غزة في صباح العيد
بهائي راغب شراب
31 - 3 - 2025
..
غزة هذا الصباح..
تبحث عن عيدها
تبحث عن فرحها المسروق من وجوه أطفالها الجوعى اليتزاحمون في طابور تكية الطعام الطويلة بلا نهاية.
في وجوه صباياها وهن يحفظن حياءهن من عيون المتلصصين عليهن في غدوهن ورواحهن إلى الخيمة المهترئة المنصوبة تحت خط الخطر المحدق، المنذر بالموت حرقا أو تحت الركام.
في وجوه فتيانها ذوي الملامح الرجولية، لا يأكلون ولا يملون من جمع الحطب يشعلون النار لإعداد وجبة الغذاء الوحيدة من حشائش الأرض التي تكاد تشبع أفواه الصغار.
في وجوه الأمهات الثكالى، يتفقدن فراش أطفالهن بعد رحيلهم المؤلم بلا انذار وبلا وداع.
في وجوه الآباء المكلومين بفقد الأحباب، والجيران والإخوان والمتاع.
في وجوه الشوارع الكانت تعج بالنداء وصخب اللاعبين يتناوبون مسلسل توديع الشهداء،
أصبحت فارغة منهكة تفقد أحاديث المصلين وهم عائدين بعد أدائهم الصلاة في مسجدهم الوحيد المهدد بالقصف في أي لحظة من الأمس القريب.
وغزة ترفع للسماء تهليلها اللذيذ
الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
وتواصل مسيرتها في الوجود الاجباري رغم تكالب الغزاة عليها ليقتلوها،،
وغزة حزينة حتى انفجار المرارة..
لا تجد الوجوه التي أحبتها دائما بلا رتوش وبلا ألوان..
لا تجد شوارعها التائهة في الضباب،
تسأل الشمس والهواء وروائح الزهور
وتسأل من كانوا معها قبل لحظة من الانفجار، وتسأل الأنفاس وحالات الانفطار..
أين بيوت الله؟
أين الدور؟
أين أصحاب المكان؟
أين التحيات والصلاة؟
وغزة تبحث وتبحث وتبحث
عن الفرح،
عن الناس،
عن المساجد والشوارع،
عن التهليل والتكبير،
بين الخيام عمن تبقى من الأهل الكرام.
وغزة لا تجد شيئا ..
تدور حول نفسها مشدوهة صابرة بلا يأس، وبلا كسل، وبلا تردد يقصم لحظة الأمل القادم بالانتصار.
أحبابها رحلوا بعيدا،
أخذوا معهم موجبات الفرح والحقوق والواجبات،
أخذوا العيد معهم، وأحلى الذكريات،
تركوا آثارهم..
دماء وأشلاء وركاما وغبارا يخنق الأصوات الباقية، التي تبحث عن شيء يبدد بعض حزنها الثقيل، ويخفف بعض الألم المتتابعة بلا توقف مصحوبا بالعويل، ويزيل بعض مشاعر الفقد المؤلم الذي لا تحمله الجبال والوديان.
غزة تبحث عن نفسها،
عن روحها،
تبحث عن حروفها التائهة، تفرقت بعيدا تبحث عن عناوين الأمان،
لكنها لا تجد سوى القصف اليه//ودي، يواصل قتل المزيد من الأطفال والنساء،
والعدو يقيم كمائن القتل الغادر، ويحاصر المكان،
يأمر الناس بالنزوح إلى مربعات القلق الجديدة حيث الموت هو المشترك الجامع في هذا الصباح.
(وإسرائيل) تبث في قلوب الناس مواعيد الموت القادم بلا إنذار،
سرقت فرحة العيد من الوجوه،
أرادت لغزة ألا تكون،
وغزة ترفض الغياب رغم فقدها كل شيء
وغزة حاضرة في الخلايا والجوارح وفي صلاة التهجد والقيام، تغز قلوب أعداءها،
تواصل حياتها وتتمسك بالبقاء،
هي صاحبة الأرض
تقاوم وتقاوم،
تقاوم من يدعوها لرفع الراية البيضاء والاستسلام.
غز ة باقية هنا بلا زحام وبلا يأس، تحارب المتسولين الموت دعسا تحت أقدام الجنود الجبناء،
غزة..
لا تغادر ولا تهاجر،
جذورها متغلغلة في الأرض،
لا يقتلعها الغزاة المتمرسون على نقض العهود، وعلى القتل بالجوع والجفاف.
وغزة..
لا أحد يأخذها بعيدا،
لا أحد يفرض إرادة الشر عليها،
غزة باقية هنا..
لا ترحل ولا تغيب،
ومن وسط الركام والدمار والقبور،
تبزغ مع الفجر المتفتح بلا زوال،
تنهض من جديد،
تشرق مع الصباح،
ورغم الألم والحزن القاهر،
ورغم عداوة الغريب والقريب،
غزة تصارع الجميع،
تخبرهم..
غزة لا تموت،
غزة تولد كل يوم وكل ساعة وكل ثانية وتعود بما لا يتوقعه الاعداء والمتفرجون بعلامات التساؤل والاندهاش،
غزة تصنع الفرح
وتدفع الثمن الغالي من روحها المقدسة،
تعيد الحياة إلى الجميع..
وتدفع الثمن وحدها..
لتكون.
**
#بهائيـشراب
تعليق