للمساء هوية مثلنا نحن البشر, وهويته مختلفة بحسب الزاوية التي يحضر فيها, فإذا حضر عمودياً من بين نهدي امرأة جاء ليناً مشوباً بالسحر, وإذا حضر بزاوية حادة من أعز جمالها, جاء رطباً تخالطه نسمات محملة برائحة الطين أول المطر, ويأتي طويلاً مملاً إذا حضر في غيابها, أما المساء لمجموعة من الشباب في وطن لايتسع لأحلامهم, كان له نكهة أخرى, إلى حد ما تشبه نكهة البرتقال أول القطاف, يخالطها ريح قصائدهم الجريئة والمرتجلة, ورائحة الحبر المنبعثة من قصص نور والتي انتهى منها لتوه كما يقول, عندما يقرب الورق من أنفي طالباً مني أن أشم رائحة الورق, وتختلط رائحة الأصباغ المختلفة التي تلون يديه مع ضحكاتي وأنا أؤكد للجميع :إنها فعلاً طازجة ياشباب, وتدور القصة بيننا كغانية نقرأها بمتعة, ننتظر انتهاء آخرنا منها ليلقي كل واحد من الموجودين برأيه العتيد بالقصة, ونور شاخص إلى المتحدث بعينيه المدهوشتين دوماً منتظراً دوره ليرد, وهو قابض بيده اليمنى على اليسرى المستندة إلى بطنه المتين, ويهز برأسه أحياناً مؤكداً للمتحدث أنه يعرف ما يرمي إليه, ويأخذنا الكلام في حنايا الليل, وكلما اشتد البرد ضاقت المسافة بيننا, غاز صغير في المنتصف يعارك مع نسمات الليل الباردة, وغرفة مقفرة فيها سرير ومجموعة من عدة الطبخ وحصيرة عليها اسفنجة متعبة, وفي بقايا الأنحاء كتب مكدسة تحجب الزوايا, وفراغها الواسع بالكاد يتسع لسحب الدخان الممجوج من شفاه غضة لشباب في بداية العقد الثالث من العمر, وتدور العبارات في فضاء أرواحنا المشحونة بالفقر والخوف وبضع أحلام مستحيلة, كنا نبحث عن عبارة تميزنا, وتحمل في طياتها بعضاً من معارفنا, فالعبارة كانت هويتنا لذلك نتعب في استحضار أجملها, نتباهى بوصول المعنى بدون لبس أو غموض, ورغم أن الخوف والحذر سمتنا, لكن الحوار كان ينسرب على حين غرة باتجاه المحظور, ويتجاوز صوب الممنوع, ونختلف في تعريف الوطن وأشياء أخرى, ويحتدم الخلاف بيننا, تصبح الكلمة الواحدة مشكلة مستعصية على الحل, ولا يحسم النزاع إلا انتهاء آخر لفافة تبغ في علب سجائرنا,وكنت كلما اشتد الخلاف أقلب ألبوم الصور الخاص بصديقي نور وأسأله :من هذا في مقدمة الصورة ؟ فيجيب بتبرم ملحوظ: هذا أخي وهذه أختي,ويعلن انتهاء الليل سقوط شمس الصباح على جدران المنزل, فنعود إلى منازلنا مشابكي الأيدي, بوجوه ممتقعة من شدة السهر, وسعال يرافقنا لتنوع التبغ الذي تبادلناه طوال الليل, ولكن صدورنا كانت مفعمة بالحب والفرح, وعيوننا ملتمعة بذكرى الليل الذي أصبح البارحة من ساعات قليلة.
********************
عبروا فضائي بسرعة العتمة التي مزقت سترها أشعة الصباح المنسلة من عيونهم المنهكة, وارتميت أبحث عن أقرب مدخل لمملكة النوم, لأجتازه وأنطوي على تعب يستشري في عظامي, وأغلق عيني على بقايا أحلام تعاندني, وأسبلت دمي في شرايين عتيقة, ورحت أرقب عباراتهم التي تنداح في سقف الغرفة, أعيد صياغتها أخلطها وأعيد فرشها مجدداً, حتى يفقد الكلام مغزاه, ورغم ذلك بقيت عباراته وحدها تعاود الانفصال, وتسبح مستقلة عن بقية الكلام, حتى بات سقف غرفتي سؤالاً واحدا فقط: من هذا في مقدمة الصورة ؟ كان يسألني وهو يقلب ألبوم الصور الذي يعتبر المكان الوحيد الممكن لتجتمع فيه أسرتي, وكنت أجيب بصبر: هذا أخي, وهذه أختي....
أصبح النوم صعب المنال بعد أن قلبني على المواجع, وأنا ينتظرني يوم عمل شاق, تخالطه خلافات تافهة مع زبائن لايملون من الشكوى, ولا يدفعون أجري إلا بعد أخذ ورد يطول, خاصة وأن مهنتي لايمكن تقدير الأجر فيها, وما من قواعد تنظمها, وبالرغم من أن خطي من الخطوط الواعدة, ولكن هيهات لزبائني تقدير ذلك أو فهمه, يتبارون معي في اختصار اللوحة الإعلانية حسماً للنفقات, وبالرغم من كل ذلك أنا مضطر للمتابعة في هذا الصراع, لأن مهنتي تؤمن لي الاستمرار في دراستي الجامعية, وفي استقلالي عن أهلي الذي اخترته من زمن, والاستقلال ميزتي في كل شيء, فرغم أن معظم أصدقائي شيوعيون, إلا أني لم أكن شيوعياً حتى في أوقات الفراغ, لذلك عندما غاب معظمهم تباعاً, لم تهتم بي أية جهة أمنية, بالرغم أنه لم يكن هناك أي مقياس عند هذه الجهات في طلب أي منهم, فواحد منهم غاب لفترة طويلة بسبب حيازته لجريدة الحزب التي لاتنقص أعدادها في غرفتي, تقلبت في فراشي من هذا الاكتشاف المفاجئ, والذي كاد يودي بالنعاس المنسل في مفاصلي, فآثرت العودة إلى جملة نطقتها ويده تشير إلى الصورة : (وهذه أمي).
********************
********************
عبروا فضائي بسرعة العتمة التي مزقت سترها أشعة الصباح المنسلة من عيونهم المنهكة, وارتميت أبحث عن أقرب مدخل لمملكة النوم, لأجتازه وأنطوي على تعب يستشري في عظامي, وأغلق عيني على بقايا أحلام تعاندني, وأسبلت دمي في شرايين عتيقة, ورحت أرقب عباراتهم التي تنداح في سقف الغرفة, أعيد صياغتها أخلطها وأعيد فرشها مجدداً, حتى يفقد الكلام مغزاه, ورغم ذلك بقيت عباراته وحدها تعاود الانفصال, وتسبح مستقلة عن بقية الكلام, حتى بات سقف غرفتي سؤالاً واحدا فقط: من هذا في مقدمة الصورة ؟ كان يسألني وهو يقلب ألبوم الصور الذي يعتبر المكان الوحيد الممكن لتجتمع فيه أسرتي, وكنت أجيب بصبر: هذا أخي, وهذه أختي....
أصبح النوم صعب المنال بعد أن قلبني على المواجع, وأنا ينتظرني يوم عمل شاق, تخالطه خلافات تافهة مع زبائن لايملون من الشكوى, ولا يدفعون أجري إلا بعد أخذ ورد يطول, خاصة وأن مهنتي لايمكن تقدير الأجر فيها, وما من قواعد تنظمها, وبالرغم من أن خطي من الخطوط الواعدة, ولكن هيهات لزبائني تقدير ذلك أو فهمه, يتبارون معي في اختصار اللوحة الإعلانية حسماً للنفقات, وبالرغم من كل ذلك أنا مضطر للمتابعة في هذا الصراع, لأن مهنتي تؤمن لي الاستمرار في دراستي الجامعية, وفي استقلالي عن أهلي الذي اخترته من زمن, والاستقلال ميزتي في كل شيء, فرغم أن معظم أصدقائي شيوعيون, إلا أني لم أكن شيوعياً حتى في أوقات الفراغ, لذلك عندما غاب معظمهم تباعاً, لم تهتم بي أية جهة أمنية, بالرغم أنه لم يكن هناك أي مقياس عند هذه الجهات في طلب أي منهم, فواحد منهم غاب لفترة طويلة بسبب حيازته لجريدة الحزب التي لاتنقص أعدادها في غرفتي, تقلبت في فراشي من هذا الاكتشاف المفاجئ, والذي كاد يودي بالنعاس المنسل في مفاصلي, فآثرت العودة إلى جملة نطقتها ويده تشير إلى الصورة : (وهذه أمي).
********************
تعليق