(ثلّاجة الموتى)
➖➖➖➖➖➖
في ثلّاجة الموتى تحت الصفر بعشرين شهر كنتُ الجثّة، وكنتِ على وتر القهر تعزفين بعد منتصف الليل معزوفة "زومبي"، وكلانا جاحظ العينين بين الجثث، وخلفنا خفافيش تثير الرماد فينكشف الجمر..
وحين ألملم تهوّري المبعثر، وتقلّب مزاجي المكسّر، وتقلّبي بين الممات والحياة على فوّهات الناي الحزين، أطلب منك أمنيَّتي الأخيرة ألّا تلومي ازدواجيّة مواقفي، ففي صفحات الهوى رعديد، وفي ساحات النزال صنديد كالــ "دون كيشوت".
وأن لا تلومي برجي الجوزاء الذي يكبِّل أنفاسي بزوبعة الحياة، ويعصرني بإعصار المصير، فيلتفّ كثعبان حول أضلعي، فأنهار شلّالات وأنهاراً من الكآبة، أنا جمرة ملتهبة وقطع مثلّجة حبيسة في كأس الأوغاد..
أنا تعبٌ حين أراك سنبلة خاوية من الحَبِّ والحُبّ، لكأنّك مباركة بالابتلاءات.
أنا تعبٌ حين يبدأ قلبي يدندن بترانيم القحط، وحين يبدأ قلمي يخطّ عجاف الكلمات، وتتساقط حروفي جفافاً في احتضاري، ويُردم تراب العويل على قصيدتي الجدباء القاحلة...
فهل الشمس غابت واختفى النجم وغارت الينابيع؟! وتطايرت أوراق الرزنامة؟ واضمحلّ تقويم العزّ؟ وهل ضاع تاريخُ طفلٍ عاشقٍ دوَّن اسمكِ في كرّاسةٍ لحظة هجوم الأنجاس على المدينة!؟
لم يبق في المدينة بعد الاجتياح إلّا الفاسدون فقد أحرقوا تلك الكرّاسة!!
ولم يعد غصن الزيتون ينبض بالزيت، ولم تعد تفرش موائد الرحمن بالمودّة، فالكلّ بات يصارع الغلاء، فــ كرة الثلج تكبر، وكرة الحقد تكبر، كرة الاستغلال تزداد، كرة الاستبداد تنبض واللقمة ممزوجة بالدماء...
والقهوة ممسوخةٌ، طحلٌ بلا هال...
لم أعد أستيقظ على "والضحى والليل إذا سجى"...
بات الفجر صاخباً وأصبحتْ أوصالي متعبة ...
متعبٌ يا سيّدة القمح، يا زهرة الليمونة، ويا غصن الياسمين، يا بلاد التين والزيتون، هل بات الإسراء فيك ألماً وتعباً؟؟؟
تُرى متى سيكون المعراج؟!!! ولملمة الجراح؟ ومتى يفوح التفّاح؟!
أم سأظلّ وإيّاكِ نُنْحَرُ مرّات ومرّات ونُزجّ جثثاً في ثلّاجة الموتى تحت الصفر بعشرين شهر، ثمّ ننادي أيّان يبعث الزهر...
فادي شعار
تعليق