[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]
ملاحظة : أهدف من هذه المقالة الوقوف بكلّ قامتي منتصبا في الجهة المعاكسة للجهة التي يقف فيها من يعتقد بإمكانية أن تكون الحياة أو تستمر كينونتها دون فن ، دون الإحساس العميق بـالجمال "كهارموني" عميقة بين عناصر الكون كلّها باحياءه و جماده ، و هي العصارة السرية التي تقف على رأس دبوسها الحياة .
بعد أن يُشبع هذا الموضوع نقاشا و حوارا وفق الأسس التي وضعها "الصالون الأدبي" ، أنوي نقله إلى موضوع الأستاذ محمد شعبان الموجي ، حول البحث الموسوعي عن الجمال ، و لكي يظلّ بعيدا عن جلبة الحوار و غبار معاركه ، فضلت أولا وضع مقالتي هنا منفصلة ، ثم بعد الهدوء نقلها هناك حيث يجب أن تكون.
[/align][/cell][/table1][/align]
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]
ملاحظة : أهدف من هذه المقالة الوقوف بكلّ قامتي منتصبا في الجهة المعاكسة للجهة التي يقف فيها من يعتقد بإمكانية أن تكون الحياة أو تستمر كينونتها دون فن ، دون الإحساس العميق بـالجمال "كهارموني" عميقة بين عناصر الكون كلّها باحياءه و جماده ، و هي العصارة السرية التي تقف على رأس دبوسها الحياة .
بعد أن يُشبع هذا الموضوع نقاشا و حوارا وفق الأسس التي وضعها "الصالون الأدبي" ، أنوي نقله إلى موضوع الأستاذ محمد شعبان الموجي ، حول البحث الموسوعي عن الجمال ، و لكي يظلّ بعيدا عن جلبة الحوار و غبار معاركه ، فضلت أولا وضع مقالتي هنا منفصلة ، ثم بعد الهدوء نقلها هناك حيث يجب أن تكون.
[/align][/cell][/table1][/align]
"اللّيجو"
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=right]
شاءت حكمة الله أن يخلق فينا السمع و البصر و الشمّ و التذوق و الإحساس ، نأتي إلى العالم الحي بها كأدوات جهزنا بها الله و منحنا إيّاها ، كمن يريد الخروج في رحلة ، فيجهز نفسه بلباس يقيه الحرّ أو البرد ، و صرّة طعام و قنينة ماء و بعض الأدوات الأخرى تعينه في رحلته.
بهذه الأدوات نتعرّف على جسمنا ، و على مَن و ما حولنا من ناس و أجسام و طبيعة ، من قبّة السّماء المزيّنة بالنّجوم ، حتى ثنايا التّراب حيث تسبح الحشرات و الديدان ...
هكذا نلتقط آلافا مؤلفة من الأصوات بذبذباتها و طبقاتها المختلفة ، و نخزّنها ، آلافا مؤلّفة من الرّوائح و الأطعمة ، و ملمس الأشياء ، كما نلتقط ملايين الصور ، كلّ ما نلتقطه بأدواتنا الحسيّة ، يُخزّن في الدّماغ ، فيما بعد يُصبح المخزون الحسّي هذا وسيلتنا للتّعرف على الأشياء ، نشمّ الرّائحة فقط دون أن نرى شيئا ، فنعرف أنّها رائحة "الكُشَري" مثلا ، نأخذ شريحة من اللّحم فتعجبنا لطعمها اللّذيذ الذي يشبه شرائح اللّحم التي تناولناها ذات مرّة ، في مطعم شاميّ أدهشنا ، أو نمتعض منها لأنّها غير ناضجة ، أو ملحها يزيد عن ما نرغب به .
تقع يدنا دون أن ننتبه على سطح ما ، فنعرف أنّه زجاجي أو معدني أو خشبي أو إسمنتي أو من قماش ، ربما نتمكّن من تحديد نوع القماش أيضا ، نرى وجها في الشارع يمرّ أمامنا فيجذبنا به شيئ ما ، ربّما لا ندركه فورا ، فنتابعه و نجهد الذاكرة ، فنتذكّر أنّه زميل لنا من أيام المدرسة ، لم نره منذ عشرين سنة ، لكنّ شيئا ما ، سجّلته أعيننا منذ عشرين سنة ، جعلنا الآن نتعرف عليه ، إذ بقيت ملامحه تحتفظ بذلك الشيء ، أو توحي له .
نسمع صوتا يأتي من خارج البيت ، فنعرف مصدره من يمين البيت لا من خلفه أو من أمامه ، و نعرف أنه صوت امرأة و ليس صوت طفل أو رجل ، و نعرف أنّها جارتنا "بهيّة" (خالته للأستاذ محمد شعبان الموجي) ، تزعق على ابنها المراهق الذي " يعكنن" عيشتها...
لاحظوا معي كيف كلّما زادت تجربتنا تكون أصلا زادت قبلها أو بمواكبتها هذه النّماذج الحسيّة التي التقطناها بحواسنا الخمس ، بمعنى ، كلّما اتّسع مخزوننا و أثريَ بهذه اللّقطات ، ازداد فهمنا و إدراكنا و وعينا لما يدور حولنا .
أنظروا لهذه الهدية الإلهية التي منحت لنا يوم ميلادنا كيف هي حواس خمس ، بل أسس خمس تقوم عليها الحياة فيما بعد.
هذا ليس كلّ شيء ، الحواس تعمل معا من خلال هارموني و ايقاع شديد التناغم و الانسجام ،
كيف؟؟
نعبر الشارع فنشتم رائحة طعام تنبعث من أحد البيوت ، فنتذكر "أكلة" لها نفس الرّائحة ، كانت الوالدة رحمها الله ، منذ ثلاثين سنة تُحضّرها ، وكنّا جميعا ، كلّ أفراد الأسرة نحبّها إلا شقيقنا الأصغر ، كان يكرهها ، نشعر بغصّة في الصدر لمرور الزّمن الذي فرق الأسرة كلا في بلد و كلا في حال ، نتذكر مقلبا مضحكا ذات يوم افتعله شقيقنا الأصغر الذي لا يحبّ هذه "الأكلة" ، و تتداعي فينا صور لا حصر لها ، كأن باب الذاكرة انفتح على مصرعيه ، ننظر منه إلى ما مضى من سنين العمر ، بكل ما تحمل من جميل و قبيح ، من سعادة و ألم ، فكأننا نرى الوجو و المكان بكل تفاصيله ، نسمع صرير الباب و الضحكات ...الخ
ماذا جرى؟ مجرّد رائحة التقطها أنفنا بينما كنّا نعبر الشارع استحضر كمّا هائلا من المخزون الذي التقطته باقي الحواس منذ ثلاثين سنة...!!!
إذن ما تلتقطه حواسنا ، يمتزج بعضه ببعض ، يُنشئ علاقات فيما بينه ، لا ينفصل الشمّ عن الملمس عن الطّعم عن الصورة و لا عن الصوت ، حتى لو كانت قد التُقطت في أزمنة مختلفة ، فما جُمع عن طريق الأنف حين يخزّن في دماغنا ، لا يجلس وحيدا هناك ، و لا معزولا يرفض الاحتكاك بمن حوله ، بل يقيم علاقات و روابط مع ما خُزّن عن طريق العين و الأذن و اللّسان و الجلد ،
بهذه الأدوات نتعرّف على جسمنا ، و على مَن و ما حولنا من ناس و أجسام و طبيعة ، من قبّة السّماء المزيّنة بالنّجوم ، حتى ثنايا التّراب حيث تسبح الحشرات و الديدان ...
هكذا نلتقط آلافا مؤلفة من الأصوات بذبذباتها و طبقاتها المختلفة ، و نخزّنها ، آلافا مؤلّفة من الرّوائح و الأطعمة ، و ملمس الأشياء ، كما نلتقط ملايين الصور ، كلّ ما نلتقطه بأدواتنا الحسيّة ، يُخزّن في الدّماغ ، فيما بعد يُصبح المخزون الحسّي هذا وسيلتنا للتّعرف على الأشياء ، نشمّ الرّائحة فقط دون أن نرى شيئا ، فنعرف أنّها رائحة "الكُشَري" مثلا ، نأخذ شريحة من اللّحم فتعجبنا لطعمها اللّذيذ الذي يشبه شرائح اللّحم التي تناولناها ذات مرّة ، في مطعم شاميّ أدهشنا ، أو نمتعض منها لأنّها غير ناضجة ، أو ملحها يزيد عن ما نرغب به .
تقع يدنا دون أن ننتبه على سطح ما ، فنعرف أنّه زجاجي أو معدني أو خشبي أو إسمنتي أو من قماش ، ربما نتمكّن من تحديد نوع القماش أيضا ، نرى وجها في الشارع يمرّ أمامنا فيجذبنا به شيئ ما ، ربّما لا ندركه فورا ، فنتابعه و نجهد الذاكرة ، فنتذكّر أنّه زميل لنا من أيام المدرسة ، لم نره منذ عشرين سنة ، لكنّ شيئا ما ، سجّلته أعيننا منذ عشرين سنة ، جعلنا الآن نتعرف عليه ، إذ بقيت ملامحه تحتفظ بذلك الشيء ، أو توحي له .
نسمع صوتا يأتي من خارج البيت ، فنعرف مصدره من يمين البيت لا من خلفه أو من أمامه ، و نعرف أنه صوت امرأة و ليس صوت طفل أو رجل ، و نعرف أنّها جارتنا "بهيّة" (خالته للأستاذ محمد شعبان الموجي) ، تزعق على ابنها المراهق الذي " يعكنن" عيشتها...
لاحظوا معي كيف كلّما زادت تجربتنا تكون أصلا زادت قبلها أو بمواكبتها هذه النّماذج الحسيّة التي التقطناها بحواسنا الخمس ، بمعنى ، كلّما اتّسع مخزوننا و أثريَ بهذه اللّقطات ، ازداد فهمنا و إدراكنا و وعينا لما يدور حولنا .
أنظروا لهذه الهدية الإلهية التي منحت لنا يوم ميلادنا كيف هي حواس خمس ، بل أسس خمس تقوم عليها الحياة فيما بعد.
هذا ليس كلّ شيء ، الحواس تعمل معا من خلال هارموني و ايقاع شديد التناغم و الانسجام ،
كيف؟؟
نعبر الشارع فنشتم رائحة طعام تنبعث من أحد البيوت ، فنتذكر "أكلة" لها نفس الرّائحة ، كانت الوالدة رحمها الله ، منذ ثلاثين سنة تُحضّرها ، وكنّا جميعا ، كلّ أفراد الأسرة نحبّها إلا شقيقنا الأصغر ، كان يكرهها ، نشعر بغصّة في الصدر لمرور الزّمن الذي فرق الأسرة كلا في بلد و كلا في حال ، نتذكر مقلبا مضحكا ذات يوم افتعله شقيقنا الأصغر الذي لا يحبّ هذه "الأكلة" ، و تتداعي فينا صور لا حصر لها ، كأن باب الذاكرة انفتح على مصرعيه ، ننظر منه إلى ما مضى من سنين العمر ، بكل ما تحمل من جميل و قبيح ، من سعادة و ألم ، فكأننا نرى الوجو و المكان بكل تفاصيله ، نسمع صرير الباب و الضحكات ...الخ
ماذا جرى؟ مجرّد رائحة التقطها أنفنا بينما كنّا نعبر الشارع استحضر كمّا هائلا من المخزون الذي التقطته باقي الحواس منذ ثلاثين سنة...!!!
إذن ما تلتقطه حواسنا ، يمتزج بعضه ببعض ، يُنشئ علاقات فيما بينه ، لا ينفصل الشمّ عن الملمس عن الطّعم عن الصورة و لا عن الصوت ، حتى لو كانت قد التُقطت في أزمنة مختلفة ، فما جُمع عن طريق الأنف حين يخزّن في دماغنا ، لا يجلس وحيدا هناك ، و لا معزولا يرفض الاحتكاك بمن حوله ، بل يقيم علاقات و روابط مع ما خُزّن عن طريق العين و الأذن و اللّسان و الجلد ،
تزاد حكمة الله وضوحا وقوة ، حين منحنا الحواس الخمس في أوّل خطوة لنا في رحلتنا في غابات الحياة...!!!
هذا العمل الذي يتمّ في مخزوننا الدّماغي ، و الذي جمعته حواسنا ، أشبه ما يكون بعمل "أوركسترا" تنفّذ معزوفة موسيقية ، "أوركسترا" مكوّنة من عدد كبير من العازفين المختلفين في كلّ النّواحي ، و أدوات موسيقية مختلفة و متنوّعة ، لكن العازفين و الأدوات و رغم اختلافهم و تنوّعهم ، و رغم أن لكلّ منهم عزفه المنفرد ، إلاّ أنهم يشتركون في عزف مقطوعة واحدة بإنسجام و "هارموني" جمالي رفيع.
هذا أيضا ليس كلّ شيء. التّعرف على ما حولنا على أساس ما اختزناه من نتاج حواسنا لا يتم بشكل آلي ، رتيب ، روتيني ، و لا تتداعى فينا الذاكرة بكل مخزونها المتنوّع من صور و أصوات و روائح و أحداث ، تداعيا روتينيّا رتيبا آلي ، بل هناك شيء آخر يحدث ، يمكننا رصده بسهولة ، و هو قدرتنا على التّخيّل .
التخيّل يعني بناء ما هو غير موجود ، رؤيته و هو غير موجود ، سماع صوته و هو غير موجود ، نشتم رائحته و هو غير موجود ، نحسّ ملمسه و هو غير موجود ، نتذوّقه و هو غير موجود ، أقصد بـ "غير موجود" يعني غير موجود "فيزيقيا" ، لا وجود جسدي ، لا تجسيد له .
فنحن نتذكّر حوادث وقعت ، مادية حسيّة ، من خلال ما اختزنته حواسنا المادية عن تلك الأحداث من صور و أصوات و روائح ، لكنّنا نعيد تركيبها حين نتذكر ، قدرتنا على التّخيل هي التي تفعل هذا . التّخيل ليس مقدرة فقط باتجاه الماضي ، إعادة تركيب ما مضي و بناءه بعد أن فنى و انتهى و تبخّر من الوجود ، لا ، فالأمر أوسع و أشمل ، إذ أن هذه المقدرة تمتدّ أيضا باتّجاهٍ آخر ، باتّجاه المستقبل ، نحو الذي لم يحصل ، لم نخبره و لم نره ، لا وجود له ، و لم يسبق له أن وجد .
لنتمعّن ما يلي : تسير في الشارع فتشاهد في حديقة أمام منزل ما ، شجرة غريبة ، تتباطأ لتشبع منها النّظر، فتجدها رائعة الجمال ، تتمنّى أن يكون عندك مثلها ، تكمل طريقك ، لكنّ الشجرة و الحديقة لم تفارقا ذهنك ، كما أنّ الأمنية لم تتبخّر بعد ، بل تحوّلت لصورة استحضرتها عن بيتك و حديقته (إن كان له حديقة) ثم قارنت بين ما عندك و ما رأيته ، بدأت تتخيّل كيف ستبني بيتا جديدا ، و كيف ستكون حديقته ، و أين سيكون موقع الشجرة ، و ستحاول تغيير موقعها أكثر من مرّة إلى أن يستقر بك الرأي فترضى ، و سترى نفسك تجلس مع أولادك في ظلها تلعبون ...و آلاف الصور الأخرى ..
لكن يبرق الواقع فيك وسط الخيال و لو لحظة ، فتتذكّر أن ليس لديك ما يكفي من النّقود لبناء بيت ، فيوخزك شيء من الدّاخل ، يسبح فكرك باتّجاه النقود ، كيف و من أين تحصل عليها؟ لم يرفعوا راتبك منذ سنين ، تبدأ بالتّفكير كيف لك أن تدفعهم لرفع راتبك ، يخطر ببالك أن تعمل بالتّجارة إضافة لوظيفتك ، فتقلّب الفكر ، بأي تجارة تريد العمل ؟ تستهويك تجارة الأخشاب مثلا ، كم تحتاج من النقود؟ ما رأس مالها ؟ تقرّر سؤال فلان فهو يعرف ، تهدأ قليلا ، فتتخيّل المنطقة الصناعية و تحدّد أين سيكون مكان متجرك ، ترى المتجر مليء بالأخشاب ، و ترى نفسك خلف مكتبك تأمر و تنهى ، و تقبض النقود ..... آلاف الصور و التشعبات ، و ربّما القرارات ، نحب و نكره ، نرضى و نغضب و نقرر ، و كلّه في الخيال في بضع خطوات نعبر بها الشارع بعد أن حرّضتنا أمنية أو حلم أو تطلّع..!!!
ماذا فعلت هنا ، لقد بنيت في ذهنك صورا متكاملة متسلسلة تتناسل من بعضها البعض ، كنت تراها و تسمع الأصوات تماما كما في الواقع ، و الحقيقة أن لا شيء موجود ، لم يسبق أن خبرته ، و لم يسبق له أن وجد ، لكنّك تحسّ بكل شيء فيه ، هذه هي القدرة على التّخيل ، شعلة دائمة الاشتعال فينا ، مثل الشعلة الأولمبية ، قبس يعجّ بالحياة لا ينطفئ ، لا ينطفئ أبدا ، محرّك هائل القوة يدفعنا في كلّ الاتّجاهات ، هو الوجه الآخر للنّبض ، للحياة فينا ، لا تخلو لحظة واحدة من حياتنا من هذه الشعلة ، لا تمرّ بنا لحظة واحدة دون تخيّل ، حتى في أشد اللحظات عصبية و عنف ، نكون بمكان ما نتخيّل ما سيحدث ، و نتخيل كيف ستكون ردّة فعل من حولنا .
ما هي أدواتنا التي نبني بها حين نتخيلّ؟
إنّها نفس الأدوات ، نفس المخزون الذي جمعته لنا حواسنا الخمس من صور و أصوات و روائح و أذواق و ملمس للأشياء .
حين نريد فهم ما حولنا ، نستخدم المخزون ذاته ، حين نتذكّر و حين نتخيّل و في كلّ صغيرة و كبيرة نقوم بها في حياتنا ، نستخدم ذات المخزون .. إنّها لعبة "اللّيجو" ، لعبة الأطفال الشهيرة ، التي تحتوي على قطع "الليجو" و يقوم الطفل بتركيب ما يشاء من هذه القطع ، فيركّب سيارة ، ثم يفكّكها ليركّب من ذات القطع بيتا ، ثم يفكّكه ليركّب كرسيّا ... الخ
كيف يمكن لقطعة "ليجو" واحدة ، لنَقُل طوبة مثلا ، كيف لها أن تكون جزءا من سيارة ، و جزءا من بيت و من شجرة و من وجه حبيب و حبيبة ، و جزءا من باب الدّار و من مقعد الطائرة و من الغيوم تعمر بها السماء و الأرض... كيف؟ من أيّ مادة مصنوعة قطعة "الليجو" هذه؟؟
كلّما كانت قِطَع "الليجو" أكثر عددا كلّما استطاع الطفل تركيب أجسام و أشكال أكثر عددا و أكثر تنوّعا.
هل هناك أوسع من حكمة الله حين أهدانا خمسة حواس ، فقط خمس ، لنبدأ رحلتنا في غابات الحياة... ؟؟؟!!
فها نحن نمتلك "هارموني" داخلية و انسجاما يشبه انسجام و تناغم "السمفوني" ، نمتلك شعلة التخيّل التي لا تنطفئ ، نمتلك قطع "الليجو" السحرية التي نركب منها كلّ شيء ، إنّها السحر بعينه ، في وسط الجمال هذا كلّه ، المنسجم تماما ، لماذا لا نرى الله و نسمعه و نشتمّه و نتعرّف على طعمه و ملمسه ؟؟؟ نحن قادرون على رؤية كلّ ما هو غير موجود فيزيقيّا حولنا ، نتخيّله و نبنيه فنراه ، نسمع صوته و نشتمّه ، أليس لنا أن نرى الله أيضا فينا ، في هذه "الهارموني" ، في هذا الانسجام ، في هذا الجمال ؟؟! إنّها القدرة على الإحساس بالجمال ، الجمال هو هذا الذي يسري في عروقنا حين نتخيّل ، و حين نتذكّر ، و حين نتفاعل ، و حين تتداعى فينا مخزونات حواسنا منسجمة تستحضر الواحدة الأخرى ...
الجمال هو تلك العصارة السّرية التي تجري في عروق كلّ الاشياء بغض النّظر أكانت جبالا ، نجوما ، غيوما ، بحارا أو عصافير أو نمل أو ديدان أو وجه الحبيبة ، لون خدّ حبة التّفاح أو قوس قزح يتمرّغ فوق القمم ، نسمة تهبّ فتراقص السّكون ، أو دمعة أو بسمة تلاحق وقع أقدام تبتعد أو تقترب ... الجمال هو ديبيب الحياة في كل شيء ، خافتا أحيانا و صارخا أحيانا أخرى ، الحياة هي لمسة من الله ، و اللّواقط (الحواس) هي هدية الله للحياة ، و بين الله في الأولى و الله في الثانية ، لا شيء غير الانسجام و الاندماج و الشّعور بدبيب الحياة الذي هو دبيب الجمال ، الشّعور به ، من لا يرى الله في هذا ، لا يخبر الجمال ، و من لا يخبر الجمال لا يرى الله ...!!
الفنّ هو الأداة التي بها نلتقط و ("نركّب"= نبني ) هذا الجمال و نبثّه ، نعرضه على باقي المخلوقات ، الفن هو تقليد لما يحصل في الدّماغ ، ممارسة عملية للقدرة على التّخيل ، إنه بعض من قبس الشعلة التي تضيء فينا على مدار اللّحظة ، و لا تتركنا إلا إذا تركتنا الرّوح ، فهو ملازم لها ، إنّه القوة الوحيدة فينا التي تستطيع استخدم قطع "الليجو" السحرية ، فنركّب منها أشكالا و ألوانا و وجوها أخرى ، أمتدادا لما نفعله كلّ لحظة في خيالنا . الفن هو هذا الجزء الذي لا يمكن أن ينفصل عن الحياة ، لا يمكن أن ينفصل عن الكائن الحي ، كسرُه ، عزلُه ، رفضه ، هو العميُ عن الانسجام الجمالي في هذا الكون ، العمي عن رؤية الله و سماع صوته و الاحساس بملمسه و رائحته و طعمه (مع فارق التشبيه) .. تحريم الفن .. يساوي تحريم الانسجام و "الهارموني" مع الكون و مع النفس و فيها ، يساوي إعدام الجمال ...
الله لا يفعل هذا .. لا يفعل الله ما ينافي طبيعته ..!!! من يرضى تقويل الله ما لم يقل؟؟؟
هذا العمل الذي يتمّ في مخزوننا الدّماغي ، و الذي جمعته حواسنا ، أشبه ما يكون بعمل "أوركسترا" تنفّذ معزوفة موسيقية ، "أوركسترا" مكوّنة من عدد كبير من العازفين المختلفين في كلّ النّواحي ، و أدوات موسيقية مختلفة و متنوّعة ، لكن العازفين و الأدوات و رغم اختلافهم و تنوّعهم ، و رغم أن لكلّ منهم عزفه المنفرد ، إلاّ أنهم يشتركون في عزف مقطوعة واحدة بإنسجام و "هارموني" جمالي رفيع.
هذا أيضا ليس كلّ شيء. التّعرف على ما حولنا على أساس ما اختزناه من نتاج حواسنا لا يتم بشكل آلي ، رتيب ، روتيني ، و لا تتداعى فينا الذاكرة بكل مخزونها المتنوّع من صور و أصوات و روائح و أحداث ، تداعيا روتينيّا رتيبا آلي ، بل هناك شيء آخر يحدث ، يمكننا رصده بسهولة ، و هو قدرتنا على التّخيّل .
التخيّل يعني بناء ما هو غير موجود ، رؤيته و هو غير موجود ، سماع صوته و هو غير موجود ، نشتم رائحته و هو غير موجود ، نحسّ ملمسه و هو غير موجود ، نتذوّقه و هو غير موجود ، أقصد بـ "غير موجود" يعني غير موجود "فيزيقيا" ، لا وجود جسدي ، لا تجسيد له .
فنحن نتذكّر حوادث وقعت ، مادية حسيّة ، من خلال ما اختزنته حواسنا المادية عن تلك الأحداث من صور و أصوات و روائح ، لكنّنا نعيد تركيبها حين نتذكر ، قدرتنا على التّخيل هي التي تفعل هذا . التّخيل ليس مقدرة فقط باتجاه الماضي ، إعادة تركيب ما مضي و بناءه بعد أن فنى و انتهى و تبخّر من الوجود ، لا ، فالأمر أوسع و أشمل ، إذ أن هذه المقدرة تمتدّ أيضا باتّجاهٍ آخر ، باتّجاه المستقبل ، نحو الذي لم يحصل ، لم نخبره و لم نره ، لا وجود له ، و لم يسبق له أن وجد .
لنتمعّن ما يلي : تسير في الشارع فتشاهد في حديقة أمام منزل ما ، شجرة غريبة ، تتباطأ لتشبع منها النّظر، فتجدها رائعة الجمال ، تتمنّى أن يكون عندك مثلها ، تكمل طريقك ، لكنّ الشجرة و الحديقة لم تفارقا ذهنك ، كما أنّ الأمنية لم تتبخّر بعد ، بل تحوّلت لصورة استحضرتها عن بيتك و حديقته (إن كان له حديقة) ثم قارنت بين ما عندك و ما رأيته ، بدأت تتخيّل كيف ستبني بيتا جديدا ، و كيف ستكون حديقته ، و أين سيكون موقع الشجرة ، و ستحاول تغيير موقعها أكثر من مرّة إلى أن يستقر بك الرأي فترضى ، و سترى نفسك تجلس مع أولادك في ظلها تلعبون ...و آلاف الصور الأخرى ..
لكن يبرق الواقع فيك وسط الخيال و لو لحظة ، فتتذكّر أن ليس لديك ما يكفي من النّقود لبناء بيت ، فيوخزك شيء من الدّاخل ، يسبح فكرك باتّجاه النقود ، كيف و من أين تحصل عليها؟ لم يرفعوا راتبك منذ سنين ، تبدأ بالتّفكير كيف لك أن تدفعهم لرفع راتبك ، يخطر ببالك أن تعمل بالتّجارة إضافة لوظيفتك ، فتقلّب الفكر ، بأي تجارة تريد العمل ؟ تستهويك تجارة الأخشاب مثلا ، كم تحتاج من النقود؟ ما رأس مالها ؟ تقرّر سؤال فلان فهو يعرف ، تهدأ قليلا ، فتتخيّل المنطقة الصناعية و تحدّد أين سيكون مكان متجرك ، ترى المتجر مليء بالأخشاب ، و ترى نفسك خلف مكتبك تأمر و تنهى ، و تقبض النقود ..... آلاف الصور و التشعبات ، و ربّما القرارات ، نحب و نكره ، نرضى و نغضب و نقرر ، و كلّه في الخيال في بضع خطوات نعبر بها الشارع بعد أن حرّضتنا أمنية أو حلم أو تطلّع..!!!
ماذا فعلت هنا ، لقد بنيت في ذهنك صورا متكاملة متسلسلة تتناسل من بعضها البعض ، كنت تراها و تسمع الأصوات تماما كما في الواقع ، و الحقيقة أن لا شيء موجود ، لم يسبق أن خبرته ، و لم يسبق له أن وجد ، لكنّك تحسّ بكل شيء فيه ، هذه هي القدرة على التّخيل ، شعلة دائمة الاشتعال فينا ، مثل الشعلة الأولمبية ، قبس يعجّ بالحياة لا ينطفئ ، لا ينطفئ أبدا ، محرّك هائل القوة يدفعنا في كلّ الاتّجاهات ، هو الوجه الآخر للنّبض ، للحياة فينا ، لا تخلو لحظة واحدة من حياتنا من هذه الشعلة ، لا تمرّ بنا لحظة واحدة دون تخيّل ، حتى في أشد اللحظات عصبية و عنف ، نكون بمكان ما نتخيّل ما سيحدث ، و نتخيل كيف ستكون ردّة فعل من حولنا .
ما هي أدواتنا التي نبني بها حين نتخيلّ؟
إنّها نفس الأدوات ، نفس المخزون الذي جمعته لنا حواسنا الخمس من صور و أصوات و روائح و أذواق و ملمس للأشياء .
حين نريد فهم ما حولنا ، نستخدم المخزون ذاته ، حين نتذكّر و حين نتخيّل و في كلّ صغيرة و كبيرة نقوم بها في حياتنا ، نستخدم ذات المخزون .. إنّها لعبة "اللّيجو" ، لعبة الأطفال الشهيرة ، التي تحتوي على قطع "الليجو" و يقوم الطفل بتركيب ما يشاء من هذه القطع ، فيركّب سيارة ، ثم يفكّكها ليركّب من ذات القطع بيتا ، ثم يفكّكه ليركّب كرسيّا ... الخ
كيف يمكن لقطعة "ليجو" واحدة ، لنَقُل طوبة مثلا ، كيف لها أن تكون جزءا من سيارة ، و جزءا من بيت و من شجرة و من وجه حبيب و حبيبة ، و جزءا من باب الدّار و من مقعد الطائرة و من الغيوم تعمر بها السماء و الأرض... كيف؟ من أيّ مادة مصنوعة قطعة "الليجو" هذه؟؟
كلّما كانت قِطَع "الليجو" أكثر عددا كلّما استطاع الطفل تركيب أجسام و أشكال أكثر عددا و أكثر تنوّعا.
هل هناك أوسع من حكمة الله حين أهدانا خمسة حواس ، فقط خمس ، لنبدأ رحلتنا في غابات الحياة... ؟؟؟!!
فها نحن نمتلك "هارموني" داخلية و انسجاما يشبه انسجام و تناغم "السمفوني" ، نمتلك شعلة التخيّل التي لا تنطفئ ، نمتلك قطع "الليجو" السحرية التي نركب منها كلّ شيء ، إنّها السحر بعينه ، في وسط الجمال هذا كلّه ، المنسجم تماما ، لماذا لا نرى الله و نسمعه و نشتمّه و نتعرّف على طعمه و ملمسه ؟؟؟ نحن قادرون على رؤية كلّ ما هو غير موجود فيزيقيّا حولنا ، نتخيّله و نبنيه فنراه ، نسمع صوته و نشتمّه ، أليس لنا أن نرى الله أيضا فينا ، في هذه "الهارموني" ، في هذا الانسجام ، في هذا الجمال ؟؟! إنّها القدرة على الإحساس بالجمال ، الجمال هو هذا الذي يسري في عروقنا حين نتخيّل ، و حين نتذكّر ، و حين نتفاعل ، و حين تتداعى فينا مخزونات حواسنا منسجمة تستحضر الواحدة الأخرى ...
الجمال هو تلك العصارة السّرية التي تجري في عروق كلّ الاشياء بغض النّظر أكانت جبالا ، نجوما ، غيوما ، بحارا أو عصافير أو نمل أو ديدان أو وجه الحبيبة ، لون خدّ حبة التّفاح أو قوس قزح يتمرّغ فوق القمم ، نسمة تهبّ فتراقص السّكون ، أو دمعة أو بسمة تلاحق وقع أقدام تبتعد أو تقترب ... الجمال هو ديبيب الحياة في كل شيء ، خافتا أحيانا و صارخا أحيانا أخرى ، الحياة هي لمسة من الله ، و اللّواقط (الحواس) هي هدية الله للحياة ، و بين الله في الأولى و الله في الثانية ، لا شيء غير الانسجام و الاندماج و الشّعور بدبيب الحياة الذي هو دبيب الجمال ، الشّعور به ، من لا يرى الله في هذا ، لا يخبر الجمال ، و من لا يخبر الجمال لا يرى الله ...!!
الفنّ هو الأداة التي بها نلتقط و ("نركّب"= نبني ) هذا الجمال و نبثّه ، نعرضه على باقي المخلوقات ، الفن هو تقليد لما يحصل في الدّماغ ، ممارسة عملية للقدرة على التّخيل ، إنه بعض من قبس الشعلة التي تضيء فينا على مدار اللّحظة ، و لا تتركنا إلا إذا تركتنا الرّوح ، فهو ملازم لها ، إنّه القوة الوحيدة فينا التي تستطيع استخدم قطع "الليجو" السحرية ، فنركّب منها أشكالا و ألوانا و وجوها أخرى ، أمتدادا لما نفعله كلّ لحظة في خيالنا . الفن هو هذا الجزء الذي لا يمكن أن ينفصل عن الحياة ، لا يمكن أن ينفصل عن الكائن الحي ، كسرُه ، عزلُه ، رفضه ، هو العميُ عن الانسجام الجمالي في هذا الكون ، العمي عن رؤية الله و سماع صوته و الاحساس بملمسه و رائحته و طعمه (مع فارق التشبيه) .. تحريم الفن .. يساوي تحريم الانسجام و "الهارموني" مع الكون و مع النفس و فيها ، يساوي إعدام الجمال ...
الله لا يفعل هذا .. لا يفعل الله ما ينافي طبيعته ..!!! من يرضى تقويل الله ما لم يقل؟؟؟
تحياتي للجميع
حكيم
[/align][/cell][/table1][/align]
حكيم
تعليق