أيها التاريخ الذي كُتِب فيّ/ منيرة الفهري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منيره الفهري
    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
    • 21-12-2010
    • 9870

    أيها التاريخ الذي كُتِب فيّ/ منيرة الفهري

    على هامش زيارتي للمدينة العربي ب بنزرت
    بالشمال التونسي
    .....

    IMG-20250717-WA0024.jpg

    أيها التاريخ الذي كُتِب فيّ

    منيرة الفهري



    ثلاثة أيّام فقط، لكنها كانت كافية لتترك المدينة العربي ببنزرت أثرًا عميقًا لا يمحى في روحي. لم أكن أتصوّر أن بعض الحجارة يمكن أن تحمل هذا الكمّ من الحياة، من القصص، من الأحلام التي مرّت ونامت بين جدرانها. كنت أُصغي إلى الصمت، فأسمع حكايات تتسلّل من وراء النوافذ المغلقة، من خلف الأبواب التي أُغلقت منذ زمن ولم تُغلق يومًا على الذاكرة. تلك البيوت، المئة والعشرون بيتًا، لم تكن بالنسبة لي جدرانًا، بل وجوهًا تتأمّلني وأنا أعبر، تخبرني دون كلام عن من عاشوا هنا، عن من بكوا، عن من أحبّوا، عن من رحلوا ولم يعودوا. كلّ بيت كان يحتضنني بحزنه ودفئه، كأنّه يعرفني من قبل، كأنّه رأى قلبي قبل أن أصل إليه.
    أدركت حينها أن الأماكن مثل البشر، منها ما نمرّ به مرورًا عابرًا، ومنها ما يسكن فينا، دون أن نستطيع شرحه، ولا حتى الهروب منه.
    أيتها الجدران التي أسَرتني بصمتها العميق... أيتها البيوت التي خبّأتِ وجعي دون أن تعرفني ... أيتها الحكايات التي تسرّبت من بين شقوقها لترتّب شيئًا من الفوضى في داخلي... أيها التاريخ الذي كُتب فيّ قبل أن يُكْتب عليكم... أستودعكم الله حتى ألقاكم بإذن الله. رحلت، لكن شيئًا مني بقي هناك، يتجوّل كل ليلة بين أزقتكم، يلمس أبوابكم برفق، ويهمس: تذكروني فأنا هنا معكم أحيي التاريخ الجميل و أعيشه

    ....

  • المختار محمد الدرعي
    مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
    • 15-04-2011
    • 4257

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
    على هامش زيارتي للمدينة العربي ب بنزرت
    بالشمال التونسي
    .....

    IMG-20250717-WA0024.jpg

    أيها التاريخ الذي كُتِب فيّ

    منيرة الفهري



    ثلاثة أيّام فقط، لكنها كانت كافية لتترك المدينة العربي ببنزرت أثرًا عميقًا لا يمحى في روحي. لم أكن أتصوّر أن بعض الحجارة يمكن أن تحمل هذا الكمّ من الحياة، من القصص، من الأحلام التي مرّت ونامت بين جدرانها. كنت أُصغي إلى الصمت، فأسمع حكايات تتسلّل من وراء النوافذ المغلقة، من خلف الأبواب التي أُغلقت منذ زمن ولم تُغلق يومًا على الذاكرة. تلك البيوت، المئة والعشرون بيتًا، لم تكن بالنسبة لي جدرانًا، بل وجوهًا تتأمّلني وأنا أعبر، تخبرني دون كلام عن من عاشوا هنا، عن من بكوا، عن من أحبّوا، عن من رحلوا ولم يعودوا. كلّ بيت كان يحتضنني بحزنه ودفئه، كأنّه يعرفني من قبل، كأنّه رأى قلبي قبل أن أصل إليه.
    أدركت حينها أن الأماكن مثل البشر، منها ما نمرّ به مرورًا عابرًا، ومنها ما يسكن فينا، دون أن نستطيع شرحه، ولا حتى الهروب منه.
    أيتها الجدران التي أسَرتني بصمتها العميق... أيتها البيوت التي خبّأتِ وجعي دون أن تعرفني ... أيتها الحكايات التي تسرّبت من بين شقوقها لترتّب شيئًا من الفوضى في داخلي... أيها التاريخ الذي كُتب فيّ قبل أن يُكْتب عليكم... أستودعكم الله حتى ألقاكم بإذن الله. رحلت، لكن شيئًا مني بقي هناك، يتجوّل كل ليلة بين أزقتكم، يلمس أبوابكم برفق، ويهمس: تذكروني فأنا هنا معكم أحيي التاريخ الجميل و أعيشه

    ....


    جمعتِ بين المكان والإنسان بحسٍّ مرهف جعلنا نشعر أن كل بيت هناك يحتفظ بسرّ من أسرارك، أو ربما كشف لك سرّه…
    في كل سطر وجع شفيف، وفي كل وصف حياة صامتة تُروى دون صوت، لكنها تطرق القلب كأنها نداء قديم نعرفه ولا نجرؤ على تجاهله.

    دمتِ للحنين نبضًا، وللكلمات روحًا تمشي بين الأزقة، توقظ ما ظنّ الجميع أنه اندثر.
    ومَن قال إن الأماكن لا تعشق من زارها؟
    لقد عشقتك المدينة العربي، كما عشقتها روحك النقية.
    [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
    الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



    تعليق

    • أميمة محمد
      مشرف
      • 27-05-2015
      • 4960

      #3
      جميل ما كتبت أيتها المنيرة
      ورفرفت كلماتك المنسابة بحس شعوري وشعري برقة على الأبنية وأسطر الكلمات
      تحياتي

      تعليق

      يعمل...
      X