دراسة شعر محمد الشهاوى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عقاب اسماعيل بحمد
    sunzoza21@gmail.com
    • 30-09-2007
    • 766

    دراسة شعر محمد الشهاوى

    ولايمكن دراسة شعر محمد الشهاوى دون الغوص وراءه فى اللغة الوحدة والتنوع فى الخطاب الشعري عند محمد الشهاوى



    بقلم د/ رمضان الحضرى


    تحاول الدراسة استجلاء الخطاب الشعرى عند الشهاوى (محمد محمد الشهاوى ) شاعر العرب والعروبة الكبير حيث إن شعره يمثل اتجاها متفردا ومؤثرا فى الشعر العربى الحديث , مما دعا شاعرا بقيمة نزار قبانى – رحمه الله – إلى قوله " إننى أطرب جدا لشاعر مصر والعرب الكبير محمد الشهاوى " ومنذ صدور ديوانه الاول " ثورة الشعر " عام 1962م , ظل نجما لامعا , وشاعرا مقدما , وقد أثر فى أقرانه من الشعراء أمثال محمد عفيفى مطر , كما أثر فى الاجيال التى جاءت بعده من جيل السبعينيات والثمانينيات , والتسعينيات , وغيرهم
    ولا زال حضوره الشعرى فى المنتديات والمؤتمرات مؤثرا كبيرا , مما دعا كثير من الدارسين الى دراسة شعره كظاهرة فريدة فى الشعر العربى الحديث , ومما يجعل دراسة الخطاب الشعرى عنده ضروريا , لاستيضاح عناصر هذا الخطاب من ناحيتين هما : (أ) وحدة الخطاب (ب) تنوع الخطاب , وسوف تعتمد الدراسة على التحليل اللغوى البنيوى لمفردات الشعر عند الشهاوى , وذلك من خلال اطلاله على دواوينه الشعرية
    التالية :
    1- ثورة الشعر 1962 م
    2- قلت للشعر 1972م
    3- مسافر فى الطوفان 1985م
    4- زهرة اللوتس ترفض أن تهاجر 1992م
    5- اشراقات التوحد 2000م
    6- أقاليم اللهب ومرايا القلب الاخضر 2001م
    7- مكابدات المغنى والوتر 2003م
    8- مختارات شعرية لمحمد محمد الشهاوى 2005م
    وقد أعيد طبع ديوان ( إشراقات التوحد ) 2003م وقد تناولت دراسات عديدة شعر الشهاوى منها ( شعر محمد الشهاوى ) دراسة اسلوبية 2008م وكثيرة هى الدراسات التى قد ناقشت شعر الشهاوى من وجهات نظر نقدية متعددة , ولكن لازال معظمها حبيس الادراج مثل :
    1- الاسطورة والمأساة , لانور المعداوى 0
    2- كونشترو الامكان للراحل د / على قنديل
    3- النهر الذى اسكر للشاعر الراحل / صالح الشرنوبى
    4- شاعر البرارى لمحمد السيد شحاتة
    5- بصمات منقوشة بالحنين , عبد الدايم الشاذلى 0
    6- السندباد الذى جاب العالم من موقعه , عبد المنعم مطاوع
    7- صرخة الضمير المتقن لتمرده الخاص , محمد السيد عبده
    هذا الى جانب سيرة ذاتية كتبها الشاعر تحت عنوان ( زهرة اللوتس ترفض أن تهاجر )



    **********************************


    وقد حصد الشاعر الكبير جوائز عديدة منها :-
    1- جائزة المعاهد الازهرية 1964م 0
    2- جائزة أولى كفر الشيخ 1965م 0
    3- جائزة الثقافة على مستوى الجمهورية أعوام 72, 73 , 1974م
    4- جائزة البايطين لافضل قصيدة 1996م عن قصيدة ( المرأة الاستثناء )
    5- جائزة اندلسية لافضل ديوان شعرى 2000م عن ديوان " اشراقات التوحد "
    6- جائزة التميز لاتحاد الكتاب 2007 م
    ويشغل الشاعر عضويات متعددة مثل : -
    1- عضو لجنة الشعر بالمجلس الاعلى للثقافة 0
    2- عضو اتحاد الكتاب
    3- عضو بأتيليه القاهرة
    4- رئيس تحرير مجلة ( سنابل ) الاصدار الثانى


    ولا يخلو مؤتمر أو منتدى مصرى من أسم ( محمد محمد محمد الشهاوى ) مما جعل احتذاؤه وأمر تقليده عند كثير من الشعراء أمرا جليا لدى النقاد , مما يصم الدراسة بالاهمية وسوف تتناول الدراسة شعره من اتجاهين فقط , هما وحدة النص عند الشهاوى , والاتجاه الثانى هو التنوع الكلامى فى القصيدة عنده
    تركيبا ولفظا الى جانب الفكر المؤثر فى الوجدان
    اللغة مبتدأ :-
    حينما الف ميخائيل باختين , وهو من أكبر المؤثرين فى النقد العالمى الحديث – كتابه " الفرويدية " ظن البعض أنه قد تعلم علم النفس على يد " فرويد " بيد إنه ألف كتابه ليرد على السقطات الكبيرة التى وقع فيها فرويد وقد ركز باختين على نزعتين موجودتين فى علم النفس الاولى : الاتجاة الذاتى والثانية : الاتجاه الموضوعى وبين أن الذاتية سابقة على الموضوعية , حيث إن الموضوعية تمثل كيانا اجتماعيا , ولذا فإن الذاتية تؤثر فى التشكيل اجتماعيا , وبالتالى فإن الذاتية تؤثر فى التشكيل اللغوى , والموضوعية تتكون وتتشكل من تلك الذاتية 0
    وحينما رأى فرويد أن اللغة اجتماعية بصورة شاملة , علق باختين على هذا الامر بانه غير واضح ولا محدد , والدليل على ذلك أن فعل أنتاج الصوت أو تلقيه أنما هما فعلان فرديان تماما , وقد لانفترض بينهما اجتماعية , وهذان الفعلان لابد لهما من فعل ثالث لتكتمل المنظومة فى أنتاج المعنى , وهذا الفعل هو أنتاج المعانى والقدرة على تلقيها , ولا يوجد هذا الفعل الثالث الا فى اللغة , بل إن اللغة موجودة أصلآ لانتاج هذا الفعل , ولذا فان التفاعل اللفظى هو نتيجة تواصل وحوار , وهذان الفعلان هما فعلان اجتماعيان فالتواصل والحوار يصبان فى التلفظ , والتلفظ هو نتاج تفاعل بين اثنين متحاورين , وهذ يعنى انهما نتاج مركب فى الموقع الاجتماعى , ولذا فإن الشخص المنتج لابد له من شخص ثان لتتم منظومة اللغة , وسيظل الكلام ذاتيآ وليس اجتماعيا , كذلك منطقة الوعى واللاوعى اللغوى , فاللاوعى يسبق اللغة , وقد يكون خارجا عنها وذلك كالمريض الذى يهذى بكلام ليس له معنى ولذا فقد اقترح باختين تبديل الوعى واللاوعى باصطلاحين بديلين هما " الوعى المسئول , والوعى غير المسئول " ومن ذلك استطاع أن يستنتج نموذجين للخطاب يمكن تسميتها " بالخطاب الواعى . والاخر" بالحطاب غير الواعى " , وهذا أمر بديهى 0
    وستصبح اللغة وسيطا اجتماعيا بين الذات والموضوع , أو بين الفرد المنتج والمجموع 0 ولذا حينما اختار باختين اسما للخطاب اختار من اللغة الروسية كلمة
    ( سلوفا ) وترجمتها العربية ( المشترك اللفظى ) , وقد اختلفت الترجمات العربية لها , و لامجال لمناقشة فى الدراسة بيد أن محمد برادة ترجم الكتاب تحت عنوان ( الخطاب فى الرواية ) , وهو أقرب المترجمين الى الصحة , ويتضح ذلك من خلال تعريف باختين للخطاب حينما يقول الخطاب هو اللغة بكليتها الحية , عندما تكف عند أن تكون سلبية فى أذهان الناس تصبح حية ناشطة فى التواصل فالخطاب عنده ظاهرة كلية ملموسة وهو عكس اللسان , الخطاب هو التلفظ / الحديث أو غيرها وحينما رأى دوسوسير أن اللغة يقابلها الكلام 0
    باعتبار أن اللغة ظاهرة اجتماعية بينما الكلام ظاهرة فردية رآى باختين أنه لا يوجد شىء على شكل فردى , حتى فى اللسانيات , ولذا فقد اشتق مصطلحا جديدا وأسماه ما بين الذاتى , حيث إن اللغة تحتاج الى منتج ومتلق , وبينهما اشارات متفق عليها مسبقا



    *********************************


    كان هذا التقديم مدخلا ضروريا , يشير فى عجالة وايجاز الى المنظور الذى ستتناول الدراسة الكلمة الشعرية من منطلقه , باعتبار أن الكلمة منظومة اجتماعية 0 وقد آثرت الدراسة مفهوم الكلمة الشعرية عند باختين , حيث إنه وقف طويلا أمام الذات المتكلمة , وربط بينهما وبين مجتمعها بروابط متداخلة , حيث إن ذاتية الكلام إنما تعبر عدن صدى اجتماعى خارج الذات ومرتبط به , وأن شعرية الحديث تتكون من تضافر عناصر ثلاثة هى : تعدد الاصوات والمركب الزمانى المكانى والتحليل الموضوعى فى الادب ويفهم من دراسات باختين للشعر أن كل الايديولوجيات سواء كانت دينية أو قانونية ليست الانظاما دلاليا له تعبيره الاجتماعى , لانه الدلالة لاترتبط بوعى الفرد فقط بل هى واقع اجتماعى , فلن تصبح دلالة الكلمة معجمية فقط , بل تتحول الكلمة فى النص الى مركز لمجموعة من العلاقات المختلفة سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو غيرها 0
    ويشتد العجب بالدارس العربى , وقد سبق أن اعلنت فى أكثر من دراسة عن هذا العجب , حينما نبحث فى التراث النقدى العربى سواء كان عن المفسرين ( اعنى مفسرى القرأن الكريم ) , وبشكل خاص الامام القرطبى " رحمه الله "ورائد البلاغة العربية عبد القاهر الجرجانى
    حينما يضع باختين اللفظ بين ذاتين ( متكلمة – ومتلقية ) فانما يضعه عبد القاهر – وذلك عندى أوقع – بين تصورين , ويقصد بالتصور هنا ( فهم خاص لكل شخصية ) سواء كانت المرسلة أو المستقبلة وهذا ما جعل اللغة العربية من اكثر اللغات فى العالم التى تستخدم ضمير الغائب , والضمير المستتر يقول عبد القاهر : ( اعلم أن معانى الكلام كلها معان لاتتصور الافيما بين شيئين ) واذا أردت أن تستحكم معرفة ذلك فى نفسك فأنظر اليك إذا قيل لك : ما فعل زيد فقلت : "خرج " هل يتصور أن يقع فى خلدك من خرج معنى من دون أن ينوى فيه ضمير " زيد " وهل تكون , إن أنت زعمت أنك لم تنو ذلك , الامخرجآ نفسك الى الهذيان وهذا السبق لعبد القاهر , إنما هو إفتراض الحوار بين كلمتين , ولذا فانه فى أكثر من موضع يعلق على أن الالفاظ فى المعاجم إنما جاءت لنضعها نحن بجوار بعضها لتخرج من معناها المعجى , لتعطى معنى جديدآ نقصد إليه 0 وبالتالى فأن الكلمة فى لغة العرب فعل له صدى أو يمكن يسمى بالعلاقة الجديدة التى نتجت عمن استقبل اللفظ ولذا فان للمرسل المنتج
    وجهة نظر و للمتلقى المستقبل وجهة نظر ربما تتلاقيان , ولكن غالبا هما وجهتان مختلفتان وإن كان المنبع هو النص المنتج
    أولآ : وحدة الخطاب الشعرى
    يمثل شعر محمد الشهاوى وحدة كلية , وإن كانت هذه الوحدة قد تباعدت فى مفردات الانتاج , فقد صدر ديوانه الاول " ثورة الشعر" فى عام 1962 م , وجاء بعده الديوان الثانى " قلت للشعر" فى عام 1972م , فالفاصل بينهما عشر سنوات , وجاء ديوانه الثالث " مسافر فى الطوفان " فى عام 1985م وتلك فترات الشباب لشاعر مصر العظيم بيد أن الصورة لم تكتمل ألا بعد الثمانينات , حيث بدأت المدة تقل , والانتاج يزداد , ونجم الشهاوى يسطع فى المنتديات , وليس ذلك علامة تفرد و إنما يأتى التفرد من الاستخدام الخاص لمفردات اللغة , والابتكار المعهود عنده فى التركيب , والتجديد فى التصوير والايحاء , والدارس لشعر الشهاوى لابد أن يعرف أنه أمام رجل يتعامل بلغة المفاجأة , وطول النفس فى التصوير والتماوج فى الصوت والنغم :


    من أنت يا طيفآ يجىء إلى عبر جوانح الظلم
    متسلقآ أسوار صمتى
    يستلنى من غمد صومعتى
    ويركبنى براق الرحلة الكبرى
    من أنت ياطمث الحضور ونطفة التكوين
    ها أنت تفتح فى دمائى قمقم التبيين
    ها أنت تطعمنى الاباء وكعكة الاصرار
    وتبثنى بردية الاسرار
    ها أنت تطلق فى شرايينى – خيل الجموح عوالك اللجم
    من أنت ياطيفآ يجىء إلى عبر جوانح الظلم
    أوقفتنى فى أول الصف وملاتنى بالنور
    من بعد ما ضمختنى بالورد والكافور
    وأخذت من كمى لكيفى – أوقفتنى فى العروة الوثقى
    وجعلت لى جبل المدى مرقى – اوقفتنى فى ساحة الافضاء
    وأرتينى السر المخبأ – أسريت بى- حتى رأيت المنتهى والمنشأ
    وفتحت لى سفر الرموز ومعجم الدهشة – وهمست فى أذنى : انطلق – واصدع ونبىء –نبىء بما يفضى إليك فأنت من ليراعه بشئوننا نفضى – واصعد جبال البوح حين تعود للارض – إن قيل مسكين فأن المجد لا يشرى – أو قيل مجنون
    فنحن بحال من نختاره أدرى – طوبى لعبد ينشر الخيرا ويموت مصلوبآ على جبل من الرفض – طوبى لمن لم تثنه (حماله الحطب ) – واذا تصدى للغواية يعتلى لهبا يصب النار فى كوب ( أبى لهب ) – طوبى لمن لم يعرف الراحة – طوبى لمن لم يلق – رغم الغبن – ألواحه – طوبى لمن لم يحن هام الحرف والقلم – من أنت ياطيف يجىء إلى عبر جوانح الظلم – أوقفتنى والليل والاحلام والجمرا – ومنحتنى صك الولاية بعدما أوصيتنا عشرأ :
    لاتقربوا شجر الخيانة – لاتخذلوا سيف الامانة –لا تركبوا للغى فلكا – لاتجعلوا للخوف سلطانا عليكم – يا أحبائى – وملكا – لاتقطعوا الايام نوما لاتذعنوا لمشيئة الاهواء يوما – لاتكتموا رأيا – وأنتم ألسن الأمة – لاتحسبوا الاغضاء حكمة – لاتحجموا رغباً ولا رهباً – لاتهربوا إما سواكم أثر الهربا 0



    ( لايمكن الغاء خصوصية كل رؤية إبداعية فى الشعر أو غيره إن على الناقد الكشف عن خصوصية كل رؤية فى تكامل أعمال صاحبها أو مفرداتها , ومن ثم البحث فى كل عمل من عناصره التكوينية تحليلاً , والكشف عن العلاقات بين هذه العناصر , تفسييراً , وذلك بما يستتبع حكماً قيمياً , مضمراً أو معلنا , وذلك مع التسليم المستمر بخصوصية كل عمل , وتمايز كل رؤية وتفردها ) يمثل النص الشعرى عند الشهاوى رؤية واحدة للشعر هذه الرؤية متطورة , عبر مساحة زمنية تقترب من نصف قرن فقد التزم بالعمود الشعرى الخليلى , بيد أن التزامه كان للتحقق من أدواته الشعرية , ولذا فقد كان يضارح القصائد الشعرية الشهيرة , ليقدم مفهوماً جديداً ورؤية 0 جديدة لتطوير النص الشعرى من الداخل 0

    بلقيس هذا الشرق لاتتعجبى إن قلت إن النوم قد جافانى
    فلربما قد ثار منا ثائر فى نشرة مشبوعة بيبان
    من لى بأوعية الجحيم جميعها لاصبها حمماً على الكهان
    القابعين على أرائك عجزهم مسخاً يفوق تفاهة الأوتان
    المرتشين بجمرة البلد الذى قد زف أندلساً الى الشيطان
    بعضى على بعضى غدا متوكئا حتى ليخطأنى الذى يلقانى
    قلبى على قلبى وعينى قد غدت نافورة للدمع فى الحولان

    إنها معارضة رائعة وراقية لقصيدة هاشم الرفاعى ( رسالة فى ليلة التنفيذ ) , والتى يقول فيها هاشم الرفاعى :-

    أبتاه ماذا قد يخط بناتى والحبل والجلاد منتظران
    هذا الكتاب إليك من زنزانة مقرورة صخرية الجدران
    لم تبق الا ليلة احيا بها وأحس أن ظلالها أكفانى
    ستمر يا أبتاه لست أشك فى هذا وتحمل بعدها جثمانى



    *******************************


    والذى يفتح باب المقارنة بين ثورة الرفاعى وثورة الشهاوى لابد أن يتضح له أن كلاهما يتحدث عن ذاتية مفرطة , الا أن ذاتية الرفاعى منغلقة عليه , فهو ذاتى يتحدث عن نفسه , وإذا تطور الأمر تناول شريحة ظن أنها مظلومة , إلا أن تناوله لهذه الشريحة لتمازجه فيهم , ولذا فإن الفكر لم يتعد حدود نفسه

    ليكن عزاؤك أن هذا الحبل ما صنعته فى هذا الربوع يدان
    نسجوه فى بلد يشع حضارة وتضاء منه مشاعل العرفان
    أو هكذا زعموا وجىء به إلى بلدى الجريح على يد الأعوان



    *********************************


    إنه يتحدث عن حبل المشنقة , ويؤكد أن الضرر الخاص به سيلحق ضرراً بأخرين , ولكن الفهم للنص لن يعكس سوى خوف الشاعر على نفسه من خلال الحوارية الداخلية المتوهمة بين الشاعر ووالده ( قصيدة المونولوج الداخلى ) فالرفاعى يصدر حزنه لخارجه , وهذا الفكر ضد فكر الشهاوى حيث إن الشهاوى يأتيه حزنه من خارج نفسه , وهذا تاثير الموضوع على الذات , بمعنى أن التأثر بحركة العجلة الاجتماعية فى دورانها , إنما ينبع من المجتمع , وعلى الشاعر الملاحظة , وإن استطاع تعديل الاتجاه , بينما الرفاعى يريد أن يتأثر الموضوع بالذات , ولذا جاءت قصيدته أشبه بخطبة متقنة رائعة , بينما تجىء قصيدة الشهاوى كفكر تحليلى لواقع اجتماعى فيجرى الماء العكر إلى فكر الشاعر فيحاول تنقيته وتصفيته , وإعادته الى مصبه النابع من المجتمع , فهموم الأوطان عند الشهاوى تؤثر فى نفسه , وهموم النفس عند الرفاعى تؤثر فى أو طانه , ولذا فأن رؤية الشهاوى للكلمة الشعرية تأتى من مجموعة العلاقات بين الكلمات وبين المجتمع , ويأتى دوره كصاحب رؤية تأسيسية فى صناعة النص الشعرى , من خلال الحركة الداخلية بين الالفاظ , بصناعة شبكة من الارتباطات اللفظية , متعالقة بالمجتمع أولأ , كموضوع يحياه , ومدركة بمشاعر عقلية وذاتية تتدخل فى تنظيم هذه الحركة , لتنتج ثمرة هى النص وتصبح ذات أثر اجتماعى فعال
    وحينما انتقل الشهاوى لقصيدة التفعيلة , كانت أهم المحاور فى شعره , جاءت قصيدة التفعيلة عنده مؤسسة على منهج شهاوى خاص للغاية , وفى ظنى أنه بالإمكان أن ينظر لشعر التفعيلة فى الفترة من 1975م وحتى 2000م بأن هناك ( منهجاً شهاوياً ) كان مؤثراً وواضحاً فى المجتمع المصرى خلال ربع القرن المذكور , ولايمكن نفى الظواهر الأخرى لشعراء عظماء , على مستوى الوطن العربى , كنزار قبانى – وأدونيس ومحمود درويش ومحمد عفيفى مطر , وأحمد عبد المعطى حجازى , وصلاح عبد الصبور , وفدوى طوقان , والبياتى – والسياب ونازك الملائكة – ووديع سعادة وحلمى سالم و علاء خالد , ونزيه أبو عفش وشوقى أبو شقرا , ونورى الجراح وعباس بيضون وأنسى الحاج وتوفيق صايغ وسيف الرحبى وأمل دنقل وسميح القاسم . ووفاء عبد الرزاق وعبد القادر الجنابى , وبلقيس الجنابى وإيمان اسماعيل وبديعة كشغرى وحاتم عبد الهادى السيد وسمير فراج وغيرهم كثيرون
    ويمكن اضافة أضعاف هذه الاسماء ولا شك أن هناك أسماء كثيرة مميزة لم تأت فيمن ذكر كمحمد ابراهيم ابو سنة وفاروق شوشة وجويدة وقد جاء أثر الشهاوى كاتجاه خاص بين هذه الأسماء ليبين أن الشعر العربى المعاصر لم يسيطر عليه اتجاه واحد , بل تعددت الاتجاهات ولايمكن وضع المقارنات المفصلة بين هؤلاء الشعراء جميعاً مع الشهاوى , حيث إن مساحة الدراسة لن تسمح بذلك , بيد أن تفرد الشهاوى بالاستغراق فى اللفظ الشفاف الذى يصل اى ممازجة اللفظ الصوفى فى جل شعره , جعل لشعره منظومة الغزل بالخيوط الشفافة والمتينة والقاطعة فى أغلب نصوصه


    أخرج من ذاتك سراً أو جهرا
    ولتبدأ رحلتك الكبرى
    فإذا ماوقف الناس جميعاً صفا
    ووقفت إماماً للمسرى
    ودعوك السيد فلتهتف لا
    ومعاذ الله فالسيد من خلق وأعطى
    وتفرد بالسلطة والجاه


    فالقصص القرانى , والسيرة النبوية , واللفظ الصوفى وتاريخ الأدباء والشعراء , وأخبار العرب , والأحداث الانية الحالية , وإعادة التنظير والتجريب فى النص الشعرى و والعلاقات الزمانية والتزامنية بين الاحداث والافعال , كل ذلك يشكل نموذجاً للقصيدة الشهاوية عند شاعرنا ( محمد محمد محمد الشهاوى )


    طائر أنت والمستتيرات عش
    وما قاب قوسين أو ادنى غير وجه العذاب
    غير وجه الحصار
    أى هذا الهزار 00 مدى أم مدى 00 وضنى أم ديار
    لم يعد من خيار لك الأن
    فاشرب حميا الردى شغفا
    إنها لحظة الاختبار
    كا يمكن للمتنبى الفرار 00 لكنه قد أبى
    هكذا قلت حين رأيت الصحاب
    وقد سقطوا واحداً واحدا
    تحت أرجل خيل التتار


    ( فكان قاب قوسين أو ادنى ) قرآن كريم
    ( الخيل والليل والبيداء تعرفنى والسيف والرمح والفرطاس والقلم )
    أبو الطيب المتنبى وحادثة اغتياله
    حادثه احتلال بغداد من التتار واغراق وحرق الكتب
    كل هذه الاستدعاءات إنما هى نوع الاسترجاع للحادثة , والاستبطان للتاريخ إن صح التعبير إن تكذيب الكفار للاسراء بالرسول وعدم فرار المتنبى , من قطاع الطريق , وعودته اليهم مع علمه بغلبتهم ودخول التتار العراق , واحراق الكتب واغراقها فى نهر دجلة , كل ذلك يعنى أن سطوة الظلم كبيرة , وأنها كذبت الوحى , وقتلت أعظم الشعراء , واحرقت نتاج العقول إن النزعة الدرامية التى تتكىء عليها الفكرة الشهاوية والمتمثلة فى علو صوت الظلم , رغم أن أحلام الشاعر لاتتعدى حلم طائر يشتاق لعش , بينما العالم حوله تكذيب وقتل ونهب , والواقع أكبر من الحلم , ولا يسمح بتحقيق الحلم 0
    فاشرب حميا الردى شغفاً

    إنها لحظة الاختبار فادفع اليوم عمرك ياصاحبى ثمناً لاختيارك
    أنه يدخل نفسه فى الاختبار , ويعرف النتيجة , إنه اختبار كلمات المتنبى ضد اللصوص , لابد أن يدفع عمره لأنه هو الذى اختار ذلك , وثمن الاختبار هو العمر , فالحرية لاباسويها الا حياة الانسان وعمره هذه الحرية المسئولة , والتى بحث عنها الشهاوى فى كل دواونيه

    ياليت شعرى والهموم كثيرة ودوافعى بحر بلا شطأن
    ما الفن ما الاشعار ما التاريخ أن لم يحم فينا عزة الاوطان

    حتى فى القصيدة الدينية :


    المولى من علمنا أن الناس سواء
    وهدانا إلى الخير جميعاً دون استثناء
    لافضل لأبيض أو أسود إلا بالتقوى
    المولى من قال لكل قوى فى الأقوى



    إن فكرة الحرية , وسطوة الموت , والمساواة بين الناس , واتساع دائرة الموت لتصبح فوق الاحتمال , وشفافية اللفظ , والغوص وراء المعانى والصور المبتكرة , واستخدام الالهام الشعرى , من خلال اتساع المفهوم الصوفى عند الشاعر , كون نوعاً من الوحدة العضوية والموضوعية لقصائد محمد محمد الشهاوى

    ثانيا : التنوع فى الخطاب الشعرى :



    يقصد بالتنوع هنا تنوع الموضوعات وتنوع الادوات وتنوع الخطاب ويعنى الخطاب هنا طريقة تقديم القصيدة فالشهاوى تناول موضوعات عديدة وكثيرة ومتنوعة منها الموضوعات الدينية كميلاد النبى صلى الله عليه وسلم , وكرؤيته فى محاولة التوفيق بين منهج أهل السنة , وأفكار المتصوفة :



    أخرج من ذاتك تظهر
    وابعد عن نفسك تكبر
    وتخطى الحد الفاصل
    ما بين العرض والجوهر
    فهنا لك أرضك تثمر
    وسماؤك – أبداً – تمطر



    كما تناول موضوعات الرثاء , كمريثته لأحمد شوقى , صاحب الكرمة , ورثاء على قنديل , وصالح الشرنوبى , وصلاح عبد الصبور وغيرهم ويغلب على شعر الشهاوى الرؤية الصوفية المتفلسفة , وهذه الفلسفة الصوفية تناسب حال الشاعر العربى والمصرى فى العصر الراهن , وهى الدأب على الوصول , وعلمه باستحالة هذا الوصول , لكنه دائم المحاولة , وهو ما أشار اليه نزار قبانى :-
    لكنه الابحار دون سفينة وشعورنا أن الوصول محال
    تنوع الادوات والخطاب :-
    استطاع الشهاوى من خلال استخدام اللغة الشعرية المرتبطة بالنزعة الدرامية , أن يستجلى الواقع المصرى والعربى الراهن


    لاشىء إلا مقلقاك , وهائم فقد الأمان لكننى فى الصبح , أو فى الظهر – دوما – لا أخاف منازلاً , فالخيل والبيداء – حقا - يعرفانى – ما اسمى وما اسمك هللويا
    الشين منديل لراقصة والهاء مكياج لمطرية
    أواه يا ألف إنى هنا أقف
    أبكى على واوى المضيعة فى كف من نهبوا عظامى والخلايا
    والياء يافطة الادانة للكواليس التكايا
    مااسمى وما اسمك
    هللويا
    اسمى " محمد " المضيع
    واسمك البلد الهدايا 0



    استخدام التراث المصرى " هللويا " والتراث العربى "
    " فالخيل والبيداء ً " إشارة الى قول المتنبى
    الخيل والليل والبيداء تعرفنى والسيف والرمح والقرطاس والقلم
    ويشير الشهاوى للمتنبى فى اكثر من قصيدة :-


    كان يمكن للمتنبى الفرار لكنه قد أبى
    كان يمكن لمتنبى الفرار وبقيت هنا


    حيث إن المتنبى نموذج الشاعر العربى الذى لايضارع ونموذج للشاعر العربى الذى ظلمه معاصروه , ونموذج للشاعر العربى الذى اغتيل ظلماً , ونموذج للشاعر الفارس الصلب الذى لم ينحن لحب امرأه , وكان فى الحياة متعالياً , وتلك أمثلة من شعره تدل على شخصيته :


    إنا لمن قوم كأن نفوسهم بها أنف أن تسكن اللحم والعظما
    أى مكان أرتقى وأى عظيم أتقى
    محتقر فى همتى كشعرة فى مفرقى
    من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
    على قدر أهل العزم تأتى العزائم وتأتى على قدر الكرام المكارم
    واذا أتتك مذمتى من ناقص فهى الشهادة منه أتى كامل


    ولذا فكثيراً ما يتمثل الشهاوى بأبيات لأبى الطيب المتنبى أو يشير اليها , أو يقتبس منها , أو يحيلنا الى معناها ,
    ولم تفارق الصبغة الدينية أية قصيدة لشاعرنا حتى فى قصائد الغزل ففى قصيدة الشهيرة " المرأة الاستثناء " يقول بلسان متصوف : -


    هى امرأة يستدل عليها بها 00 لمن أراد الدليلا
    هى امراة يشرب النور من قدميها اللتين تشعانه بكرة وأصيلا
    ياسيدى الوجد إن المغنى فى حضرة الشوف فلتشهد المواقيت
    وكذا االتأثر بالقرآن الكريم , حيث إن الشاعر أزهرى عريق فى أزهريته
    هى امرأة تشبه الشمس إلا إفولا
    وواضح تأثره بقول الله – جل فى علاه – " فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى "


    ولم يكتب الشهاوى قصيدة النثر الاتجربة وحيدة وهى قصيدة " الخارجى " وقد نشرة القصيدة بمجلة الشعر بيد إن شاعرنا على حد علمى – لم يواصل انتاجه لقصيدة النثر


    اللغة فى شعر الشهاوى : -
    لايمكن لدراسة مختصرة كهذه أن تتناول اللغة فى شعر الشهاوى , إلا أن محصلة عامة يمكن أن اشير اليها منها :
    أ – الارتكاز على أساليب التنبيه , كأدوات التنبية ( ها – ألا ) ( الا وليؤسس على قدرها ) وكذلك فعل الأمر ( أخرج من ذاتك تظهر – فليغرس كل منا داخله شجرة توحيدة – وليدفع عن صرح وجوده – وليعلم أن الله إليه أقرب من حبل وريده ) هذ بالاضافة الى الاكثار من استخدام النداء كأسلوب اساس فى شعر الشهاوى :


    بلقيس هذا الشرق لاتتعجبى إن قلت إن النوم قد جافانى
    أيها النيل ولك المجد
    ياكل المواقيت ياسيدى الوجد


    ولايخفى أن استخدام الاساليب التى تحتوى على التنبية كأداه أو أمر أو نداء إنما يحدث هزة فى نفس المتلقى وبذا يتمكن الكلام فى أذنه وقلبه
    ب- استخدام أساليب التوكيد : بأدوات التوكيد وحروفه والافعال الماضية , والتكرار للكلمة أو الجملة , وغيرها و الامثلة فى شعره أكثر من أن تحصى , منها :
    ( إن المغنى فى حضرة الشوف )
    (كان يمكن للمتنبى الفرار )
    ( شقنى أيها النيل مجرى لمائك – شقنى – شقنى )
    ( من أنت ياطيفاً يجىء إلى عبر جوانح الظلم )
    ج- استخدام الفعل المضارع أضعاف الماضى والأمر : وهذا يعنى استمارية الحدث وتجدده واذا توقف يعود مرة أخرى
    وهذا ما يقصد اليه الشهاوى فى شعره 0
    د- تنوع التركيب اللغوى , والتجديد فى التقديم والتاخير والتحديث فى استخدام البديع
    ( وليعلم أن الله إليه أقرب من حبل وريده )
    هـ - الايقاع المتماوج طولا وقصراً دون التوقع لشكل الايقاع ومساحته الصوتية
    ( تبتغينى ياسيدى النيل ياحبى الأوحد
    مركباً أو شراع , حنطة للجياع , راية لاتباع
    لبيك لبيك يانيل , يا نهرنا الخالدا )
    و - الصورة المركبة والمتشابكة , من خلال ألفاظ شفافة , دون الغوص فى التقعر التصويرى أو اللغوى
    ( لها الموج من قبل بلقيس , وكل النساء إماء
    هى امرأة تشبه المستحيلا )
    إن اللغة عن الشهاوى تحتاج الى بحث مطول , حيث إنه ككل مستخدم للغة كوسيط لكى ينقل تجربته وخبرته يتفنن فى جعل اللغة غاية 0




    المصادر :
    1- جابر عصفور : نحو ثقافة مغايرة مكتبة الاسرة 2003م
    2- رمضان الحضرى : الدراما فى شعر نجيب سرور الاداب 1990
    الخطاب الروائى فى اعمال عبد الحكيم قاسم 2001 م
    3- عبد القاهر الجرجانى : دلائل الاعجاز مكتبة الاسرة 2000
    4- ميخائيل باختين : الكلمة فى الرواية ترجمة محمد برادة
    دكتور : رمضان الحضرى
    15/4/2010
  • مختار عوض
    شاعر وقاص
    • 12-05-2010
    • 2175

    #2
    أستاذنا الفاضل
    عقاب إسماعيل
    شكرا لهذا الجهد الجميل حول دراسة شعر أستاذنا الرائع
    محمد محمد الشهاوي
    فهو يستحق - بما يتمتع به من شاعرية وإخلاص للشعر - الكثير والكثير ، وكما أشار د. رمضان في هذا المقال فإن الكثير من الدراسات لنيل درجات جامعية قد أُعدت عنه ومنها تلك الدراسة الأسلوبية التي ذكرها المقال ؛ لكنِّي أود التوضيح أن ما ورد بعد ذلك مما ستجده في ختام مشاركتي هي عناوين مؤلفات للشاعر محمد الشهاوي لم تطبع بعد (هذا ما أتأكدُ منه جيدا بحكم علاقتي بالشاعر وهو ما تؤكده العناوين كما تلاحظون) ..
    مودتي وتقديري لكم .

    (وكثيرة هى الدراسات التى قد ناقشت شعر الشهاوى من وجهات نظر نقدية متعددة , ولكن لازال معظمها حبيس الادراج مثل :
    1- الاسطورة والمأساة , لانور المعداوى 0
    2- كونشترو الامكان للراحل د / على قنديل
    3- النهر الذى اسكر للشاعر الراحل / صالح الشرنوبى
    4- شاعر البرارى لمحمد السيد شحاتة
    5- بصمات منقوشة بالحنين , عبد الدايم الشاذلى 0
    6- السندباد الذى جاب العالم من موقعه , عبد المنعم مطاوع
    7- صرخة الضمير المتقن لتمرده الخاص , محمد السيد عبده
    هذا الى جانب سيرة ذاتية كتبها الشاعر تحت عنوان ( زهرة اللوتس ترفض أن تهاجر )
    التعديل الأخير تم بواسطة مختار عوض; الساعة 21-05-2010, 12:12.

    تعليق

    يعمل...
    X