الأرواح..
لم يكن سوى يوم آخر من أيام الشتاء.. والشتاء هذا الصيف على غير عادته بارداً قارصاً كأنه سربٌ من البعوض .. أما الذي بجانبي فهو كجثة تأكل الطير من رأسه.. ما الذي أفتقده؟! أو الذي يجعلني أشعر أني أفتقده!!
قررت الهبوط في النصف الثاني من الليل.. كان الشارع فارغاً تماماً مثل صندوق مهجور.. وثمة قطط تشاكس أكياس الزبالة. تصدر أصواتاً بفعل الفراغ بالكاد أسمعها.. أصوات مخالبها تحاول تمزيق البلاستيك.. ربما الصوت الوحيد الذي نفذ إليَّ من الليل.
ولكن إلى أين أمضي.. حقاً لست أدري؟!
لكني كثيراً مشيت.. بضع كيلومترات أتنقل من شارع لآخر ومن حيٍّ لحي.. هكذا على غير هدىً كأني بطلاسم (إيليا). أو قصر المتاهة .. أو الهدهد المفقود..
في الليل ترْبُتُ على أجسادنا السواكن. لتأخذ فرصتها بالحراك. بينما ينعم المتحركون بالسكون.. يتبادل الكون دورته.. يختبئ النهار بالليل.. وينحسر الضوء في أبراج عالية لا نراها..
آآآآه ،تذكرت لا شك غمرني طوفان عينيها الجارف.. ثم انجرفت معه بفعل تياره الهادر... هو ذا.. ولكن أين تكون هي الآن؟!
في الليل نحن أشبه بالموتى داخل مقابر جماعية متراصة.. كلٌّ يتقلّبُ على ليلاه.. يقال أن الغائب في ملكوت النوم تغادره الروح، وتتنقل في الأرجاء.. تبحث عن مُلكٍ لها.. كلّها الملك الضلّيل!!.
على الأغلب تلتقي الأرواح وتتبادل الحديث وعلى الأعمّ تتكرر اللقاءات والزيارات. حياة أخرى ودنيا جديدة وربما أبعد من ذلك وأكثر شمولية.
من منا لم يتكرر ذات المشهد لمرتين أمامه؟! .
من الصعب تفسير تلك اللحظة التي تمر خطفاً. كأنك تعيش في مكان آخر، أو كأن هنالك ثمة أمور تحصل في الخفاء.. نتلمس معها الحياة. ونتنشق الهواء. نحث الخطى. نتبادل القبل والعناق. نتزوج، نطلق، نيأس، نتحرر، نتنقل بالطائرات والسفن والسيارات، نودع الأحبة، نتقبل الإهانة، نكظم الغيظ. ن ن ن ن ن ..
من الصعب تفسير تلك اللحظة التي تمر خطفاً. كأنك تعيش في مكان آخر، أو كأن هنالك ثمة أمور تحصل في الخفاء.. نتلمس معها الحياة. ونتنشق الهواء. نحث الخطى. نتبادل القبل والعناق. نتزوج، نطلق، نيأس، نتحرر، نتنقل بالطائرات والسفن والسيارات، نودع الأحبة، نتقبل الإهانة، نكظم الغيظ. ن ن ن ن ن ..
هي الأرواح إذن...
تعليق