كتب مصطفى بونيف
قصـــتي القصيـــــرة !

لم يسبق لي أن كتبت قبل منتصف الليل ، دقت الساعة الصفر وخرجت من سريري كأنني "الكونت دراكولا " ..حين يخرج من تابوته ..وتوجهت إلى مكتبي ..لقد قررت هذه المرة أن أكتب قصة قصيرة ..الأمر في غاية السهولة ..بطل واحد أعجنه كما أشاء ..قد أجعله بدينا أو نحيفا ، وسيما يجنن البنات حوله ، أو أحدبا دميما يقرع الأجراس ..ويمد يده متسولا في شوراع باب الواد ..وليس هنالك شيئ أسهل من تأليف العقدة ..أقفلها في وجهه أكثر مما هي مقفلة ..ثم أفرجها في وجهه ...لكن ماذا دهاني للكتابة عن هؤلاء ..؟
سأجعل بطلة قصتي القصيرة فتاة جميلة ..أتفنن في رسم ملامحها الفاتنة ، شعر أشقر ذهبي ، وعيون زرقاء ..وقوام..سأسميها " رشا " ...فتاة في قمة السعادة ..سأجعلها تسكن قصرا فخما في العاصمة ..ولأنها جميلة وتستحق ستكون ابنة وزير ...السيد وزير الداخلية ...وأمها سيدة مجتمع ..
فجأة شعرت بنوع من عدم الرضا ...فالكتابة عن الأغنياء تتطلب أن أكون قريبا منهم ، من نفس طبقتهم ...وأنا رجل على باب الله حين أضرب صحن العدس أرفع يدي شكرا لله على نعمة الحديد ، ويعتبر اليوم الذي يطبخ فيه اللحم عيدا قوميا تحتفل به الأسرة ..
مزقت الورقة ..وقررت أن أكتب عن فتاة جميلة أيضا ..لكنها فقيرة اسمها سميرة ، عيونها سوداء واسعة ، وبشرتها مثل القمر في الليلة الرابعة عشر ، فمها مرسوم كالعنقود ، شعرها غجري مجنون على الخدود ( يهفهف ) ...ويرجع يطير !!.
ومع ذلك فهي ابنة رجل فقير ، أكل الفقر على ظهره وشرب ..مشلول وحالته تثير شفقة الكافر ، أما أمها ماتت في عملية انتحار جماعي قامت به نسوة الحي بمناسبة عيد المرأة احتجاجا على الفقر ...وبينما أنا منهمك في كتابة قصة سميرة حتى شعرت بيد ناعمة تمسك يدي لتوقفها عن الكتابة ، رفعت رأسي فإذا بها "رشا " ...قالت بصوت مبحوح " لماذا لم تكتب عني ، هل لأنني غنية تعتقد بأنني سعيدة ؟ ...أنا أتعس من صديقتك سميرة ، وأستحق أن تكتب عني " ..
جلست على الأريكة ووضعت وجهها بين كفيها وراحت تجهش في بكاء يقطع القلب ..أخذت منديلا ورقيا واقتربت منها ..مسحت دموعها التي كانت تسيل أنهارا من عينيها وفتحتي أنفها ..
" أبي الوزير ...".. قاطعتها مذعورا " السيد معالي وزير الداخلية ما به ؟"
واصلت قائلة : - أبي مهدد بالإقالة منصبه بسبب تكالب خصومه السياسيين الذين فتحوا له ملفات ملفقة عن الرشاوي ..والعلاقات الخاصة ، وربما سيخرج من الباب الضيق بعد أن يصادروا منه كل شيئ ، فالموضة هذه الأيام هي تقديم كبش فداء من السلطة لتبقى مسيطرة على زمام الأمور.. ، ثم إن أبي تزوج من سكرتيرته الشابة على والدتي التي لا تعرف شيئا ، ولو عرفت سوف تموت بحسرتها وبعد أن يرتفع سكرها وضغطها ..."
- كنت أعتقد أن السكري والضغط أمراض تخص الفقراء فقط ..
- أمي مريضة ، وهي من أوصلت أبي إلى المجد الذي هو فيه لكنه يلعب بذيله ويخونها .
بدأت أشعر بالإشفاق نحو "رشا " ..التي انفجرت مرة أخرى بالبكاء ..
" لكن عقدتي الأكبر هي أنني أحببت شابا ، والده مدير بنك ...أخذ مني أعز ما تملكه الفتاة وهرب .."
قلت لها مشمئزا .." ابن الكلب الجبان " ..
- واصلت تحكي ودموعها تنزل كالمطر .." المشكلة أنني حامل في الشهر الرابع ، وبطني بدأت في البروز وأخاف أن يكتشف أهلي المصيبة ..ربما يضرب أبي رأسه برصاصة ويموت منتحرا ستكون فرصة لتنهش الكلاب لحمه "
قاطعتها : وأمك عندها السكر والضغط !.
اقتربت منها ومسحت دموعها : " فعلا أنت تستحقين أن أكتب عنك "
مزقت الورقة ..وبدأت في الكتابة عن رشا ..ومأساتها .
فجأة ..اهتز مكتبي بعد أن ضربته فتاة تلبس ملابسا رثة ..وحالتها تدل على فقر مدقع ..إنها سميرة بشحمها ولحمها أمامي ..قالت والشرر يتطاير من عينيها
" حتى أنت يا ابن البلد يا ابن الحي ..تركتني "
وقفت من مكاني مسرعا إليها حين رأيتها تتمايل كأنها ستسقط على الأرض ..
لحقتها وجلست معها على نفس الأريكة التي كانت تجلس بها رشا ...
شربت جرعة ماء ..وقالت لي :
- أليس حراما عليك جعلت أبي مشلولا ، وأمي انتحرت في عيد المرأة ، و أنا أتسول في الشوراع ..كل هذه المآسي ولا تريد أن تكتب عني أو أن تجد حلا لمشاكلي ..وأنا التي لم تدخل مدرسة في حياتها بسبب الفقر ..وإذا كانت صاحبتك رشا تفطر كل يوم ، أنا أفطر مرة واحدة في كل خمس سنوات ..
قلت لها : يا سميرة ..أنا كاتب قصص ولست رئيس جمعية خيرية ، مشكلتك لا يحلها أديب ..
ثارت سميرة وقالت : لا يهمني ، أنت من صنعني وأنت مسؤول عن حل مشكلتي ...ولن أخرج من هنا إلا وفي يدي الحل ...
قلت لها : تزوجي من شاب غني ...
قالت : ومن أين يأتيتي الغني ، لا أنا بنت جامعة ولا مدرسة ثانوية ..وأولاد الحي كما تعرفهم ..أصبحوا يشبهون رجال العصر الحجري من شدة الفقر ..؟
ابتمست وقلت لها : الأمر بسيط ..يشتد المرض بوالدك فتضطرين للبحث عن طبيب ، وأنت في الطريق يصدمك شاب غني ابن مدير بنك بسيارته ، ويأخذك أنت ووالدك إلى المستشفى ، وهناك يطلب يدك منه ويتزوجك ..، وتنتقلين من الكوخ إلى القصر ووالدك يسترجع صحته ..وربما سأزوجه .
طارت سميرة من الفرحة وذهبت سعيدة ..بنهايتهاالتي عزمت أن أكتبها لها ...
بدأت في كتابة القصة ..فإذا بشاب وسيم .. ..يلهث وكأنه هارب من الشرطة ..سألته من أنت ؟ فقال لي " أنا شكيب ابن مدير البنك "..
أجلسته على نفس الأريكة التي جلست عليها رشا وسميرة ، وأحضرت له كأس ماء شربه في ثانية ..تمدد وهو يتنهد قائلا ...
- السيد وزير الداخلية يريد أن يقتلني ...
قلت له ..".هذا أنت يا لئيم ..سلم نفسك إلى الشرطة فورا المكان محاصر "
رد يائسا : لماذا رميت في طريقي تلك الفتاة الفقيرة .. ؟
- لكي تتزوجها وتنقذها مما هي فيه من فقر وإحباط ..
-لقد أخذتها إلى المستشفى ، وتعلقت بي ...وأقمنا علاقة غير بريئة ..حتى حبلت مني ..وهي الآن في شهرها الرابع ..
نظر إلى القلم الذي أكتب به ..وأخذه من يدي مبديا إعجابه الشديد بشكله وقال لي " من أين اشتريته ؟" فأخبرته بأنه هدية من صديق بلجيكي ...
قلت له : تزوج منهما ، لا تكن لئيما فشخصيات قصصي كلها على خلق .
ضحك وقال لي : حاضر يا سيدي سوف أتزوجهما ... ثم اختفى !.
قررت أن أكتب النهاية السعيدة بزواجه منهما ...لم أجد القلم ..لقد أخذه ابن ال ... حقا ابن مدير بنك !!.
استلقيت على سريري ...لا يمكنني أن أكون كاتب قصص قصيرة !
فجأة شعرت بنوع من عدم الرضا ...فالكتابة عن الأغنياء تتطلب أن أكون قريبا منهم ، من نفس طبقتهم ...وأنا رجل على باب الله حين أضرب صحن العدس أرفع يدي شكرا لله على نعمة الحديد ، ويعتبر اليوم الذي يطبخ فيه اللحم عيدا قوميا تحتفل به الأسرة ..
مزقت الورقة ..وقررت أن أكتب عن فتاة جميلة أيضا ..لكنها فقيرة اسمها سميرة ، عيونها سوداء واسعة ، وبشرتها مثل القمر في الليلة الرابعة عشر ، فمها مرسوم كالعنقود ، شعرها غجري مجنون على الخدود ( يهفهف ) ...ويرجع يطير !!.
ومع ذلك فهي ابنة رجل فقير ، أكل الفقر على ظهره وشرب ..مشلول وحالته تثير شفقة الكافر ، أما أمها ماتت في عملية انتحار جماعي قامت به نسوة الحي بمناسبة عيد المرأة احتجاجا على الفقر ...وبينما أنا منهمك في كتابة قصة سميرة حتى شعرت بيد ناعمة تمسك يدي لتوقفها عن الكتابة ، رفعت رأسي فإذا بها "رشا " ...قالت بصوت مبحوح " لماذا لم تكتب عني ، هل لأنني غنية تعتقد بأنني سعيدة ؟ ...أنا أتعس من صديقتك سميرة ، وأستحق أن تكتب عني " ..
جلست على الأريكة ووضعت وجهها بين كفيها وراحت تجهش في بكاء يقطع القلب ..أخذت منديلا ورقيا واقتربت منها ..مسحت دموعها التي كانت تسيل أنهارا من عينيها وفتحتي أنفها ..
" أبي الوزير ...".. قاطعتها مذعورا " السيد معالي وزير الداخلية ما به ؟"
واصلت قائلة : - أبي مهدد بالإقالة منصبه بسبب تكالب خصومه السياسيين الذين فتحوا له ملفات ملفقة عن الرشاوي ..والعلاقات الخاصة ، وربما سيخرج من الباب الضيق بعد أن يصادروا منه كل شيئ ، فالموضة هذه الأيام هي تقديم كبش فداء من السلطة لتبقى مسيطرة على زمام الأمور.. ، ثم إن أبي تزوج من سكرتيرته الشابة على والدتي التي لا تعرف شيئا ، ولو عرفت سوف تموت بحسرتها وبعد أن يرتفع سكرها وضغطها ..."
- كنت أعتقد أن السكري والضغط أمراض تخص الفقراء فقط ..
- أمي مريضة ، وهي من أوصلت أبي إلى المجد الذي هو فيه لكنه يلعب بذيله ويخونها .
بدأت أشعر بالإشفاق نحو "رشا " ..التي انفجرت مرة أخرى بالبكاء ..
" لكن عقدتي الأكبر هي أنني أحببت شابا ، والده مدير بنك ...أخذ مني أعز ما تملكه الفتاة وهرب .."
قلت لها مشمئزا .." ابن الكلب الجبان " ..
- واصلت تحكي ودموعها تنزل كالمطر .." المشكلة أنني حامل في الشهر الرابع ، وبطني بدأت في البروز وأخاف أن يكتشف أهلي المصيبة ..ربما يضرب أبي رأسه برصاصة ويموت منتحرا ستكون فرصة لتنهش الكلاب لحمه "
قاطعتها : وأمك عندها السكر والضغط !.
اقتربت منها ومسحت دموعها : " فعلا أنت تستحقين أن أكتب عنك "
مزقت الورقة ..وبدأت في الكتابة عن رشا ..ومأساتها .
فجأة ..اهتز مكتبي بعد أن ضربته فتاة تلبس ملابسا رثة ..وحالتها تدل على فقر مدقع ..إنها سميرة بشحمها ولحمها أمامي ..قالت والشرر يتطاير من عينيها
" حتى أنت يا ابن البلد يا ابن الحي ..تركتني "
وقفت من مكاني مسرعا إليها حين رأيتها تتمايل كأنها ستسقط على الأرض ..
لحقتها وجلست معها على نفس الأريكة التي كانت تجلس بها رشا ...
شربت جرعة ماء ..وقالت لي :
- أليس حراما عليك جعلت أبي مشلولا ، وأمي انتحرت في عيد المرأة ، و أنا أتسول في الشوراع ..كل هذه المآسي ولا تريد أن تكتب عني أو أن تجد حلا لمشاكلي ..وأنا التي لم تدخل مدرسة في حياتها بسبب الفقر ..وإذا كانت صاحبتك رشا تفطر كل يوم ، أنا أفطر مرة واحدة في كل خمس سنوات ..
قلت لها : يا سميرة ..أنا كاتب قصص ولست رئيس جمعية خيرية ، مشكلتك لا يحلها أديب ..
ثارت سميرة وقالت : لا يهمني ، أنت من صنعني وأنت مسؤول عن حل مشكلتي ...ولن أخرج من هنا إلا وفي يدي الحل ...
قلت لها : تزوجي من شاب غني ...
قالت : ومن أين يأتيتي الغني ، لا أنا بنت جامعة ولا مدرسة ثانوية ..وأولاد الحي كما تعرفهم ..أصبحوا يشبهون رجال العصر الحجري من شدة الفقر ..؟
ابتمست وقلت لها : الأمر بسيط ..يشتد المرض بوالدك فتضطرين للبحث عن طبيب ، وأنت في الطريق يصدمك شاب غني ابن مدير بنك بسيارته ، ويأخذك أنت ووالدك إلى المستشفى ، وهناك يطلب يدك منه ويتزوجك ..، وتنتقلين من الكوخ إلى القصر ووالدك يسترجع صحته ..وربما سأزوجه .
طارت سميرة من الفرحة وذهبت سعيدة ..بنهايتهاالتي عزمت أن أكتبها لها ...
بدأت في كتابة القصة ..فإذا بشاب وسيم .. ..يلهث وكأنه هارب من الشرطة ..سألته من أنت ؟ فقال لي " أنا شكيب ابن مدير البنك "..
أجلسته على نفس الأريكة التي جلست عليها رشا وسميرة ، وأحضرت له كأس ماء شربه في ثانية ..تمدد وهو يتنهد قائلا ...
- السيد وزير الداخلية يريد أن يقتلني ...
قلت له ..".هذا أنت يا لئيم ..سلم نفسك إلى الشرطة فورا المكان محاصر "
رد يائسا : لماذا رميت في طريقي تلك الفتاة الفقيرة .. ؟
- لكي تتزوجها وتنقذها مما هي فيه من فقر وإحباط ..
-لقد أخذتها إلى المستشفى ، وتعلقت بي ...وأقمنا علاقة غير بريئة ..حتى حبلت مني ..وهي الآن في شهرها الرابع ..
نظر إلى القلم الذي أكتب به ..وأخذه من يدي مبديا إعجابه الشديد بشكله وقال لي " من أين اشتريته ؟" فأخبرته بأنه هدية من صديق بلجيكي ...
قلت له : تزوج منهما ، لا تكن لئيما فشخصيات قصصي كلها على خلق .
ضحك وقال لي : حاضر يا سيدي سوف أتزوجهما ... ثم اختفى !.
قررت أن أكتب النهاية السعيدة بزواجه منهما ...لم أجد القلم ..لقد أخذه ابن ال ... حقا ابن مدير بنك !!.
استلقيت على سريري ...لا يمكنني أن أكون كاتب قصص قصيرة !
مصطفى بونيف
تعليق