أنطون بافلوفيتش تشيخَف - 150 سنة على ولادته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إبراهيم إستنبولي
    • 06-04-2009
    • 1

    أنطون بافلوفيتش تشيخَف - 150 سنة على ولادته

    في ذكرى ميلاده المائة و الخمسين :

    أنطون بافلوفيتش تشيخَف : كان وحيداً و خجولاً



    إعداد و ترجمة

    د . إبراهيم إستنبولي



    في كانون الثاني من عام 1860 ولد الكاتب الروسي المعروف , الأستاذ في فن القصة القصيرة أنطون بافلوفيتش تشيخَف ... و بهذه المناسبة تحتفل الأوساط الأدبية و الثقافية في روسيا على المستويين الرسمي و الشعبي .. حيث تقام المهرجانات و الندوات , و تقدم عروض لأشهر المسرحيات التي كتب نصوصها تشيخَف و التي لطالما استمتع بها جمهور المسرح على مدى أكثر من قرن من الزمن .. كما و أقيمت في الكثير من بلدان العالم فعاليات " أيام تشيخَف " مكرّسة للمناسبة . و أعتقد أنه ما من كاتب في العالم إلا و تأثّر لهذا الحد أو ذاك بأسلوب تشيخَف في كتابة القصة . ألم يقل تشيخَف : " الاختصار – شقيق الموهبة " . كما إن الكثير من القصص أصبح جزءاً من الذاكرة الأدبية لجيل كامل من القراء : " العنبر رقم 6 " , " الإنسان المعلّب " , " المنزل ذو العلية " , " بستان الكرز " , " موت موظف " , " إيونيتش " , " الخال فانيا " , و " السيدة صاحبة الكلب " ... و غيرها .

    و هنا أقدّم ترجمة لشهادتين مكرستين لهذه المناسبة .



    1

    وصفة طبية من " الدكتور تشيخَف "



    أود أن أكرس المقالة الافتتاحية في بداية العام الجديد للكتابة عن تشيخَف . فمن جهة , ثمة مناسبة : في كانون الثاني سوف تحل الذكرى المائة و الخمسون لميلاد تشيخَف . و من ناحية ثانية , لقد آن الأوان لكي أبلور لنفسي سرَّ تعلّقي بهذا الإنسان , و ما الذي جعلني أخصص كامل الربع الأول و بعضاً من الربع الثاني من الصف الثالث الثانوي لقراءة قصص و مسرحيات تشيخَف , إذ كنت أجد صعوبة في الافتراق عنه .

    و قد انكشف تشيخَف لي في بلدة ميليخوفا ( حيث متحف الكاتب – المترجم ) . و عليّ الاعتراف بأني أتوجس من المتاحف الأدبية – فما الذي يمكن أن ترويه شرنقة ميتة عن فراشة ؟ و حتى الفراشة , إذا ما كانت مشبوكة إلى مخمل وسادة صغيرة , ماذا بإمكانها أن تحكي عن روعة التحليق ؟ لذا , قد يكون من الأفضل أن لا يزور المرء المتحف ...

    لكن المتحف في ميليخوفا بدا مفعماً بالحياة و بالرشاقة لدرجة مدهشة , كما لو أنه ليس متحفاً بالضبط : فقد جرى تصميم البيت ليكون مريحاً و لا يخلو من الظرافة , بحيث أن كلّ شيء يبدو بسيطاً , و بمسحة ساخرة ناعمة على الطريقة التشيخوفية بامتياز . فهذا هو نبات الخرشوف ينمو كما في جنوب فرنسا , حيث شاءت الأقدار أن يمضي تشيخَف فترة ما , و ها هما الكلبان بروم إيسايتش و خينا ماركوفنا في صورة واحدة مع مؤلف قصة " كاشتانكا[1] " , و ها هو الكاتب نفسه محاطاً " بالمعجبات به من أشجار التفاح من نوع أنطونوف " . ينشأ توهّم كامل كما لو أن البيت مسكون و أن صاحبه خرج تواً لدقيقة واحدة .

    لكن أكثر ما أثار دهشتي في ميليخوفا هو الأمر التالي : حضرت هناك عن طريق الصدفة اجتماعاً رسمياً كان المسؤولون يبحثون أثناءه مع المشرفين على المتحف قضية العثور على التمويل اللازم لترميم ما أسسه تشيخَف و الحفاظ عليه . و قد تبين لنا أن تشيخَف خلال سبع سنوات ملكيته للمكان قام ببناء شبكة من الطرق و ثلاث مدارس و مبنى للبريد , كما افتتح عيادة خارجية , ظلّت تقوم بوظيفتها , بالمناسبة , حتى الستينيات من القرن العشرين ! و أنه قام بمعاينة و علاج آلاف الفلاحين في المنطقة بلا أجر – بل هكذا ببساطة , بصورة طبيعية و من دون ضجة . بينما الدولة اليوم لا تجد الموارد اللازمة لكي تحافظ نوعاً ما على ما كان حققه إنسان واحد .

    فأي إنسان كان ؟ لقد اشترى لنفسه قطعة أرض صغيرة , مجرد مقسم لبناء بيت صيفي , و قصد ذلك المكان ليعيش فيه . لنقيس ذلك على أنفسنا : كنا سنحيط المكان على الفور بسياج , و نباشر الحراثة و السقاية , دون أن نكترث بما يجري من حولنا . المهم أن لا نرى الجيران . أما هو ؟ فقد راح يعمل لأجل ما هو خارج حدوده , راح يحسّن شروط العيش من حوله , مع أنه لم يأخذ على عاتقه أية التزامات بهذا الشأن . من أين له كل تلك الطاقة , لكي يجد القوة الكافية للاهتمام , إلى جانب ما يقدمّه للعائلة الكبيرة و للأدب , بقطعة أرض من الفضاء الروسي , و بحيث يمنحها لعقود كثيرة نوعاً من النبض الدافق بالحياة و التطور ؟ و أن يفعل ذلك بطريقة طبيعية , بهدوء كما لو هذا ما يجب أن يكون هذا هو اللغز الذي يجذبني دائماً نحو تشيخَف , و يدفعني عنوة – " حين يطلّ اليأس " – لأن أقرأ شيئاً ما من كتاباته , و أكثر ما يأسرني رسائله بالتحديد . ففي ذلك السجّل التأريخي البسيط لحياته يوجد أفضل علاج للإرهاق و الاحتراق النفسي , اللذين نعيش - نحن مَن نعدّ أنفسنا من المثقفين – تحت رايتهما . و الجميل أنه علاج لا يتطلب الحصول عليه على وصفة طبية .

    للعلم , بخصوص الوصفات الطبية : لقد قاموا بترميم و إعادة افتتاح العيادة الخارجية في ميليخوفا , و في نفس المبنى الذي كانت توجد فيه في حياة تشيخَف . و هناك توصف الأدوية على وصفات خاصة يوجد في أسفل الواحدة منها ذاك التوقيع الشهير : دكتور تشيخَف .

    سيرغي فولكَف

    محرر في صحيفة " أدب " الروسية

    2

    الرومانسي الخجول

    بالطبع , لقد كان الأمر جميلاً عندما طلبوا مني في القرية الهنغارية بيتش أن يدور الحديث عن كاتبنا العزيز تشيخَف . مع أنني كنت قد بدأت أحنق على تشيخَف منذ بعض الوقت : ففي مرحلة الفتوة كنت مسحوراً به لدرجة كان الأدب معها يبدو لي و قد انتهى عنده بكل بساطة – و أنه لا توجد ضرورة لأحداث استثنائية عظيمة و لا لطباع و أمزجة عظيمة . ذلك لأنه يمكنك تصوير الجانب الدرامي في الحياة من دون أن تتخطى دائرة ما هو يومي , و من دون أن تلجأ للتكلّف البلاغي أو إلى استخدام الفلسفة الشاملة : وحده ضبط النفس يفي , و أيضاً باطن النص فقط ...

    كما بدت لي إشارة ليف تَلْستوي إلى أن تفوّق تشيخَف على شخصياته مجرد وهم لا أكثر , على أنها مماحكة إيديولوجية صرفة . إذ كيف يمكن للتفوّق أن يكون أيضاً ؟ كما سبق و أعلن إنّوكينتي أنّينسكي في حينه عن تذمّره : هل كان واجباً على الأدب الروسي أن يوحِل في مستنقعات دَسْتَييفسكي و أن يقطع مع تلْستوي الأشجار الخالدة , لكي يصبح حائزاً على هذه الجنينة ! بل إن تشيخَف لم يكن يحبّ علاوة على ذلك , حسب أنّينسكي , سوى الحليب الطازج ( الصريف ) و ربما المرميلاد أيضاً .. و أما آنّا أخماتوفا فكانت تؤكد أن عالم تشيخَف باهت و مضجر , و أنه ما من شمس تشرق فيه , و ليس ثمة سيوف تقرع . و هذا الرأي كان يبدو بالنسبة لي نوعاً من الطفولية .. إذ من أين لنا مثل تلك السيوف في عالمنا المعاصر, و أي شمس مميزة يمكن أن تكون مع المناخ عندنا في الشمال ؟

    لم أكن بحاجة لا لسيوف و لا لشمس , لأنني كنت منتشياً بآمال الشباب الباطلة و هذا ما كان يجعلني أتواجد بصورة دائمة وسط اللمعان و الرنين . لقد هزّني كل من تلْستوي و دَسْتَييفسكي و أيقظا فيَّ الكثير من المشاعر و الأفكار , بحيث لم يكن بوسعي أن أشعر بالحزن معهما على طريقة المراثي . و لِما لا يمكنك أن تشتكي من الملل و الضآلة , عندما لا يكون لديك عملياً أي تصور عن الملل , و حين لا تشعر بنفسك قليلاً أو تافهاً و لا للحظة !

    و أما حين يبدأ بملاحقتك باستمرار , مع اقتراب الشيخوخة , شعور بزوال كل ما هو دنيوي , عندئذ يصبح الغنج مع الحزن التشيخوفي غير وارد . فعندما يلبسك شعور الضآلة , لن يكون بمقدورك أن تختبئ خلف تشيخَف . لا شك أن تشيخَف يتعاطف معنا و يشاركنا حزننا , و يدين المسيئين لنا – إلا أن أي مريض , و مهما تكن حالته يائسة , سيفضّل الدواء على العطف عليه ! و اليوم أنا أميل للكتب التي توقظ لديّ الفخر و الجسارة , و ليس المسالمة الحزينة .

    و مع ذلك , يبعث السرور في النفس أن تتناقش في بلاد أخرى بشأن تشيخَف , فهو يجمعنا في كل الأحوال : فما يوحّد ليس الاتفاق بحد ذاته بخصوص مسألة ما , بقدر الاعتراف بالأهمية الفائقة لتلك المسألة . فها هنَّ الفتيات اللطيفات يرددنَ مع المُدرِّسة قصص تشيخَف – و قصة " الأميرة " على سبيل المثال – و هنَ يوضحّنَ كم يكون قاسياً حب الذات الأعمى حتى و لو على مثال بريء لامرأة – طير , بحيث يمكننا أن نأمل بأن العالم سيصبح أكثر طيبة بعد أن يشاهد نفسه في تلك المرآة ...

    أن يصبح أكثر طيبة – هذا أمر حسن . قلتُ موافقاً . و لكن هذه هي الطبيعة البشرية : مهما تحسّنت الحياة , فإن متطلباتنا تجاهها تتكاثر و تزداد أسرع و أسرع . فإذا ما انتفت الفظاظة من علاقاتنا بعضنا مع بعض , و إذا ما رحنا نبتسم لبعضنا البعض , فسوف يجرحنا كون الابتسامة ليس بالاتساع الكافي ...

    عندما يكون الجهاز المناعي لشخص ما ضعيفاً , فإن أي خدش يصبح خطراً على هذا الشخص . و لا أمل بتاتاً في أن نبني عالماً لا يمكن لشيء فيه أن يخدشنا . لذا من الأهمية بمكان أكثر أن نمنح الإنسان المقدرة على تحمّل جروحه الروحية , من أن نجعل عددها أقل , و لكننا في نفس الوقت نضعف مناعته و نزيد من حساسيته . و القوة يمنحها هدف آسر ساحر , بحيث تبدو الأحزان و الخيبات المعاشة يومياً من علو ذلك الهدف , أقل أهمية و ليست ذا شأن بالنسبة لنا . و أبطال تشيخَف لا هدف عندهم يستحق أن يتوتروا لأجله و أن يغامروا و يخاطروا فيحصدون الفشل و الإذلال . و هذا يعني أن مصيرهم سيكون الهلاك على أية حال .

    و هل أنا لا أعرف , كيف إن تزيين العجز و جعله جميلاً – ما هو سوى العزاء الأخير بالنسبة لأولئك الذين لا أمل لديهم بالحصول على ما هو أفضل . لكن الثقافة كانت تُخلَق عبر العصور لكي تساعد في التغلب على مشاعر العجز و الإهمال , و ليس لكي ننوح عليه بطريقة جميلة . بل إن تشيخَف نفسه تشاطر إحساسه مع سوفورين[2] : نحن نصوِّر الحياة كما هي , و بعد ذلك " لا نتحرك خطوة لا للأمام و لا للوراء " , فليس ثمة من أهداف بعيدة أو قريبة عندنا , و روحنا فارغة لدرجة يمكنك أن تلعب بالكرة في أرجائها ؛ و مَن لا يطلب شيئاً , مَن لا يعيش على الأمل - لا يمكنه أن يصبح فناناً . هذا الكلام لتشيخَف و ليس لي .

    و لكن ... و لكن مَن لا يرغب بشيء , ذاك لا يمكنه أن يحزن !؟ فما هي تلك الرغبة العارمة التي لا تنطفئ و التي كانت تخلق ذلك الحزن عند تشيخَف ؟ فالمعروف أن أبطال تشيخَف المثقفين , كقاعدة , يمتازون بأنهم أناس مهذبون و يقومون بواجباتهم بصدق , و كم كنا نتمنى المزيد من أمثالهم في وقتنا الحالي ! أما أن تكون شريفاً في عملك , فهذا قليل جداً بالنسبة لتشيخَف . و لكننا بتنا ندرك كم إن هذا كثير في أيامنا هذه ! و بالتالي , إن تشيخَف ليس ذاك المحبِّ المعتدل للحليب الطازج و حسب , بل على العكس , إنه رومانسي خجول , كان يتحرّق في سرّه بحثاً عن مثال ما , بحيث تبدو من ارتفاعه أمراً عادياً و غير ذي أهمية تلك الفضائل , التي كنا سَنَحملُ أصحابها على الأكّف .



    الكساندر موتيليفيتش ميليخوف

    كاتب , مرشح لشهادة الدكتوراه في الفيزياء .

    يعيش و يعمل في سانت بطرسبورغ










    [1] - كاشتانكا – اسم الكلبة – بطلة القصة .. المترجم

    [2]الكساندر سوفورين 1834 – 1912 صحفي و ناشر روسي .. أصدر في بطرسبورغ جريدة " الزمن الحديث " و بدءاً من عام 1976 – مجلة " البشير التاريخي " - المترجم
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    #2
    [align=center]
    الأستاذ ابراهيم استنبولي

    أشكرك على تقديم بحث حاص في الذكرى المئة والخمسين للقاص العالمي الروسي تشايكوف .. الذي كما ورد في بحثك المترجم كان شغل الأوساط الأدبية في العالم والمهتمين بالأدب عموما و بالقصة خصوصا ..

    وأشكرك على هذا الجهد الأدبي الراقي في الإعداد والترجمة ..

    ويسعدني أن أرحب بك وبدراسات قادمة بهذا المستوى

    تحيتي وتقديري لك
    [/align]




    تعليق

    يعمل...
    X