- انه يهاجمني ما بين ليلة وأخرى وأحيانا في ليلتين متتاليتين.
- صف لي ما تحلم به؟
- ( بانفعال) ليس حلم بل حقيقة.
- ( يحاول تهدئته ) حسنا اخبرني بتفصيل أدق.
- ( باضطراب وخوف) يفاجئني شلل فلا استطيع بعده التحكم بجسدي ، ثم تفتح النافذة دون تدخل مني ويدخل علي ذلك الكلب الأبيض ذو الأعين الحمراء المخيفة ويهاجمني.
- ثم ماذا يحدث لك؟
- لا اشعر بأي شي.
- لم افهم ؟
- صدقني لا اعرف كيف أوضح لك! فانا لا اشعر بعد هجومه الضاري بذاتي ، بكياني، كأني لست موجود، ولكني أشاهد أحداث ومناظر من الأعلى ، لكن ليس من خلالي!.
- ماذا تشاهد؟
- أشاهد وقائع من حرب حقيقية ، أبراج تطلق عليها النيران، عمارات تحترق، وأشخاص يحاولون الاختباء.
- واين انت من كل هذا؟
- لست موجود ابدا.
- ثم ماذا؟
- افتح عيني وكأن ما مررت به مجرد حلم مزعج.
- أو ليس حلما ؟
- كلا بل حقيقة.
- من الممكن أن يتحول الحلم إلى حقيقة ولكن لا يمكن للحقيقة أن تتحول إلى حلم.
- ما يحدث ليس وهم بل واقع ، يقظة لا منام.
- حسنا هدئ من روعك واخبرني من أين تظن مقدم هذا الكلب ؟
- لعله من احد البساتين المجاورة للبيت؟
- باعتقادك كيف تفتح له النافذة؟
- لا اعلم ، إنني احكم إغلاقها كل ليلة ولكن دون فائدة.
- في الحقيقة النوافذ لا بد أن أحدا فتحها ولكن في الحلم من الممكن أن تفتح دون تدخل أحدا ما.
- ( بغضب) قلت لك ما أراه ليس حلما بل حقيقة دامغة.
- محاولا تهدئته – أنا أصدقك بالطبع ولكني أريد تفسيرا مقنعا لما يحدث لك. يصف له عقاقير مضادة للهلوسة وأدوية أخرى..
يتصل به ويحدد معه موعدا للقاء في غرفته.. يدخل الغرفة فلا يشاهد أي شي غير طبيعي، يفتح النافذة فيشاهد البيت مطلا على بساتين ومزارع... ينظر اليه فيرى الخوف باديا عليه ..
- لا تخف، ستنتصر عليه.
- ماذا يريد مني هذا الكلب الملعون؟.
- عليك أن تحاول النوم في الليالي القادمة في مكان آخر، فندق مثلا.
- ولكن ما المغزى من ذلك؟
- يستحيل على الكلب مهاجمتك وأنت في مكان بعيد أليس كذلك؟
- بالطبع.
- إذن انت تفق معي؟
- ( بتردد) نعم .
يسبخ في النوم ولكنه يفتح عينيه على وقع رياح عاتية .. يشعر بالخوف... يسمع نباحا مخيفا.. يحاول الخروج من الغرفة ولكنه يجد نفسه مشلولا .. العواء الرهيب يشتد ... الرياح تزداد ضراوة .. النافذة تفتح ، الرياح العاتية تضرب كل شي في الغرفة وهو لا يحرك ساكنا ، يسمع العواء المرعب، ينظر إلى النافذة فيجد الكلب واقفا والشرر يتطاير من عينيه ، يصرخ طالبا النجدة ولكن لا احد يسمعه، يهجم عليه الكلب بشراسة ، يغشى عليه ولا يشعر بعدها بأي شي ... يستعيد وعيه ولكن دون الشعور بذاته ، يشاهد من الأعلى رجلين خارجين من احد البساتين متجهين نحو بيت والده ثم يشاهد نساء وأطفال يبكون .. يعود بوعيه إلى غرفته ، يرى جسده ملقى على الأرض، يدنو منه ، يستيقظ من نومه، ينظر في أنحاء الغرفة وقد تملكه الحزن والخوف ، ينتظر بزوغ الصباح .. يتصل من فوره بالدكتور ويقسم له أن الكلب هاجمه، يصل اليه بسرعة فيرى قميصه ممزقا والنافذة مفتوحة، إلا انه يحاول تهدئته ويؤكد له انه من المستحيل أن يستدل الكلب على مكانه وان ما يحدث له مجرد هلوسة شديدة وانه سوف يعالجه وسيشفى منها.
يعود إلى عيادته ويتصل بوالده ...
- سيدي إن ابنك يعاني من هلوسات خطيرة قد يموت بسببها ، لا بد أن تأتي إلى العيادة في أسرع وقت ممكن.
- ( بغضب) انت مرة أخرى؟
- ( بصدمة) ماذا؟ إنني أحدثك بشان ابنك ، إن مرضه خطير.
- قلت لك ألف مرة ان ابني مات وقد مرت على وفاته إلى ألان سنوات ثلاث!!
- ماذا تقول يا رجل ؟ هل جننت؟!!
- ( بتململ) هذه هي الحقيقة وأنت منذ سنتين تتصل بي لتحدثني عنه؟
- لا شك بأنك لا تقول الحقيقة.
- ابني مات وانتهى أمره ، أتفهم؟ لا تتصل بي مرة أخرى رجاء.
- انت؟!
- اعلم انك قابلت والدي وانه قال لك باني ميت.
- هذا ما حدث ؟
- دكتور انت رأيتني وسمعتني وانا ألان أتحدث معك فكيف أكون ميتا؟
- إذن ما تفسير ادعاء أبيك؟.
- إن والدي يخشى على سمعته فان عرف أهل البلدة بأني أعاني من مرض نفسي فسوف يتضاءل شانه بينهم.
- أحقا ما تقول؟.
- صدقني ، إنني بحاجة إلى مساعدتك ، انت أملي الوحيد.
- حسنا اطمئن سيكون كل شي على ما يرام.
لا يجد الضابط بدا من استدعاء والده للإدلاء بأقواله .. ما أن يحضر حتى يأمر بفتح التحقيق ..
- ما قولك في ما يتهمك به الدكتور من انك تسيطر على ابنك البالغ ثلاثون عاما وتمنعه من العلاج خوفا على سمعتك؟
- هل قلت ما يضحك؟
- أستبيحك عدرا ، ولكن هذا الرجل منذ سنتين وهو يزعجني بولدي المتوفى!
- ماذا؟
- انت كاذب!
- يبدوا بأن مدة خدمتك قصيرة في هذه البلدة أليس كذلك؟.
- تماما.
- الضابط الذي قبلك يعرف هذا الرجل ويعرفني.
- ولدي متوفى منذ ثلاث سنوات ومنذ عامين وهذا الرجل يتصل بي ما بين فترة وأخرى ويعيد على مسامعي أوهامه وتخيلاته.
الضابط- ولكن هذه المستندات تثبت صحة ما يقول.
- فمن إذن الذي أعالجه في العيادة واكلمه على الهاتف؟.
- إني اشعر بالشفقة على هذا الدكتور.
- ( بغضب) ستندم على ما تفوهت به من أكاذيب.
يقع في آتون ضياع رهيب، لم يعد يفرق بين أي شي ، كأن العوالم اندمجت مع بعضها فأصبحت عالم واحد متضاد ببشاعة ليس لها حدود، أو كرجل يعيش الحقائق والأوهام في آن واحد ليغذوا أسير جنون عات.
يحاول الخروج من كابوس اليقظة واسترجاع توازنه فيسير بين البساتين إلا أن صداع شديدا يصيبه فيغمى عليه، يستيقظ فيجد نفسه في ظلمة ليل البلدة، يستوي قائما ويمشي تائها لا يعرف أين يذهب إلا انه يشاهد بيت الشاب فيجد نفسه متوجها اليه ، يضغط الجرس فيفتح له الخادم، يطلب مقابلة والد الشاب ، يدخله في مجلس الضيافة ويطلب منه الانتظار، ما أن يجلس حتى يسمع صوت محادثة مرتفع من المكتب ، يغلق باب المجلس ويقف على باب المكتب ويسترق السمع ..
سكرتير والد الشاب - هذا الطبيب يجب أن نجد له حلا.
والد الشاب- انه مصاب بهلوسات ولن يصدقه احد.
- اعرف ذلك ولكن منذ سنتين وهذا ديدنه معنا ، لا بد ننتهي من أمره.
- لا خطر منه.
- ولكن قد يتذكر أن المرحوم قال له انه قتل شخصين ودفن جثتيهما في المزرعة التي خلف المنزل قبل أن يموت.
- ابني كان مصابا بمرض نفسي خطير وارتكابه للجريمتين كان بسببه ومات بتأنيب الضمير.
- ولكن يا سيدي ....
- ألان اتضحت لي الحقيقة.
- ماذا ستفعل؟ هل ستقتلني؟
- لست قاتلا.
- قد عرفت الان كل شي.
- كلا هناك ما تجهله.
- وما هو؟
- عيادتك مغلقة منذ عامين ؟ وأنت موقوف عن العمل لإصابتك بمرض نفسي عضال.
- ( بغضب) عدت للكذب مرة أخرى!
- هذا هو الجزء الثاني من الحقيقة التي يجب أن تعرفها كاملة يا دكتور.
- مستحيل!
- ما بين يوم وآخر تذهب إلى مقر عيادتك وتبقى هناك ، وتسترجع ذكرياتك مع ابني وغيره أيضا وتظن انك تعالجهم، وقد أزعجت الكثير من الناس باتصالاتك.
- انت تكذب لتبرر تسترك على جريمة ابنك.
- هذه هي الحقيقة وأما الجزء المتعلق منها به فلا أنكرها.
- الكلب الذي كان يهاجمه هو ضميره الذي قتله.
- ويجب أن يعرفها الجميع أيضا.
يغادر على عجل ، يطلب منه سكرتيره الإمساك به ولكنه يقول له بأن لا فائدة من هذا ..
- جميعنا نتعذب ابني وأنا وهذا الرجل، لا بد من نهاية لهذا العذاب ، عسى تغمرنا بعده السكينة التي افتقدناها منذ زمن بعيد.
جنون