كان يسير خارج الزمان كانت قدماه تلامسان أرصفة القلب....
أو هكذا بدى لي الأمر...هي سكرات الموت ...إذاً...!!
كم من مرة على الإنسان أن يموت كي يدركَ موته...؟
كم من مرة علينا أن نمُرَ بتلك المقبرة ...؟ و ذاك القبر المفتوح على العالم....و الكفن الممدود بملل ....و ما
هو السرُّ وراء كل رحيل...؟ يبقى سؤالاً مطروح , فقط اولائك الذين مارسوا الموت يمكنهم الإجابة عليه ,و من منا لم يَمُتْ ...؟!
كل العيون تنظر بالإتجاه المعاكس ... و عيناك شاخصتان و الوجه يشبه شاطئ مهجور لا يمر عليه عشاق
البحر ...أمواج الحياة شريطٌ من الأحداث مثل نشرة الأخبار الموجزة سريعاً يمر بك و لا يتوقف ....كل لقطة
منه تغرز في خاصرتك خنجرٌ ساخن ... هل تعلمون ما الفرق بين الخنجر البارد و الساخن....؟
دعوني أحكي لكم عن الخناجر الساخنة تلك التي تأتيك غفلة ....تُغرزُ في الخاصرة , في القلب , و ما أن
تلامس الدم حتى تزداد حرارتها... فتحدث إشتعالاً في الجسد ...قد يُحرقَ الروح و لا يبق منك شيء...
تتلاشى أنت ... ليعانق الصمتُ رهبة السكونْ .. ْ.. ْ.. ْ.. ْ..... و المصيبة أن الصبر مثل الثلج ...لكنه لا
يطفئ الجرح ...و السؤال مازال ينتحر في الأعماق , كل من حولك يسأل لماذا ....؟
و كأنك المسؤول حتى عن تلك الهزائم ..!! ربما طرحتُ الكثير من الأسئلة اليوم لنكتفي بهذا القدر ...
و لننظر قليلاً إلى تلك اللوحة السوداوية ...ربما رمادية , لوحة تحمل عنوان الأنا ...و بعض الكلمات ...
في نهاية الجملة صفر و في بعض المواضع أصفارٌ كثيرة ... ما عندي مشكلة مع الصفر لكن ما يثير الغرابة
أنها كلها على يسار الجُمَلْ ... كأن تقول لك أن كل ما قرأته حتى الآن لا قيمة له...!!ما علاقة الأصفار
باللاقيمة أو ما علاقتنا باللاقيمة...؟
حين انتزعتُ من فراشي لم أكن قد أدركتُ بعد ما الذي يحدث ...كنتُ أسمع صرخات و أشياء لم أدركها .
شيءٌ من الغضب كان يغطي الوجوه و آخر يسأل ما الذي يحدث ..,, نظراتٌ تشتهي التيه ..
تعلم أني غرقتُ بالضياع...لم أفهم بعد لما نناضل من أجل قضية الهزيمة فيها رُتبت سلفاً و رفيق الدرب و
الجلادُ كلاهما واحد..,, يمكن أن نكتشف الكثير لو مارسنا موتنا علناً , يمكن أن نرى إلى أي حد يمكننا
الوصول , و إلى أي حد يمكن للروح أن تبتعد قبل أن تشتاق لحرارة الجسد , كنتُ أصلُ إلى كل تلك الأماكن
التي تمنيتُ أن أصل إليها ذات يوم ...
, صافحتُ كل الأيدي المضمخةُ بالدم مررتُ بكل الطرقات التي حملت أسمائهم و رائحتهم ..تمر بأرصفة
الخريف و أوراقهُ المُحرَقة الصفراء ...تحاول تعبئة الرئتين بهواء المكان و رائحة الأوراق لعلك لن تحظى بزيارتها
مرةً أخرى .
مطرودٌ , مهزوم , من حضن وطن لا يرحم , لا يمنحُك غير النتانة و العفن .. وكفن يوهبُ لك من لحظة
قدومك للحياة , كأن يقول لك وجودك هنا رهن إشارة من الجلاد...
عقلٌ مُرهق و لحنٌ واحد يُسمع في فضاء المكان , عقلٌ يتقاذفُ الأحداث , و السؤال تلو السؤال و تختفي
الإنسانية تغدو رماد , خلف لوحة مليئة بالحروف و اللغات , و أحتسي كأس الغياب , كأس الرحيل , أمرٌ
عجيب أن تخرج من جسدك لترى كل شيء و أي شيء...! و دبابيس الوجع تنتهز الفرصة لتغرز أظافرها في
الصدر في محاولة لإعادتك اليكْ ,
غالباً ما يكون الإنسان مُعتقل بإعتقاداته و يقينه من الأشياء التي يؤمن بها , لكن في مثل تلك المواقف
تخذله كل الأشياء حتى تلك التي كان يظن أنها منه و هو منها...تهربُ منه الكلمات ...يسير بخطوات عبر
دهاليز الذاكرة المتعبة من كثرة المارين بها . , يمر بأكوامٍ من الحطام بخلايا ..أرصفة حمراء و سوداء أُتلفَت
كلُ معالمها , تشوهت و شُوهت كل الأمكنة المحببة اليك , تترك لك أسماء مشوهة , كلما داست قدماك
على أرصفتها أحدثت إنفجار ...
تَسمَعُ دوي الإنفجار في إيقاع النفس , فتثير نار الشوق و الحنين , هل يعقلُ أن تشتاق لجلادك ...؟
تتسللُ اليكَ خيوطُ الشمس عبر النافذة بملل تحملُ الدفء تنثره على جسد تائهٌ ما بين الرحيل و البقاء...
هل جربتَ الغرق ..؟ هل مررت بالشاطئ في فصل شتوي غاضب ... و الموجة ترتفع لتبتلعك و تأخذك إلى
قعر البحار ... أنه شعورٌ رهيب , أن تتنازل و تعطي للموجة كل الصلاحيات الممكنة لتأخذ منك كل شيء ت
تاركةً الروح هناك تتطفو فوق السطح ليراك الجميع كما أردتَ أن تُرى ...أن تشعر و أنك قطعة خشبية .
ثم تتمكن من الإحساس بإنطفاء الروح كما تنطفأ الشمعة ,
ثم يفاجئني الحدث ,,لا لم يفاجئني كنتُ على يقين بأن هذا سيحدث ذات يوم لأن هذا القلب المتعب لن
يستطيع معي الإستمرار , لم أخشى على ذاتي كنتُ أحملُ حيرتي و الهموم و أسيرُ بعيداً عنها ...أباغتُ
الدمع و أقتلهُ في الأحداق ...
لا أريد لأحد أن يشرب حسرتي ... أتابع المسير في ثبات غريب , غادرتني كل الألوان و لبستُ درع الدفاع ,
فما أن يواجهني حدث مؤلم حتى تراني أشدُ الواقفين ...إلى أن أنهكني الوقوف على عتبات الضياع ...
29\01\2010
تعليق