[align=justify]
كـاس نصف ممتلئ ، وضع على طاوله خشبية مستديرة ، بإطار فضي نحيل ، بجانبه ، شنطة يدوية مخملية ، أبرز محتوياتها : باكت دخان ، هاتف محمول لايفتأ يرن بين الفينة والأخرى ، وعبوة صغيرة .. تحوي مواد بلاستيكية . حمقاء ، لاترى أبعد من أرنبة أنفها ، تظن بأنها تعلم عن الحياة كل شئ ، وتختصر معرفتها بالمقولة الشهيرة .. الحياة مادة .
العذارى يغرهن الثناء ، فليكن حديثي إليها بدءً من نقطة ضعفها :
- أنت أحلى بنت شفتها في باريس .
ابتسامه باهته ، تحكي خبره طويلة في عالم الرذيلة .. وترد :
- شكراً .
يبحث أبو فيصل عن موضوع جديد ، يدفع هذه الثقيلة إلى الحديث .. وأخيراً .. وجدتها :
- وش رايك بالجو الليلة ؟
ردت ببرود :
- حلو .
يواصل بلهفة :
- حلو بوجودك .
- شكراً .
اللعنة .. شكراً مرةً أخرى ، لابد من إرغامها على الحديث .. النساء يستمتعن بمعرفة خصوصيات الآخرين ، ثم يهتف:
- تصدقين أول مره أزور باريس !
تحاول أن تبدو جادة :
- بالله عليك .
لابأس ، سأتحملها حتى النهاية .. ويواصل :
- من حسن حظي أنك أول وحدة أقابلها منذ وصولي .
- شكراً .
ياإلهي ، ماذا افعل ؟ كلما أوقدت للحديث ناراً .. أطفأتها بالشكر .. لم أكره الشكر يوماً ككرهي له الآن ، يمر النادل ، فتطلب منه كأساً أخرى وتتمطى بثقل ، قبل أن يسألها بأدب التلاميذ :
- مقيمه في باريس وإلا جايه زيارة ؟
ترد بلا اكتراث :
- مقيمه .
فيواصل مستغلاً :
- من متى ؟
- من عشرين سنه .
يبتسم مأخوذاً بنشوة النجاح ، ويواصل:
- ماشاء الله أجل تتكلمين فرنسي كويس .
- فواااااالا ( كلمه فرنسيه تعني أجل ) .
يكمل متحفزاً :
- تصدقين ودي أتعلم الفرنسية .
تنظر له باحتقار .. وتجيب :
- حاجه كويسه أنك تتعلم الفرنسية .
يضيف بابتسامه خبيثة :
- طيب وش رايك تدرسينني فرنسي ؟
ترد وهي تعتدل في جلستها :
- ماعندي مانع .
يحاول التمويه بسذاجة :
- طيب كم التكلفة خلال شهر ؟
- شهر ! شهر كثير .. يكفي لتعليم الفرنسي عشر دقائق .
وتطلق ضحكة قبيحة بصوت عال ، جعلت مرتادي المقهى يلتفتون إلى مصدرها ، يجتازه إحساس ثقيل بالخجل ، بسبب نظرات الناس ، ثم يستعيد تركيزه ، فيحاول أن يبدو مندهشاً وهو يكمل :
- لم أفهم ؟
تركز نظرها في وجهه وهي تسكب ما بقي من الكأس في جوفها وتقول :
- حبيبي .. حتى ما أضيع وقتي ولا وقتك ، خلينا نتكلم بصراحة .
- تفضلي .
تواصل بنبرة جادة :
- أروح معك للفندق ، وأقعد معك حتى الصباح ، بـ500 يورو .
يتحول مركز التفكير إلى آلة حاسبة ، 500*5=2500 ريال ، مبلغ كبير في ليلة واحده ، ومع ذلك سأوافق :
- حسناً ، ولكن .. أنا لا استمتع مع امرأة تذهب معي من أجل المادة فقط .
ترد بابتسامة بلهاء :
- ومن قال لك أني أبيك تستمتع ؟
يستمر .. بملامح تثير الشفقة :
- أرجو أن تسمعيني حتى النهاية .
فترد عليه آمره :
- اختصر .. الوقت متأخر .
يتأوه بسذاجة ، ثم يقول بصوت الموجوع :
- أريد إنسانه ذات مشاعر رقيقة .. تنسيني سنوات الحرمان .. وتقدر شخصي .
ويواصل بنبرة جادة :
- إذا تهيأ ذلك ، فلا مانع لدي من دفع أي مقابل مادي .
ضحكه ممطوطة تثير الاشمئزاز ، ثم تردف بازدراء :
- وأنا أريد 500 يورو .. وبعد ذلك ، أعطيك مشاعر رقيقة ، وحاجات أخرى .
يتصارع العقل مع الشهوة في داخله .. شهوه ناقصة مع هذه العاهرة ، خسارة مادية كبيرة ، و تأنيب ضمير في النهاية . ولكن ، لماذا لا أجرب ؟ وما معنى السفر في الصيف .. بدون هذه الممارسات ، المال لايهمني ، فلدي منه الكثير ، و على كل حال ، أنا لست الأول ولن أكون الأخير في هذا الميدان ، علية القوم ، الذين يشار لهم بالبنان ، يفعلون ذلك بلا خجل من الناس ، ولا رادع من الدين ، فمالي أنا ومال عذاب الضمير ، سأدوسه بقدمي هذه الليلة ، وليحدث ما يحدث ، ثم يجيب بهدوء :
- اتفقنا .
ينادي النادل ، ويدفع الحساب ( مائة يورو ) ، كانت عقارب الساعة تتهادى نحو الثانية صباحا ، حينما اجتازا جادة الشانزلزيه ، باتجاه الفندق .. وهو يربّت على مؤخرتها بيمينه .
بعد شهر ، التلفاز يعرض أخبار الساعة .. أبريق الشاي ودلة القهوة العربية يتهامسان على سطح الصينية الفاخرة .. صحن صغير من السكري الملكي .. وآخر من الكليجا الفاخرة .. الهاتف الجوال بجوار المركى ، رائحة البخور الزكية تفوح من جنبات صالة الجلوس ، يتكي مادا ساقيه ، ويعبث بفتات قشرة رأسه بيده اليسرى ، وهو يفكر كيف سيقضي الليلة .. يذهب للاستراحة حيث الشباب ، أو إلى إحدى المقاهي ، كلها خيارات مملة ، كررها حتى أصبحت بلا طعم ، منذ رحلته الأخيرة إلى باريس ، وهو يمر بحالة نفسية سيئة ، لا يعرف لها سبباً ، إلا شكوك داخلية بأنه إنسان وضيع . يخرجه من هذه الأفكار صوتها العذب وهي تنظر إليه بشوق :
- انشالله أعجبتك القهوة يابو فيصل ؟
دون أن ينظر إليها ، يرد ببرود :
- الحمد لله .. طيبه .
برقه و عذوبة ، تذكّره قائلة :
- تذكر يوم زواجنا ؟
يرد بلامبالاة :
- اذكر .. كان يوم عادي .
تبلع هذا الاستدراج الرخيص ( للنزاع ) بطيبة نفس ، ثم تقول بعتاب وديع :
- تصدق .. احياناً .. أحس انك ماعاد تحبني ؟
يجيب بضجر :
- إحساس خاطئ.
تضيف بتودد :
- تمنيت لو أكملت ، وقلت : أحبك .
يتأفف ثم يقول بعد أن صمت برهه :
- بسيطة .. أحبك .
نسي أنه كان يبحث عن المشاعر الرقيقة ، لدى بائعات الهوى في باريس ، أمّا هي فتداري غضبة .. مُطْرِقه :
- آسفة ياحبيبي .. إذا كنت ضايقتك .
بنبرة إصدار العفو عن خطأ فاحش ، يهمهم :
- أبد ما ضايقتيني .. ولا شي .
يسود الصمت لدقائق ، ثم تبتسم قائله :
- طيب حبيبي .. لنا أسبوع ما طلعنا من البيت .. وانت اليوم فاضي .. وش رايك نروح نتمشى شوي ونتعشى برا ؟
ينظر إليها بحنق ، ويسأل :
- من قال لك إني فاضي ؟
تجيبه مرتبكة :
- قبل شوي تكلم صديقك أحمد .. وتقول انك الليلة فاضي .
يرفع صوته قائلاً :
- ما شاء الله .. أنتي قاعدة تسجلين علي كل كلمة أقولها ؟
يضطرب صوتها :
- أبد والله يا حبيبي .. أنا آسفة .
تحمرّ عيناه ، وهو يصيح بغضب :
- اووه .. كل شوي تغلطين وتقولين آسفة .. البيت هذا ماعاد يطاق .
قالها وهو ينهض .. التقط الشماغ وملحقاته .. ثم أسرع الخطى خارجاً من المنزل ، إلى حيث لا يدري . تبعته حتى الباب الخارجي ، ثم عادت كسيرة القلب ، وهي تردد :
- الله يهديك .. يابو فيصل .
[/align]
كـاس نصف ممتلئ ، وضع على طاوله خشبية مستديرة ، بإطار فضي نحيل ، بجانبه ، شنطة يدوية مخملية ، أبرز محتوياتها : باكت دخان ، هاتف محمول لايفتأ يرن بين الفينة والأخرى ، وعبوة صغيرة .. تحوي مواد بلاستيكية . حمقاء ، لاترى أبعد من أرنبة أنفها ، تظن بأنها تعلم عن الحياة كل شئ ، وتختصر معرفتها بالمقولة الشهيرة .. الحياة مادة .
العذارى يغرهن الثناء ، فليكن حديثي إليها بدءً من نقطة ضعفها :
- أنت أحلى بنت شفتها في باريس .
ابتسامه باهته ، تحكي خبره طويلة في عالم الرذيلة .. وترد :
- شكراً .
يبحث أبو فيصل عن موضوع جديد ، يدفع هذه الثقيلة إلى الحديث .. وأخيراً .. وجدتها :
- وش رايك بالجو الليلة ؟
ردت ببرود :
- حلو .
يواصل بلهفة :
- حلو بوجودك .
- شكراً .
اللعنة .. شكراً مرةً أخرى ، لابد من إرغامها على الحديث .. النساء يستمتعن بمعرفة خصوصيات الآخرين ، ثم يهتف:
- تصدقين أول مره أزور باريس !
تحاول أن تبدو جادة :
- بالله عليك .
لابأس ، سأتحملها حتى النهاية .. ويواصل :
- من حسن حظي أنك أول وحدة أقابلها منذ وصولي .
- شكراً .
ياإلهي ، ماذا افعل ؟ كلما أوقدت للحديث ناراً .. أطفأتها بالشكر .. لم أكره الشكر يوماً ككرهي له الآن ، يمر النادل ، فتطلب منه كأساً أخرى وتتمطى بثقل ، قبل أن يسألها بأدب التلاميذ :
- مقيمه في باريس وإلا جايه زيارة ؟
ترد بلا اكتراث :
- مقيمه .
فيواصل مستغلاً :
- من متى ؟
- من عشرين سنه .
يبتسم مأخوذاً بنشوة النجاح ، ويواصل:
- ماشاء الله أجل تتكلمين فرنسي كويس .
- فواااااالا ( كلمه فرنسيه تعني أجل ) .
يكمل متحفزاً :
- تصدقين ودي أتعلم الفرنسية .
تنظر له باحتقار .. وتجيب :
- حاجه كويسه أنك تتعلم الفرنسية .
يضيف بابتسامه خبيثة :
- طيب وش رايك تدرسينني فرنسي ؟
ترد وهي تعتدل في جلستها :
- ماعندي مانع .
يحاول التمويه بسذاجة :
- طيب كم التكلفة خلال شهر ؟
- شهر ! شهر كثير .. يكفي لتعليم الفرنسي عشر دقائق .
وتطلق ضحكة قبيحة بصوت عال ، جعلت مرتادي المقهى يلتفتون إلى مصدرها ، يجتازه إحساس ثقيل بالخجل ، بسبب نظرات الناس ، ثم يستعيد تركيزه ، فيحاول أن يبدو مندهشاً وهو يكمل :
- لم أفهم ؟
تركز نظرها في وجهه وهي تسكب ما بقي من الكأس في جوفها وتقول :
- حبيبي .. حتى ما أضيع وقتي ولا وقتك ، خلينا نتكلم بصراحة .
- تفضلي .
تواصل بنبرة جادة :
- أروح معك للفندق ، وأقعد معك حتى الصباح ، بـ500 يورو .
يتحول مركز التفكير إلى آلة حاسبة ، 500*5=2500 ريال ، مبلغ كبير في ليلة واحده ، ومع ذلك سأوافق :
- حسناً ، ولكن .. أنا لا استمتع مع امرأة تذهب معي من أجل المادة فقط .
ترد بابتسامة بلهاء :
- ومن قال لك أني أبيك تستمتع ؟
يستمر .. بملامح تثير الشفقة :
- أرجو أن تسمعيني حتى النهاية .
فترد عليه آمره :
- اختصر .. الوقت متأخر .
يتأوه بسذاجة ، ثم يقول بصوت الموجوع :
- أريد إنسانه ذات مشاعر رقيقة .. تنسيني سنوات الحرمان .. وتقدر شخصي .
ويواصل بنبرة جادة :
- إذا تهيأ ذلك ، فلا مانع لدي من دفع أي مقابل مادي .
ضحكه ممطوطة تثير الاشمئزاز ، ثم تردف بازدراء :
- وأنا أريد 500 يورو .. وبعد ذلك ، أعطيك مشاعر رقيقة ، وحاجات أخرى .
يتصارع العقل مع الشهوة في داخله .. شهوه ناقصة مع هذه العاهرة ، خسارة مادية كبيرة ، و تأنيب ضمير في النهاية . ولكن ، لماذا لا أجرب ؟ وما معنى السفر في الصيف .. بدون هذه الممارسات ، المال لايهمني ، فلدي منه الكثير ، و على كل حال ، أنا لست الأول ولن أكون الأخير في هذا الميدان ، علية القوم ، الذين يشار لهم بالبنان ، يفعلون ذلك بلا خجل من الناس ، ولا رادع من الدين ، فمالي أنا ومال عذاب الضمير ، سأدوسه بقدمي هذه الليلة ، وليحدث ما يحدث ، ثم يجيب بهدوء :
- اتفقنا .
ينادي النادل ، ويدفع الحساب ( مائة يورو ) ، كانت عقارب الساعة تتهادى نحو الثانية صباحا ، حينما اجتازا جادة الشانزلزيه ، باتجاه الفندق .. وهو يربّت على مؤخرتها بيمينه .
بعد شهر ، التلفاز يعرض أخبار الساعة .. أبريق الشاي ودلة القهوة العربية يتهامسان على سطح الصينية الفاخرة .. صحن صغير من السكري الملكي .. وآخر من الكليجا الفاخرة .. الهاتف الجوال بجوار المركى ، رائحة البخور الزكية تفوح من جنبات صالة الجلوس ، يتكي مادا ساقيه ، ويعبث بفتات قشرة رأسه بيده اليسرى ، وهو يفكر كيف سيقضي الليلة .. يذهب للاستراحة حيث الشباب ، أو إلى إحدى المقاهي ، كلها خيارات مملة ، كررها حتى أصبحت بلا طعم ، منذ رحلته الأخيرة إلى باريس ، وهو يمر بحالة نفسية سيئة ، لا يعرف لها سبباً ، إلا شكوك داخلية بأنه إنسان وضيع . يخرجه من هذه الأفكار صوتها العذب وهي تنظر إليه بشوق :
- انشالله أعجبتك القهوة يابو فيصل ؟
دون أن ينظر إليها ، يرد ببرود :
- الحمد لله .. طيبه .
برقه و عذوبة ، تذكّره قائلة :
- تذكر يوم زواجنا ؟
يرد بلامبالاة :
- اذكر .. كان يوم عادي .
تبلع هذا الاستدراج الرخيص ( للنزاع ) بطيبة نفس ، ثم تقول بعتاب وديع :
- تصدق .. احياناً .. أحس انك ماعاد تحبني ؟
يجيب بضجر :
- إحساس خاطئ.
تضيف بتودد :
- تمنيت لو أكملت ، وقلت : أحبك .
يتأفف ثم يقول بعد أن صمت برهه :
- بسيطة .. أحبك .
نسي أنه كان يبحث عن المشاعر الرقيقة ، لدى بائعات الهوى في باريس ، أمّا هي فتداري غضبة .. مُطْرِقه :
- آسفة ياحبيبي .. إذا كنت ضايقتك .
بنبرة إصدار العفو عن خطأ فاحش ، يهمهم :
- أبد ما ضايقتيني .. ولا شي .
يسود الصمت لدقائق ، ثم تبتسم قائله :
- طيب حبيبي .. لنا أسبوع ما طلعنا من البيت .. وانت اليوم فاضي .. وش رايك نروح نتمشى شوي ونتعشى برا ؟
ينظر إليها بحنق ، ويسأل :
- من قال لك إني فاضي ؟
تجيبه مرتبكة :
- قبل شوي تكلم صديقك أحمد .. وتقول انك الليلة فاضي .
يرفع صوته قائلاً :
- ما شاء الله .. أنتي قاعدة تسجلين علي كل كلمة أقولها ؟
يضطرب صوتها :
- أبد والله يا حبيبي .. أنا آسفة .
تحمرّ عيناه ، وهو يصيح بغضب :
- اووه .. كل شوي تغلطين وتقولين آسفة .. البيت هذا ماعاد يطاق .
قالها وهو ينهض .. التقط الشماغ وملحقاته .. ثم أسرع الخطى خارجاً من المنزل ، إلى حيث لا يدري . تبعته حتى الباب الخارجي ، ثم عادت كسيرة القلب ، وهي تردد :
- الله يهديك .. يابو فيصل .
[/align]
تعليق