رسالة إلى شاعرٍ ناشئ/ Maria Rainer Rilke

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رود حجار
    أديب وكاتب
    • 28-07-2007
    • 180

    رسالة إلى شاعرٍ ناشئ/ Maria Rainer Rilke

    [align=right]من روائع الرسائل الأدبية:

    مقطع من رسالة من الشاعر النمساوي، Maria Rainer Rilke رداً على رسالة من شاعر ناشئ يطلب رأيه في القصائد التي يكتب،

    ترجمت إلى الفرنسية عن الألمانية ( النمساوية) من قبل Grasset و Rainer Biement .

    قمت بترجمتها للعربية، وأرجو أن تنال إعجابكم.


    مع جزيل الشكر للدكتور أسامة ربيع لاطلاعه ومراجعته للمقطعين الأول والثاني من الرسالة:


    رابط الموضوع :

    http://pagesperso-orange.fr/calounet...tres_rilke.htm[/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة رود حجار; الساعة 08-01-2008, 12:06.
    كنْ صديقاً للحياة واجعل الإيمان راية
    وامضِ حراً في ثبات إنها كل الحكاية
    وابتسم للدهر دوماً إن يكن حلواً ومراً
    ولتقل إن ذقت هماً: "إنّ بعد العسر يسراً"

  • رود حجار
    أديب وكاتب
    • 28-07-2007
    • 180

    #2
    [align=right]

    مقطع:

    باريس، 17 شباط 1903


    سيدي العزيز،
    وصلتني رسالتك للتوّ، و أود أن أشكرك على الثقة الغالية والكبيرة فيها، التي لا أستحقها. لن أبدأ بالحديث عن طريقة صياغة قصيدتك، فهاجس النقد يبدو غريباً عني. فضلاً عن أنه ليس هناك أقسى من كلمات النقد لدى التمتع بصُنعة فنية، إنه لا يقود إلا إلى سوء تفاهم مفيد أو غير مفيد.
    ولايمكن التماس مجمل الاشياء أو قولها (وليس كما يُراد إقناعنا).
    من الصعب أن نشرح معظم ما يجري ويحصل في مساحة لم يتطرق الحديث إليها على الإطلاق. وتبقى أكثر الإبداعات الفنية تعذراً على التعبير هي تلك الكائنات الخفية السرمدية التي تتعشَّق مع حياتنا الزائلة.

    بيد أنه لا يسعني أن أضيف على أشعارك أكثر من أنها لا تعبر عنك إطلاقاً. صحيح أنها تضم بذور شخصية، ولكن ما هي إلا بذور خجولة ومبهمة أيضاً. أحسست بذلك في قصيدتك الأخيرة : "روحي". ههنا تستشف شيئاً ما ذاتياً يريد أن يجد شكلاً محسوساً. وخلال قصيدة جميلة " إلى ليو باردي" يبدو نوع من التقارب مع هذا الأمير، الذي يعيش العزلة ، بيد أن أشعارك لا تملك وجوداً متميزاً، استقلالية، حتى تلك الأخيرة منها، حتى تلك المكتوبة إلى ليو باردي. رسالتك الطيبة التي صاحبتها لم تتردد أن تخبرني عن العديد من النواقص التي أحسست بقراءتي للقصائد بدون أن أتمكن من وضع مسميات لها.

    تتساءل عما إذا كانت قصائدك جيدة. توجه هذا السؤال لي. وقد سبق أن طلبت ذلك من آخرين. أرسلتها لهم للمراجعة. ها أنت تقارنها بقصائد الآخرين وتشعر بالذعر بمجرد وجود كتابات أخرى تزيح محاولاتك الشعرية. والآن ( وقد سمحت لي بنصحك ) فأرجوك أن نصرف النظر عن ذلك كله. اهتمامك كله قد انصرف لمن حولك، وهذا ما يتوجب عليك ألا تفعله بعد الآن. ما من أحد بمقدره أن يقدم لك المساعدة أو النصح، إطلاقاً. هناك طريق وحيد لا غير. توغل في أعماقك وابحث عن الحاجة التي تدفعك للكتابة: إمتحن فيما إذا كانت بذورها تنمو في أعمق أعماق قلبك. أقر أمام نفسك: أتنطفئ حياتك إذا ما منعت من الكتابة؟ وسؤال آخر مهم: أتسأل نفسك في ساعة ليلك الأكثر صفاءً: " أ مصِّر ٌ أنا على الكتابة حقاً ؟" ونقب في داخلك عن الإجابة الأكثر عمقاً. إذا ماكانت الإجابة مثبتة، إذا ماكان بمقدورك مجابهة سؤال على هذا القدر من الأهمية بهذه البساطة: " يتوجب عليّ"، إذاً شكِّل حياتك وفقاً لحاجتك هذه. حياتك التي هي حتى هذه اللحظة، الأكثر ضياعاً، الأكثر فراغاُ، يجب أن تصبح رمزاً ودليلاُ لهذا النماء.

    أُدن من الطبيعة، حاول، كما لو كنت الإنسان الأول، التعبير عما ترى، عما تعيش، إعشق، إخسر. لا تكتب أشعار الحب. تجنب في بداياتك هذه المواضيع شديدة الأُلفة: فهي الأكثر صعوبة. في هذه المواضيع تحضر تقاليد أكيدة، ومتألقة أحياناً، وبوفرة، لا يمكن للشاعر أن ينقل من خصوصيتها إلا بإيناع تام لطاقته.
    أعرِض عن الموضوعات الضخمة إلى تلك التي تمنحها لك يومياتك. عبّر عن آلامك ورغباتك، خواطرك التي تنبثق عنها و إعتقادك بها، بكل شفافية. عبّر عن ذلك كله باخلاص داخلي هادئ ومتواضع، استعمل للتعبير عن نفسك أشياءك المحيطة بك. لوحات خيالك وأدوات ذكرياتك، وإذا ما بدت لك يومياتك فقيرة فلا تتهمها، وإنما اتهم نفسك ونفسك فقط، بأنك لست بشاعرٍ بما يكفي كي توقظ الثراء في داخلك. ما من مادة فقيرة للإنسان المبدع، ليس هناك من أماكن معدمة، مهملة. حتى وإن كنت في زنزانة خانقة بجدرانها لكل ضوضاء العالم، أو لست مازلت مالكاً في جعبتك لطفولتك؟ ذاك الثراء، ذاك الغنى الملكي، هذا الكنز من الذكريات، اتجه بخيالك هناك. حاول أن تطفو بانطباعاتك المتسارعة عن الماضي العريض. شخصيتك ستزداد صلابة، ووحدتك ستتشعب، وستقطن خلال ساعات من النهار منعزلاُ عن الضجيج في الخارج. و عند هذه العودة لذاتك، لهذا الغوص في عالمك الخاص، إذا ما تألقت قصائدك، حينئذٍ لن يدور بخلدك أن تتساءل عما إذا كانت تلك القصائد جيدة أم لا. عندها لن تعطي أهمية لمراجعة تلك المجهودات، لأنك سوف تستلذ باقتنائك لها تلقائياً، وعندها ستحس بقيمتها الكبرى، كما لو كانت إحدى ضروريات الحياة وإحدى أدوات تعبيرك. العمل الفني يكون جيدا عندما يتولد عن احتياج. إنه المقياس الذي يقييم ذلك العمل. وما من نصيحة أخرى بإمكاني أن أسديها لك – سيدي العزيز- إلا هذه: تسلل إلى داخلك، واسبر غور أعماقك حيث يتفجر نبع حياتك. ها هنا تجد الإجابة على تساؤلك: هل عليك أن تبدع؟ ومن تلك الإجابة تلُمَّ الصدى دون إرهاقٍ لقريحتك التي لن تتفجر ربما إلا عندما يدعوك الفن. عندها تمسك بالقدر، إحمله، بكل ثقله واتساعه، بدون أن تطالب يوماً بثمن يمكن أن يأتيك من الآخرين. فالمبدع يجب أن يكون عوالم بذاته ولذاته، مكتفياً بذاته وفي ذلك الجزء من الطبيعة الذي يلتحم معه.

    قد تشعر بعد هذا الإحباط ، وعندما تكون وحيداً بأنه عليك التخلي عن طموحك بأن تكون شاعراً. ( و برأيي، يكفي أن تشعر بأنك قادر على تعيش بدون كتابة حتى تكون محظوراً من الكتابة.) وعندها يغدو هذا الإبحار الذي طلبته منك عقيماً بدون جدوى. حياتك بمجملها يجب أن تصبح شُعباً مؤدية للشِعر. و إني لأتمنى لك أن تكون تلك الطرق طيبة و مشرقة وعريضة، أكثر مما تتسع له كلماتي.

    ماذا يمكنني أن أضيف بعد؟ أظنني قد وضعت النقاط على كل الحروف. وبصدق، لقد سعيت أن أنصحك بالتطور تبعاً لقناعاتك، برصانة وصفاء. لا يمكنك بعد الآن أن تكدّر تطورك وبكل عنفِ عندما تتجه بأنظارك إلى الآخرين، مستجدياُ ممن حولك إجابات لا يملك منحها لك ربما إلا إحساسك الأكثر خصوصيةَ في أكثر الساعات صمتاً.

    سررت عندما قرأت في رسالتك اسم الأستاذ هوراسِك Horacek لطالما حملت لهذا العالم العزيز احتراماً كبيراً وامتناناً على مرِّ سنوات خلت. هل بإمكانك أن تخبره بذلك ؟ من الجميل أنه ما زال يذكرني وإني لممتن له بذلك.

    أعيد لك القصيدة التي أودعتني و بكل لطف، وأشكرك من جديد للمودة وسعة الثقة. لقد تحريت في إجابتي المخلصة هذه، أن أكتب كأحسن ما يمكنني أن أفعله، و من خلالها قد بدوت أنا، هذا الرجل الذي لا تعرفه، أكثرجدارة مما أنا عليه في الحقيقة.

    إخلاصي و مودتي.
    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة رود حجار; الساعة 08-01-2008, 12:07.
    كنْ صديقاً للحياة واجعل الإيمان راية
    وامضِ حراً في ثبات إنها كل الحكاية
    وابتسم للدهر دوماً إن يكن حلواً ومراً
    ولتقل إن ذقت هماً: "إنّ بعد العسر يسراً"

    تعليق

    • د. جمال مرسي
      شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
      • 16-05-2007
      • 4938

      #3
      لله ما أجملها من رسالة
      تحمل في طياتها معاني و نصائح لو التزمها كل شاعر ( ليس المبتدئ فقط ) لكان له شأن عظيم
      في عالم الشعر الذي يتوجب و يتطلب من الشاعر أن يكون صادقا أولا مع نفسه قبل أن يكون صادقا مع الآخرين .
      جملة من النصائح تصنع شاعراً من عدم فما بالك لو كان الشاعر مطبوعاً بالفطرة

      أختي نسيم زيات الكريمة
      كنت رائعة و أمينة في نقلك و أنا واثق أن الترجمة كانت موفقة طالما تمت مراجعتها من مبدعنا أسامة ربيع .
      فالشكر كل الشكر لك
      و سأثبتها لأن فيها نفعا عظيما

      مودتي و تقديري
      د. جمال
      sigpic

      تعليق

      • أسامة أمين ربيع
        عضو الملتقى
        • 04-07-2007
        • 213

        #4
        الأستاذ جمال،

        حينما أثار الزملاء موضوع الرسائل الأدبية وجابوا فيه بالطول والعرض تبسَّمت وعادت إلى ذهني ذكريات الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه شاعر الرومانسية الألمانية الأول ورأيت أن أقترح على زميلتنا الموهوبة الأستاذة نسيم ترجمة عيِّنة من أعماله. وفي هذه الترجمة تتجلَّى إمكانات الأستاذة نسيم وملكتها الأدبية، فقد استطاعت التصدي لنص أدبي يعدُّ بحق من أجمل نصوص الرسائل الأدبية في الأدب الأوربي خلال القرن التاسع عشر.

        وأنا اليوم حين أنظر بعيني الفاحصة إلى النصين ثمَّ يحلِّق بي الخيال إلى المعاني الأدبية والإرهاصات التي ينطوي عليها النصُّ الأصلي أجد متعة خاصة في قراءة الترجمة العربية التي استطاعت أن تعبِّر أجمل تعبير عن أفكار صعبة بكلمات موجزة استلزمت جملاً طويلة في النص الأصلي...

        وصدق شاعر النيل حين قال : أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

        تعليق

        • رود حجار
          أديب وكاتب
          • 28-07-2007
          • 180

          #5
          [align=right]الأخ الفاضل د. جمال مرسي ،،،

          يشرفني دائماً سخاء المرور وطِيب الكلمات...

          مع الشكر لتثبيت الموضوع، وقبله للمرور الكريم.


          مع كل التقدير.[/align]
          كنْ صديقاً للحياة واجعل الإيمان راية
          وامضِ حراً في ثبات إنها كل الحكاية
          وابتسم للدهر دوماً إن يكن حلواً ومراً
          ولتقل إن ذقت هماً: "إنّ بعد العسر يسراً"

          تعليق

          • رود حجار
            أديب وكاتب
            • 28-07-2007
            • 180

            #6
            [align=right]الأستاذ أسامة ربيع،،،

            رغم التوصيات التي جاءت من الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه عن عدم التأثر بكلمات المديح وانتظارها، ليس في الشعر فحسب، بل لكل عمل نؤديه،

            تبقى الكلمات من أساتذة في هذا الاختصاص-والترجمة هنا أعني- تحمل معنى مختلفاُ، وبعداً آخر،

            لا نملك إلا أن نسر لها في أعماقنا، فهي شهادة ثقة ومصدر اعتزاز دائماً.


            شكري وتقديري.[/align]
            كنْ صديقاً للحياة واجعل الإيمان راية
            وامضِ حراً في ثبات إنها كل الحكاية
            وابتسم للدهر دوماً إن يكن حلواً ومراً
            ولتقل إن ذقت هماً: "إنّ بعد العسر يسراً"

            تعليق

            يعمل...
            X