هذيان الأنا والقلم جَنى !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • لبنى علي
    .. الرّاسمة بالكلمات ..
    • 14-03-2012
    • 1907

    هذيان الأنا والقلم جَنى !




    ويأتي المساء ، وتفترش النجوم بساط السماء ، ويُطِلُّ
    القمرُ من عليائه ، يعلو ويخبو نورُهُ ، ويشتدُّ كُحْلُ السّماءْ .
    وأنا أجلسُ على شرفتي ، على يميني كتُبي والأقلام ، وعلى
    يساري أوراقي وعلبة الألوان ، وأمامي حديقةٌ غنّاءُ تزهو
    بالألوان ، إلّا أنّ الّليلَ صبَغَها بِلَون أهدابهِ ، حتى فراشاتها
    والأطيارُ والحَمام .

    وأُمِسكُ بقلمي ، فَيفِرُّ من بين أصابعي ، وريشتهُ صمّاءُ
    ولسانُ حاله يقولُ دَعكِ عنّي ، دعيني في حيرتي أتَبَعثَرُ
    وأُبحِرُ في المَجهول ، فلَكَم دَقَّتْ فَوقَ رأسي طبول ، وما
    زِلتُ أجهَلُ عن حيرتي وإسرافي في أمري مَن المسؤول .

    وأحارُ في أمره ، وقد سكَنَ مِنّي قَلبَ أفكاري
    وجَبهَتي ، وكُلُّ ما أقولُ كانَ في قاموسه مَسموع .
    فلطالَما أبكَيتُهُ وغاضَ بين الدموع ، وتراقَصَ مِدادُهُ
    على لَحنِ آهاتي ، وعزَفَتْ قِيانُ الضّلوع .

    واليومَ ما بالُهُ إذا ما أسمَعتُهُ لَحنَ أفكاري ، يَشيحُ
    بِوَجهِه عَنّي ، ويفِرُّ من بين أصابعي ، ويسكُنُ صَدْرَ
    أوراقي ؟ فماذا عساه يترجِم القلم وقد أثقلَته الهمومُ
    وتياراتُ الأفكار ، وما نضَب منه المداد ، إنّما ألَحّت
    عليه أوجاعُه ، ونزَفَ مِدادُه ، وحينها غصّ به القلمُ
    وتبعثرت حروفه .

    وأنظر إلى القمر وقد تحلّقت حوله النجوم ، يُسامرها
    وتُسامرُه ، ويشاكسها وتشاكسه ، فيضيع الهم والضجر
    والمشاعر الأُخَر ، ورقّ لهم المدار ، فلا عواصف ولا أنواء .
    وأنظر وقلمي ينظر معي ، ولا يقوى على الحراك ولا حتى
    بإيماءة من رأسه القاسي كالفولاذ ، وعيناه جاحظتان كما لو
    أنْ مسّه دُوار ، أو لعَلّ به جِنَّةٌ ، أو أصابه شعورٌ باغتراب .

    وأتساءلُ : القمر ما كُنهُه ، ما لونُه ، ما شكلهُ ؟
    هل فيه أنهارٌ من عسل ، أو ماءٌ أو لبن ؟
    وهل يعيش فيه الطيرُ و يتنفس الشّجرُ ، والفراشاتُ
    والنحلُ والحورُ والمَها والغادات الأُخَر ؟
    وأتساءلُ و يُصغي لصَوت التساؤلات ، لكن
    كما العودُ حين يَرِقّ فيه الوتَر .

    واعتكف القلمُ بعد أن أغطَشَ اللسان ، فلم يعُد لديه مَيلٌ للجِدال
    ونظرتُ إلى الأفق البعيد ، وتساءلتُ هل يعرف أهل القمر العيد ؟
    وهل ساكنيه سعيدةٌ وسعيد ؟ أم حالُهم كحالنا ننسى الشقاء
    بشَقاءٍ جديد ، ونُداوي كُل جَرح بِجَرحٍ جَديد ؟!

    وأرنو إلى القمر وقد أضاء شرفات السهر ، وروحي تُسِرُّ له النّجوى وتتساءلُ :
    يا ساكن السماء ، في بيتك في العلياء يصلك الخبر ، ففي جعبتك أخبار وصور ..
    وحكايا عن البشر .. وهمس النسيم للنخيل .. وأعراس العنادل فوق الشجر ..
    ما كُنهك ؟ ما لونك ؟ ووجهك ما شكله؟ أضاحِكٌ أم عابِسٌ ؟ أم بدرٌ مُصوّر ؟ سُبحان مَن صَوَّر !

    وبدأت الرسم بريشة الخيال وإبداع الفنان ، ليكون بالإمكان أفضل
    مما كان ، فالقمر معشوقٌ والعاشق فنان .. وشراعي الوحي والإلهام
    والجمال هو القبطان .
    وأخذت أرسم القمر وفي خيالي له صور ، بيت
    وحِجارةٌ حمراء ، وأبوابه مشرّعَةٌ للشمس والهواء ..
    وزقزقة عصافير .. وخرير ماء .. وموقد .. ونار
    ودلّة قهوة ترحب بالزوار .

    ويُحَدِّقُ في الرّسم القلم ، ويقول يا للعجب !
    أرض جرداء .. حجارة صمّاء .. زَرعُ مَوتٍ ..
    وحصادُ صَمتٍ .. وخيبةُ آمال .. وفي عيونكِ
    حدائق غنّاء ! فعالمك يعُجُّ بالألوان .
    ولا أرى الألوان إلّا دواءً و صَبرًا على مُر الزمان .
    ولكن لم يكُن بالحسبان ، وأنت أميرتي وملهمتي ، تتساوى
    في قاموسكِ أُطُر الحقيقة والخيال ، بل وينصهران في
    لوحة تَجريدية مُكتملة الأركان .

    فأمسكت بالقلم ، وهَدهَدتُهُ وقلتُ : يا صديقي القلمُ ، حتى الشهد
    في أوانيه يُخالِط حُلوَه المَرارُ .. فكل نفسٍ تأبى الإنكسار ، وتبني
    حولها شرنقةً من وَحي الخيال ، وهواجس الأماني وحجم الأحلام حتى
    لا يضيع العقل ، ويقذف بنا إلى غياهبِ الذهولِ الزمانُ .. فصعبٌ لِمنْ
    وقع في الجُبِّ أن يُغادِره دون أن يمُر عليه الرّكبان وتأخذه معها حيث الأمان .
    فما الخيال إلا صمام الأمان حين تحاصرنا الأهواء والأفكار ، ويستعصي
    علينا القرار ، حتى الكلام .
    وما بين الحقيقة والخيال ، يمضي بنا الترحال ، وتُزهر فينا آمال ، وتموت آمال ..
    وهكذا دواليك إلى أن تلفظ أنفاسها شعلة الحياة .

    وقاطعني القلم وقال : إذا ما انقشع عن سمائي الضباب والعُقاب ، وما عادت الشمس
    يحجبها سحُبٌ ولا أمطار ، فلا تحلَمي أن أكُفَّ عن الجلجَلَة والهذيان .
    فكيف يُمسي الحاضر والماضي سيان ، وبَقايا سطور في كتاب الزمان لِمَن يُعمِل ذِهنَه
    ويُميّز الألوان ؟! .

    فقلت وفي عيوني تتراقص عرائس الليل والأقمار ..
    و ما أجمل الليل إذا كان القلم والريشة والأفكار
    والأوراقُ والألوان والأوتارُ له عيونٌ وسُمّار .

    ويأتي المساء .. وكما بدأْنا نعودُ .. ولمْ تَزَلْ
    النجومُ تفترش بساطَ السّماء .. وعيوني تُناظرُها .. وتُناظرُني السّماء ..
    والقلمُ ما بيننا في حالةِ ترقُّبٍ وهَذَيان .

  • منيره الفهري
    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
    • 21-12-2010
    • 9870

    #2
    أهلا لبنى علي الرائعة
    مرحبا بك و بكتاباتك الجميلة
    نسعد بك بيننا عزيزتي

    تعليق

    • جلال داود
      نائب ملتقى فنون النثر
      • 06-02-2011
      • 3893

      #3
      واعتكف القلمُ بعد أن أغطَشَ اللسان ، فلم يعُد لديه مَيلٌ للجِدال
      ونظرتُ إلى الأفق البعيد ، وتساءلتُ هل يعرف أهل القمر العيد ؟
      وهل ساكنيه سعيدةٌ وسعيد ؟ أم حالُهم كحالنا ننسى الشقاء
      بشَقاءٍ جديد ، ونُداوي كُل جَرح بِجَرحٍ جَديد ؟!


      *****
      تحياتي الاستاذة القديرة منيرة الفهري

      اتجول بين طيات هذا الملتقى
      اقف عند سطور وكلمات
      وهنا في هذه الجزئية وقفت لمدة طويلة
      وتساءلت: ام حالهم كحالنا ننسى الشقاء بشقاء جديد
      لا فض فوك

      تعليق

      • لبنى علي
        .. الرّاسمة بالكلمات ..
        • 14-03-2012
        • 1907

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
        أهلا لبنى علي الرائعة
        مرحبا بك و بكتاباتك الجميلة
        نسعد بك بيننا عزيزتي
        أهلاً بمنيره البهاء ونبض الياسمين ..
        طبتِ وطبتِ وأزاهير الصّفاء

        تعليق

        • لبنى علي
          .. الرّاسمة بالكلمات ..
          • 14-03-2012
          • 1907

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة جلال داود مشاهدة المشاركة
          واعتكف القلمُ بعد أن أغطَشَ اللسان ، فلم يعُد لديه مَيلٌ للجِدال
          ونظرتُ إلى الأفق البعيد ، وتساءلتُ هل يعرف أهل القمر العيد ؟
          وهل ساكنيه سعيدةٌ وسعيد ؟ أم حالُهم كحالنا ننسى الشقاء
          بشَقاءٍ جديد ، ونُداوي كُل جَرح بِجَرحٍ جَديد ؟!


          *****
          تحياتي الاستاذة القديرة منيرة الفهري

          اتجول بين طيات هذا الملتقى
          اقف عند سطور وكلمات
          وهنا في هذه الجزئية وقفت لمدة طويلة
          وتساءلت: ام حالهم كحالنا ننسى الشقاء بشقاء جديد
          لا فض فوك
          أهلاً بالنبيل جلال
          وتحية لكَ من لبنى
          دمتَ و رُقيّ النبض وأزاهير البيان ..

          تعليق

          يعمل...
          X