ضرورة فنية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سمير المنزلاوي
    عضو الملتقى
    • 26-09-2009
    • 44

    ضرورة فنية

    قللت زفة فاطمة من سحر فيلم الزوجة الثانية ، فالزواج للخلف أو الطلاق أو الموت يكون سريا لا يحس به فار الدار !
    ظلم بين أن يحتفي الناس بالعريس مرة في العمر: اثنان يسندانه على الجانبين وهناك من يقف خلفه يقيه شقاوة العيال ومنهم من يمسح عرقه والملح المتساقط من فوق السطوح بالمنديل. البعض تأخذه الجلالة فيحمله بين ذراعيه حتى السرير .
    كنت اقترح في داخلي أن يزفوا الشخص كل عام بمناسبة عيد زواجه ليكسروا الملل و يشجعوا ظهور المواهب و يعطوا الثقة و السعادة . لم أجرؤ على البوح بهذا في مكان مثل عزبتنا ، و ظل حبيسا في أوراقي حتى حطم شلبي القاعدة.
    كانت زفته الأولى منذ أسبوعين . مشى يتبختر وسط أصدقائه المملوءين بالغيرة . لا يكف عن الابتسام من أجل اللذة التي تنتظره في الدار. لذة يعترف بها الصغير و الكبير ، فالبنت حمامة لهطة قشطة . عيناها ساهيتان يذوب فيهما مرح و مكر الدنيا و شعرها يسيح على ردفيها ، غطيسا كأن الليل يختبئ فيه بالنهار . الحاجة زبيده –أمه – عرفت كيف تختار. سار الغلمان حوله يرقصون و يغنون و قام آخرون باللعب فيه من الخلف و هو حق كالليلة الأولى لأمراء الإقطاع . ظل يتململ فيقبض الاثنان المحدقان به على يديه كالمخبرين المدربين!كانوا يغارون أيضا لأنه طلع من المدرسة و تركهم يستعدون لامتحان الثانوية العامة سعيدا بحمامة و بمحل الحلاقة و بتطليق الكتب السخيفة و كلما قابلهم يغمز بعينيه و يطلق ألفاظا نابية .
    انتهت الليلة بأن حمله أحدهم إلى السرير و غنوا أمام الدار :
    العروسه للعريس و الفرجه للمتاعيس
    بعد أن أديت واجب التهنئة عاودني التفكير في فيلم الزوجة الثانية و في اقتراحي القديم فقلت لنفسي : لن يهتم بك أحد ثانية يا شلبي، أعطوك حقك و خلاص!
    في هذه الليلة جاءني صلاح أبو سيف في المنام راكبا في هودج تحيط به المزامير و كان بصحبته صلاح منصور و حسن البارودي و قال لي :

    - لا داعي للفذلكة ، أعرف كل ما تقول ، لكن هناك ضرورات فنية !
    لم تمض أيام حتى ذهب شعبان الخياط يطالب بفلوسه ، و قابلته الحاجة زبيده محاولة تأجيل الدفع : و النبي النقطة تأخرت ! لنا أكثر من ألف جنيه .
    : يا حاجه أنا آخرى يوم الصباحية . من أين آكل ؟
    : اصبر علينا يا شعبان .
    : هل يصبر عيالي على الجوع ؟ أم يتوقف مدرسو الرياضة و الانجليزى عن القبض منى ؟
    : يومان أو ثلاثة و تصلك فلوسك .
    هنا لم يتحمل عمنا شلبي و طق في مخه أن يمسح بكرامة شعبان الأرض ، لأنه جعله لا يساوى نكله أمام حمامة ، المهم طلع من حجرته تهفف حوله رائحة الفرح بينما تبدو يداه حمراوين من أثر الحناء . استخدم أخشن نغمات صوته زاعقا و مشوحا في وجهه:
    كفاية فضائح . فلوسك ستأخذها على البلغة .
    العبارات الساخنة نزلت على شعبان فالتهب و زفر كل صمته و تعبه الطويل و تصلب قدميه :
    تشتمني يا خرع ، لو أنت رجل حقيقي ادفع شقائي بدل أن تتقمع على حسابي بالصوف و السكروته و الصديرى الحرير!
    حاول شلبي أن يمسك فيه ،
    تدخل الناس و شدوه إلى دكانه يأكل بعضه . لم يعد شاعرا بنفسه و لا قادرا على تحريك الدواسة فجلس ساهما يرتفع صدره و ينخفض!
    يوم الجمعة خرج شلبي مغتسلا معطرا تكاد الحته ا لصوف تأكل منه ، شمت النساء رائحته داخلة عليهن في الدور فخرجن ينظرن إلى الشباب الغض المتمايل كغصن لاعبه الهواء. كل واحدة قالت في سرها : عقبى لابني ، أشوفه عريس يملأ هدومه .
    في الطريق إلى الجامع قابل زملاء الفصل ووقف معهم ، كانوا مصرين على جرجرته إلى الأعمال الخاصة التي يقوم بها ليلا . سحب نفسه و أسرع بعيدا و هو يقول : خليكم في الفيزيا يا أولاد ستين كلب !
    ملأ خياشيم المصلين عطرا ، و جلس يستمع إلى الخطبة ، كان يتوق إلى الخروج لأن برام الزفر نضج ، بعد الغداء سيقفز كل السدود و سيجرب الطريقة الجديدة التي تعلمها من بسيونى الرملي و هو يحلق له آخر الليل!
    أراد أن ينفذها ، إلا أن كلمات بسيونى رنت في أذنه :
    - طريقة الساقية يا واد يا شلبي محتاجة عافية ، لازم تخبط قبلها برام معمر و تحبس بالشاي .
    بمجرد أن قال الشيخ فتح الله السلام عليكم و رحمة الله ، طار فورا إلى الحذاء اللميع كما يطير العصفور حين يفتح القفص و دفع المتزاحمين على الباب حتى وجد نفسه في الباحة. كان شعبان واقفا في انتظاره ، نسى البرام و الساقية و وقف شعر رأسه العاري الذي فرقه من اليسار و جعله يبرق بالزيت الأصلي . اتجه ناحيته منوما كما يفعل القط أمام الفار ، و يبدو أن غريمه تدرب جيدا على الموقف ، فأمسك رقبته و دفعها إلى داخل فتحة الجلباب حتى نزل الجسم كله إلى الأرض و خرج الثوب في يده كأنه كان معلقا على حامل خشبي . طواه على ذراعه وا نصرف بخطوات واسعة . أما شلبي فوقف حائرا بالفانلة و الصديرى و اللباس و التف الناس حوله لا ينطقون . في هذه اللحظة رأيت صلاح أبو سيف خلف الكاميرا ، أشاح بوجهه عنى و صرخ في الواقفين ، فأحضروا مزامير و طبول و بدأت الزفة حارة صاخبة : امتثل شلبي شامخا فيما أحدق به اثنان يسندانه و يمسحان عنه العرق ثم الملح الذي هطل مع الزغاريد من فوق السطوح ، ومارس الخلفيون حقهم و منعه المحدقان من الحركة و قطع الجميع المسافة في أكثر من ساعة و صلاح يجرى هنا و هناك، يظهر و يختفي كالقطار وسط المزارع ، الكاميرا تعلو و تهبط و تتلوى و تسقط ، كلما نظرت إليه يدير عينيه ، لما وصلت الزفة إلى الدار خرجت الحاجة زبيدة و حمامة تطلقان الزغاريد و قام أحدهم بحمله بين ذراعيه ثم ألقاه على السرير !




  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    سمير المنزلاوي
    أعدتني بكاميرا نصك إلى أيام جميلة
    أيام نزف فيها الشبان والشابات
    وتلك الأفعال التي يقوم بها الشبان لرفيقهم (( العريس ))
    ابتسمت بمرارة لأننا لم نعد نراها أو نعيش جزء ولو صغير منها
    تحياتي ومودتي
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • إيمان الدرع
      نائب ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3576

      #3
      أستاذي الفاضل: سمير المنزلاوي:
      أتدري..؟؟ أني كنت أضحك بسرّي ، على خيبة هذا العريس ..
      لم يعرف أن الفقير لا يحقّ له الفرح..
      وأنّ أموراً معيشيّة كثيرةً..ستغتال هذه السعادة ،على فطرتها..
      طريقتك مبدعة في نسج سطور تنساب بعفويّةٍ ..
      كما هي حياة من تتحدّث عنهم...
      والأروع هذه الدمعة المكتومة ، التي حُبستْ من أجلهم ..
      من أوجاعهم ، وقهرهم..
      في قصصك سيّدي دائماً تجمع النقيضين:البسمة التي تخفي الكثير من الدموع
      وهذه سمة تُحسب لك..وتتفرّد بها..
      منظر العريس في المشهد الأخير يثيرالشفقة..والضحك ،أعانه الله..
      نحتاج إلى إخراجٍ جديدٍ لفيلمٍ جديدٍ..مؤلّفه سمير المنزلاوي...
      دُمتَ بسعادةٍ....تحيّاتي...

      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

      تعليق

      • سمير المنزلاوي
        عضو الملتقى
        • 26-09-2009
        • 44

        #4
        عائده العزيزة

        نجاحى رهين بكم ، اشكر حسن الظن و المتابعة
        التعديل الأخير تم بواسطة سمير المنزلاوي; الساعة 30-04-2010, 08:22.

        تعليق

        • سمير المنزلاوي
          عضو الملتقى
          • 26-09-2009
          • 44

          #5
          هل من مخرج ايمان ؟

          ابحثى لى عن مخرج و سيكون فيلما تشيب له الغربان!

          تعليق

          • محمد سلطان
            أديب وكاتب
            • 18-01-2009
            • 4442

            #6
            أستاذ سمير ..
            على مدى الأيام تتوالى الأحقاب الزمينة ومعها تتعدد الرؤى و النظريات حول بؤرة مكان ما .. ومن ثم تتعدد التصرفات الآدمية و الإنسانية لتتعرى الصور تماماً أمام التلقائية البحتة .. بمعنى :
            على سبيل المثال تغيرت الأحوال و الطرق المناسباتية في بيئتنا الريفية نتيجة اختلاف الأجيال وتغير حالة الجيوب و "السيالة" عند الشيوخ و العجائز .. وأيضا عند الأطفال في الشوارع و البيوت فاختلفت معهم حجم "الحصالة" وفوهتها .. ماذا كان يحدث لو اتسعت تشتمل على الخبز و الوجبات الثمينة بدلاً من القروش و الساغات القديمة .. !!
            من هذا المشهد نرى تلقائية الحدث و التصرفات التي بُنيت على أساسه .. فلا استطاع عريس القرية أن يهرب من هذا الشعبان ولا هرب من شقاوة الأطفال ليلة عرسه .. إذن هناك لعب خفي جال بذهن الإنسان حينما كتب وحينما أراد أن يعبر عن مدى سطوة الدين رغم الفرحة و العروس المنتظرة لتطبيق مبدأ البقاء و المتعة بين دهاليز اللحظة المرتقبة ..!!
            مثال شعبان و شلبى لن يخضع إلا لنظرية الفطرة المفروضة في كاف التعاملات .. فأين السبيل للمفر من لقائية الحدث وكل الأمور مبينة على أساس التعري و الإنكشاف الذي الي أراده الفكر و التراكمات الذكرياتية لتفضح حقائق لا تحتاج لأغطية ؛ كونها في الأصل بلا رداء .. !!
            القصة تناولت هذا الرسم الخصيب بالألوان الزاهية و القاتمة في لحظة واحدة .. لتنكشف حقيقة المعايير القروية البحتة وتتفتت كل الحواجز الحجرية بين القارئ و بين الشخصيتين العفويتين " شلبي و شعبان "من ناحية .. وفطرية البيئة البكر من ناحية أخرى !
            محبتي أستاذ سمير
            صفحتي على فيس بوك
            https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

            تعليق

            • سمير المنزلاوي
              عضو الملتقى
              • 26-09-2009
              • 44

              #7
              حلو خالص

              و ماذا يفعل المرء حين يدخل الحمام فى الزمن الخلى ليرى عبد العاطى مقرفصا فوق الملاقى ؟
              تكون الصرخة و الوجل و لمة الناس فيما يضحك هو -عبد العاطى عن فم أدرد و لا يقوم من مكانه .
              يرتمى المرعوب على الأرض و يبحثون له عن طاسة خضة جاءت من الحجاز مع الحاج محمود بدر الدين ، و مع كل هذا الصخب يبقى الحمام بلا باب ، و تبقى الدار كلها مفتوحة ليلا و نهارا ، يدخل من يشاء و يخرج من يشاء ، فالطاسة موجودة ، و الدفء الانسانى أقوى من أن يوصد !

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                ضرورة فنية خطيرة لا يستطيعها سوى الكبار من المخرجين المخضرمين أمثال صلاح أبو سيف و سمير المنزلاوى !!
                نعم سيدى ، هو التجريب الذى يتملك عليك كل كتاباتك حين تقترب من القلم ، و بكل الصدق تفعل ، غير عابىء بأى من كان .. أنت و لا أحد غيرك .. هكذا ألأمر إذن !!
                لو لم تكن هذه الضرورة لتحول الفرح مأتما ، و ربما بلوة مسيحة ، ومنيلة بالقطران ، و لأصبح شلبى كهلا فى ثوانى ، و قد لا يكون إلا محض جثة !!
                استخدمت كل آليات القص سيدى و أستاذى بقدرة عالية ، الحوار الذكى ، المخالط لعامية الناس ، المنولوج ، و التجديد ، و الكثير مما أعرف و تعرف

                ما أحلى الزفة الثانية لها طعمة و بهاء ، و لا بد أنه سوى يجرب كل الأوضاع ، و ليس الساقية وحدها !

                هنيئا لنا وجودك بيننا

                محبتى أيها الكبير لا الزميل !!
                sigpic

                تعليق

                • سمير المنزلاوي
                  عضو الملتقى
                  • 26-09-2009
                  • 44

                  #9
                  عفوا مولاى

                  لا تقطع عنق أخيك بالمديح !
                  ما أنا الا طالب علم ، أبحث عن اللذة فى النار!
                  وقديما سألوا عن كنه النص المدهش و صفته فقال المبدع الأكبر : وهل توصف لذة الجماع و حلاوة العسل و مرارة الصبر؟
                  اللذة غير ذات موضوع ، هى الموضوع، فتجرع الكؤوس و ارتجف من حلاوتها .
                  انقطع النت بالأمس و حرمت مسامرتك و مضى الليل طويلا كسلبة الجمل و غرقت فى كوابيس حتى مطلع الفجر. آمل أن تكون جوهرتك قد حطت رحالها لدى الحبيب و تنسمت العطر و الظلال . طمئنى يا ربيع . و لك كل الحب و لا تغيب عينيك عن رعايتى.

                  تعليق

                  • ربيع عقب الباب
                    مستشار أدبي
                    طائر النورس
                    • 29-07-2008
                    • 25792

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة سمير المنزلاوي مشاهدة المشاركة
                    لا تقطع عنق أخيك بالمديح !
                    ما أنا الا طالب علم ، أبحث عن اللذة فى النار!
                    وقديما سألوا عن كنه النص المدهش و صفته فقال المبدع الأكبر : وهل توصف لذة الجماع و حلاوة العسل و مرارة الصبر؟
                    اللذة غير ذات موضوع ، هى الموضوع، فتجرع الكؤوس و ارتجف من حلاوتها .
                    انقطع النت بالأمس و حرمت مسامرتك و مضى الليل طويلا كسلبة الجمل و غرقت فى كوابيس حتى مطلع الفجر. آمل أن تكون جوهرتك قد حطت رحالها لدى الحبيب و تنسمت العطر و الظلال . طمئنى يا ربيع . و لك كل الحب و لا تغيب عينيك عن رعايتى.
                    أصبحت على قاب قوسين أو أدنى حبيبى الغالى
                    هى الآن على مشارف الرضى
                    تتدثر بالنور ، و تلتف بالنور ،
                    و تهرول صوب النور
                    فهل رأيت نورا أجمل من نور الله ومحمد بن عبد الله ؟!

                    لا حرمنى الله منك ، و من صحبتك
                    لن أجاملك أبدا ، لأنى غشيم لا أجيد لغة التعاهر ، و الموامسة
                    أنا هذا سيدى ، وكم أخسر كل يوم كالعبيط !!

                    محبتى
                    sigpic

                    تعليق

                    يعمل...
                    X