[frame="3 98"]حذف الفاعل _ حذف المبتدأ ـ حذف المفعول به:[/frame]
أولا حذف الفاعل :
قال تعالى :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) )
سورة الأنفال .
ذكر الله سبحانه وتعالى , الفعلين 0 ذُكِرَ , تُلِيَ مبنيين للمجهول .
وهنا نجد البلاغة في حذف الفاعل , لعدم تعلق الغرض بشخصي الذاكر والتالي .
وكذلك نجد الفاعل محذوفا في قوله تعالى مثلا :
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) سورة الجمعة
إذ المعنى فيها : قضيتم كما يقول المفسرون , ولا حاجة لذكر الفاعل لأنه معلوم . وهي قمة البلاغة تتجلى في الحذف.
وقد يكون حذف الفاعل للجهل به , كأن ترى مدرسة في إحدى القرى فتقول مُخْبِرًا : بُنِيَتْ في قرية كذا مدرسة.
لأنك لاتعلم الباني .
وقد يكون حذف الفاعل للخوف منه , أو عليه . كما تقول : قُتِلَ فلانٌ . فلا تذكر القاتل ؛ رهبة منه , أو إشفاقا عليه .
ثانيا حذف المبتدأ :
إذا قلنا مثلا : رأينا الرئيس اليوم في الحديقة يمارس الرياضة للنقاهة .
ونحن نرغب أن ندل السامع على هذا المعنى كاملا , بعد عودة الرئيس من رحلة العلاج في ألمانيا مثلا :
فلا يجوز أن نحذف لفظا من هذه الجملة ؛ إذ لايمكن معرفة معناه إذا حذف .
وإذا سئلت ؛ وأين ذهب الرئيس بعد؟ فقلت : الرئيس عاد إلى بيته .
كان من الجائز أن تحذف المبتدأ للعلم به من قرينة السؤال قبله , ويجوز أيضا أن تقول : عاد إلى بيته .
فأيهما أفضل في مثل هذه الحالة . الذكر أم الحذف ؟!
يستوي الأمران بلاغيا .
ولو رجعنا إلى كلام البلغاء فإننا نجدهم قد ذكروا أحيانا , ما يجوز أن يستغنى عنه , وحذفوا ما لا يوجد مانع من ذكره , فرحجوا الذكر مرة , والحذف مرة أخرى لأسباب بلاغية اقتضت ذلك .
اقرأ مثلا قول الشاعر مادحا :
[frame="2 98"]
سأشكر عَمْرًا إن تراخت منيتي = أياديَ لم تمنن وإن هي جَلَّتِ
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه = ولا مظهر الشكوى إذا النعل زَلَّتِ
[/frame]
فنرى البلاغة في إرادة الشاعر أن يخبر في البيت الثاني : هو فتى .
وأكثر ذلك حين يبدأ المتكلم بذكر شيء ويقدم بعض أمره , ثم يدع الكلام الأول ويستأنف كلاما آخر .
انظر لقول شاعر يذم ابن عمه وقد لطمه :
[frame="2 98"]
سريع إلى ابن العم يلكم وجهه = وليس إلى داعي الندى بسريع
حريصٌ على الدنيا مضيعٌ لدينه = وليس لما في بيته بمضيع
[/frame]
يريد : هو سريع , وهو حريص . بحذف المبتدأ للعلم به بقرينة .
وكقول الآخر يخاطب امرأته وقد لامته على الجود :
[frame="2 98"]
قالت سمية قد غويت بأن رأت = حقا تناوب مالنا ووفودا
غيٌ لعمركِ لا أزال أعوده = ما دام مالٌ عندنا موجودا
[/frame]
يرد قوله لها : ذلك غيٌّ . لاأزال أعود إليه مادام لي مال , ولا سبيل إلى تركه وإن أكثرت اللوم .
وحذف المبتدأ في مثل هذه الحالات لا لأن في الكلام ما يدل عليه فحسب , ولكن لأن حذفه أكسب للقول جمالا بلاغيا ووقوة يذهبان إذا ذُكِرَ .
ويحذف المبتدأ لانتهاز الفرصة ؛ كقولك للمنقب معك عن الآثار : ذهبٌ . أو تمثالٌ . وأنت تريد هذا ذهب وهذا تمثال وهكذا . تختصر عدم تفويت المفاجأة على صاحبك المنقب .
ويحذف أحيانا لأغراض أخرى كالتحذير مثلا : عندما تقول لمن تحذره من الدنو من خطر : ثعبانٌ . تعني : هذا ثعبان.
ثالثا حذف المفعول به :
قال تعالى :( قلْ هلْ يستوِي الذين يعلمون والذين لايعلمون .)
إذ المعنى : هل يستوي من له علم , ومن لا علم له . بقطع النظر عن أن يكون المعلوم طبا أو حسابا أو تاريخا مثلا.
وهذا الحذف حين تريد وقوع الفعل بقطع النظر عما يتعلق به .لأن الاهتمام بالفعل وليس بما وقع عليه الفعل .
ومن أمثال ذلك أن تقول في الوصف ؛ فلان يعطي ويمنع , أو يضر وينفع .
تريد إثبات الأفعال في عمومها له , ولو قلت : يعطي المساكين أو يعطي الذهب .
لكان في قولك قصر للعطاء على حالة مخصوصة ؛ وكأنك ترد بذلك على من يبنكر أنه يعطي المساكين , أو انه يعطي الذهب ـ لا أنك تريد إثبات الإعطاء في عمومه وشموله , وهو ما أردته بمدحك .
اقرأ مثلا قول الله تعالى في قصة موسى عليه السلام :
( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون , ووجد من دونهم امرأتين تذودان, قال ما خطبكما ؟ قالتا :
لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير , فسقى لهما ثم تولى إلى الظل , فقال : رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير .)
فترى البلاغة القرآنية في حذف المفعول في : ( يسقون , وتذودان , ويُصْدِرَ , وسقى )
وجاءت هذه الأفعال مطلقة ؛ إذ الغرض يُعْلَمُ أنه كان من الناس سقى , ومن المرأتين ذودٌ , وأن موسى سقى لهما ,
أما كون المسقيِّ غنما أو إبلا أو غيرهما فخارج عن الغرض , وقد يوهم خلاف ذلك المقصود ؛ إذ لو قيل :
تذودان غنمهما مثلا , لجاز أن موسى إنما أنكر الذود لأن المذود غنم , ولو أنه كان إبلا مثلا لما أنكره .
ومثال ذلك تجده في البلاغة القرآنية كثير .
فعندما تقول مثلا : أتساعد الظالم ؟! فأنت لاتنكر المساعدة . من حيث هي مساعدة بل لأنها مساعدة ظالم .
ومن هنا تأتي روعة الحذف وجماله مما لا يتأتى مع ذكر المحذوف وهذه من مراتب البلاغة في الكلام .
وقد حاول الشعراء أن يأتوا بهذه الأمثلة البلاغية في الحذف في أشعارهم وكلامهم لما فيها من الإبداع وجذب المتذوقين لإنتاجهم وتحليله وبيان مراتبه في البلاغة . انظر مثلا لقول البحتري :
[frame="2 98"]
إذا أبعدَتْ أبلَتْ وإن قرَّبتْ شفتْ = فهجرانها يُبلي ولقيانها يَشفي
[/frame]
فلم يقل : أبلتني وشفتني ؛ لأنه أراد ما هو خيرٌ من هذا في المدح ؛ أراد أن بعدها في ذاته داء , وأن قربها في ذاته شفاء
ولا سبيل إلى أن يجعل لها هذا الأثر العجيب إلا بحذف المفعول .
=====================================
أما ما يتعلق بضرورة الذِّكْرِ إذا لم يكن هناك مرحجٌ للحذف البلاغي :
فإذا كان الكاتب أو الأديب أو المتحدث بفصاحة القول أن يزيد التقرير والإيضاح في كلامه فعليه أن يذكر من الألفاظ مالا يجوز حذفه .
اقرأ مثلا قول الله تعالى في حديثه مع موسى عليه السلام :( وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال : هي عصاي ...)
فإذا كان إصغاء السامع مطلوبا للمتكلم وجب الذكر أو حسن بلاغيا ؛ فلو قال :( عصاي ) لكفى في الإجابة العادية
ولكنه أراد أن يطيل الحديث في مناجاته لربه ؛ ليزداد بذلك شرفا وفضلا باستماع الله تعالى إليه .
وهنا يكون : ( بسط الكلام حين يحسن الإطناب ) بالذكر .
وانظر إلى رسالة الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز في وصف الإمام العادلوفيها يقول :
[frame="1 98"](..... الإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله , الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى , ويذودها عن مواقع الهلكة . والإمام العدلُ يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده , يسعى لهم صغارا , ويعلمهم كبارا , يكتسب لهم في حياته , ويدخر لهم بعد مماته . والإمام العدلُ يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح تصلح بصلاحه , وتفسد بفساده.... )[/frame]
فتراه يكرر ذكر المبتدأ لزيادة التقرير والإيضاح .
ومن هذا قوله تعالى : ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون .) فقد كرر المولى سبحانه وتعالى ( أولئك )
لتأكيد ثبوت الفلاح لهم , وقصره عليهم . بالذكر البلاغي التام .
===================================
وبعد هذا التوضيح لموضوع الذكر والحذف البلاغيين نقول :
إن الذوق الأدبي للأديب البليغ في فهمه وتذوقه للأسلوب هو الذي يوحي إليه بما يمكن أن ينشئه من أبداع في قوله أو كتابته ببلاغة ترتقي في المراتب بحسن البيان وروعته حسب ما يتعلق فيها بأرقي الأساليب تعلما من إعجاز القرآن الكريم في تصدر مراتب البلاغة والفصاحة والبيان .
وللأفاضل المتخصصين في البلاغة أن يتكرموا بالتعليق والإضافة المثرية لهذا الباب أو ليتم تحليل
بعض نصوص الملتقى تبعا لهذه الإضاءة البلاغية الكاشفة .
أولا حذف الفاعل :
قال تعالى :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) )
سورة الأنفال .
ذكر الله سبحانه وتعالى , الفعلين 0 ذُكِرَ , تُلِيَ مبنيين للمجهول .
وهنا نجد البلاغة في حذف الفاعل , لعدم تعلق الغرض بشخصي الذاكر والتالي .
وكذلك نجد الفاعل محذوفا في قوله تعالى مثلا :
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) سورة الجمعة
إذ المعنى فيها : قضيتم كما يقول المفسرون , ولا حاجة لذكر الفاعل لأنه معلوم . وهي قمة البلاغة تتجلى في الحذف.
وقد يكون حذف الفاعل للجهل به , كأن ترى مدرسة في إحدى القرى فتقول مُخْبِرًا : بُنِيَتْ في قرية كذا مدرسة.
لأنك لاتعلم الباني .
وقد يكون حذف الفاعل للخوف منه , أو عليه . كما تقول : قُتِلَ فلانٌ . فلا تذكر القاتل ؛ رهبة منه , أو إشفاقا عليه .
ثانيا حذف المبتدأ :
إذا قلنا مثلا : رأينا الرئيس اليوم في الحديقة يمارس الرياضة للنقاهة .
ونحن نرغب أن ندل السامع على هذا المعنى كاملا , بعد عودة الرئيس من رحلة العلاج في ألمانيا مثلا :
فلا يجوز أن نحذف لفظا من هذه الجملة ؛ إذ لايمكن معرفة معناه إذا حذف .
وإذا سئلت ؛ وأين ذهب الرئيس بعد؟ فقلت : الرئيس عاد إلى بيته .
كان من الجائز أن تحذف المبتدأ للعلم به من قرينة السؤال قبله , ويجوز أيضا أن تقول : عاد إلى بيته .
فأيهما أفضل في مثل هذه الحالة . الذكر أم الحذف ؟!
يستوي الأمران بلاغيا .
ولو رجعنا إلى كلام البلغاء فإننا نجدهم قد ذكروا أحيانا , ما يجوز أن يستغنى عنه , وحذفوا ما لا يوجد مانع من ذكره , فرحجوا الذكر مرة , والحذف مرة أخرى لأسباب بلاغية اقتضت ذلك .
اقرأ مثلا قول الشاعر مادحا :
[frame="2 98"]
سأشكر عَمْرًا إن تراخت منيتي = أياديَ لم تمنن وإن هي جَلَّتِ
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه = ولا مظهر الشكوى إذا النعل زَلَّتِ
[/frame]
فنرى البلاغة في إرادة الشاعر أن يخبر في البيت الثاني : هو فتى .
وأكثر ذلك حين يبدأ المتكلم بذكر شيء ويقدم بعض أمره , ثم يدع الكلام الأول ويستأنف كلاما آخر .
انظر لقول شاعر يذم ابن عمه وقد لطمه :
[frame="2 98"]
سريع إلى ابن العم يلكم وجهه = وليس إلى داعي الندى بسريع
حريصٌ على الدنيا مضيعٌ لدينه = وليس لما في بيته بمضيع
[/frame]
يريد : هو سريع , وهو حريص . بحذف المبتدأ للعلم به بقرينة .
وكقول الآخر يخاطب امرأته وقد لامته على الجود :
[frame="2 98"]
قالت سمية قد غويت بأن رأت = حقا تناوب مالنا ووفودا
غيٌ لعمركِ لا أزال أعوده = ما دام مالٌ عندنا موجودا
[/frame]
يرد قوله لها : ذلك غيٌّ . لاأزال أعود إليه مادام لي مال , ولا سبيل إلى تركه وإن أكثرت اللوم .
وحذف المبتدأ في مثل هذه الحالات لا لأن في الكلام ما يدل عليه فحسب , ولكن لأن حذفه أكسب للقول جمالا بلاغيا ووقوة يذهبان إذا ذُكِرَ .
ويحذف المبتدأ لانتهاز الفرصة ؛ كقولك للمنقب معك عن الآثار : ذهبٌ . أو تمثالٌ . وأنت تريد هذا ذهب وهذا تمثال وهكذا . تختصر عدم تفويت المفاجأة على صاحبك المنقب .
ويحذف أحيانا لأغراض أخرى كالتحذير مثلا : عندما تقول لمن تحذره من الدنو من خطر : ثعبانٌ . تعني : هذا ثعبان.
ثالثا حذف المفعول به :
قال تعالى :( قلْ هلْ يستوِي الذين يعلمون والذين لايعلمون .)
إذ المعنى : هل يستوي من له علم , ومن لا علم له . بقطع النظر عن أن يكون المعلوم طبا أو حسابا أو تاريخا مثلا.
وهذا الحذف حين تريد وقوع الفعل بقطع النظر عما يتعلق به .لأن الاهتمام بالفعل وليس بما وقع عليه الفعل .
ومن أمثال ذلك أن تقول في الوصف ؛ فلان يعطي ويمنع , أو يضر وينفع .
تريد إثبات الأفعال في عمومها له , ولو قلت : يعطي المساكين أو يعطي الذهب .
لكان في قولك قصر للعطاء على حالة مخصوصة ؛ وكأنك ترد بذلك على من يبنكر أنه يعطي المساكين , أو انه يعطي الذهب ـ لا أنك تريد إثبات الإعطاء في عمومه وشموله , وهو ما أردته بمدحك .
اقرأ مثلا قول الله تعالى في قصة موسى عليه السلام :
( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون , ووجد من دونهم امرأتين تذودان, قال ما خطبكما ؟ قالتا :
لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير , فسقى لهما ثم تولى إلى الظل , فقال : رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير .)
فترى البلاغة القرآنية في حذف المفعول في : ( يسقون , وتذودان , ويُصْدِرَ , وسقى )
وجاءت هذه الأفعال مطلقة ؛ إذ الغرض يُعْلَمُ أنه كان من الناس سقى , ومن المرأتين ذودٌ , وأن موسى سقى لهما ,
أما كون المسقيِّ غنما أو إبلا أو غيرهما فخارج عن الغرض , وقد يوهم خلاف ذلك المقصود ؛ إذ لو قيل :
تذودان غنمهما مثلا , لجاز أن موسى إنما أنكر الذود لأن المذود غنم , ولو أنه كان إبلا مثلا لما أنكره .
ومثال ذلك تجده في البلاغة القرآنية كثير .
فعندما تقول مثلا : أتساعد الظالم ؟! فأنت لاتنكر المساعدة . من حيث هي مساعدة بل لأنها مساعدة ظالم .
ومن هنا تأتي روعة الحذف وجماله مما لا يتأتى مع ذكر المحذوف وهذه من مراتب البلاغة في الكلام .
وقد حاول الشعراء أن يأتوا بهذه الأمثلة البلاغية في الحذف في أشعارهم وكلامهم لما فيها من الإبداع وجذب المتذوقين لإنتاجهم وتحليله وبيان مراتبه في البلاغة . انظر مثلا لقول البحتري :
[frame="2 98"]
إذا أبعدَتْ أبلَتْ وإن قرَّبتْ شفتْ = فهجرانها يُبلي ولقيانها يَشفي
[/frame]
فلم يقل : أبلتني وشفتني ؛ لأنه أراد ما هو خيرٌ من هذا في المدح ؛ أراد أن بعدها في ذاته داء , وأن قربها في ذاته شفاء
ولا سبيل إلى أن يجعل لها هذا الأثر العجيب إلا بحذف المفعول .
=====================================
أما ما يتعلق بضرورة الذِّكْرِ إذا لم يكن هناك مرحجٌ للحذف البلاغي :
فإذا كان الكاتب أو الأديب أو المتحدث بفصاحة القول أن يزيد التقرير والإيضاح في كلامه فعليه أن يذكر من الألفاظ مالا يجوز حذفه .
اقرأ مثلا قول الله تعالى في حديثه مع موسى عليه السلام :( وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال : هي عصاي ...)
فإذا كان إصغاء السامع مطلوبا للمتكلم وجب الذكر أو حسن بلاغيا ؛ فلو قال :( عصاي ) لكفى في الإجابة العادية
ولكنه أراد أن يطيل الحديث في مناجاته لربه ؛ ليزداد بذلك شرفا وفضلا باستماع الله تعالى إليه .
وهنا يكون : ( بسط الكلام حين يحسن الإطناب ) بالذكر .
وانظر إلى رسالة الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز في وصف الإمام العادلوفيها يقول :
[frame="1 98"](..... الإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله , الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى , ويذودها عن مواقع الهلكة . والإمام العدلُ يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده , يسعى لهم صغارا , ويعلمهم كبارا , يكتسب لهم في حياته , ويدخر لهم بعد مماته . والإمام العدلُ يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح تصلح بصلاحه , وتفسد بفساده.... )[/frame]
فتراه يكرر ذكر المبتدأ لزيادة التقرير والإيضاح .
ومن هذا قوله تعالى : ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون .) فقد كرر المولى سبحانه وتعالى ( أولئك )
لتأكيد ثبوت الفلاح لهم , وقصره عليهم . بالذكر البلاغي التام .
===================================
وبعد هذا التوضيح لموضوع الذكر والحذف البلاغيين نقول :
إن الذوق الأدبي للأديب البليغ في فهمه وتذوقه للأسلوب هو الذي يوحي إليه بما يمكن أن ينشئه من أبداع في قوله أو كتابته ببلاغة ترتقي في المراتب بحسن البيان وروعته حسب ما يتعلق فيها بأرقي الأساليب تعلما من إعجاز القرآن الكريم في تصدر مراتب البلاغة والفصاحة والبيان .
وللأفاضل المتخصصين في البلاغة أن يتكرموا بالتعليق والإضافة المثرية لهذا الباب أو ليتم تحليل
بعض نصوص الملتقى تبعا لهذه الإضاءة البلاغية الكاشفة .
تعليق