يا ليتني لم أصْــحُ......جديدة ليوسف أبوسالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سهير الشريم
    زهرة تشرين
    • 21-11-2009
    • 2142

    #76
    أهي حبيبة القصيدة
    حيث تترامى أحلامها بين اقمارها
    فساعة تهجو وكرة تمدح
    فكم تراخت سنابك الهوى فوق أسيلها
    تخشى عقر وذبح
    أم هي فارسة الحرف
    تتمخمض بوهج أديمها كل صبح
    فيا شاعر القصيدة
    هل نظمت قصائد الجسد والروح
    وزرعت بين الهدب والجفن بعض همسك
    قبيل دنو الفجر أم قبل أن تصحو
    وتلك قوافي الهوى تعيي يراعك
    فساعة تفصح وساعة توضح
    اقترب من نوارس الطيف المسافرة
    حيث يشع أديم الهوى أرجاء الصبح
    ووشوش ودع العسجد
    منظومة عشق وهمهات بوح
    أخبره بسرك وتمهل
    فهل لقمر المساء ان يبدي قبح
    وهل لنجم قد تلألأ وجدا
    ان يغفوطويلا ولا يصح
    تذوق بعض شراب
    من عذوبة ريقها
    كينبوع بارد يرتشف بلا قدح
    يا شاعر الجمال
    ما بال الحرف يتراقص على شفاه ذائبة
    تتغنى بثمالة عنقود وسهم المآق يجرح

    الشاعر القدير / يوسف أبو سالم

    تختال حروفك بين السطور . فساعة تقول وساعة على أديم الروح تجول ، تقول لمحياها بعض حروفك .. ليتني بقيت بك موجسا
    حالما .. ليتني لم أصح ..
    قدير بعمق الحرف وجمالية وصف .. تعزف لحنا سيمفونيا .. تخاطب الروح بلا حائل ... فمودتي لابداعك ..

    كنت هناا وزهر

    تعليق

    • عمارية كريم
      صهيل اللغة العربية
      • 10-03-2008
      • 109

      #77

      الشاعر الفاضل يوسف أبوسالم (يوسف القصيدة)
      اسمح لي أن أقتحم هذا البوح الطيب،لهذا الحلم المعطر بأريج الإبداع،وأفرك عيوني العطشى على هذا الجمال:



      لعل أغلى وأرقى وأحلى حلم للشاعر، أن يقبض على قصيدة أو تقبض عليه، فيأتيها أو تأتيه،وفي كلا الحالتين نتساءل عن إحساس الشاعر لحظة القبض على هذا الحلم الجميل، لحظة القبض على من ملكت زمام هواه، وأنسته وأسلته عن واقع مكلل بالقيود،مرهق بالضغوطات،و قامت بالأجمل إذ حولت كل معنى وجودي ونفسي وقضوي إلى رمزها المفتوح والمشحون بطاقاتها والمركز في اسمها الأثيري الأسطوري الخصب "القصيدة". ويحلو التماهي إذا كان المبدع ذكرا فستغدو "القصيدة" أنثاه.
      ويحلو لنا أن نتساءل ـ هنا ـ هل قبضت القصيدة على الشاعر أو هو الذي قبض عليها؟ أم كلاهما التقيا بلا ميعاد ولم يصدقا؟ ترى كيف تمت تفاصيل اللقاء الجميل،اللقاء الحلم اللقاء الأسطوري حقا؟!
      هاهي الصورة والمشهد تختزلها مقدمة القصيدة وبؤرتها وبداية انسيابها


      فركَالصباحُ عيونَه كي تصْحو

      ودنا يهدهدهـا فطـاب البــــوْحُ



      مشهد من متتاليات حركية حسية،أدى بطولتها الفعل الزمني الماضي المسند للزمن الرمز "الصباح"، رمز طبيعي نابض بالنشوء والجدة والطراوة والصفاء للفعل "فَـرَك" المفتوح على عدة دلالات أجمها وأغناها معجم الحصاد المثمر، لذلك أثمَـرَ أحسنُ إسناد الشاعر الفعل "فرك" إلى المعجم الطبيعي، فتوشجت معاني الجملة بكل مظاهر ومفاتن الخصوبة والعطاء، وهذا الخيار الإسنادي له حضور في ملفوظ ونسيج القصيدة، ولو أسند الشاعر الفعل الفصيح إلى معجم إنساني لعرج به إلى سياقات غير مجدية ولاتخلق الاِمتلاء الكمي والكيفي المرجو.
      المطلع يضعنا أمام حالة استشرافية أغنت المطلع بالدلالات،وأشرقت على جسد القصيدة باحتمالات القراءة باستحظار عدة مثيرات متعالقة ، محورها فعل اليقظة والصحو والإيقاظ المنطلق من ذات الشاعر/الصباح المتفاجأ بحظور جسدها في حالة نوم، فكان عليه أن ينقل عدوى الصحو إليها،وكان عليه أن يصحي النوم فيه أولا، والنوم رمز سابق ومعاكس للصباح لليقظة و الخروج منه يقتضي حركات خاصة "فرك/ ويستح الصباح للفعل "دنا" كخطوة نحو الآخر/ الهدف كمستقبِل" كي تصحو"،ويحلو للشاعر أن يصف حالة الإيقاظ التي تمت بلمسات حنونة كلمسة الأم وهي تحاول إيقاظ صغيرها من عمق نومه السعيد،ويستيقظ الجسد ،القصيدة الأميرة النائمة بعدما أبصرت عيون الصباح مفتوحة على جمالها "فطاب لهما البوح" بعد صمت عميق،
      بعد عناء،هاهو الشاعر يأتي قصيدته الجديدة يتأملها يتلذذ بمفاتنها،
      وهذه إحدى دلالات فعل "فرك" وهي اكتمال النضج بشهية القطف ،وهاهو يؤكد لنا ذاك، فينحى منحى أخيه الشاعر العربي الأصيل في طرق باب الغزل من ثاني بيت:


      وتنهَّدتْ شمسٌ تضيءُ جبينها

      وعلى بقايا الليل راحت تمحـو



      إلى سابع بيت في قوله:

      قُمْريَّـةٌ خفاقــــــــةٌ بجناحهـا

      يا حَوْرُ بَخِّــرْها وزِدْ يادَوْحُ




      يتكون المشهد الغزلي من ستة أبيات، حَبـَك معانيه بحسية جمالية رمزية ،شكلت العناصر الطبيعة مادتها الخام، و مثل المعجم الإنساني نبض فعلها وتفاعلها،وتوالت الصور كباقات إبداعية خاصة زينت جسد الحبيبة/القصيدة ،فالشمس المضيئة فوق جبينها تنهدت، والرمان في وجناتها تنفس، و لونها بياض الفل المسافر ،ووجهها مطعم بالحيا والسنا ، وهي من جنس الطيور الشادية" قمرية" خفاقة ، أتت من السماء مزنة ماطرة والغيوم شحيحة، والقصيدة الأنثى ككل مرهفة منعمة ،مطعم وجودها بالسنا والحيا كرمز للحياة والمطر والسلام والخصب،، ويختم الشاعر هذه الصورة الجمالية العميقة الدلالات مناديا متوسلا كل أنواع الأشجار العطرة أن تبخر محبوبته، ليزيد جمالها وسحرها، فيتوهج عيون الصباح/الشاعر ، ويطيب بوحهما. ولعل ما يردده القارئ أمام هذه المعاني والصور والقيم الجميلة الشفافة المنسوجة بأعين الشاعر وخفقاته والنابعة من إخلاصه في تقديم أجمل مايملك للقصيدة، تدعني نقول ليت الشاعر لم يصح من هذا الجمال وليت مفعول خمرة التجلي الصافي لحضور القصيدة لم يصح!!


      وينتقل بنا الشاعر للمشهد الثاني مشهد الرقي بالقصيدة الأميرة ،مشهد تقديم طقوس الولاء فداء للمحبوبة الغالية كرمز قابل لاحتواء كل معنى جميل وأثير، وكرمز أيضا لتأثير الجمال في النفس وانفعالها به:


      للبلاغــــة وهي تخطــــبُ وُدَّها

      ديوانُ شِعْـٍر والقصــــــــائدُ نفْـــحُ




      إلى قوله


      نضجتْ قوافيها وحــــــانَ قِطافها

      كيف السبيلُ وللقوافـــــي صَــرْحُ



      وهنا يطيب البوح وتلوى أعناق الحروف لتخطب ود القصيدة، والقصيدة أيضا فركت وشبت ونضجت وحان قطافها. جدلية لامنتهية من التودد،البلاغة والديوان تبغي ودها والقصيدة الأنثى لاتبغي غير ود الشعر. ولهذا وظف الشاعر في هذا المشهد معجم البوح الشاعري المفعم بأريج الأصالة ونبض المبدع الأول (البلاغة/ديوان/ شعر/الحروف/قوافيها/ للقوافي) وقد أدمجها بأفعال ترتبط بحقل الزرع والحرب كمظهر جمالي ،فالسهم يشب زهوا بالنصر ويعلو وينمو كالسنابل، والرمح يزفزف وكأنه رمز لأثر وتأثير الحب في نفس القصيدة ودلالة على الفتوة وقوة النفوذ، معاني دقيقة في جزئياتها الدلالية،وهذه إحدى أهم تقنيات الاشتغال على الرموز والصور الفنية عند الشاعر يوسف أبو سالم.
      وينتهي المشهد الثاني بصوره البلاغية بتساءل الشاعر عن كيفية السبيل للتمتع بجمال المحبوبة القصيدة والقوافي صروح مشيدة للحراسة وللتحدي؟ تساؤل جدير بالانتباه لرفع قيمة المطلوب وقيمة التحدي لاختبار قوة الفارس المحارب كذلك.
      وينتهي الشاعر للغرض الأساسي من هذا الصباح الذي تنبه واستيقظ وأيقظ القصيدة الجميلة النائمة،ولعل أول إجراء بطولي يقوم به الشاعر،هو الإعلان عن حضوره ،فأسقط ضمائر الغياب،وسلم الذات للفعل وإثبات الذات ليستسلم لغواية القصيدة/الأنثى وقد نضجت وأفردت ريشها وتعطرت وتشكلت جسدا يمور حلاوة ويسح فـُلا وسناء، ويأتي معجم الانفعال الملح في كَـمٍّ متنوع هام : فترنح الليل/كبا السراج/تشابكت الظلال/الغواية والرشح/عرفت وعرفت /فظننت وظننت/أني وبأنني /سفكت سال الجرح/ يبكي/غنى فؤاد جاس فيه القرح..)
      وإذا تأملنا هذا المعجم وجدناه يتأرجح بين اللذة المتعة والألم، بين حسن الظن بأن القصيدة /السنبلة مثقلة بالقمح والأحلام وبين ألم الحقيقة وتخييب أفق الانتظار، وكأننا عندما نفرك السنبلة نجدها بلا محتوى.
      وهكذا ترك الشاعر الزمام لخمرة القصيدة حتى ترنح وكبا سراجه أمام قسماتها،فهسست بوحا خافتا، وغوته بضيائها وأذاقته طعما آخر،وعندما وقف الشاعر متلمسا حقيقة العطاء،سقط القناع وبدا بخلها وزيفها فقد كانت بلا زرع،وهو الذي ظن أن قطافها حان؟ كل الأماني انهارت فقد باعت له الأحلام واختلقت الرؤى،في لحظة الفتح الكاذبة أقنعته أن صلاح الدين ـ بكل حمولات الرمز الدينية والنفسية ,,ـ وهي عاصمة ومدينة فتحه، فعلا هي أحلام ليست هينة،لقصة حب ليست عادية بكل هذا البوح والوعود والتلاحم ،ومن هنا أسطورة القصيدة النائمة التي أيقظها الشاعر فأيقظت فيه كل الخيبات وأعادت له وعيه الشقي بالحرمان وأترعته آلالاما وجراحا،وفي آخر المشهد التراجيدي الدرامي ينفصلان،الصباح/الشاعر،والحبيبة /القصيدة بعدما تشابكت ظلالهما،بارتقاء القصيدة القمة، وببقاء الشاعر في السفح الذي هو وحده من يبكيه.
      وأخيرا يعود الشاعر لوعيه الشقي ،للحقيقة التي غيبها وتجاهلها أنى لقلب أترع قروحا وجروحا من سبيل للغناء، فيطوي قصة الجراح على مضض،وهو مازال طامعا بوصال ووصفح واستمرارية لأسطورة الحب وجمال اللقاء وسحره الذي انفض عقده من طرف الحبيبة، ويبقى التمني وسيلة لرأب الجراح لفسحة أخرى للحياة ،فلا يملك إلا أن يتمنى ألا يصحو على يوم بلا قصيدة بلاقيمة جمالية بلا بوح طيب بلا حيا وسناء ، أي بلا إكسير للحياة للشعر.


      وصحوتُ والدنيا تلومُ قصائـدي

      وسذاجتي يا ليتنـي لـم أصْــــحُ



      بهذا البيت القفلة دائرية يختم أسطورة العشق التي خانتها كل الظروف ،ليبقى الشاعر بين الشفاه اللائمة حينا والساخرة أحيانا من سذاجته،وأمام كل هذه الخيبات ورماح اللوم والتنكر، كيف يتمنى الشاعر الصحو، وكيف لايتمنى استمرارية زمن الأحلام الغضة المعطرة
      بسلسبيل البوح.

      وأخيرا يبقى:
      § التعاقــد بيــن الشـاعـر والقصيدة/الأسطورة هو تعاقد بين الحلم والواقع المحبط:
      § "وصحوت والدنيا تلوم قصائدي
      § يــالـيتـنـي لم أصح"
      § لــمــاذا؟
      § يأتي الجواب في أول جملة افتتاحية تدل على أقصى البذل والجهد والانصهار في زمن وفعل الإبداع بكل حب وحنان ورفق وبكل الموروثات والاستعدادت والمؤهلات ، وجنود من الطاقات الخلاقة السمحة السنية ، كي تصحو الحبيبة /القصيدة ويطيب العطاء، لكن الجهد المبول بصدق وحب قلما يلقى اعترافا واحتضانا كفلاح أهدر فصولا ليجد السنابل بلا قمح ،وهذه الخيبة المرة تجعلنا نتمنى للشاعر ألا يصحو من حلمه اللذيذ ،مادام الإبداع الكلامي ينسج في جزر الأحلام،وينسف في ظلال التجاهل والسخرية والإحباط. ترى من يرجو أن يفتح عينيه على هذا الظلام؟!!
      [align=center]
      مع تحياتي وباقات ورد جوري(عفوا لم أتمكن من نشر الصورة التي أنجزها لك)
      [/align]
      التعديل الأخير تم بواسطة عمارية كريم; الساعة 11-04-2010, 21:49.
      الشعر ساعة فاجعله راحة وطاعة
      ammariat@maktoob.com

      تعليق

      • يوسف أبوسالم
        أديب وكاتب
        • 08-06-2009
        • 2490

        #78
        المشاركة الأصلية بواسطة مستور محمد عوض الحارثي مشاهدة المشاركة
        [align=center]
        كيف لي ان اعلق على استاذ كبير أنا طالب في مدرسته

        هكذا تعودنا منك على كل راق ، بلاغة وسلاسة وسعة خيال

        غزارة الفاظ وجمال وذوق

        بارك الله فيك وابقاك منهلا لنا

        لك ودي وتقديري
        [/align]
        أخي المبدع
        مستور الحارثي

        الله يخليك ويحفظك يا أخي
        هذا أكثر بكثير مما أستحق
        ولكنها أصالتك وكرمك
        فكلي شكر وتقدير

        وتحياتي

        تعليق

        • يوسف أبوسالم
          أديب وكاتب
          • 08-06-2009
          • 2490

          #79
          المشاركة الأصلية بواسطة سهير الشريم مشاهدة المشاركة
          أهي حبيبة القصيدة
          حيث تترامى أحلامها بين اقمارها
          فساعة تهجو وكرة تمدح
          فكم تراخت سنابك الهوى فوق أسيلها
          تخشى عقر وذبح
          أم هي فارسة الحرف
          تتمخمض بوهج أديمها كل صبح
          فيا شاعر القصيدة
          هل نظمت قصائد الجسد والروح
          وزرعت بين الهدب والجفن بعض همسك
          قبيل دنو الفجر أم قبل أن تصحو
          وتلك قوافي الهوى تعيي يراعك
          فساعة تفصح وساعة توضح
          اقترب من نوارس الطيف المسافرة
          حيث يشع أديم الهوى أرجاء الصبح
          ووشوش ودع العسجد
          منظومة عشق وهمهات بوح
          أخبره بسرك وتمهل
          فهل لقمر المساء ان يبدي قبح
          وهل لنجم قد تلألأ وجدا
          ان يغفوطويلا ولا يصح
          تذوق بعض شراب
          من عذوبة ريقها
          كينبوع بارد يرتشف بلا قدح
          يا شاعر الجمال
          ما بال الحرف يتراقص على شفاه ذائبة
          تتغنى بثمالة عنقود وسهم المآق يجرح

          الشاعر القدير / يوسف أبو سالم

          تختال حروفك بين السطور . فساعة تقول وساعة على أديم الروح تجول ، تقول لمحياها بعض حروفك .. ليتني بقيت بك موجسا
          حالما .. ليتني لم أصح ..
          قدير بعمق الحرف وجمالية وصف .. تعزف لحنا سيمفونيا .. تخاطب الروح بلا حائل ... فمودتي لابداعك ..

          كنت هناا وزهر
          المبدعة الرائعة
          سهير الشريم

          حلقت بنثريتك هنا أيما تحليق
          وسافرت فيها ومعها إلى البعيد البعيد
          فقد أعادتني إلى أتون التجربة الشعورية
          التي كنت فيها وأنا أكتب القصيدة
          فوجدتني أتمثل كل انفعالاتي أثناء مخاض القصيدة
          ووجدتني أتغشى قصيدتي من جديد
          ولكن بقراءة طلية من مبدعة مثلك
          فما كان أحلى القصيدة وهي
          تتأود بجمال كلماتك
          وتتثنى بلطيف مفرداتك
          وتتباهى بعمق قراءتك

          المبدعة سهير
          ستبقى لحروفك هذه نكهة لا أظنها ستزول
          لا مني ولا من حروف القصيدة
          فأسراب المودة شكرا لك لا تكفي
          لا أملك إلا باقات مورود جورية
          منقوش عليها مودتي والمحبة

          تعليق

          • يوسف أبوسالم
            أديب وكاتب
            • 08-06-2009
            • 2490

            #80
            المشاركة الأصلية بواسطة عمارية كريم مشاهدة المشاركة

            الشاعر الفاضل يوسف أبوسالم (يوسف القصيدة)
            اسمح لي أن أقتحم هذا البوح الطيب،لهذا الحلم المعطر بأريج الإبداع،وأفرك عيوني العطشى على هذا الجمال:



            لعل أغلى وأرقى وأحلى حلم للشاعر، أن يقبض على قصيدة أو تقبض عليه، فيأتيها أو تأتيه،وفي كلا الحالتين نتساءل عن إحساس الشاعر لحظة القبض على هذا الحلم الجميل، لحظة القبض على من ملكت زمام هواه، وأنسته وأسلته عن واقع مكلل بالقيود،مرهق بالضغوطات،و قامت بالأجمل إذ حولت كل معنى وجودي ونفسي وقضوي إلى رمزها المفتوح والمشحون بطاقاتها والمركز في اسمها الأثيري الأسطوري الخصب "القصيدة". ويحلو التماهي إذا كان المبدع ذكرا فستغدو "القصيدة" أنثاه.
            ويحلو لنا أن نتساءل ـ هنا ـ هل قبضت القصيدة على الشاعر أو هو الذي قبض عليها؟ أم كلاهما التقيا بلا ميعاد ولم يصدقا؟ ترى كيف تمت تفاصيل اللقاء الجميل،اللقاء الحلم اللقاء الأسطوري حقا؟!
            هاهي الصورة والمشهد تختزلها مقدمة القصيدة وبؤرتها وبداية انسيابها


            فركَالصباحُ عيونَه كي تصْحو

            ودنا يهدهدهـا فطـاب البــــوْحُ



            مشهد من متتاليات حركية حسية،أدى بطولتها الفعل الزمني الماضي المسند للزمن الرمز "الصباح"، رمز طبيعي نابض بالنشوء والجدة والطراوة والصفاء للفعل "فَـرَك" المفتوح على عدة دلالات أجمها وأغناها معجم الحصاد المثمر، لذلك أثمَـرَ أحسنُ إسناد الشاعر الفعل "فرك" إلى المعجم الطبيعي، فتوشجت معاني الجملة بكل مظاهر ومفاتن الخصوبة والعطاء، وهذا الخيار الإسنادي له حضور في ملفوظ ونسيج القصيدة، ولو أسند الشاعر الفعل الفصيح إلى معجم إنساني لعرج به إلى سياقات غير مجدية ولاتخلق الاِمتلاء الكمي والكيفي المرجو.
            المطلع يضعنا أمام حالة استشرافية أغنت المطلع بالدلالات،وأشرقت على جسد القصيدة باحتمالات القراءة باستحظار عدة مثيرات متعالقة ، محورها فعل اليقظة والصحو والإيقاظ المنطلق من ذات الشاعر/الصباح المتفاجأ بحظور جسدها في حالة نوم، فكان عليه أن ينقل عدوى الصحو إليها،وكان عليه أن يصحي النوم فيه أولا، والنوم رمز سابق ومعاكس للصباح لليقظة و الخروج منه يقتضي حركات خاصة "فرك/ ويستح الصباح للفعل "دنا" كخطوة نحو الآخر/ الهدف كمستقبِل" كي تصحو"،ويحلو للشاعر أن يصف حالة الإيقاظ التي تمت بلمسات حنونة كلمسة الأم وهي تحاول إيقاظ صغيرها من عمق نومه السعيد،ويستيقظ الجسد ،القصيدة الأميرة النائمة بعدما أبصرت عيون الصباح مفتوحة على جمالها "فطاب لهما البوح" بعد صمت عميق،
            بعد عناء،هاهو الشاعر يأتي قصيدته الجديدة يتأملها يتلذذ بمفاتنها،
            وهذه إحدى دلالات فعل "فرك" وهي اكتمال النضج بشهية القطف ،وهاهو يؤكد لنا ذاك، فينحى منحى أخيه الشاعر العربي الأصيل في طرق باب الغزل من ثاني بيت:


            وتنهَّدتْ شمسٌ تضيءُ جبينها

            وعلى بقايا الليل راحت تمحـو



            إلى سابع بيت في قوله:

            قُمْريَّـةٌ خفاقــــــــةٌ بجناحهـا

            يا حَوْرُ بَخِّــرْها وزِدْ يادَوْحُ




            يتكون المشهد الغزلي من ستة أبيات، حَبـَك معانيه بحسية جمالية رمزية ،شكلت العناصر الطبيعة مادتها الخام، و مثل المعجم الإنساني نبض فعلها وتفاعلها،وتوالت الصور كباقات إبداعية خاصة زينت جسد الحبيبة/القصيدة ،فالشمس المضيئة فوق جبينها تنهدت، والرمان في وجناتها تنفس، و لونها بياض الفل المسافر ،ووجهها مطعم بالحيا والسنا ، وهي من جنس الطيور الشادية" قمرية" خفاقة ، أتت من السماء مزنة ماطرة والغيوم شحيحة، والقصيدة الأنثى ككل مرهفة منعمة ،مطعم وجودها بالسنا والحيا كرمز للحياة والمطر والسلام والخصب،، ويختم الشاعر هذه الصورة الجمالية العميقة الدلالات مناديا متوسلا كل أنواع الأشجار العطرة أن تبخر محبوبته، ليزيد جمالها وسحرها، فيتوهج عيون الصباح/الشاعر ، ويطيب بوحهما. ولعل ما يردده القارئ أمام هذه المعاني والصور والقيم الجميلة الشفافة المنسوجة بأعين الشاعر وخفقاته والنابعة من إخلاصه في تقديم أجمل مايملك للقصيدة، تدعني نقول ليت الشاعر لم يصح من هذا الجمال وليت مفعول خمرة التجلي الصافي لحضور القصيدة لم يصح!!


            وينتقل بنا الشاعر للمشهد الثاني مشهد الرقي بالقصيدة الأميرة ،مشهد تقديم طقوس الولاء فداء للمحبوبة الغالية كرمز قابل لاحتواء كل معنى جميل وأثير، وكرمز أيضا لتأثير الجمال في النفس وانفعالها به:


            للبلاغــــة وهي تخطــــبُ وُدَّها

            ديوانُ شِعْـٍر والقصــــــــائدُ نفْـــحُ




            إلى قوله


            نضجتْ قوافيها وحــــــانَ قِطافها

            كيف السبيلُ وللقوافـــــي صَــرْحُ



            وهنا يطيب البوح وتلوى أعناق الحروف لتخطب ود القصيدة، والقصيدة أيضا فركت وشبت ونضجت وحان قطافها. جدلية لامنتهية من التودد،البلاغة والديوان تبغي ودها والقصيدة الأنثى لاتبغي غير ود الشعر. ولهذا وظف الشاعر في هذا المشهد معجم البوح الشاعري المفعم بأريج الأصالة ونبض المبدع الأول (البلاغة/ديوان/ شعر/الحروف/قوافيها/ للقوافي) وقد أدمجها بأفعال ترتبط بحقل الزرع والحرب كمظهر جمالي ،فالسهم يشب زهوا بالنصر ويعلو وينمو كالسنابل، والرمح يزفزف وكأنه رمز لأثر وتأثير الحب في نفس القصيدة ودلالة على الفتوة وقوة النفوذ، معاني دقيقة في جزئياتها الدلالية،وهذه إحدى أهم تقنيات الاشتغال على الرموز والصور الفنية عند الشاعر يوسف أبو سالم.
            وينتهي المشهد الثاني بصوره البلاغية بتساءل الشاعر عن كيفية السبيل للتمتع بجمال المحبوبة القصيدة والقوافي صروح مشيدة للحراسة وللتحدي؟ تساؤل جدير بالانتباه لرفع قيمة المطلوب وقيمة التحدي لاختبار قوة الفارس المحارب كذلك.
            وينتهي الشاعر للغرض الأساسي من هذا الصباح الذي تنبه واستيقظ وأيقظ القصيدة الجميلة النائمة،ولعل أول إجراء بطولي يقوم به الشاعر،هو الإعلان عن حضوره ،فأسقط ضمائر الغياب،وسلم الذات للفعل وإثبات الذات ليستسلم لغواية القصيدة/الأنثى وقد نضجت وأفردت ريشها وتعطرت وتشكلت جسدا يمور حلاوة ويسح فـُلا وسناء، ويأتي معجم الانفعال الملح في كَـمٍّ متنوع هام : فترنح الليل/كبا السراج/تشابكت الظلال/الغواية والرشح/عرفت وعرفت /فظننت وظننت/أني وبأنني /سفكت سال الجرح/ يبكي/غنى فؤاد جاس فيه القرح..)
            وإذا تأملنا هذا المعجم وجدناه يتأرجح بين اللذة المتعة والألم، بين حسن الظن بأن القصيدة /السنبلة مثقلة بالقمح والأحلام وبين ألم الحقيقة وتخييب أفق الانتظار، وكأننا عندما نفرك السنبلة نجدها بلا محتوى.
            وهكذا ترك الشاعر الزمام لخمرة القصيدة حتى ترنح وكبا سراجه أمام قسماتها،فهسست بوحا خافتا، وغوته بضيائها وأذاقته طعما آخر،وعندما وقف الشاعر متلمسا حقيقة العطاء،سقط القناع وبدا بخلها وزيفها فقد كانت بلا زرع،وهو الذي ظن أن قطافها حان؟ كل الأماني انهارت فقد باعت له الأحلام واختلقت الرؤى،في لحظة الفتح الكاذبة أقنعته أن صلاح الدين ـ بكل حمولات الرمز الدينية والنفسية ,,ـ وهي عاصمة ومدينة فتحه، فعلا هي أحلام ليست هينة،لقصة حب ليست عادية بكل هذا البوح والوعود والتلاحم ،ومن هنا أسطورة القصيدة النائمة التي أيقظها الشاعر فأيقظت فيه كل الخيبات وأعادت له وعيه الشقي بالحرمان وأترعته آلالاما وجراحا،وفي آخر المشهد التراجيدي الدرامي ينفصلان،الصباح/الشاعر،والحبيبة /القصيدة بعدما تشابكت ظلالهما،بارتقاء القصيدة القمة، وببقاء الشاعر في السفح الذي هو وحده من يبكيه.
            وأخيرا يعود الشاعر لوعيه الشقي ،للحقيقة التي غيبها وتجاهلها أنى لقلب أترع قروحا وجروحا من سبيل للغناء، فيطوي قصة الجراح على مضض،وهو مازال طامعا بوصال ووصفح واستمرارية لأسطورة الحب وجمال اللقاء وسحره الذي انفض عقده من طرف الحبيبة، ويبقى التمني وسيلة لرأب الجراح لفسحة أخرى للحياة ،فلا يملك إلا أن يتمنى ألا يصحو على يوم بلا قصيدة بلاقيمة جمالية بلا بوح طيب بلا حيا وسناء ، أي بلا إكسير للحياة للشعر.


            وصحوتُ والدنيا تلومُ قصائـدي

            وسذاجتي يا ليتنـي لـم أصْــــحُ



            بهذا البيت القفلة دائرية يختم أسطورة العشق التي خانتها كل الظروف ،ليبقى الشاعر بين الشفاه اللائمة حينا والساخرة أحيانا من سذاجته،وأمام كل هذه الخيبات ورماح اللوم والتنكر، كيف يتمنى الشاعر الصحو، وكيف لايتمنى استمرارية زمن الأحلام الغضة المعطرة
            بسلسبيل البوح.

            وأخيرا يبقى:
            § التعاقــد بيــن الشـاعـر والقصيدة/الأسطورة هو تعاقد بين الحلم والواقع المحبط:
            § "وصحوت والدنيا تلوم قصائدي
            § يــالـيتـنـي لم أصح"
            § لــمــاذا؟
            § يأتي الجواب في أول جملة افتتاحية تدل على أقصى البذل والجهد والانصهار في زمن وفعل الإبداع بكل حب وحنان ورفق وبكل الموروثات والاستعدادت والمؤهلات ، وجنود من الطاقات الخلاقة السمحة السنية ، كي تصحو الحبيبة /القصيدة ويطيب العطاء، لكن الجهد المبول بصدق وحب قلما يلقى اعترافا واحتضانا كفلاح أهدر فصولا ليجد السنابل بلا قمح ،وهذه الخيبة المرة تجعلنا نتمنى للشاعر ألا يصحو من حلمه اللذيذ ،مادام الإبداع الكلامي ينسج في جزر الأحلام،وينسف في ظلال التجاهل والسخرية والإحباط. ترى من يرجو أن يفتح عينيه على هذا الظلام؟!!
            [align=center]
            مع تحياتي وباقات ورد جوري(عفوا لم أتمكن من نشر الصورة التي أنجزها لك)
            [/align]
            المبدعة الرائعة
            عمارية كريم

            ماشاء لله ما شاء الله
            أكل هذا الزخم لقصيدتي
            أكل هذا الإنثيال
            بارك الله بك أيتها المبدعة
            فماذا أقول من قبل ومن بعد
            أية أوسمة علقتها يا عمارية فوق هام القصيدة
            وأية نوتات شرف تتباهى بها القصيدة الآن
            وأنا أقرأ دراستك القيمة
            استوقفتني مفاصل وإشارات لافتة شديدة التركيز
            ومنها
            الإشارة إلى
            إحساس الشاعر لحظة القبض على هذا الحلم الجميل
            ولا أدري لماذا اتفق معظم المشاركين أن الأمر حلم وما هو بحلم
            بل هو تجسيد لتجربة حقيقية
            انتهت بالفشل مثل كثير من التجارب
            ولا أخجل من الإعتراف بذلك فهذا هو بعضٌ من
            صدق الشعر وصدق تجربته المعاشة
            لكن إحساس الشاعر لحظة القبض على فكرة القصيدة يظل كامنا
            حتى يبدأ الإلهام ولحظات التجلي
            فيبدأ التداعي نصف الواعي
            ليصل بالشاعر إلى لحظات التنوير الحقيقية
            والإشارة الرائعة الثانية
            هل قبضت القصيدة على الشاعر أم هي التي قبضت عليه
            وهذا تساؤل مدهش حقا لا يصدر إلا من مبدعة تعرف كيف تتغشى النصوص
            إلى أعمق أعماقها
            ولا أدري كيف أجيب على التساؤل
            غير أني أزعم أن القصيدة هي التي تقبض على الشاعر
            متوهما أنه هو الذي قبض عليها
            وهكذا في علاقة جدلية خلاقة
            وبالتأكيد لن أمضي في تتبع إشاراتك المركزة الجميلة والعميقة
            ولكني لمست كثيرا من الإشارات
            وقراءة نقدية رائعة
            وسبرا لغور كثير من الصور الشعرية
            والتي لم يتعمق في قراءتها أحد مثلك
            واسمحي لي في النهاية
            أن أنسخ نسخة من هذه الدراسة
            وأثبتها في ملتقى سوق عكاظ ( قسم الرؤى النقدية )
            حتى يستكمل من يريد من الزملاء قراءتهم النقدية
            إن أرادوا ذلك
            وفي هذا فائدة للشعر والشاعر
            أيتها المبدعة
            بانتظار إشارتك للصورة ليكتمل فيض كرمك علي وعلى قصائدي
            ولتعلمي يا عمارية أنني أحمد الله أن قيظ لي مبدعة مثلك تهتم بأشعاري كل هذا الإهتمام
            وإنني بعد شكري العميق
            ومودتي ومحبتي وتقديري لك ولقلمك
            لفخور بك حقا

            تعليق

            يعمل...
            X