسرح فن التعليم و التثقيف وبناء شخصية الطفل وبالتالي فهو أداة مواجهة لخطر العولمة وعلينا استغلالها طالما أثبت أنه جزء من أية حضارة مزدهرة لقد أعلنت في حوار أجرته معي الشاعرة يارا عويس فقلت أعطني مسرحاً للأطفال أعطك جيلاً قادراً على البناء و التعمير والدفاع عن الوطن و الأمة وصياغة مشروعه الحضاري و الثقافي.
وعليه فإن العمل على النهوض بمسرح الطفل هو واجب وطني وقومي من أجل مستقبلنا المأمول.
12. من خلال التقدم التكنولوجي و تطور الوسائل السمعية و البصرية هل كان لهذا انعكاس سلبي على حركة مسرح الطفل أم عزز حركة المسرح ؟
الجواب: لا يمكن أن يكون التقدم التكنولوجي عائقاً إذا غير الفن جلده لمواكبة العصر لذلك أرفض القول إن السينما أثرت على تطور المسرح عند العرب، فالسينما فن له خصوصيته وكذلك المسرح و القادر على البقاء هو القادر على النهوض و التحديث والمواكبة و إقناع المتلقي.
مما تقدم أقول إن مسرح الطفل عندما يقدم بفكر حديث متجدد وبأدوات حديثة معاصرة لا يمكن أن يتقهقر أمام التقدم التكنولوجي و الوسائل السمعية و البصرية، لكن ما يحدث أن بعض المسرحيات تستحفّ بعقل الطفل المعاصر فتقدم له المكرور و المبتذل و الذي تجاوزه العصر.
13. ما تقييمكم لواقع مسرح الطفل في الخليج؟
الجواب: من الظلم أن ننظر إلى مسرح الطفل في دول مجلس التعاون الخليجي نظرة واحدة أو أن يكون التقييم بنسبة واحدة فالذي لا ريب فيه هو أن مسرح الطفل في الكويت متقدم على مسرح الطفل في السعودية وسلطنة عمان.
ومسرح الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة بدأ انطلاقة مهمة منذ خمس سنوات حيث اعتمد إقامة مهرجان مسرحي طفلي في كل عام وفي هذا فائدة كبيرة..
وفي البحرين هناك حركة ناشطة في مجال مسرح الطفل وهي تتقدم باستمرار أوجز فأقول لقد تنبهت دول الخليج لأهمية مسرح الطفل وهي تسير باتجاه التطور والإنجاز.
14. يلجأ كثير من كتاب المسرح إلى التراث و يهربون من مواجهة الواقع المعاش و تصويره بأمانة و قد يلبسون القضايا المعاصرة ثوب الأسطورة ليعبروا بها بلسان الواقع أو قد يلجأوون لقضايا الخيال العلمي و العواطف و الفلسفة .فما هو السبب برأيك ؟
الجواب: التراث مهم في فن المسرح و المشكلة القائمة هي أن بعض المسرحيين يعكسون التراث إلى درجة الإغراق أو يقدمونه مشوهاً أو يؤطرون أنفسهم في بوتقة التراث المغلقة وينسون الحاضر و المستقبل وفي هذا ضير و أي ضير!
فالتراث ضروري ويجب أن يوظف في المسرح توظيفاً واعياً ومبدعاً و الواقع ضروري حتى يستطيع الطفل أن يفهمه ويبتعد عن السلبيات فيه ورؤية المستقبل لا بد منها لكي لا يراوح الطفل في المكان.
أما الخيال العلمي فنحن بحاجة ماسة إليه في أدب الأطفال لما للخيال العلمي من فائدة في العصف الذهني و الإبداع وتطوير الخيال ودعم الاختراع و النهوض بالمخترعين ومواكبة الحاضر والمستقبل و أذكر فيما أذكر قول ستينسواف ليم:
"الرواية العلمية نضع الإنسان بشكل متوازن فوق قمم الصخور المرتفعة شامخاً" (مسرح الخيال العلمي ص12)
ويكفي أن أشير لك بأن ليم هذا يقدم في مسرحه حواراً ثنائياً يعرض لنا فيه أحقية كل طرف في الدفاع عن وجوده مقابل الوجود الآخر، وجود الإنسان ووجود الآلة..
تخيلي أهمية هذا الموضوع في عصر المخترعات وطرح هذا الصراع المصيري الذي يجسد واقع الحضارة المعاصرة.
15. كثير من الحكايات الشعبية لها شوائبها السلبية و لاتتناسب مع اطفالنا مثل (شهرزاد و شهريار ) التي تقوم على الخيانة الزوجية و القتل اليومي . و ( علي بابا) حيث السرقة أساس الحكاية و ( علاء الدين و المصباح السحري ) حيث الشر والاستغلال و السحر . فمارأيك في توظيف السير الشعبية في واقع مسرح الطفل وماذا يستفيد الطفل منها في ضوء واقع الزمن المعاصر ؟
الجواب: لابد من توظيف الحكاية الشعبية في معمارية العمل المسرحي بشكل واع ودقيق وهذا يعني أنني أستمد من التراث ما يصلح لهذا الواقع أو أحاول أن أطور هذا التراث بما يتلاءم مع الحاضر أضرب لك مثالاً واحداً من أمثلة كثيرة مصباح علاء الدين عندي تحول في مسرحية "الشبكة" إلى الشبكة العنكبوتية لكي أقنع المتلقي بما أطرحه وقصة علي وكريجبا الواردة في قصة ألف ليلة وليلة وظفتها في مسرحيتي القاضي الصغير و دمجتها بالواقع المعاصر لأعرف الطفل على الفساد و الاستغلال.. هكذا..
16. في مسرحياتك تفتح كوة من الأمل للمستقبل . فهل جزئيات حاضرنا وتفاصيل يومياتنا وواقعنا المتدني بالإنسانية تنبىء عن صورة مستقبل زاخر بالأمل ؟
الجواب: أنا أؤمن بالمستقبل الواعد و أعتبر الأمل جزءاً من استمرارية الحياة إذ مهما كان الواقع أليماً ومسوداً ومقلقاً فإنه لابد أن يظل الأمل هدفاً و أن نعمل باتجاه تجاوز المؤلم إلى الفرح وعندما يتدرع الطفل بالأمل فإنه يصبح قادراً على مواجهة الصعاب وتجاوزها ليعقد مواعداً مع النور.
17. هل الهزائم العربية جعلت لغة المسرح غير صالحة للواقع المعاصر ؟
الجواب: يدعي البعض بأن هذا العصر المتشابك و المؤلم لا يصلح للكتابة وقد أعلن البعض عن التوقف عن الكتاب متذرعين بما يحدث في الواقع العربي من تراجع وهزائم ولكن الأمر في الحقيقة غير ذلك إذ إنني أرى بأن دور الكاتب الطليعي ينطلق من واقع الهزائم و التراجعات و المتغيرات لأن دور المبدع كبير في إيقاظ العقول والتوعية والتحريض من أجل الخلاص من المتكلس و البالي ومن أجل تبديد الظلام والتمتع بالهواء النقي ودفء الشمس.
إن واقعنا المعاصر يتطلب مبدعين حقيقيين وطليعيين للنهوض بالأمة لتعود إلى سابق عهدها في الازدهار و الحضارة و التقدم.
18. هل العلاقة بين الناقد المسرحي الغربي و الكاتب هي ذات العلاقة بين الناقد المسرحي و الكاتب في العالم العربي ؟
الجواب: بالطبع لا... لأن الناقد الغربي لا يكون متجنياً ولا يميل مع الهوى و لايكتب دون علم ودراية ولهذا نجد أن غالب النقاد الغربيين يحترمون أنفسهم ويستندون على العلم و المعرفة في طروحاتهم.
كذلك فإن الناقد العربي الحقيقي يتصف بهذه الصفات وباعتبار أن الناقد العربي الحقيقي يتصف بهذه الصفات وباعتبار أن الناقد العربي الحقيقي نادر فقد ساد في أجوائنا الثقافية النقد الزائف و المتجني و النقد الجاهل أيضاً.
إننا بحاجة إلى ازدياد النقاد العرب الحقيقيين الذين ينصفون المبدع ويضعون الأمور في نصابها مستندين في ذلك إلى العلم ومقدرين الإبداع يقولون كلمتهم الحقة دون خوف ودون أن يحسبوا حساباً لأحد.
19. كيف ندفع بباحثينا و نقادنا نحو فضاءات جديدة من التفكير النقدي ؟
الجواب: لايستقيم النقد إلا إذا امتلك الناقد حريتة الكاملة في الحديث و أبدى رأيه دون خوف ولا يستقم النقد إذا لم نبعد المتسلقين و المدعين عن الكتابة النقدية ولا يستقيم النقد إلا إذا حمينا الناقد من سطوة المتنفذين و الغوغائيين الذين يوجهون دفة النقد كيفما يشاؤون من أجل أن يزدادوا لمعاناً ويقللوا من قيمة المتفوقين عليهم.
وفي الاتجاه الآخر يجب أن ندعم النقد بالمختصين وورشات العمل و المختبرات وإصدار المزيد من الكتب النقدية ومنح جوائز في النقد كما في الإبداع كما لا بد من التفريق بين الكتابة الصحفية وبين الكتابة النقدية لأن الأولى غايتها التغطية و الإعلام والثانية هدفها التنوير على إيجابيات العمل المسرحي أو الإبداعي بشكل عام.
أعدت الحوار وأجرته
سها شريِّف
تعليق