خواطر حول تجربتي مع القصة القصيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نبيل عودة
    كاتب وناقد واعلامي
    • 03-12-2008
    • 543

    خواطر حول تجربتي مع القصة القصيرة

    خواطر حول تجربتي مع القصة القصيرة


    [align=right]

    نبيل عودة

    [align=right]

    أثار مقالي السابق حول القصة القصيرة جداً ردود فعل ثقافية هامة وواسعة جداً، أعطتني لوحة أكثر اكتمالاً لفهم المضمون القصصي عامة، وكان استنتاجي الأساسي هو عبث إقامة تقسيمات ميكانيكية في إطار الفن الواحد، بمعنى ان القصة هي فن لا يتجزأ، اما ان تكتب قصة تُقرأ وتؤثر بالقارئ، او نصاً لا علاقة له بالقصة الا في الوهم الذاتي للكاتب، مهما كانت صياغة النص اللغوية جيدة. لأن القصة ليست مجرد لغة ومعرفة التركيب القصصي حسب الدراسات المختلفة التي طرحت موضوع القصة من زوايا عديدة ومختلفة. وانا أميل الى اطلاق تسمية "اشراقات" على القصة القصيرة جداً، وهو تعبير جاء في تساؤل للدكتور الناقد والشاعر والقاص فاروق مواسي بحوار معي رغم ان التسمية( قصة قصيرة جدا ) مقبولة عليه .

    لاحظت سابقاً ان عدداً من كتاب القصة يكتبون حسب المفاهيم التي تطرحها دراسات مختلفة لنقاد او أكاديميين يتعاملون مع فن القص بمباضع تنفع في الجراحة الطبية، وأظن انهم هم أنفسهم عاجزون عن تحويل "معرفتهم الكبيرة" لفن القصّ الى إبداع قصصي. وبالتالي لا يُنتج الباحثون عن فن القصة في كتب البحث والتنظير أدباً قصصياً، لأن القصة تتجاوز حتى المفهوم المباشر والأولي للأدب الى مفاهيم أعمق ترتبط بالمشاعر الإنسانية والحياة والمجتمع والوعي والفلسفة. وكتب الدراسات أشبه بالمختبرات الطبية التي تنفع في التحليل ولا تنفع في العلاج - أي بتوفير أدوات الإبداع!!

    المبدع الذي يتوهم ان كتب التنظير ستجعل رضوان يفتح له الأبواب، ويجلسه في جنة المبدعين، هو واهم.

    هناك شروط لغوية صياغية وفنية تكنيكية، هي التي تشكل جوهر القص (الرواية) بكل فروعه، وهذه الموهبة برأيي تولد مع الكاتب وتتشكل في مراحل وعيه الأولى، وتكتمل بناءً على ظروف تطور وعيه. وعليه قررت ان اكتب هذا المقال لعلي أوسع النقاش الثقافي الذي بدأ بمقالي السابق عن القصة القصيرة جدا. وقد اعتمدت هنا على تجربتي، بعيدا عن كل النظريات والتنظير التي لا أراها الا دخيلة ومتطفلة على جوهر الإبداع !!

    *****

    يحاول بعض نقاد القصة القصيرة تقديم لوحة ثقافية تعبر عن الإنجاز التاريخي لمؤسسي فن القصة القصيرة وكتابها وعلى رأسهم الأمريكي ادغار الن بو الذي يعتبر من أوائل كتاب القصة القصيرة، والفرنسي جي دي موبسان الذي لُقِّب بـ"أبي القصة القصيرة" والروسي أنطون تشيكوف، الذي يعتبر أفضل كتاب القصة القصيرة... او يُنظرون بالإعتماد على مفاهيم أكاديمية، لم يثبت حتى اليوم انها أنتجت مبدعاً او نصف مبدع، ونجد ان الكثيرين من أعظم كتاب القصة والرواية لم ينه بعضهم حتى المدرسة الابتدائية. هذا الأمر أعادني الى تجربتي المتواضعة، التي لم تعتمد الا على العشق الذي اجتاحني منذ قرأت اول قصة وانا في بداية دراستي الابتدائية، ولفهم بعض العوامل التي "تفرض" نفسها على مبنى القصة في أعمالي.. والتي أضحت أمرا غير مفكر به حين تحين اللحظة، وكثيراً ما تساءلت عن العوامل التي جعلتني استوعب الجوانب الفنية في تجربتي، والتي لم أستعن لها بأي نص مدرسي او بحثي يتعلق بفن القصة القصيرة، وما زلت مصراً على ان كل الأبحاث والنظريات، لن تستطيع ان تعلم أحداً صياغة قصة قصيرة جيدة.. او فهم مضمون أهمية اللغة (ليس من ناحية نحو وإعراب) في الصياغة القصصية، او ما بدأت أطلق عليه في الفترة الأخيرة تعبير "اللغة الدرامية".

    القصة، او الفن القصصي بما في ذلك الرواية والمسرح، كله مرّ عبر تجربة واسعة جداً ومتعددة الأشكال.. ورؤيتي مثلاً ان فن القصة القصيرة الحديث متأثر أكثر بالكاتب الروسي أنطون تشيخوف. ان موهبة تشيخوف في التعبير القصصي عن عالمه، ومجتمعه وإنسانه، تكاد لا توجد تجربة قصصية بمثل عمقها، ولا سابق لها في الفن القصصي، من حيث مبنى القصة، لغتها، عناصر الدهشة فيها، وفكرتها وأساليب كتابته او صياغته للفكرة القصصية، وفن الحوار في قصصه، وكيف يتعامل مع اللغة في قصصه، كيف يحول اللغة نفسها الى نص درامي، واندماج اللغة المستعملة في النص القصصي بالفكرة الدرامية، أي كيف يخلق موازياً لغوياً درامياً للفكرة القصصية الدرامية.. وهذه نقطة هامة وحاسمة.. كذلك قدرته على اكتشاف أدق التفاصيل ونقلها بتعابيره المفعمة بالبساطة والعمق والسخرية والحدة، كلها وضعته في رأس مؤسسي هذا الفن القصصي: القصة القصيرة، محدثاً نقلة نوعية جعلته أبا القصة القصيرة الحديثة بغير منازع على الإطلاق!!.

    وهناك جانب قد يغفل البعض دوره. جانب التجربة الحياتية للمبدع وقدرته على تطوير ادواته (آلياته) الفنية والثقافية. في الأدب هذا الجانب حاسم في تطوير الإبداع ونقله من بوتقة ضيقة الى عالم واسع ممتد الأطراف غير نهائي في آفاقة واتساعه المعلوماتي والفكري والفلسفي والتجريبي (بخوض تجارب حياتية ومغامرات حياتية) الذي قد يبدو للبعض خروجاً عن المألوف، وأصلاً كل الإبداع هو خروج عن المألوف، خروج عن حالة السكون والاستقرار، ألدّ اعداء الانتاج الإبداعي..

    ومع ذلك القصة لم تتوقف بحدود تجربة محددة، بل يمكن القول ان القصة القصيرة تنبض بالحياة والتغيير وتشق طرقاً جديدة، قد نستسيغ بعضها وقد نرفض بعضها، وهناك إضافات هامة للعديد من أبرز كتاب هذا الفن.

    لا ثقافة ولا إبداع في عالم الأوهام... والعقائد الجامدة، والتخيلات المريضة الوهمية.

    الموضوع ليس نظرياً، ليس فهمَ شروطِ الكتابة الإبداعية، شروطِ الانشاء القصصي، بل مجمل النشاط الإبداعي للإنسان والمجتمع.

    الكاتب - المبدع يحتاج اولا الى وعي معرفي اجتماعي واسع وفي جذوره الفلسفة، التي تغذي العقل بقدرات لا نهائية من المعرفة والقدرة على فهم حقائق الحياة، والقدرة على الاستفادة من التجارب الذاتية والعامة.

    لذلك الإبداع، بصفته حالة أدبية، هو شكل من أشكال الوعي الانساني يعبر عنه بطريقة فنية.. انعكاس فني لواقع اجتماعي او ثقافي او سياسي.. الخ.

    الفن القصصي هو ألدّ أعداء الفذلكة اللغوية والديباجة والإطناب، والنحت في المفردات. القصصي يجب ان يقبر سيبويه والكستائي قبل ان يمسك القلم، وان لا يتعامل مع اللغة، خاصة العربية، كلغة ذات شأن وقداسة. لا شأن ولا قداسة للغة في السرد القصصي او غيرة من أصناف الكتابة. جمالية القصة تتعلق بفكرتها وأسلوب تنفيذها وقدرة كاتبها على إبداع لغة درامية في السرد حتى لو حطم كل ثوابت الكتابة الانشائية. وان لا يفكر الا بالدراما التي يبنيها، وباستعمال المفردات بلا وجل الوقوع في فخاخ حراس اللغة.

    قد يقود كلامي حول اللغة الى وهم ان اتقان اللغة غير ضروري. لم يكن هذا ما قصدته، والعكس هو الصحيح، بدون إتقان ممتاز للغة، وحس لغوي متطور، يحرر الكاتب من التفكير بالنحو والإعراب خلال عملية الإبداع، يستحيل الإبداع القصصي، وعندما أقول الحس اللغوي أعني القدرة على اختراق حواجز التقليد اللغوي والقيود المختلفة.

    ان عرض تطور الإبداع (القصة القصيرة في حالتنا) هو أمر هام ومثمر ومحفز لتوسيع المعرفة.. ولكن مميزات الفن القصصي هي الارتباط بالتجربة الحياتية الواسعة الى جانب الإلمام بهذا الفن عبر المعرفة العميقة لمختلف الأساليب التي تطورت منذ ادغار الن بو وصولاً الى تشيخوف وموبسان وغيرهم، تماماً كما تحتاج السيارة الى وقود.. لا يمكن الإبداع بدون غذاء، وقود - وقود فكري، واتساع المعرفة والقدرة على الخوض في تجارب الأخرين بدون مرجعيات ومواعظ، انما بالاعتماد على الذات المجربة والقادرة على هضم تجارب الآخرين وشق طريق يعطي للنص هوية مميزة.

    ولا يمكن ان أتجاهل ان القصة العربية القصيرة، هذا الفن الجديد نسبياً في الأدب العربي، ساهم الكاتب العبقري يوسف ادريس في تثبيت جذوره الفنية، بحيث أضحت تجربته مدرسة للقصة العربية القصيرة.. وللقصة القصيرة بشكل عام. ورغم حداثة هذا اللون نسبياً في الأدب العربي الا ان ادريس نجح بايصاله الى مستويات فنية راقية للغاية، والأهم انه طور لغة قصصية بالغة التميز والثراء.

    هناك من يشدد على ما يسمى "وحدة الانطباع ولحظة الأزمة واتساق التصميم" ربما نقاط هامة عُبر عنها بشكل مركب، لن اعترض مع اني لم أفهم المعنى، ولكنها لا تقدم أمراً ملموساً يمكن فهمه من الكتاب الناشئين..

    لا بد من ملاحظة: ان الكاتب الذي يجتر قصته بالقوة، لا يقدم الا فذلكة لغوية، وترهات، وفكرة مشوهة ناقصة أو مرتبكة، وما أكثرها في أدبنا. نفس الأمر يمكن ان نرى تواصله في المقال السياسي.

    الفكرة القصصية يجب ان تنمو على نار هادئة في ذهن الكاتب، ان يتحاور معها بذهنه، ان يعيش تفاصيلها، يهلوس بها، ان يبنيها ويهدمها مرات قبل ان يعيد بنائها وتشكيل أطرافها وشخصياتها، ان يفلسفها ليفهم أبعادها..، ان يعرف الى أين يريد ان يصل قبل ان يبدأ بالخربشة على الورق.. هل أقول لكم اني أحيانا أغرق بعدة أفكار قصصية وعندما تكتمل أستطيع صياغتها تباعاً بسرعة وبلا توقف؟

    الفكرة القصصية او السياسية او النقدية، حين تكتمل تفرض نفسها وأسلوبها.. مئات القصص التي أقرأها على الانترنت او في الصحافة المطبوعة، لا أواصل قراءتها بعد الفقرة الأولى أو الثانية منها..اكتشف انها كتبت بطريقة استمنائية. تفتقد للعناصر الأهم في النص القصصي،التدفق والتلقائية بلا تصنيع واللغة التي تشد القارئ للفكرة والقدرة على اثارة انتباه القارئ ( الدهشة )،خلق شخصيات تنبض بالحياة وليس مجرد رسومات ورقية.

    ان ضعف عنصر الدهشة القصصية التي تشد القارئ من السطر الأول، او اللغة الدرامية المعيارية التي لا قصة بدونها، والا تحولت القصة الى مادة إخبارية بلغة فذلكة وتشاطر مملة، تقتل عناصر القص الهامة كلها.

    كذلك لا قصة جيدة الا بمعرفة أسرار اللغة وطرق الصياغة ( سيقولون يناقض نفسه لأنهم لم يفهموا القسم الأعلى من مداخلتي)، ولا أعني القواعد والنحو والصرف.. انت عزيزي الكاتب تحتاج الى معرفة الصياغة الفنية للغة، وليس علوم الصرف والنحو.. التي تجعلك حارساً للغة وليس مبدعاً للأدب!!

    فن القص هو إيصال المعاني مباشرة أحياناً، وبالتورية أحياناً أخرى، وبتطوير حسٍّ لغوي مثل البارومتر شديد الحساسية لوقع الكلمة ومكانها في النص.. ولنترك بعض الهنات للمحرر اللغوي، ولا تقلق من خطأ يفرض نفسه عليك ضمن سياق النص والفكرة. واذا بقيت متمسكاً بفكرة قداسة اللغة بصفتها هدفاً بحد ذاته، فاذهب لتعيش مع سيبوية والكسائي. واترك فن القص والرواية، لأنه فن انتفاضي على المسلمات اللغوية وقيود التزمت الفكري واللغوي والاجتماعي، وكله يشكل حالة مترابطة واحدة.

    لا يمكن ان تكون لغة حديثة، قصصية خاصة، يحكمها نحوٌ وضعوه قبل مئات السنين، هل سنبدع قصصاً حديثة بلغة العرب القدماء؟ وحتى لا يفهني أحد خطأ، كلامي هو مجرد مقارنة لفهم ان اللغة أداة حية تخلق مفرداتها وصياغتها بناء على المناخ الثقافي السائد في عصرها. ان لغات عصر التنوير الأوروبي اختلفت جذرياً عن لغة القرون الوسطى، واعتقد ان الأدب الروائي الذي انتعش مع فترة عصر النهضة والاستعمار لعب دوراً كبيراً في إحداث انتفاضة لغوية حداثية في اللغات الاوروبية.

    قصور مجامع اللغة العربية وانغلاقها على القديم، وعدم فهمها لحيوية إحداث نقلة نوعية في لغتنا، ثقافية وعلمية وتربوية، يضر بمكانة اللغة ولكن لا يمكن ان يوقف التطور، ربما يعيقون في اتجاهات معينة، ولكن من المستحيل وقف تطوير لغة القصة والرواية والمسرح والشعر والسياسة لشدة ارتباطهم بالمناخ الثقافي السائد، ان ما يحدث هو شرخ لغوي..

    الكثير من الصياغات التي نستعملها اليوم في كتاباتنا يعتبرها حراس اللغة أخطاء يجب تصحيحها. ولكنها أضحت مستعملة ومتفق عليها وغير قابلة للتغيير. الشارع والثقافة في جانب والمجامع بعيدة قرناً كاملاً او أكثر عن لغتنا الحديثة. ان التجديد في اللغة يتجاوز التقييد والكثير من التعابير العامية أضحت جزءا من الفصحى، وهو أمر طبيعي في كل اللغات التي تتشابه لغتها الفصحى مع لغتها المحكية. ان احدى مشاكل الإبداع التي واجهتني في تجربتي القصصية، كانت اللغة العربية المزدوجة والمرهقة في قيودها، وعندما وصلت لقناعة التحرر، وكتابتها بحرية مطلقة، شعرت اني أمسكت طرف الإبداع من المكان الصحيح.

    الناحية الفنية

    من تجربتي الذاتية ارى ان أهم مركبات القصة يمكن تلخيصهما بمسارين او خطابين، الأول: المسار او الخطاب التاريخي، أي خطاب فكري أيديولوجي، وهو الحدث، الخبر، الفكرة القصصية، المضمون القصصي، المادة الخام.

    الثاني :المسار او الخطاب الفني، وهو يتعلق بقدرة الكاتب على الصياغة اللغوية الادهاشية أي التي تخترق أحاسيس القارئ، وتدمجه عاطفياً مع الفكرة القصصية، وتثير دهشته من البداية حتى النهاية، وهي تتعلق أيضا بالتكنيك القصصي الذي يتبعه الكاتب.. وانا اؤمن ان الفكرة تفرض أسلوبها ولغتها ومفرداتها، والكاتب عليه ان يعرف كيف يفكك الحدث ويعيد بنائه من جديد، ليبقي المفاجأة الدرامية للسطر الأخير... تماما مثل لعبة البوكر.. ممنوع كشف الأوراق، اذ قد تكون أوراقك (قصتك) ضعيفة، ولكن معرفة أصول اللعبة القصصية (البوكر) تجعلك تنجز انتصاراً حتى على الذين أوراقهم (افكارهم القصصية) أقوى من أفكارك..

    ويجب الانتباه إلى عدم المبالغة في أحد الخطابين على حساب الخطاب الآخر.. ولا اعني خلق تعادل بينهما... انما معرفة أين يجب ابراز جانب على الجانب الأخر... في فترة ظننت ان التعادل بين الخطابين هو الكود الصحيح. اليوم، بعد تجربة طويلة ارى ان التعادل مضراً، ومقيداً، وينتج حالة من التقييد والتأطير والدوغماتية الثقافية. صحيح ان الخطابين هامان، وان ابراز خطاب ما بشكل مبالغ ينسف القاعدة الحساسة للبناء القصصي. ولكن هذا لا يعني ان نقيم التعادل الميكانيكي بين الخطابين، بل اعتماد التناقض الديالكتيكي بين الخاطبين، أي التناقض الذي يدفع دائما لتطوير الحدث واللغة والتكنيك وعناصر الدهشة.. وهنا يجب ان يتحكم الحس الانساني والإبداعي لدى الكاتب، في معرفة اين يعطي لأحد الخطابين قوة أكبر... او العكس !!

    وهناك موضوع هام لم يتطرق اليه النقد العربي على حد علمي، واذا تعرض فمن زاوية تقليدية مدرسية، وهو موضوع اللغة المستعملة في القص..

    واضح ان لغة القصة تختلف بأسلوب صياغتها عن لغة الخبر او الريبورتاج اوالمقال او البحث.. صحيح اننا نستعمل نفس المفردات. ولكن وضعها في السياق، ترتيبها، هو ما يخلق الفرق. وهذا ليس كل شيء، بل لا بد من ان يطور الكاتب لغة درامية.. واجد صعوبة في شرح فكرتي، ولكني أقول ان اللغة مترابطة بالحدث ومتفاعلة معه، وتنبض بنبضه، عندما أكتب قصة أوظف قدراتي في صياغة لغة درامية تندمج مع الحدث الدرامي (القصة في حالتنا) بلغتها أيضا، مبناها اللغوي، نبضها المتفاعل والمندمج مع الحدث نفسه، وهذا يتعلق بالحس اللغوي للكاتب، وفهم أولي للبسيخولوجيا الاجتماعية، لفهم شخصية ابطاله والدور الذي من المفترض ان يرسمه لهم بدون مبالغة تجعل البطل غير حقيقي ومتخيل لا منطق في كينونته.

    الممارسة واتساع الادراك لفن القص عند الكتاب الآخرين يثري الكاتب، وذلك عبر قراءة واعيه ومنتبه لأعمالهم، ليس كقارئ عادي، بل كدارس لأساليب توظيفهم للغة، بناء الشخصيات، الحوار، أسلوب الدخول للفكرة، وطريقة وضع النهاية، وبالطبع لا شيء مقدس، بل كله يجب ان يخضع للمعمل القائم داخل الرأس، لذلك الكاتب يحتاج الى ثقافة موسوعية ومتعددة الاتجاهات، تماما مثل الحياة، الحياة ليست بلون واحد، بل متعددة الألوان.

    النهاية في القصة لا بد ان تعبر عن فهم فلسفي للحدث وليس فهما اخباريا او مباشرا. وهذا يعني ان مبنى اللغة يفرض مميزات بالغة الحساسية.. قد لا يلمسها القارئ العادي، ولكن عدم اتقانها يبعده عن الاندماج بالنص، حتى لو كان نصا بحثيا او سياسيا.

    أرجو عدم فهم موقفي بأني ارى باللغة ما يتجاوز كونها اداة او وسيلة للتواصل فقط، وكونها اداة لا يعني نفي القدرات التعبيرية الهائلة التي تخضع لمن يتقن الاحساس بكلماتها وصياغاتها.
    [/align]

    نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي الناصرة

    nabiloudeh@gmail.com

    [/align]
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #2
    سيدي الفاضل..
    أولا هذه الصفحة التي قرأتُ الآن أكبر و أعمق من كونها مجرّد خواطر..
    بارك الله فيك..
    في قراءة أولى وقفتُ على ما يلي :
    - كتبت بطريقة استمنائية..
    صدّقني ضحكت و أنا أقرأ هذا التعبير..لا أعتقد أن هناك تعبير أدقّ منه ..أنا قلت يوما أنني لا أحب أن أرغم الكتابة بل أن ترغمني هي ..

    -الفكرة القصصية يجب ان تنمو على نار هادئة في ذهن الكاتب، ان يتحاور معها بذهنه، ان يعيش تفاصيلها، يهلوس بها، ان يبنيها ويهدمها مرات قبل ان يعيد بنائها وتشكيل أطرافها وشخصياتها، ان يفلسفها ليفهم أبعادها..، ان يعرف الى أين يريد ان يصل قبل ان يبدأ بالخربشة على الورق.. هل أقول لكم اني أحيانا أغرق بعدة أفكار قصصية وعندما تكتمل أستطيع صياغتها تباعاً بسرعة وبلا توقف؟

    _أوافقك الرأي تماما هنا سيدي.
    هل يمكن أن نلخّص خواطرك القيّمة في هذه النقاط ؟ :
    شروط القص :
    الموهبة
    التجربة الحياتية للمبدع
    وعي انساني معرفي اجتماعي
    الحس اللغوي
    وقود فكري، واتساع المعرفة والقدرة على الخوض في تجارب الأخرين
    التدفق والتلقائية
    معرفة الصياغة الفنية للغة، وليس علوم الصرف والنحو
    عنصر الدهشة القصصية
    النهاية في القصة لا بد ان تعبر عن فهم فلسفي للحدث وليس فهما اخباريا او مباشرا

    هذا مرور سريع..
    أكيد سأعود هنا .
    تحيّتي و احترامي.
    التعديل الأخير تم بواسطة آسيا رحاحليه; الساعة 01-04-2010, 17:24.
    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    • سحر الخطيب
      أديب وكاتب
      • 09-03-2010
      • 3645

      #3
      استاذنا الفاضل
      هل يمكنك ان تطرح على سبيل المثال قصه اعجيت بها وتقيمها لنا
      حتى ندرك ونعي ونستفيد من فكرك
      كل منا فى داخله الالاف القصص والمواقف التى تحاك كقصه لكن القلم كثيرا ما يهزم المشاعر
      تحيه احترام
      الجرح عميق لا يستكين
      والماضى شرود لا يعود
      والعمر يسرى للثرى والقبور

      تعليق

      • نبيل عودة
        كاتب وناقد واعلامي
        • 03-12-2008
        • 543

        #4
        آسيا رحاحليه
        مرورك السريع أسرني لأنه نظم لي أفكاري المتناثرة .
        الابداع الأدبي عالم حدوده السماء
        حقا ما سجلتيه وصلته بخبلاة وليس بدراسة ، ومع ذلك ايماني قوي جدا ان هذا لليس نهائيا .
        الابداع لا حدود مدركة له .
        دائما هناك جديد غير متوقع .
        دائما هناك افكار تنتظر من يقطفها .
        دائما تعصف فينا الأحلام ا لابداعية ، وعلينا ان نقرأها جيدا.
        تحياتي
        نبيل

        تعليق

        • نبيل عودة
          كاتب وناقد واعلامي
          • 03-12-2008
          • 543

          #5
          [align=right]سحر الخطيب
          تساؤلك شرعي .
          كل فكر بلا نماذج يعاني من ضعف الاسناد .
          تجدين قصصا كثيرة نشرتها في هذا المنتدى .. لا اكتب الا اذا لم اعد استطيع منع نفسي من الكتابة.
          حتى في المقال السياسي ، اعيش التفاعل مع الحدث ، ايجابا او سلبا .رغم اني قادر على الكتابة المهنية المجردة .
          هناك قصة ، لا اقول انها حقيقة مطلقة ، لأن الابداع هو الدمج بين الحقيقة والحلم ، بين الحقيقة والتخيل ، بين الحقيقة وفن الصياغة التي تقوم احيانا بفبركة ( اعادة بناء ) جديدة لكل الفكرة القصصية - الحدث ، التاريخ .
          كل ابطال قصصنا هم من لحم ودم ، ولكن الكاتب ينقلهم الى حياة من خياله ، ليس شرطا انها خيال كامل او حقيقة كاملة.[/align]



          [align=center]كنت معها...
          نبيل عودة[/align]


          [align=right]ان يعيدك تلاقي نظرات غير متوقعة , الى ما كانت تظن انه محي من سيرتك وتاريخك , تلاشى من ذاكرتك واضمحل اثره في وجدانك , وان يحيي ذلك اللقاء الصامت , ما صار منسياً ثم الاندفاع بالنظرات للبحث في القسمات والتعابير بلهفة و عبر لقاء فجائي بين زوجين من العيون , فيعود المنسي ببريق متوهج ينجلي تماما بأبهى صوره , يكثف جوهره , يتجذر وكأنك تواصل ما كان بلا انقطاع , ويسيطر بلا مقدمات ... بدفقه السحري على ذهنك , ومن شدة مفاجأتك وارتعاشك تكاد تطفر دمعة , ليست دمعة فرح بعد لقاء . فلم يكن بينكما لقاء , وليست دمعة حزن على فراق , فما كنتما في لحظات فراق , كان لقاء لم تشارك فيه سوى نظراتكما , وانفاسكما , ومع ذلك تمنيت ان لا تؤول اللحظات الى انتهاء , ان لا تفنى الدقائق , ان يتوقف كل ما في العالم عن الحركة , ان يتجمد , تتشابه كل النساء في العالم في حياتك , الا هي , تشابهت كل الاختراقات وبقي اختراقها سراً مكتوماً . تشابهت كل القبل وبقي لقبلتها طعم النبيذ المعتق , تجلس ضامة شفتيها , بهدوء رخيم , ولا يتحرك فيها الا عيناها المتنقلتان بين عينيك وبين صحن الطعام . نفس النظرات ونفس الاناقة ونفس الجاذبية . هل عرفتك؟ نظراتها تقول نعم , وقسمات وجهها لا تقول شيء . ربما تقول ..؟؟
          أيقنت ان الذكريات لا تعترف بالزمن , ولا تستسلم للانتهاء , فوجئت بارتعاش اطرافك ووجيب قلبك , وغبت مجبراً عما حولك . كنت موجوداً بجسدك وغائباً بذهنك , وها انت ترحل الى حلم بعيد تكتشف نفسك من جديد .
          تفزعني كثافة حلمي . أهو حلم يعتريني , ام واقع غريب كالاحلام ؟ كالسحر ؟ هزتني المفاجأة ونقلتني من حال الى حال . كنت كمسافر اضنته الطريق واخذته بعيداً . أرهقته المسافات , وتاه طويلاً في المساحات , خطفه الحزن وتنازعته شتى الامنيات والرغبات , كرب وفوضى رغم الحقيقة الواضحة , متيبس في صحراء ... تائه , وفجأة ينطلق الرذاذ الرطب الى وجهي ... التقطت انفاسي طالباً المزيد , وما كانت من وسيلة للمزيد الا نظراتي , فيزداد حلقي تيبساً وتزداد شفتاي جفافاً , ازداد لهفة , ازداد لوعة.
          من لي بقاهر الزمن , يمحي من ذاكرتي فراقها , ربما يعيدني اليها , يعيدها الي لأغير ما جرى , لنغير نبض أيامنا و نعطي لما بقي من عمرنا وعشقنا رونقه المقدر , نعيد أجمل ما في العمر ونواصله .. نجدد الوصال و نجدد العشق.
          كنت اظن ان الزمان كفيل بطي ما كان . ينهي الرغبات ويبدد الأحلام . فاذا الزمان يخر صريعاً امام رحيق امرأة جعلت مني غير ما انا .
          زرعت في أحاسيسي رعشات قبلاتها , وملأت الهواء حولي بخمرها , بعبقها , برحيقها , بطعم النبيذ الفاخر المعطر بفعل الزمن , يبعث بمجرد التفكير فيه تخديراً لذيذاً يجري في الشرايين , يتدفق مع دمي لكل أطرافي , ولا يتوقف...
          لا أدري ما يراودني . أبحث عن استراحة ارتب فيها نفسي واوراقي ويقيني لأعود أتابع حلمي البعيد.
          أهو حلم حقاً؟ ربما رغبات ضائعة ؟ وربما أوهام ؟ أو حقيقة لم تتم ؟ عدم تمامها يعذبك ؟ وهل تقدر الأحلام ان تحفظ رحيق امرأة ونشوة ابتعد بها الزمن؟! وهل الزمن وهم... تخيلات ؟ ام حقيقة موضوعية؟
          انتهى كل شيء قبل عقدين ونصف العقد . من السهل قياس حياتنا بالزمن ومن المستحيل قياس ذكرياتنا بالزمن. الزمن معادلة قهرية , لا تستقيم مع الحب . ربما ما يعتريني يؤهلني لكتابة نظرية عشقية في مفاهيم الزمن والصبابة؟ ولكن رحيق المرأة لا يؤمن بالزمن , لا يؤمن بالمقاييس الثابتة... وكم اتمنى الاقتراب من ملتقى الرقبة بالكتف, لأستنشق خمرة أنوثتها بعمق وحرية . هل أنا في عالم ملموس ؟! ام في زمن خرافي ؟ هل يحد الزمن سحر امرأة ؟! هل يقضي على الاحساس بالنشوة التي كانت؟! وأقول لنفسي ان الصبابة لا تؤمن بالزمن. والعاشق لا يؤمن بالزمن , لكن لا شيء يوقفه , الزمن لا يتوقف . ربما انا بحاجة الى شيء من الادراك؟! هل في الجنون ادراك؟! وهل في هذا اللقاء ادراك؟
          أحياناً تبدو الكتابة عن المحسوسات غير المادية مستحيلة عبثية , وان عالمنا المادي لا يعترف الا بالموضوعات المرئية والملموسة , وان خروجنا عن هذه القاعدة يرسلنا بعيداً نحو الغيبيات . لوهلة لم اثق انها هي . ترددت غير اني تأكدت من نفسي . هذه تفاصيلي التي أعرفها . تمتد يدي المعروفة لي تماماً نحو كأس النبيذ . أبيض يميل الى الاصفرار.
          طعمه معروف لي ولساني يعتصر بتلذذ أخر ما تبقى من الرشفات .لا أشعر بقدمي , ولكني متأكد من ملكيتهما , وهذه يدي اليسرى تسند ذقني وأنا مسحور من المفاجأة , وعيناي ترفضان الأبتعاد والتعقل . لا ارادة لي في زجرهما , ولكن ذهني يتلقى وقائع اللقاء المرئية مما يثبت انهما عيناي حقاً . تحسست رأسي متقيناً ان موقعه لم يتغير . ربما انا بحالة هلوسة من فعل الخمر ؟ ولكن الخمر لم تغدر بي في السابق , ولم تتغير العلاقات المتوازنه بيننا . وها انا بالكاد تذوقتها , وما حان الوقت لتفصح عن نفسها ملوحة زاجرة . فأي خطوب تلم بي ؟! وأي طقس يعتريني , أهو طقس سكر ام طقس الحب ؟ أم السكر والحب بتعاون لا يعرف الخلاف ؟! هل لي بشفيع يخفف حيرتي ؟! يفرج كربي ؟! يرشدني؟! تكررت النظرات وتشعبت الذكريات , أحياناً تبدو الذكريات كلمحات لا يمكن الوصل بينها .. كتناقضات من المحال ان تشكل وحدة واحدة , غير ان يقيني التام ان الحب لم يهجر جوانحي ... والا ماذا تسمي الاحاسيس التي تدغدغني ؟!
          غرقت في نفسي لاستجلاء انصع ما يكون من ترابط للذكريات التي تعصف بي . اوراق كثيرة تنتعف بوجهي , فألهث وراءها لاجمعها في نسق صحيح وارتبها بذهني , ضفيرة وراء ضفيرة . هل كنت أتمنى لقاء بلا ميعاد ؟! هل كان اللقاء ضمن توقعاتي ؟! خمس وعشرون عاماً تندفع في لحظة لا تقاس بمقاييس الزمن المتعارف عليها . تتوالد من الابعاد مشاعر ما كنت اظن انها ستعود لي . هل سأكتفي بها ؟! وهل تستعاد أيامنا من التاريخ ؟!أم نبقى رهائن للذكريات ؟! ما تبقى لي منها اطلال من الأحاسيس لا تغادرني. اخاف ان تغادرني . ربما توهمت اني نسيتها . ربما تناسيتها عجزاً من الوصول اليها ؟ تناسيتها لتخفي هزيمتك؟ وفجأة تكتشف ان ربع قرن يفصل بينكما , وامتار قليلة تبعدها عنك , قريبة وبعيدة المنال ... ربع قرن لم المحها ولم تلمحني . وها هي تجمعنا لحظة مجنونة كغرباء. لا يستطيع ان يقترب احدنا من الأخر ليتأكد بالملموس من صدق المحسوس ... وليتني اعانقها ولو للحظة , أكون قد حققت مرادي في الحياة , قلت لنفسي الحب لا يعرف الاستقرار . لا أذكر اني لمحتها منذ تباعدنا , انا متأكد من ذلك . وأنا واثق انها لم ترني منذ ودعتني بقبلة رطبتها دموعها . وهل تنسي تلك القبلة ؟! هل يتغلب الزمن على حرارتها وملوحتها ...؟ هل ينسى وجيف القلب؟!
          لم يكن فراقنا تنافراً . انما كان قراراً وحيد الجانب . قالت انه ادراك للمسؤولية . رأيت به ادراكاً مشوهاً لحقيقة مشوهة , كان الأحرى بي التحدي . كنت مستعداً للتحدي.ولكنها أصرت على الابتعاد. فألتزمت برغبتها . وقلت لنفسي ان الانسان يحمل في داخله ضده.
          كان التعارف بيننا سريعاً وغريباً وبلا مقدمات وبلا اجتهاد , بادرتني:
          -انت تشدني.
          كانت تتوهج بجمال فطري , اضافت اليه أناقتها البارزة , وحسن الاستعمال للاصباغ سحراً أخاذا.
          لم افهم ما تعني "بتشدني" . ولكن بروز صفي اسنانها المرتبين بدقة و من وراء انفراج ابتسامتها , جعلني أفهم وأتغابى . اربكتني بجرأتها . لم اتوقع هجوماً بلا مقدمات . واعترف انها نجحت بارباكي كما لم يربكني احد من قبل . ارباك انقلب الى سعادة , ثم فراق ثم شقاء.
          عرفتها في زيارة بيتيه لاحد اصدقائي. كانت تجلس في الصالون وتتبادل الحديث مع مجموعة من الصبايا في امور لا أذكرها , وربما لا أفهم منها شيئاً لو تذكرتها . بعضهن ارتبك لدخولنا فصمتن اما هي فواصلت حديثها بنفس الحيوية , بعد ان توقفت للحظة لرد التحية, مرفقة بأبتسامتها ... فراقبتها دون ارادة بطرف عيني . كان فيها شيئاً مميزاً لا تكتشفه بسهولة ولكنه يشدك . وجدت نفسي أغوص بما لا عهد لي به , لم أستطيع مبادلة صديقي حديثه, ولم يفهم ما يعتريني , ربما فهم وصمت , أخترقت احاديث الصبايا بلحظة مؤاتيه وبمهارة , قد تكون اثارت شكوك صديقي لتحولي المفاجيء من الملل بتبادل الحديث معه , الى الحماسة بالحديث اليها ... وللأخريات . بدأ الاستلطاف من حيث لا أدري . وحدث التعارف من حيث لم أتوقع . النظر اليها راحة , والرغبة بالازادة لا تعرف حدوداً . حين قامت لتذهب , اعطتني يدها ... أسلمت يدي بحماس ليدها . ضغطت بلطف وصعقتني "بانت تشدني" ... بصراحة وبلا مقدمات وبلا توضيح اضافي .
          وقالت:
          - سأتصل بك لنواصل حديثنا.
          قرصني صديقي بخصري فجفلت . إنتبهت فابتسمت ولم تضف , انما استدارت لتخرج وراء صديقاتها , وعدت لمللي من مواصلة الحديث غارقا بتوقعات وتحليلات سحرية .
          بعدها التقينا كثيراً . ربما قليلاً .. يتعلق بمفهومنا النسبي للكثير والقليل, ولكنها كانت لقاءات كافية لتوحد ما بيننا . كانت الفعل وكنت رد الفعل المشابه والمساوي له بالقوة . وتفاهمنا ان الاعجاب متبادل وبنفس القدر وان الاستلطاف تم واكتمل...فنعم ما حصل . قلت لنفسي ان كربي انفرج وأشرقت شمسي , وهذه بداية حقيقية للحياة . وقلت لنفسي هل تبيع اصلك الصعلوكي ومبادئك الملتهبة مقابل عشرتها؟! فقلت لنفسي ان الصبابة هي الخمر والمباديء هي الأمر . وهما مثل الليل والنهار , لا يحل الواحد مكان الأخر , انما يلتقيان في رقصة دائرية لا فكاك منها.
          اندفعنا بعشقنا , غافلين عما تخبئه لنا الأيام , وكانت وقائع حياتنا تتجلى بين لقاء ولقاء . كان لقبلاتها طعم خاص لم أعهده في مغامراتي الأولى , حتى توتري وهيجاني مختلفان , اكتشفت نفسي من جديد . اكتشفت الحب من جديد. انتشيت, سحرني ما انا به وتمنيت دوام الشروق . تمنيت دوام الاستقرار وقلت لنفسي :
          - ما انا به لم يراودني حتى في احلامي . وقلت : هذا منتهى احلامي ولن أطمع بامرأة غيرها .
          كنت اريدها برغبة لا تعرف الحدود... قالت :
          - اعرف ما تريد , وانا اريده كما تريده انت , ولكني لست بغجرية.
          - الغجرية حارة حتى في الشتاء وحين ترقص تصبح مرغوبة أكثر.
          - لا اعرف ما شدني اليك.ربما هذه حماقة حياتي الأولى.
          - اضيفي اليها حماقة اخرى , لينزل على قلوبنا الأطمئنان والسلام وانا حاضر لأي ثمن تطلبينه.
          قالت بشيء من الحدة والألم :
          - هل انا بغي لتفاوضني على ثمن لحبي؟!
          قلت مخففاً من زلتي :
          - لا تفسري كلامي بغير معناه. انا اسير هواك...أصرخ مستغيثا ًللمزيد , فأحتملي نزوات لساني... لن اتجاوز ما ترفضينه . ولكن الرغبة مجنونة... ضمت راسي لمنحدر صدرها تحت الرقبة فتمنيت الا يؤول الزمن الى انتهاء , تفحصت بنظراتي معالم وجهها وامتداد الرقبة بين الذقن والكتفين محاولا المقارنة بالأصل الذي اعرفه. اجابتني بنظرة تقول اشياء ولا تقول شيئاً , أتستعيد هي ايضاً ذكريات ايامنا الملتهبة ؟ تحتفظ بطعم قبلاتي؟ بانسلال اصابعي بين خصلات شعرها ؟ بتفحصي مناطق صدرها المحظورة؟ كم تمنيت ان اكتشف بالرؤية ما ينتهي به انحدار الصدر, وصدتني بقوانين عشقها الصارمة المتزمته. كنت احاول ان استجلي بالعناق عن طريق ضغط صدرها الى صدري , ما لم استجله بالرؤية المثبتة , والقبض عليهما بالجرم المشهود . صبرت حبيبتي على جنوني فتماديت .. ولكنها وقفت بالمرصاد . قالت لي ان مبادئي الثورية هي تغطية ناجحه لعبثي . قلت وهل تنفي المباديء الثورية الحب؟! قالت ولكنك عابث. كان حكمها غير قابل للاستئناف.
          حددت المسموحات واكدت الممنوعات . قلت بأني سأتقدم لطلب يدها.فصدتني. قلت :
          - انت تدفعيني للجنون , ويستعصي علي فهمك ...هل هناك قيمة لحبنا الا بالزواج؟
          - افضل من ان تدفعني للندم .. انت مغرور. انت طفل انت مستهتراً.. احياناً بلا تفكير؟
          - ترفضين ما اؤمن به من افكار؟ الم تجمع افكارنا بيننا؟!
          - ماذا تسوى بلا افكارك؟! ولكن ليت توازنك كأفكراك , ليت تفكيرك كأفكاري .
          - أكرر اقتراحي... أريدك زوجة لي , الزواج يعيد الي توازني , يوصلنا للسعادة .
          - انا خائفة ! احبك وخائفة . اقول لنفسي اني لن استطيع ان اكون لغيرك . وأقول لنفسي ان الحب سلطان كاذب , واقول لنفسي ان مصائرنا ليست بالضرورة ان تكون محكومة لرغبات نفوسنا. ربما ما بيننا هو طيشنا. هو لا وعينا . احبك واخاف. يهيأ لي اني ارتكب حماقة . أتألم واقع في حيرة. لا اعرف كيف اندفعت, ولا اعرف كيف اتوقف , اتمهل لاستعيد تفكيري . يجب الا نكذب على بعض . نحن مختلفان , اجتماعياً مختلفان. المسألة ليست بقدرتي على قبولك , ليس هذا ما يقلقني , ولكنك لن تقبل ذهنيتي الاجتماعية , لن تقبل اجواءنا , لن تقبل صياغاتنا و لن تقبل خصوصياتنا .
          واجهشت بالبكاء , اخذتها بين ذراعي بقوة , لامست وجنتيها بشفتي . استلطفت ملوحة دموعها وحرارتها.
          - ساتغير , سأتعلم ان احترم اسلوبكم ... المهم انت. يؤلمني عذابك!!
          - ليس هذا ما ابحث عنه. انا لم اخلق لما نحن به , اكاد انكر نفسي .أرفضها.
          بدأت افهم ما يعتري فكرها.بدأت المس خطأي في الاندفاع العابث المجنون .. واعترتني كآبة وتوجس . كان واضحاً اني رسبت في الامتحان .. فهمت ان ما شدنا الى بعض ليست رغباتنا . ربما اوهمتها بفلسفتي اموراً تبخرت. تلاشت مع العناق والقبلات , فلم يتبق الا الموضوع الصعلوكي , حتى في الحب قد اكون اندفعت باستهتار لأشباع رغبة مجنونة , فلم اميز بين الحب وبين المتعة العابرة . وها هي تستعيد توازنها . تبكي وتستعيد ادراكها. تحبني ولا تستطيع قبولي . استجديها فتبتعد اكثر . لأول مرة أتوجس ان تتركني امرأة , ان ابقى بدونها . كنت اركض من علاقة الى علاقة ومن رغبة الى رغبة , حتى وصلت اليها . حتى وصلت الي , فاتحدنا. كانت صريحة ومقنعة وساحرة في صراحتها . اقامت حدوداً جغرافية لا يجوز تجاوزها . وافقتها معتقداً ان قدرتي وفني كفيلان باختراق المستحيل . كنت مندفعاً مغروراً , وها أنا ادفع ثمن اندفاعي وغروري , رغم اني لم أحب امرأة كما احببتها , واعترف لا زلت احبها .. وهل يكفي الحب؟! نظراتها تلتقي نظراتي ولا تقول شيئاً . ربما تقول ما لا استطيع ادراكه. وبنظراتي اتفحص مشدوهاً المساحات التي اعرفها , واحاول ان اطابق بين الصور الباقية في ذهني والصورة المتجلية أمامي.
          وعلى حين غرة , وانا غارق في توجسي من انتهاء ما بيننا , باحثا عما يزيل كربي ويثبت قربي اليها , التفتت الي , وقالت بحزم طاريء.
          - انا احبك ..اعترف.. ولكن سعادتي وسعادتك بالافتراق. عرفت هذا منذ اليوم الاول, ولم اصدق حدسي ... لا تقل شيئا .. لا تزد حزني ... اريد ان اذكرك كما انت...
          قبلتني قبلة طويلة حرارتها فوق العادة . نظرت بعيني , ثم طبعت قبلة فوق جبيني , وتركتني وانطلقت دون ان تنبس بحرف أخر . ولفني الصمت .
          انتظرتها في المواعيد المتفق عليها , فلم تحضر , انتظرت بلا أمل ولم احاول الاتصال بها. وجررت نفسي بعيداً عن طريقها . اتجرع وحدتي وألمي . اضطرب توازني وثقتي بنفسي . عشت عذاب الفراق . زاهداً بما يحطيني , متحسراً على ما فقدت وحزيناً لانقضاء اجمل ما في حياتي . هل من وسيلة تستعيد فيها الذات ما تحب ؟! ما بدا حقيقة مجسمة تناثر بلحظة؟!
          مضي ربع قرن , خمس وعشرون عاما بالتمام والكمال. لم يفارقني حبها . لم يفارقني عبقها.
          اريجها عطرها حرارتها , ملوحة قبلتها الاخيرة ... ولكنه انزوى في حنايا الذاكرة . حبي لها اكتمل ولكن رغبتي لم تكتمل , وما كان لها ان تبلغ وتكتمل حتى لو وصلت لما اريد .... كنت اريدها ليس للحظة , اريدها لكل العمر , ولما بعد العمر لو تيسر ؟ علمت بزاوجها وهجرتها مع زوجها الأمريكي الجنسية, والقريب ... ربما هو السبب ؟! وها هي نظراتنا تلتقي , تقول اشياء ولا تقول شيئاً. تصمت ولا تصمت . كنت جالساً مع مجموعة اصدقاء في مطعم غير بعيد عن شواطيء البحر في عكا, ورائحة السمك المقلي الذكية تخدرني . فهو ملاذي بعد فقدانها, السمك والنبيذ الابيض المائل للأصفرار . ربما فقداني لها بطريقة لا تختلف عن تملص السمكة من يد صيادها , جعلني انتقم من الاسماك ... او احبها اكثر . رفعت كأسي المليئة بالنبيذ الأبيض , مستنشقاً عطره الاخاذ , حين التقت عيني بعينيها. كانت اكثر من صدفة . صدمة شعرت بعدها بارتعاش اطرافي وكأني أعود الى الماضي . وملأت الخمرة انفي بعبق انوثتها. ربع قرن وعبقها لا يفارقني شربت دون وعي ... اكلت دون وعي , وكنت مع اصدقائي وبعيداً عنهم , كنت معها وكانت معي ... وكان بيننا ربع قرن ... وأمتار قليلة!![/align]




          تعليق

          • آسيا رحاحليه
            أديب وكاتب
            • 08-09-2009
            • 7182

            #6
            الابداع هو الدمج بين الحقيقة والحلم ، بين الحقيقة والتخيل ، بين الحقيقة وفن الصياغة التي تقوم احيانا بفبركة ( اعادة بناء ) جديدة لكل الفكرة القصصية - الحدث ، التاريخ .

            أجل...هذا هو سيدي..
            و يكون هذا الدمج أحيانا قويا إلى حد أنّك أنت نفسك يضيع منك الخط الفاصل بين الحقيقة و الخيال .


            و كنا معك في هذا اللقاء ..بعد ربع قرن..
            و هذه النظرات التي لا تقول شيئا و..تقول كل شيء..
            وهذه الوقفة مع الزمن و الذكرى و النسيان و..امراة في العمرقد تكون هي كل النساء..
            -أعجبتني القصة..رائعة..و تلك الفلسفة عن الزمن حين يفقد معناه أمام وهج المشاعر.
            - هذه القصة توضّح دهشة النهاية و قوّتها التي قد تأتي في جملة واحدة أو كلمة واحدة ..مثل : ربع قرن و...أمتار قليلة..
            - سلم قلمك.تحيّتي لإبداعك.
            التعديل الأخير تم بواسطة آسيا رحاحليه; الساعة 02-04-2010, 07:12.
            يظن الناس بي خيرا و إنّي
            لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

            تعليق

            • محمد ثلجي
              أديب وكاتب
              • 01-04-2008
              • 1607

              #7
              [align=right]
              أخي الأستاذ القدير نبيل عوده ما أروع ما طرحت من أفكار ورؤى حول حقيقة وطبيعة القصة القصيرة. نشأتها وأهميتها وكيفية التعامل معها وبها.

              لدي مداخلة لموضوع بكيفية كتابة القصة كنت قرأته في إحدى الصحف اليومية وأظنه يتناسب مع هذا البحث الكبيروالذي أشكرك جداً عليه وعلى الفائدة مع تثبيته الفوري.

              قواعد لكتابةِ القَصَصْ


              ترجمة :غازي مسعود

              في العشرين من شهر شباط 2010، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية استطلاعاً بعنوان "عشرُ قواعدَ لكتابة القَصَصْ"، شارك فيه عشرون كاتباً ناطقاً بالإنجليزية.
              كتب كلُّ واحد منهم عشر قواعد، فكانت الحصيلة 200 قاعدة، ترجمتُ منها (بشيء من الاختصار) ما أعجبني أكثر من غيره، لأضعه بين أيديكم:

              إلمور ليونارد Elmore Leonard(أميركي):
              لا تبدأ كتابة روايتك أبداً بالحديث عن الطقس، وإذا كان حديثك عن الطقس لخلق جوٍّ، وليس ردَّ فعلِ شخصيَّة، فلا تُطِلْ، لأنك إن أطلت فسوف يقفز القارئ ليصل إلى الحديث عن الناس؛ تجنَّب التمهيد، فالتمهيد قد يكون مزعجاً، بخاصة إذا جاء بعد مقدمة جاءت بعد تصدير، اترك هذه الأشياء لكتابٍ غير قَصَصي؛ لا تستعمل صيغة الحال [أو الصفات] كثيراً، وإذا استعملتها تكون ارتكبت إثماً، فإذا قلتَ، على سبيل المثالً: بشجاعة، بقوة، بهدوء ... أو مُسرعاً، هائماً على وجهه ... أو جميلٌ، عاطفيٌ، ... فسوف يعرف القارئ أنك تُدخل أنفك في ما لا يعنيك، وبدلاً عن ذلك كله قلْ كيف فعلت الشخصيات ذلك؛ لا تستخدم أبداً كلمة "فجأةً"، والسبب واضحٌ، وقد لاحظتُ أن الكتّاب الذين يستخدمون الكلمة كثيراً هم الأقل سيطرة على كتابتهم؛ إن كنت تكتب عن منطقة ما فاستعمل لهجتها، أو عن أهل صناعة ما فاستعمل تعابيرها؛ لا تكتب تفاصيل كثيرة عن الشخصيات والأمكنة والأشياء، إلا إذا كنت مارغريت أتوود وتستطيع الرسم باللغة؛ تجنب كتابة الجزء الذي سوف يقفز القارئ عنه، وفكّر في ما تقفز عنه نفسك وأنت تقرأ رواية، أما قاعدتي الأخيرة التي تُلخص كل القواعد فهي: إذا بدت كتابتي لي ككتابة، فإنني أعيد كتابتها.

              مارغريت أتوود Margaret Atwood (كندية):
              خذْ معك قلم رصاص لتكتب به في الطائرة، فأقلام الحبر تَنِزُّ، وإذا انكسر قلم الرصاص، فإنك لا تستطيع بريَهُ في الطائرة، لآنك لا تستطيع حمل سكين فيها، لذا خذ معك قلمي رصاص؛ ركِّز انتباه القارئ (وسيكون عملك أفضل إن استطعت أنت تركيز انتباهك)؛ من الأرجح أنك ستحتاج معرفةً جيدة بالواقع، وهذا يعني أنك لن تحصل على غداءٍ مجاني، فالكتابة عملٌ، مقامرةٌ، لا تستطيع معه، في النهاية، الحصول على تقاعدٍ؛ لا تجلس أبداً في وسط الغابة، فإن ضِعت في الحبكة أو انسدت السبل أمامك، اقتفِ أثر خطواتك راجعاً، لتعرف أين أخطأت، ثم خذ طريقاً أخرى، و/ أو غيِّر الشخصية، غيِّر صيغة الفعل، غيِّر الصفحة الافتتاحية.

              رودي دويل Roddy Doyle(آيرلندي):
              لا تضع صورة مؤلفكَ المفضَّل فوق مكتبِك، بخاصة إن كان واحداً من المشاهير وانتحر؛ كن لطيفاً مع نفسك واملأ الصفحات بأسرع ما تستطيع، واعتبر كل صفحة جديدة تكتبها نصراً؛ لا تقلق للجودة إلا بعد أن تكتب 50 صفحة؛ اكتب عنوان عملك بأسرع ما تستطيع ... ستكون البقية أسهل مما تتصور؛ غير أفكارك، فكثيراً ما تحلُّ افكارٌ أفضلُ مكان أفكارٍ جيدةً.

              هيلين دنمور Helen Dunmore (إنجليزية):
              أعدْ قراءة ما كتبت، أعد كتابته، أعد قراءته، أعد كتابته، فإذا وجدت، بعد ذلك، ان ما كتبت لا يستحق المزيد من الكتابة، ألقِ به في سلة المهملات، وبعد ذلك ستشعر بالسعادة، لأنك لم تعد تعيش مع جُثثٍ؛ لا تقلق للآجيال القادمة - فكما لاحظ الشاعر لاركن Larkin (غير العاطفي) "لا يبقى بعدنا إلا الحب".

              جيوف داير Geoff Dyer (إنجليزي):
              لا تفكر أبداً بالبُعد التجاري لمشروعك، واترك هذه المهمة لوكيلك ومُحرِّرَكَ، وهذا نص مكالمة جرت بيني وبين ناشري الأمريكي. أنا: "إنني أكتب كتاباً مُملاً جداً، وإذا نشرتَه فسوف تخسر عملك". الناشر: "هذا بالضبط ما يجعلني أريد البقاء في عملي"؛ لا تكن واحداً من أولئك المؤلفين الذين يحكمون على أنفسهم بالبقاء طوال حياتهم يستقوون بنابوكوف Nabokov ؛ إحذر الكليشيهات: كليشيهات التعبير والحوار والشكل ...

              آن إنرايت Anne Enright (آيرلندية):
              الكتّاب السِيِّئون وحدهم من يعتقدون أن عملهم جيدٌ؛ الوصفُ صعبٌ، فتذكر أن كلَّ وصفٍ رأيٌ في العالم، واعثر على مكان تقف فيه لتصفه.
              رتشارد فورد Richard Ford (أميركي):
              تزوَّجْ امرأة تحبها وتعتقد أن كونك كاتباً فكرةٌ رائعة؛ لا تجادل زوجتك صباحاً ولا في وقت متأخر من الليل؛ لا تقرأ مراجعاتِ كتبكَ، ولا تكتب مراجعاتٍ لكتب غيرك، ولا تكتب رسائل إلى المُحرِّر؛ لا تتمنى السوء لزملائك، وحاول التفكير في أن حُسْنَ حظِّ غيرك تشجيعٌ لك؛ لا تشرب وتكتب في الوقت نفسه.

              جوناثان فرانتزِن Jonathan Franzen (أميركي):
              إن لم يكن القَصَصُ مغامرةَ المؤلفِ الشخصيةَ في المُرعِب أو غير المعروف، فلا يستحق الكتابة، اللهم إلا للنقود؛ اكتب بضمير الغائب إلا إذا فَرض ضمير المتكلم نفسه عليك بشكل لا تستطيع مقاومته؛ يتطلَّبُ قَصَصُ السيرةِ الذاتيةِ الصرفُ ابتكاراً صرفاً، فلم يكتب أحدٌ أبداً قصةَ سيرةٍ ذاتيةٍ صرفةً أفضل من "التحوّل" [لكافكا].

              إستر فرويد Esther Freud (إنجليزية):
              لا تنتظر الإلهام، فما يهم هو الانضباط؛ اقطع كافة المجازات والتشبيهات، ففي أحد كتبي وعدت نفسي أن أفعل ذلك، ولكنني انزلقت إليها في الفصل الحادي عشر، ولا زلت إلى الآن خجلة مما فعلت؛ تحتاج القصة إيقاعاً، فاقرأ قصتك بصوت عالٍ، فإن لم تبدُ ساحرةً، تكون قد افتقدتَ شيئاً؛ التحريرُ كل شيء، اقطع إلى أن لا تستطيع الاستمرار في القطع، وما يبقى بعد ذلك يتبرعم عادةً بالحياة؛ ثق بقارئك، فلا يحتاج كل شيء للشرح؛ لا تنسَ أن القواعد، حتى وإن كانت قواعدك، لم توضع إلا لتُكسر.

              بي. دي. جيمس PD James (إنجليزية):
              اقرأ كثيراً، واقرأ كتباً جيدة، فالكتابة السيئة مُعْدِيَةٌ؛ لا تخطط أن تكتب - اكتب، فبالكتابة فقط، وليس بالحلم بها، نطور أسلوبنا الخاص.

              هيلاري مانتل Hilary Mantel (إنجليزية):
              اكتب كتاباً تريد أنت أن تقرأه، فإذا كنت لا تريد أن تقرأه، فلماذا يريد شخص آخر أن يقرأه؛ إذا كان لديك فكرةُ قصةٍ جيدةٍ، لا تفترض أنها ستشكِّل سرداً نثرياً، فقد يكون من الأفضل كتابتها كمسرحية أو كقصيدة، فكن مرناً؛ ركِّز طاقتك السردية على نقطة التغيُّر، وهذا الأمر مهمٌ، بخاصة، في القَصَص التاريخي، فحين تنتقل الشخصيات إلى مكان جديد، أو حين تتبدَّل الأشياء حولها، تكون تلك نقطةُ التغيُّر التي يجب عليك أن تملأها بالتفاصيل، تفاصيل عالمها.

              مايكل موركوك Michael Moorcock (إنجليزي):
              قدِّم شخصياتك وثيماتك في الثلث الأول من روايتك؛ إذا كنت تكتب رواية تعتمد على الحبكة تأكد أن عناصر الحبكة موجودة في الثلث الأول من روايتك (المقدمة)؛ طوِّر شخصياتك وثيماتك في الجزء الثاني (التطور)؛ حل الثيمات والغموض والحبكة في الجزء الثالث (الحل).

              أندرو موشن Andrew Motion (إنجليزي):
              فكر بأحاسيسك كما بعقلك؛ احترم إعجاز العادي؛ احجز شخصياتك في غرفة واخبرها أن تبدأ بالعمل؛ فكِّر بالأمور الكبيرة، وحافظ على خصوصيتك؛ اكتب للغد، لا لليوم.

              جويس كارول أوتس Joyce Carol Oates (أمريكية):
              كن ناقدّكَ ومحرِّرَكَ، وتعاطف مع نفسك، لكن دون رحمة؛ لا تتوقع "قارئاً مثالياً" - قد يكون موجوداً في مكان ما، لكنه سيكون مشغولاً بقراءة كاتب آخر؛ إلا إذا كنت تكتب شيئاً طليعياً جداً - مُعقداً، متشابكاً، غامضاً، انتبه إلى إمكانيات كل فقرة؛ إلا إذا كنت تكتب شيئاً ما بعد حداثي جداً - واعياً بذاتك، عاكساً ذاتك، ومستفِزَّاً - انتبه لاستخدام كلمات سهلة مألوفة وليس كلمات كبيرة؛ تَذَكَّر قول أوسكار وايلد Oscar Wilde: "قليلٌ من الصدقِ خطيرٌ، وكثير منه مميتٌ بشكل مطلق.

              وِل سِلف Will Self (إنجليزي):
              لا تعدْ إلى الخلف إلا بعد أن تكون كتبت مسودة كاملة، وأبدأ كل يوم من نهاية أخر جملة كتبتها أمسِ، وهذا يعني أن أمامك قُوام عمل لتبدأ منه العمل الحقيقي - التحرير؛ توقف عن قراءة القِصص - فالقِصص كذبٌ، وليس فيها شيءٌ لم تعرفه سابقاً (هذا إذا كنت قرأت كمَّاً هائلاً من القصص سابقاً، أما إذا لم تكن قد فعلت ذلك، فلا شأن لك بكتابة القصص).

              زيدي سمث Zadie Smith (إنجليزية):
              تجنب الحديث عن العصابات والزُمَر والمجموعات في روايتك، فحضور الجماهير في كتابتك لا يجعلها أفضل مما هي.

              كولم تويبن Colm Toibin (آيرلندي):
              ابقَ في بجامتك الفكرية طوال النهار؛ إذا كان عليك أن تقرأ، إقرأ السيرة الذاتية لمن أصيبوا بالجنون.

              روز تريمين Rose Tremain (إنجليزية):
              إنسَ القولَ القديم الممل "اكتب عمّا تعرفه"، وابحث عن تجربة غير معروفة تُعزِّزُ فهمك للعالم واكتب عنها؛ استمع للنقد وما يُفضِّلُه "قُراؤك الأُوَل" الذين تثق بهم؛ في مرحلة تخطيط كتابك، لا تُخطط النهاية، فكل ما مرَّ قبلها هو الذي يُحدِّدها؛ إذا كنت تكتب قَصَصَاً تاريخياً، لا تكتب عن شخصيات معروفة جداً، فإن فعلت سيذهب القارئ إلى كتب التاريخ ليعرف عنها أكثر؛ تعلَّم من السينما: اقتصد في الوصف، ميِّز بين التفصيل المهم والتفصيل الذي لا حياة فيه، واكتب حواراً يتكلَّمه الناس فعلاً.

              سارة ووترز Sarah Waters (بريطانية):
              عاملْ الكتابة كوظيفة، فغراهام غرين Graham Greene كان يكتب 500 كلمة كل يوم؛ كتابة القَصَص ليست "تعبيراً ذاتيَّاً" أو "تحليلاً نفسياً للذات"، لأن الروايات تُكتب للقراء، وكتابتهنّ َتعني خلق بنية بارعة مؤثرة بصبرٍ وبراعة؛ لا تُفبرك، فإذا كنت حقاً كاتباً عظيماً فلن تحتاج أية قاعدة.

              جانيت ونترسون Jeanette Winterson (بريطانية):
              لا تقف أبداً إن تأزمت الكتابة معك، تنحَّى جانباً واكتب شيئاً آخر، لكن لا تتوقف كليَّاً؛ كن صادقاً مع نفسك، فإن لم تكن جيداً اقبل ذلك، وإن كان العمل الذي تقوم به غير جيد اقبل ذلك؛ لا تتمسك بعمل سيء، فإذا ذهب العمل السيء إلى الجارور لن يُصبح جيداً إذا أخرجته منه؛ لا تهتم لمن لا تحترمه؛ كن طموحاً لإنجاز عمل جيد لا للحصول على جائزة
              [/align]
              ***
              إنه الغيبُ يا ضيّق الصدرِِ
              يا أيها الراسخ اليومَ في الوهمِ والجهلِ
              كم يلزمُ الأمرَ حتى يعلّمك الطينُ أنك منهُ
              أتيت وحيدًا , هبطت غريبًا
              وأنت كذلك أثقلت كاهلك الغضّ بالأمنياتِ
              قتلت أخاك وأسلمته للغرابِ
              يساوى قتيلاً بقابرهِ

              تعليق

              • نبيل عودة
                كاتب وناقد واعلامي
                • 03-12-2008
                • 543

                #8
                الأستاذ محمد ثلجي
                شكرا على المادة المترجمة ، مادة رائعة تحكي أكثر من كل النظريات الأدبية .
                أجل لا يمكن تفسير دقيق ومنطقي للإبداع ، لأن فيه جنون ، فية تحرر من كل شيء بما في ذلك قواعد اللغة، والغرق بالأفكارالقصصية التي تغلق عليك كل منافذ الهرب ، وتجعلك صاغرا وعبدا للقلم والورق. أجل ما أجملها من عبودية . يتفلسف البعض ويصف الإبداع بالمخاض ، يا له من وصف غبي وقذر وبعيد عن الحقيقة .الابداع هو أشبه ب "اورغيا" تجمع الكاتب مع افكارة ومشاعره وابطاله وكلماته والعالم المتخيل الذي يبنيه . الكتابة الابداعية هي أجمل ساعات في حياة الكاتب .والا ما الذي يدفعني لإمساك القلم والعذاب الطويل واوجاع الجلوس ، بالظهر وتخشب الساقين واليدين وارهاق العينين ، والتحول الى صنم امام منضدتي واوراقي ، وتكرار الكتابة والتمزيق واعادة صياغة وانقطاع عن العالم حولي ، والتحول الى انسان انت نفسك لا تعرف نفسك ؟!

                تعليق

                • آسيا رحاحليه
                  أديب وكاتب
                  • 08-09-2009
                  • 7182

                  #9
                  ألف شكر للأخ محمد ثلجي.
                  يظن الناس بي خيرا و إنّي
                  لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                  تعليق

                  • محمد ثلجي
                    أديب وكاتب
                    • 01-04-2008
                    • 1607

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                    ألف شكر للأخ محمد ثلجي.
                    أختي الغالية آسيا رحاحلية الشكر لله وللأستاذ نبيل عودة على هذه الفسحة الجميلة والنافذة المهمة التي آمل من الزملاء المهتمين قراءتها والتواصل فيها لجني الفائدة المرجوة.
                    ***
                    إنه الغيبُ يا ضيّق الصدرِِ
                    يا أيها الراسخ اليومَ في الوهمِ والجهلِ
                    كم يلزمُ الأمرَ حتى يعلّمك الطينُ أنك منهُ
                    أتيت وحيدًا , هبطت غريبًا
                    وأنت كذلك أثقلت كاهلك الغضّ بالأمنياتِ
                    قتلت أخاك وأسلمته للغرابِ
                    يساوى قتيلاً بقابرهِ

                    تعليق

                    • نبيل عودة
                      كاتب وناقد واعلامي
                      • 03-12-2008
                      • 543

                      #11
                      [align=right]
                      شكرا على تثبيت الموضوع .
                      بالطبع اود الاشارة اني ناقد ولا اقرأ نظريات النقد ، الا ما يجعلني ملما بآخر التطورات. واعتمد على رؤيتي الفلسفية النقدية الفكرية وذائقتي الشخصية .
                      هذا المقال ليبس نظريات ، حاولت بتحرر ومصداقية كاملة ان أفهم العوامل التي تسيطر على حين تحين اللحظة ، ربما اكون قد بالغت في جانب او اغفلت جوانب أخرى ، ولكنها خواطر ، وليست قواعد .
                      ويبقى الابداع مادة متاحة امام المبدعين كل باسلوبة واتجاه تفكيره وحسب تجربته .
                      ودافعي للكتابة كان ان اقدم ما قد ينفع .
                      [/align]

                      تعليق

                      يعمل...
                      X