سقوط النخبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد أنيس الحسون
    أديب وكاتب
    • 14-04-2009
    • 477

    سقوط النخبة

    الثقافة التلفزيونية
    هل بشّرت الثقافة التلفزيونية بسقوط النخبة وبروز الشعبي ؟
    هناك من آذن بذلك وتبعه من أكد ذلك السقوط من خلال استقراء هذا الكائن العجيب ( الشاشة ).
    تُعتبر علاقة الإنسان بالصورة علاقة قديمة منذ أن بدأ الإنسان يحاول السيطرة على الطبيعة من حوله، واحتلت الصورة في ذهنه مكانة عميقة تصل حدّ الإفراط في تصوير وتأويل مايحيط به ، ولو عدنا للأساطير وللملاحم الهومرية سنرى مزيجاً من التصورات الذهنية وكأننا أمام فيلم سينمائي.
    لقد نشأت أحادية الصورة أو الصورة المُخرجة وعلى القاريء أو المشاهد حديثاً ذهنياً كان أبو بصرياً أن يسلّم لسلطة هذه الصورة. لقد سيطر نمط واحد من الاستقبال مصحوباً بثقافة الهيمنة ، وما زالت ثقافة الهيمنة تعيد إنتاج نفسها عبر قرون طوال في كل أشكال الحياة، ومع هذا النمط المتسلط برزت جماعة سمت نفسها بالنخبة ونادت بنبذ واحتقار كل ماهو شعبي ، وادعت أنها تمثل سيادة الصورة الواحدة، وترسم أبعادها، وماعدا ذلك ممارسات شعبوية فوضوية، وذلك في مضمار السياسة والدين والفن، ومع مرور الزمن واكتساح العولمة وسيادة الثقافة الرقمية انتعش الدور الشعبي المهمّش وبدأ الدور النخبوي يتلاشى، فاقتحم الشعبي أسوار القلعة المنيعة وحطّم هذي القلاع الوطيدة.
    من خلال سلطة النموذج الواحد كنّا لا نعرف إلا أسماء قليلة من الأدباء والفنانين والسياسيين ، والآن ومع هذا الازدحام الرقمي نقع مثلاً على شبكة الأنترنت والفضائيات على أسماء وشخصيات متنوعة بتنوع البث الفضائي، ومع هذا النشر الواسع أُتيحت الفرصة للعديد بأن يبرز كوامنه حيث بات هذا النشر مطية للآلاف من المهمشين والشعبيين الذين أبعدتهم الصورة الواحدة المتوحشة، وقد أصبحت الصورة المضادة تبرز ويبرز معها المضمر والسكون المستقر.
    وفي سياق الصورة التلفزيونية التي أصبحت الشغل الشاغل لكثير من النقاد عبر تشريحها سنجد الفضاء الذي ضاق ذرعاً بصنيع الناس على الأرض، واشتعلت فيه حرب مصحوبة بعتاد ذكوري وأنثوي. إن الصورة مصدر مهم للتأويل وعلامة ثقافية بارزة، لذا وبعد أن انقلب ظهر المجن ستمارس الصورة وتلعب لعبة المضمر/ المعلن، وستدخل فئات بشرية عريضة إلى عالم الاستقبال الثقافي، وتبدي وتناقش بعدما كانت مهمشة ومبعدة لأزمنة طويلة، وسيظهر معها ما يعبر عن كبتها وسحقها كل تلك الفترة، وستأتي الصورة ترجمة للاحتباس الطويل، فما عادت المعرفة محصورة عبر تلك المؤسسة الواحدة المسيطرة، وما عاد الحراك الوحيد هو ذاك الذي تخرجه الصورة الواحدة والنموذج المتوحش، إذ إن هذا النشر العريض عبّر على تمسك الفئات التي كانت مسحوقة بالمعرفة والاستعداد لبناء دور يمثلهم ويحكي تأملاتهم وتأويلاتهم وقضاياهم.
    وبعد ... ماذا يفعل سيدنا المثقف الوحيد النخبوي الذي كان يفرض الصورة وتأويلها ؟!!.
    ماذا يفعل بعد اكتساح الشعبي والمهمّش سيما وأن الصورة كسرت كل قيود العنصرية؟.
    لعقود طويلة ظلت المرأة مبعدة عن أداء دورها و باتت مع عصر الصورة المتعددة تمارس و تعبر وتقول ما لم يقل،وفي ظل ذلك سينشأ منطق خاص مصحوب بدلالة خاصة تختلف عن المنطق التقليدي و السيد النخبوي الرمز السياسي و الثقافي يتخبط و يدافع عن مملكته البائدة بخطابات و انتقادات نسقية للحفاظ على دوره وسلطته، و في ظل هذه الحرب التي يوقدها النخبوي سيبدو المهمش ما هو إلا فوضوي أتاح له الزمن فرصة للعبث ونشر رغباته ومكبوته المريض على حد زعم النخبوي، لكن ... هل يبلغ السيد النخبوي الأحادي الدور دورَه السابق الذي أعطته إياه أيديولوجيات قديمة؟ . كعملية رد عكسي سيأتي الاتجاه الآخر ليسفّه من الدور السابق الذي نادى بتعددية الحياة ولم يطبقها ولم يعترف بوجودها
    وبالتالي لن تخلو الصورة الجديدة من فوضى مادام الطريق مشرعاً أبوابه لكل من هبّ ودبّ. لقد احتقنت الصورة التلفزيونية دورها لسنوات في ظل دكتاتورية النموذج الواحد، وهذا سيخلق مشكلة عويصة ومدروسة بنفس الوقت تنتجها هذه الصورة ، فمن يدفع الثمن؟ ومن السبب؟. تلك هي الثقافة التلفزيونية المصحوبة بوباء فكري ديني وسياسي وثقافي، وكثيرة هي التساؤلات أمام هذه الشاشة، وسنجد تشريحاً مهماً لمعظمها في كتاب الدكتور عبد الله الغذّامي { الثقافة التلفزيونية – سقوط النخبة وبروز الشعبي } من مطبوعات المركز الثقافي العربي – بيروت – المغرب.
    لقد عالج الباحث هذا الكائن العجيب ( الشاشة ) بصعود المهمش وسجال متعب مع حرّاس النسق الواحد المتجذّر الذين يراودهم شعور دائم بقيادة الجمهور إلى الذوق السليم والفن الأصيل، بينما الواقع هو سقوط مريع لنظرياتهم الجوفاء، وتمركز من كان مُبعداً عن الفعل الاجتماعي والثقافي والسياسي، وفي ظل هذه التغيرات نحتاج لدراسة معمقة حول تاريخية الصورة والاستقبال والمعرفة، فجاء كتاب الغذامي نقداً ثقافياً للصورة البصرية بعد أن أصبحت أداة مهيمنة وعلامة ذات دلالة مكونة للذهن البشري وعياً وتأويلاً. وقد ناقش الكاتب نظريات الاستقبال بدءاً من آرثر بيرجر الذي طرح دراسة الخطاب الإعلامي بوصفه فرعاً عن النقد الثقافي ، مثل نظرية الاستخدام ، ونظريات الإشباع، والاعتماد، والاستنبات ، ... وغيرها. وتناول الغذامي في الفصل الأول ثقافة الصورة كإحدى علامات النقد الثقافي بعد أن امتدت إلى كل البشر دون رقيب أو وسيط، وقد برزت قوة التأثير وتمظهر فيها صوت وصدى قوي يقاوم الخطاب الفحولي النسقي عبر بثّ قيم العنف والجنس والمال، وناقش في الفصل الثاني الثقافي والتفاهي، وهنا يبرز المضمر الثقافي وبروز المهمشين الذين وصفهم أرستوفانس بالأبناء الفاسقين، إذ كان هذا الأخير ممثلاً للثقافة النخبوية، ومع بروز هذه الشريحة الكبيرة من المبعدين تغيّرت شروط اللعبة وبدأ فعل التأثير على الرأي العام، وكمثال حي على ذلك هناك برنامج السوبر ستار الذي حظي بردود فعل كبيرة من مثقفين وسيايين وحزبيين ورجال دين وصلت حدّ تدخل الملوك والرؤساء، وهنا ظهرت خصائص اللعبة الثقافية الجديدة، وأياً كان لقد فرض هذا النص نفسه تماشياً مع تحريم العلماني والأصولي على حد سواء وإن عبّرا بلغة مختلفة، لكن الدور واحد لأنه ينبني على مضمر نسقي واحد.لقد احتشد الجمهور في ساحات عمّان ودمشق، وحرّك المشاعر الوطنية والعاطفة الشعبية الجياشة، وفي ظل هذه الظروف عاد النسق من جديد ليدافع عن مقدساته مع ثقافة الفوق وثقافة التحت من خلال مادار من انتقادات وتعليقات، وفيه أيضاً بدأ الانقلاب في لغة الاستقبال والتذوق بعد أن امتلكت فئات كثيرة وسائل التعبير عن نفسها عبر البث الحرّ بعدما كانت تلك أدوات النخبة لا غير. ومع صراع لأنساق سيبدو هذا المُنتج تافهاً في نظر النخبة التي تتحرك ضمن علامة نسقية وشرط نسقي، والغريب أننا لو قرأنا انتقاداتهم ( النخبويين من حزبيين وأصوليين ) سنرى من خلال كلامهم أنهم قد تابعوا برنامج السوبر ستار بحذافيره وبدقة متناهية ، تماماً كمن يسبّ ويحتقر فنانة متعرية أو عارضة أزياء أخذت لب الجماهير بمفاتنها وفحشها ،
    فيأتي ويسفّه فيها في العلن ويندد بهذا الفن الهابط، لكنه في السر ليس إلا واحداً من أولئك المفتونين المشاهدين بتأمل وتمايل يميناً ويساراً مع تمايل خصرها.
    لقد حدث تغير كبير سقطت معه فكرة أن المثقف ضمير الأمة وممثل الشعب، والواقع بيّن أن هذا المثقف لا يعرف اتجاهات الرأي العام وتوجهات الشعب بعدما كان يظن أنه الدم الذي يجري في عروقه، إذ إنه أعزى لنفسه دوراً قيادياً انتهى بالفشل ، فراح هذا المثقف ينعي نفسه بعد أن فقد رمزيته وسلطته، بعد أن أصبح هذا المثقف يقارن بين أرقام مبيعات كتابه بأرقام مبيع كاسيت غنائي وقرص استعراضي. لقد كانت ملايين البشر تمر على الحياة مروراً هامشياً غير مرصود، وكان أهل العلم والأدب وحدهم من يملك وسيلة التعبير والتوصيل، لذلك دوّنت الذهنية العربية ما أنتجوه من قول أو فعل لأن ماعداهم لا يملكون لغة بسبب فقدانهم وسيلة التعبير والتوصيل. لقد فقد المثقف دوره الريادي ولا مجال لأحد أن يدعي أنه يعبّر عن ضمير الناس بعدما امتلك الناس وسائل التعبير والتوصيل بدون قائد نخبوي يدعي أنه يترجم مشاعرهم وآمالهم.
    لعل الإشارة إلى فصل أو أربعة من الكتاب قد تبدو مبتورة مالم يعززها القاريء بدوره الأهم في عملية القراءة لكتاب تحدث عن المجاز المتوحش والتأويل المنحاز، والخوف من الصورة، ومتعة الرعب التي برز فيها الذكر أكثر من الأنثى، وستظهر الصورة والاستبداد من خلال رسم الوجه والملامح، وسيعرّج التشريح على اللباس بوصفه لغة وصورة ثقافية لها دلالتها كأي نص له أيديولوجيته، ومادة لصراع النظريات ، وقد تناول الكتاب التلفزيون والتأنيث عبر هذه الصدمة الثقافية ببروز المرأة على الشاشات بعدما كانت لاتتعدى الوجود في قصيدة شاعر أو لوحة فنّان، وسيظهر – عبر هذا المدّ النسائي – الشبان على هيئة الفتيات في اللباس والموضة، وفي نبرة الصوت، وستجري محاكاة هذا النموذج الأنثوي لدى شبان كثيرين بعد تأنيث الصورة التلفزيونية إلى درجة تصل إلى أن يقوم أحد الشبان بعملية تجميل للتشبّه بأنثى مميزة ومشهورة على الصورة ضمن قوانين ولعبة هذه الصورة، وتناول الكتاب أيديولوجية الصورة والإرهاب بوصفه صورة نسخت ماقبلها من صور، وبدت المصدر التأويلي لكل مابعدها خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث صارت تترجم كل عناصر الهيمنة الثقافية والبصرية تحديداً، وهكذا أراد لها أن تكون صانعو الصورة الناسخة بعد أن خططوا وأخرجوا وأنتجوا بطريقة تضاهي أقوى أنواع الإخراج السينمائي في هوليوود، ولا شك أن نظرية الثقافة البصرية والتأثير البصري من أهم عناصر هذا التخطيط الإرهابي، وستوظف أمريكا هذه الصورة توظيفاً أقوى في صورة أقوى وأكبر من السابقة عبر لعبة الإخراج والمونتاج من خلال تصوير البرجين اللذين سيصبحان حدثاً عالمياً وصورة كونية تنسخ ماقبلها من صور وتعيد كتابة التاريخ، ومعها تتبدل اللغة والمصطلحات، وكل ذلك عبر هذه الصورة المتوحشة، وأول مصطلح ستقذفه الصورة هو " الإرهاب " ، وبعد نسخ الصورة السابقة سيحيل إلى صورته الحالية، وبذلك نجح طرفا اللعبة ( الإرهابيين وأمريكا ) في حصر التفكير اللغوي ضمن حدود هذه الصورة، وفي حدودها انهزم العقل والتفكير وعجزا عن مضاهاتها، وكُتب سجل جديد وتفكير سياسي وإعلامي وثقافي، ومن خلال إدراك الإرهاب لقوة تأثير الصورة البصرية استغلّ خصمه نفس السلاح باستراتيجية أقوى وأشمل، ولم يبق على الناس إلا التسليم بشروط هذه اللعبة بعدما انهزم العقل والتفكير.
    لقد تحدث الكاتب عن منطق التأويل ونحو الصورة وحرب النجوم، ليختم الكتاب بالصورة بوصفها نسقاً ثقافياً عبر ثنائيات ، التورية الثقافية ، التأنيث والتفحيل ، التعري والتحجب ، الفتنة والعفة ، النخبوي والشعبي ، الغزو الفكري والغزو المضاد. وكل ذلك جاء عبر تشريح لثقافة الصورة التلفزيونية التي أكدت سقوط النخبة وبروز الشعبي المهمّش، وانطوت على ألاعيب ثقافية ونسقية تعيد النسق القديم المتجذّر.
    وإن كنا نختلف مع الكتاب قليلاً أو كثيراً إلا أنه جاء محاولة لرصد الصورة المندّسة في كل أرجاء المعمورة عبر فكر تأويلي، وتفكيك ثقافي، ووضع القاريء العربي أمام هذه اللعبة، وهذه الصدمة الثقافية التي غيّرت من أصول اللعبة والإخراج والمونتاج والسيناريو إلى البث التوصيلي الحي، متسلحة بأعتى وأشدّ أنواع السلاح .... ( الصورة التلفزيونية ).

    صدرت هذه الدراسة في جريدة شرفات الشام الصادرة عن وزارة الثقافة السورية - العدد 70 - 2010 شباط













    sigpicأيها المارون عبر الكلمات العابرة ..

    اجمعوا أسماءكم وانصرفوا
    آن أن تنصرفوا
    آن أن تنصرفوا
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    #2
    [align=center]
    لقد حدث تغير كبير سقطت معه فكرة أن المثقف ضمير الأمة وممثل الشعب، والواقع بيّن أن هذا المثقف لا يعرف اتجاهات الرأي العام وتوجهات الشعب بعدما كان يظن أنه الدم الذي يجري في عروقه،


    إن هذا الموضوع هو من أهم القضايا المطروحة على ساحة الجدل السياسي والاجتماعي والثقافي الآن .. خصوصا بع هذا الجتياح العشوائي لجميع ميادين الثقافة والإبداع لدينا من قبل الغرب المستأسد مستخدما كل وسائط الإعلام والدعاية لحرق المراحل في الوصول إلى العقل الجمعي لدى شعوبنا الضعيفة التماسك ثقافيا وقوميا وبيئيا .. حيث مازالت الثقافة الدينية المتخلفة المتزمتة والمليئة بالكثير من الشعوذة مسيطرة في معظم الأوساط الشعبية ..
    في حين وجد المثقف نفسه معزولا ومنقسما بين حداثة سطحية سخيفة أو تزمت رجعي يتلفع بالدين ..

    موضوع قيم أرجو أن أقرأ لك مواضيعا مشابهة في المستقبل القريب

    تحيتي وتقديري
    [/align]




    تعليق

    يعمل...
    X