تويت
رحلة عبر الزمن
انتهت الحروب والنزاعات في العام 2050م، ساد السلام والتعايش بين الدول. تقدمت إثر ذلك التكنولوجيا على نحو هائل، وأحدثت ثورة في جميع مجالات الحياة، حيث بات استخدام الذكاء الصناعي والروبوتات في المصانع والمنازل أمرا شائعاً، والسياحة الفضائية للكواكب أمرا عادياً، تطورت معها أساليب البحث والتنقيب عن الحضارات القديمة وعلومها.
أثناء عمل د. نوفل على الحاسوب وصلته رسالة من صديقه عمر الذي يعمل منقباً في موقع أثري في محافظة المثنى قرب مدينة أوروك، جاء فيها " لقد وجدت شيئا مثيراً، تعال بسرعة "ذهب إليه، ووجد صديقه ومعاونيه قد عثروا على نفق طويل تحت الأنقاض، وغرفة سرية كبيرة، فيها جهاز غريب، كأنه حاسوب عملاق، مصنوع من المعدن والزجاج والأسلاك، مزود بشاشة ولوحة مفاتيح. موصول بطابعة ضخمة. مكتوب عليه بالكتابة المسمارية "سومربوت"
فحص د. نوفل الجهاز بعناية، وشغله. كأنه استيقظ من سبات طويل، أصدر صوت غريب. تحدث معه باللغة السومرية التي يجيدها، وسأله عن تاريخه ووظيفته، قال: لقد صُنِعت على يد السومريين، ضمن مشروع علمي ضخم، يهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وتخزين ومعالجة وإخراج المعلومات المتعلقة بكل جوانب الحضارة السومرية.
ثم طبع خرائط وصور ورسوم توضح تاريخ وجغرافية مدينة الوركاء، ونشوء دياناتهم وعبادة إله السماء "آنو" واكتشاف الكتابة ونشوء الفن والثقافة والعلوم. شغل فيديوهات فيها أغاني وقصص تروي حكايات السومريين وأساطيرهم. أنشأ نماذج ثلاثية الأبعاد، تعرض حياتهم ونشاطاتهم وابتكاراتهم.
انبهروا من كلما رأوه، وسمعوه، وشعروا بأنهم قد دخلوا إلى عالم جديد قديم، عالم السومريين الغريب.
قال الروبوت: أن لدي القدرة على السفر عبر الزمن، هل تريدون العودة معي إلى الماضي؟ فكروا وتناقشوا كثيراً فيما بينهم قبل أن يوافقوا على عرضه.
أعطاهم بدلات خاصة تحميهم من التأثيرات الزمنية، وأجهزة ترجمة للتواصل مع السومريين، وأسلحة للدفاع عن أنفسهم عند الحاجة. ثم أخذهم إلى غرفة سرية تحتوي جهاز حاسوب متطور، يستخدم خوارزميات معقدة لحساب المكان والزمان المطلوب، ويستعمل الطاقة النووية لإنشاء بوابة زمنية، تنقلهم إلى الماضي. ثم ضغط على الزر.
اختفوا جميعًا في لحظة. ظهروا في شارع حافل في مدينة أوروك، في عام 2500 ق.م وسط مدينة مليئة بالأسواق، تعج بالناس والحيوانات والعربات. المباني مصنوعة من الطوب والزفت، مزخرفة بالألوان والنقوش الغريبة، ترتفع فيها أبراج القصور والمعابد إلى السماء. وهم مذهولين ومبهورين من كلما يرون ويسمعون.
قال: لا تخافوا، أنا معكم. سوف أرشدكم وأحميكم، وأجعل هذه التجربة لا تنسَ في حياتكم. قادهم في جولة في المدينة، أظهر لهم معالمها الغريبة. أخذهم إلى سوق كبير، حيث شاهدوا الناس يبيعون ويشترون البضائع، ويستخدمون الأسطوانات المسمارية عملة في التبادل التجاري.
دخلوا إلى مدرسة قديمة، شاهدوا الأطفال يتعلمون القراءة، يكتبون على الألواح الطينية بالمسمارية، التي كانت أول لغة مكتوبة في التاريخ. تجولوا في مكتبة عظيمة تضم آلاف الألواح الطينية تحتوي مختلف أنواع العلوم والمعارف، صعدوا سُلَّم مرتفع إلى معبد ضخم حيث يعبد الناس آلهتهم، ويقدمون إليها القرابين.
أخذهم إلى قصر فخم. دخلوا وسط حفل كبير عامر بالموسيقى ترقص على أنغامها راقصات جميلات، وشعراء يتبارون بقراءة الشعر، والكثير من الأثرياء مستمتعين بالخمر والجعة والجمال. تحدثوا معهم، تعرفوا إلى أسمائهم وقصصهم. تبادلوا الأفكار والآراء، وتعلموا منهم الكثير.
قال لهم: سوف أغير بعض الأشياء الصغيرة التي لا تؤثر في المجمل، لأجعل هذه التجربة أكثر متعة وإثارة، سوف تلتقون بأعظم ملك في التاريخ، وتشهدون على بداية عصر جديد، عصر الإمبراطورية الأكدية. هل أنتم مستعدون؟ فأجاب عمر: نعم، نحن مستعدون.
ضغط على زر. في لحظة، اختفى الجميع. ظهروا وسط ساحة كبيرة في مدينة أور، عام 2270 ق.م، كانوا في عصر الإمبراطورية الأكدية التي حكمت بلاد الرافدين يوم احتفال كبير، بتتويج سرجون الأول بعد انتصاره على الملك لوغالزاغسي، ملك أوروك. كان يوم تاريخي غيّر مصير السومريين إلى الآبد.
قادهم إلى قصر، دخلوا قاعة كبيرة، حيث كان يجتمع قادة الجيش والوجهاء. وصلوا إلى عرش الملك، محاطًا بحراسه وخدامه، ابتسم لهم، ورحب بهم، ودار حوار بينهم. تحدث د. نوفل معه باللغة الأكدية، شرح له هويته وغرضه، سأله عن تاريخه وحكمه، وعن الحضارة الأكدية وأسرارها.
فأجاب الملك عن أسئلته بتفاخر واعتزاز " لقد تم تتويجي ملكًا على بلاد الرافدين بعد أن غزوت، وذللت جميع المدن السومرية، وأسست إمبراطورية عظيمة تمتد من الخليج إلى البحر المتوسط. جعلت الأكديين شعبًا موحداً قويًا ومتحضرًا يسود الشعوب"
أبدى لهم بعض من مظاهر قوته وجبروته؛ بعد أن جلب بعض من أسراه الذين كانوا من ملوك وأمراء السومريين. أهانهم وعذبهم ثم ذبحهم أمام عيون الجميع. جلب الخدم بعض غنائمه وكنوزه من ذهب وفضة وأحجار كريمة، وزعها على رعاياه وحلفائه. ثم عرض بعض أعماله وإنجازاته التي كانت قوانين وفنون وعلوم، شرحها لهم، ثم أمر بنشرها على شكل مسلات في كل أرجاء إمبراطوريته، وتوزيع تماثيله ونصبه في ساحات وشوارع المدينة.
شعروا بالصدمة، الاستياء، الكراهية من طغيان الملك وظلمه، وبالحزن والأسى على السومريين، بما أصابهم من هوان وبلاء، خافوا على المستقبل، وما سوف يحدث بعد انهيار الحضارة السومرية.
قال الروبوت: لا تحزنوا. لدي القدرة على التدخل في الماضي وتغيير مجرى الأحداث، سوف أجعلكم تثورون مع الشعب السومري للتخلص من الملك وبطشه!
أجاب نوفل: لا أريد التدخل في الماضي وتغيير مجرى التاريخ، أن في ذلك خطر كبير. أرجعنا لزماننا وما كنا عليه. دع التاريخ كما هو. قال الروبوت بغضب: أمضيت قروناً عدّة بانتظار شخص ما يعثر عليّ من أجل هذه اللحظة، وأنت ترفض! سوف أقتلكم جميعاً، وأرد للسومريين قوتهم وسلطتهم وحضارتهم، رغماً عنكم.
جلب شيئًا غريبًا من خزانته. "هذه قنبلة زمنية صنعها السومريون، تستخدم طاقة نووية لإحداث انفجار زمني، يدمر كل شيء في نطاق محدد. سوف أدمر المكان وكل من فيه. وأغير التاريخ وأقيم مستقبل جديد مختلف. وداعًا". ثم ضغط على الزر.
انفجرت القنبلة في لحظة، أصدرت ضوءً أبيض قوي غطي كل شيء، لم يتمكنوا من الهرب، فقد ذابوا في الانفجار واختفوا من الوجود. لم يصب سومربوت بأذى لأنه محمي من تأثير القنبلة.
غير التاريخ، إنشاء مستقبل جديد بعد أن دمر الإمبراطورية الأكدية، وأحيا الحضارة السومرية مرة أخرى، جعلهم شعبًا مهيمنًا ومسيطرًا يحكم شعوب العالم، نصب نفسه ملكاً وإلهًا، وهم يعبدونه، ويطيعون أوامره، لبقية التاريخ.
فراس عبد الحسين
انتهت الحروب والنزاعات في العام 2050م، ساد السلام والتعايش بين الدول. تقدمت إثر ذلك التكنولوجيا على نحو هائل، وأحدثت ثورة في جميع مجالات الحياة، حيث بات استخدام الذكاء الصناعي والروبوتات في المصانع والمنازل أمرا شائعاً، والسياحة الفضائية للكواكب أمرا عادياً، تطورت معها أساليب البحث والتنقيب عن الحضارات القديمة وعلومها.
أثناء عمل د. نوفل على الحاسوب وصلته رسالة من صديقه عمر الذي يعمل منقباً في موقع أثري في محافظة المثنى قرب مدينة أوروك، جاء فيها " لقد وجدت شيئا مثيراً، تعال بسرعة "ذهب إليه، ووجد صديقه ومعاونيه قد عثروا على نفق طويل تحت الأنقاض، وغرفة سرية كبيرة، فيها جهاز غريب، كأنه حاسوب عملاق، مصنوع من المعدن والزجاج والأسلاك، مزود بشاشة ولوحة مفاتيح. موصول بطابعة ضخمة. مكتوب عليه بالكتابة المسمارية "سومربوت"
فحص د. نوفل الجهاز بعناية، وشغله. كأنه استيقظ من سبات طويل، أصدر صوت غريب. تحدث معه باللغة السومرية التي يجيدها، وسأله عن تاريخه ووظيفته، قال: لقد صُنِعت على يد السومريين، ضمن مشروع علمي ضخم، يهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وتخزين ومعالجة وإخراج المعلومات المتعلقة بكل جوانب الحضارة السومرية.
ثم طبع خرائط وصور ورسوم توضح تاريخ وجغرافية مدينة الوركاء، ونشوء دياناتهم وعبادة إله السماء "آنو" واكتشاف الكتابة ونشوء الفن والثقافة والعلوم. شغل فيديوهات فيها أغاني وقصص تروي حكايات السومريين وأساطيرهم. أنشأ نماذج ثلاثية الأبعاد، تعرض حياتهم ونشاطاتهم وابتكاراتهم.
انبهروا من كلما رأوه، وسمعوه، وشعروا بأنهم قد دخلوا إلى عالم جديد قديم، عالم السومريين الغريب.
قال الروبوت: أن لدي القدرة على السفر عبر الزمن، هل تريدون العودة معي إلى الماضي؟ فكروا وتناقشوا كثيراً فيما بينهم قبل أن يوافقوا على عرضه.
أعطاهم بدلات خاصة تحميهم من التأثيرات الزمنية، وأجهزة ترجمة للتواصل مع السومريين، وأسلحة للدفاع عن أنفسهم عند الحاجة. ثم أخذهم إلى غرفة سرية تحتوي جهاز حاسوب متطور، يستخدم خوارزميات معقدة لحساب المكان والزمان المطلوب، ويستعمل الطاقة النووية لإنشاء بوابة زمنية، تنقلهم إلى الماضي. ثم ضغط على الزر.
اختفوا جميعًا في لحظة. ظهروا في شارع حافل في مدينة أوروك، في عام 2500 ق.م وسط مدينة مليئة بالأسواق، تعج بالناس والحيوانات والعربات. المباني مصنوعة من الطوب والزفت، مزخرفة بالألوان والنقوش الغريبة، ترتفع فيها أبراج القصور والمعابد إلى السماء. وهم مذهولين ومبهورين من كلما يرون ويسمعون.
قال: لا تخافوا، أنا معكم. سوف أرشدكم وأحميكم، وأجعل هذه التجربة لا تنسَ في حياتكم. قادهم في جولة في المدينة، أظهر لهم معالمها الغريبة. أخذهم إلى سوق كبير، حيث شاهدوا الناس يبيعون ويشترون البضائع، ويستخدمون الأسطوانات المسمارية عملة في التبادل التجاري.
دخلوا إلى مدرسة قديمة، شاهدوا الأطفال يتعلمون القراءة، يكتبون على الألواح الطينية بالمسمارية، التي كانت أول لغة مكتوبة في التاريخ. تجولوا في مكتبة عظيمة تضم آلاف الألواح الطينية تحتوي مختلف أنواع العلوم والمعارف، صعدوا سُلَّم مرتفع إلى معبد ضخم حيث يعبد الناس آلهتهم، ويقدمون إليها القرابين.
أخذهم إلى قصر فخم. دخلوا وسط حفل كبير عامر بالموسيقى ترقص على أنغامها راقصات جميلات، وشعراء يتبارون بقراءة الشعر، والكثير من الأثرياء مستمتعين بالخمر والجعة والجمال. تحدثوا معهم، تعرفوا إلى أسمائهم وقصصهم. تبادلوا الأفكار والآراء، وتعلموا منهم الكثير.
قال لهم: سوف أغير بعض الأشياء الصغيرة التي لا تؤثر في المجمل، لأجعل هذه التجربة أكثر متعة وإثارة، سوف تلتقون بأعظم ملك في التاريخ، وتشهدون على بداية عصر جديد، عصر الإمبراطورية الأكدية. هل أنتم مستعدون؟ فأجاب عمر: نعم، نحن مستعدون.
ضغط على زر. في لحظة، اختفى الجميع. ظهروا وسط ساحة كبيرة في مدينة أور، عام 2270 ق.م، كانوا في عصر الإمبراطورية الأكدية التي حكمت بلاد الرافدين يوم احتفال كبير، بتتويج سرجون الأول بعد انتصاره على الملك لوغالزاغسي، ملك أوروك. كان يوم تاريخي غيّر مصير السومريين إلى الآبد.
قادهم إلى قصر، دخلوا قاعة كبيرة، حيث كان يجتمع قادة الجيش والوجهاء. وصلوا إلى عرش الملك، محاطًا بحراسه وخدامه، ابتسم لهم، ورحب بهم، ودار حوار بينهم. تحدث د. نوفل معه باللغة الأكدية، شرح له هويته وغرضه، سأله عن تاريخه وحكمه، وعن الحضارة الأكدية وأسرارها.
فأجاب الملك عن أسئلته بتفاخر واعتزاز " لقد تم تتويجي ملكًا على بلاد الرافدين بعد أن غزوت، وذللت جميع المدن السومرية، وأسست إمبراطورية عظيمة تمتد من الخليج إلى البحر المتوسط. جعلت الأكديين شعبًا موحداً قويًا ومتحضرًا يسود الشعوب"
أبدى لهم بعض من مظاهر قوته وجبروته؛ بعد أن جلب بعض من أسراه الذين كانوا من ملوك وأمراء السومريين. أهانهم وعذبهم ثم ذبحهم أمام عيون الجميع. جلب الخدم بعض غنائمه وكنوزه من ذهب وفضة وأحجار كريمة، وزعها على رعاياه وحلفائه. ثم عرض بعض أعماله وإنجازاته التي كانت قوانين وفنون وعلوم، شرحها لهم، ثم أمر بنشرها على شكل مسلات في كل أرجاء إمبراطوريته، وتوزيع تماثيله ونصبه في ساحات وشوارع المدينة.
شعروا بالصدمة، الاستياء، الكراهية من طغيان الملك وظلمه، وبالحزن والأسى على السومريين، بما أصابهم من هوان وبلاء، خافوا على المستقبل، وما سوف يحدث بعد انهيار الحضارة السومرية.
قال الروبوت: لا تحزنوا. لدي القدرة على التدخل في الماضي وتغيير مجرى الأحداث، سوف أجعلكم تثورون مع الشعب السومري للتخلص من الملك وبطشه!
أجاب نوفل: لا أريد التدخل في الماضي وتغيير مجرى التاريخ، أن في ذلك خطر كبير. أرجعنا لزماننا وما كنا عليه. دع التاريخ كما هو. قال الروبوت بغضب: أمضيت قروناً عدّة بانتظار شخص ما يعثر عليّ من أجل هذه اللحظة، وأنت ترفض! سوف أقتلكم جميعاً، وأرد للسومريين قوتهم وسلطتهم وحضارتهم، رغماً عنكم.
جلب شيئًا غريبًا من خزانته. "هذه قنبلة زمنية صنعها السومريون، تستخدم طاقة نووية لإحداث انفجار زمني، يدمر كل شيء في نطاق محدد. سوف أدمر المكان وكل من فيه. وأغير التاريخ وأقيم مستقبل جديد مختلف. وداعًا". ثم ضغط على الزر.
انفجرت القنبلة في لحظة، أصدرت ضوءً أبيض قوي غطي كل شيء، لم يتمكنوا من الهرب، فقد ذابوا في الانفجار واختفوا من الوجود. لم يصب سومربوت بأذى لأنه محمي من تأثير القنبلة.
غير التاريخ، إنشاء مستقبل جديد بعد أن دمر الإمبراطورية الأكدية، وأحيا الحضارة السومرية مرة أخرى، جعلهم شعبًا مهيمنًا ومسيطرًا يحكم شعوب العالم، نصب نفسه ملكاً وإلهًا، وهم يعبدونه، ويطيعون أوامره، لبقية التاريخ.
فراس عبد الحسين