

المحظوظ
قصة قصيرة
تبلغ الدقة عند زوجتى مداها ..أراها فى كل أمورها – خاصة فيما يتعلق بتعاملها معى - فأتعلم كيف يكون النظام ..والتعلم فى سنى هذا يحتاج الى تكرار ، وحتى التكرار فى معظم الاحوال مع من كان مثلى سريع النسيان لايفيد ..لذا فقد هدانى عقلى الى
فكرة رأيت فيها الصواب اذ قالت لى نفسى مادمت تعمل بالتجارة وتهتم بالمحاسبة ، فهيا معى نسجل فى احصائيات دقيقة هذا النظام ..أعجبتنى الفكرة ..هرولت الى اوراقى وقلمى ..وضعتهما امامى بحيث يذكرانى اذا نسيت بما انتويت عليه من أمر .. وقد استطعت نتيجة لهذا العمل الشاق أن أسجل احصاءات شتى وكلها تؤكد ماقلت ، مثل عدد لحظات الكلام فى اليوم الواحد وعدد ساعات الصمت ، و زمن لحظات الصفو وأمد ساعات الاكتئاب ، وعدد مرات العبوس وعدد مرات الابتسام كل شهر .. وقد بهرتنى نتائج تلك الاحصائيات ، خاصة تلك التى تتحدث عن مرات الابتسام فى الشهر الواحد ، اذ اكتشفت أنها ثلاث لاتتغير ، لايؤثر فيها قدوم شهر كبيس ،
ولاورود شهر بسيط ، ولا يغيرها حضور مناسبات،
ولا يبدلها اشراق أعياد.. وهذا طبعا - حسب الاحصائية - يدل على دقة متناهية ، ولمزيد من المتابعة منى قمت بتسجيل مناسبات هذه البسمات الثلاث شهريا للأستدلال فكانت كالتالى:-
البسمة الأولى ..موعدها أول كل شهر وهو غالبا لايتغير ..يومها أرى منها مايملأ القلب بهجة ..تهلّ بسمتها مثل هلال القمر صغيرة ، ثم تكبر حتى تصير بدرا وهى تتناول منى راتب الشهر ،بعدها حين تختفى النقود من يدها يتحول البدر الى محاق فورى وينتهى الأمر .
أما الثانية وهى ذات موعد متحرك فيحين موعدها يوم الأستعداد لزيارة والدتها ..تشرق الشمس فى منتصف النهار ..يعم الضوءالذهبى البهيج أرجاء المنزل ، أسمع أحلى الكلمات ، ويتحول اسمى بقدرة قادر من عثمان الى (سونه ) ..تظل الشمس مشرقة الى مابعد العشاء حيث تنتهى الزيارة وتبدأ
رحلة العودة الى البيت ..وخلالها تبدأ الشمس بالأفول رويدا الى أن نعبر مدخل الشقة ونغلق الباب خلفنا ، لحظتها فقط تنطفىء الشمس تماما ويعّم الظلا م ، ويعود اسمى الى عثمان للحظات لاتكاد تحصى ، ثم يتم الغاؤه وتكتفى حين تحادثنى بلفظة (انت)
أما البسمة الثالثة وموعدها حسب الظروف فتمّن علّى بها يوم زيارة أخيها( حسام ) لنا ..فأرانى يومها وقد اصبحت محور ا
هاما من محاور اهتمامها ،واراها تبتكر أسماءا جديدة من أجلى وحدى ،مثل حبيبى ،روحى ،حياتى ..يومها أشعر أنها لاتتكلم ،بل تغرد قائلة ..سونا حبيبى هات من السوق..ومن البقال ياحياتى ..ومن الجزار ياروحى..!
ويجىء ضيفنا الكبير ..يرى جوا صافيا وطعاما وفيرا ..يبتهج ..تتطاير الضحكات وتنتشر العبارات ..ونقسم عليه حبا وكرامة أن يبيت الليلة عندنا ، فيجيب ضاحكا أنه لايريد أن يعكر الجو علينا ، وهو يضربنى فى كتفى ضربة ذات مغزى ، فأفهم وأفتح فمى كما يفعل الفرسان الكبار، و وأقوده الى الباب قائلا أننى يسعدنى وجوده معنا،وبمجرد غلق الباب تختفى (سونه) من الوجود وأعود عثمانا كما كنت ، وربما تعرضت لفيض من لوم نتيجة فعل أو قول لم يرضها ،وقد تبكى ندما لأنها عرفتنى فى يوم لم تطلع له شمس ،ومضطرة للعيش معى رغم أنفها .الصغير التى كثيرا ماتتباهى به.
....................
ولأن الاحصائيات خلقت للبحث والمقارنة ثم معالجة الأمور على هداها فقد قمت بالنظر والدراسة ، ثم اهتديت الى فكرة قررت أن أنفذها فورا ، وهى أن أقلدها وأبتسم ثلاث مرات فقط فى الشهر ..قالت لى نفسى أن هذا تفكير عقلانى ويرسخ مبدأ المعاملة بالمثل ،بدلا من هذا التبذير المغالى فيه فى فتح فمك ،فقلت لها موضحا أن ست بسمات فى الشهر ستجعل بيتنا سعيدا ..غير أننى واجهتنى مشكلة لم تكن فى الحسبان وهى تحديد ثلاث مناسبات كما تفعل هى ..جلست أفكر ..طال التفكير ..عدت لنفسى قائلا فى حدة ..هكذا سيضيع الأمل فى المساواة ..لن نصل الى شىء وستضيع الاحصائيات هباء ويصبح علم المحاسبة بلا جدوى .
سألتنى نفسى وماهو الحل ؟
هرول فكرى الى خارج البيت ..قلت لها ..مؤكد سأجد مناسبات عديدة تثير الضحك وليس البسمة فقط ..هناك العمل ..الأصدقاء ..الأقارب .
و بدأت البحث ..أطلت التفكير ..التنقيب ..الاستفسار ..لم أصل الى شىء ..صدمت .. أحنيت رأسى معلنا فشلى وقررت المثول بين يدّى زوجتى ، والتمس أن تزيد عدد بسماتها الشهرية لحاجتى الى بعض بسمات اضافيه ..غير أننى ترددت ، قلت لنفسى أن معنى هذا خطير ،ونتائجه مرعبة ،قالت فى حزن ..أرى أن تستشير صديقا ..اعجبتنى الفكرة ..هرولت اليه ..عرضت الأمر عليه ..أحنى رأسه متأثرا وهو يهمس :-
- انت أسعد حظا منى ..زوجتك تبتسم ثلاث مرات فى
الشهر ..حذار أن تبوح بهذا لأحد ..الأعين لاترحم
حدقت فى وجهه ..الجد يغلف نظراته..هرولت الى البيت ..اتجهت اليها مباشرة ..حدقت فى وجهها العابس هاتفا :-
- شكرا
ازداد الوجه عبوسا وهى تتساءل :-
- لماذا ؟
اضطررت للصمت ، اذ ربما تشعر أن ثلاث بسمات فى الشهر كثيرة وتفكر فى تخفيضها الى اثنتين !!
تعليق