قللت زفة فاطمة من سحر فيلم الزوجة الثانية ، فالزواج للخلف أو الطلاق أو الموت يكون سريا لا يحس به فار الدار !
ظلم بين أن يحتفي الناس بالعريس مرة في العمر: اثنان يسندانه على الجانبين وهناك من يقف خلفه يقيه شقاوة العيال ومنهم من يمسح عرقه والملح المتساقط من فوق السطوح بالمنديل. البعض تأخذه الجلالة فيحمله بين ذراعيه حتى السرير .
كنت اقترح في داخلي أن يزفوا الشخص كل عام بمناسبة عيد زواجه ليكسروا الملل و يشجعوا ظهور المواهب و يعطوا الثقة و السعادة . لم أجرؤ على البوح بهذا في مكان مثل عزبتنا ، و ظل حبيسا في أوراقي حتى حطم شلبي القاعدة.
كانت زفته الأولى منذ أسبوعين . مشى يتبختر وسط أصدقائه المملوءين بالغيرة . لا يكف عن الابتسام من أجل اللذة التي تنتظره في الدار. لذة يعترف بها الصغير و الكبير ، فالبنت حمامة لهطة قشطة . عيناها ساهيتان يذوب فيهما مرح و مكر الدنيا و شعرها يسيح على ردفيها ، غطيسا كأن الليل يختبئ فيه بالنهار . الحاجة زبيده –أمه – عرفت كيف تختار. سار الغلمان حوله يرقصون و يغنون و قام آخرون باللعب فيه من الخلف و هو حق كالليلة الأولى لأمراء الإقطاع . ظل يتململ فيقبض الاثنان المحدقان به على يديه كالمخبرين المدربين!كانوا يغارون أيضا لأنه طلع من المدرسة و تركهم يستعدون لامتحان الثانوية العامة سعيدا بحمامة و بمحل الحلاقة و بتطليق الكتب السخيفة و كلما قابلهم يغمز بعينيه و يطلق ألفاظا نابية .
انتهت الليلة بأن حمله أحدهم إلى السرير و غنوا أمام الدار :
العروسه للعريس و الفرجه للمتاعيس
بعد أن أديت واجب التهنئة عاودني التفكير في فيلم الزوجة الثانية و في اقتراحي القديم فقلت لنفسي : لن يهتم بك أحد ثانية يا شلبي، أعطوك حقك و خلاص!
في هذه الليلة جاءني صلاح أبو سيف في المنام راكبا في هودج تحيط به المزامير و كان بصحبته صلاح منصور و حسن البارودي و قال لي :
- لا داعي للفذلكة ، أعرف كل ما تقول ، لكن هناك ضرورات فنية !
لم تمض أيام حتى ذهب شعبان الخياط يطالب بفلوسه ، و قابلته الحاجة زبيده محاولة تأجيل الدفع : و النبي النقطة تأخرت ! لنا أكثر من ألف جنيه .
: يا حاجه أنا آخرى يوم الصباحية . من أين آكل ؟
: اصبر علينا يا شعبان .
: هل يصبر عيالي على الجوع ؟ أم يتوقف مدرسو الرياضة و الانجليزى عن القبض منى ؟
: يومان أو ثلاثة و تصلك فلوسك .
هنا لم يتحمل عمنا شلبي و طق في مخه أن يمسح بكرامة شعبان الأرض ، لأنه جعله لا يساوى نكله أمام حمامة ، المهم طلع من حجرته تهفف حوله رائحة الفرح بينما تبدو يداه حمراوين من أثر الحناء . استخدم أخشن نغمات صوته زاعقا و مشوحا في وجهه:
كفاية فضائح . فلوسك ستأخذها على البلغة .
العبارات الساخنة نزلت على شعبان فالتهب و زفر كل صمته و تعبه الطويل و تصلب قدميه :
تشتمني يا خرع ، لو أنت رجل حقيقي ادفع شقائي بدل أن تتقمع على حسابي بالصوف و السكروته و الصديرى الحرير!
حاول شلبي أن يمسك فيه ،
تدخل الناس و شدوه إلى دكانه يأكل بعضه . لم يعد شاعرا بنفسه و لا قادرا على تحريك الدواسة فجلس ساهما يرتفع صدره و ينخفض!
يوم الجمعة خرج شلبي مغتسلا معطرا تكاد الحته ا لصوف تأكل منه ، شمت النساء رائحته داخلة عليهن في الدور فخرجن ينظرن إلى الشباب الغض المتمايل كغصن لاعبه الهواء. كل واحدة قالت في سرها : عقبى لابني ، أشوفه عريس يملأ هدومه .
في الطريق إلى الجامع قابل زملاء الفصل ووقف معهم ، كانوا مصرين على جرجرته إلى الأعمال الخاصة التي يقوم بها ليلا . سحب نفسه و أسرع بعيدا و هو يقول : خليكم في الفيزيا يا أولاد ستين كلب !
ملأ خياشيم المصلين عطرا ، و جلس يستمع إلى الخطبة ، كان يتوق إلى الخروج لأن برام الزفر نضج ، بعد الغداء سيقفز كل السدود و سيجرب الطريقة الجديدة التي تعلمها من بسيونى الرملي و هو يحلق له آخر الليل!
أراد أن ينفذها ، إلا أن كلمات بسيونى رنت في أذنه :
- طريقة الساقية يا واد يا شلبي محتاجة عافية ، لازم تخبط قبلها برام معمر و تحبس بالشاي .
بمجرد أن قال الشيخ فتح الله السلام عليكم و رحمة الله ، طار فورا إلى الحذاء اللميع كما يطير العصفور حين يفتح القفص و دفع المتزاحمين على الباب حتى وجد نفسه في الباحة. كان شعبان واقفا في انتظاره ، نسى البرام و الساقية و وقف شعر رأسه العاري الذي فرقه من اليسار و جعله يبرق بالزيت الأصلي . اتجه ناحيته منوما كما يفعل القط أمام الفار ، و يبدو أن غريمه تدرب جيدا على الموقف ، فأمسك رقبته و دفعها إلى داخل فتحة الجلباب حتى نزل الجسم كله إلى الأرض و خرج الثوب في يده كأنه كان معلقا على حامل خشبي . طواه على ذراعه وا نصرف بخطوات واسعة . أما شلبي فوقف حائرا بالفانلة و الصديرى و اللباس و التف الناس حوله لا ينطقون . في هذه اللحظة رأيت صلاح أبو سيف خلف الكاميرا ، أشاح بوجهه عنى و صرخ في الواقفين ، فأحضروا مزامير و طبول و بدأت الزفة حارة صاخبة : امتثل شلبي شامخا فيما أحدق به اثنان يسندانه و يمسحان عنه العرق ثم الملح الذي هطل مع الزغاريد من فوق السطوح ، ومارس الخلفيون حقهم و منعه المحدقان من الحركة و قطع الجميع المسافة في أكثر من ساعة و صلاح يجرى هنا و هناك، يظهر و يختفي كالقطار وسط المزارع ، الكاميرا تعلو و تهبط و تتلوى و تسقط ، كلما نظرت إليه يدير عينيه ، لما وصلت الزفة إلى الدار خرجت الحاجة زبيدة و حمامة تطلقان الزغاريد و قام أحدهم بحمله بين ذراعيه ثم ألقاه على السرير !
ظلم بين أن يحتفي الناس بالعريس مرة في العمر: اثنان يسندانه على الجانبين وهناك من يقف خلفه يقيه شقاوة العيال ومنهم من يمسح عرقه والملح المتساقط من فوق السطوح بالمنديل. البعض تأخذه الجلالة فيحمله بين ذراعيه حتى السرير .
كنت اقترح في داخلي أن يزفوا الشخص كل عام بمناسبة عيد زواجه ليكسروا الملل و يشجعوا ظهور المواهب و يعطوا الثقة و السعادة . لم أجرؤ على البوح بهذا في مكان مثل عزبتنا ، و ظل حبيسا في أوراقي حتى حطم شلبي القاعدة.
كانت زفته الأولى منذ أسبوعين . مشى يتبختر وسط أصدقائه المملوءين بالغيرة . لا يكف عن الابتسام من أجل اللذة التي تنتظره في الدار. لذة يعترف بها الصغير و الكبير ، فالبنت حمامة لهطة قشطة . عيناها ساهيتان يذوب فيهما مرح و مكر الدنيا و شعرها يسيح على ردفيها ، غطيسا كأن الليل يختبئ فيه بالنهار . الحاجة زبيده –أمه – عرفت كيف تختار. سار الغلمان حوله يرقصون و يغنون و قام آخرون باللعب فيه من الخلف و هو حق كالليلة الأولى لأمراء الإقطاع . ظل يتململ فيقبض الاثنان المحدقان به على يديه كالمخبرين المدربين!كانوا يغارون أيضا لأنه طلع من المدرسة و تركهم يستعدون لامتحان الثانوية العامة سعيدا بحمامة و بمحل الحلاقة و بتطليق الكتب السخيفة و كلما قابلهم يغمز بعينيه و يطلق ألفاظا نابية .
انتهت الليلة بأن حمله أحدهم إلى السرير و غنوا أمام الدار :
العروسه للعريس و الفرجه للمتاعيس
بعد أن أديت واجب التهنئة عاودني التفكير في فيلم الزوجة الثانية و في اقتراحي القديم فقلت لنفسي : لن يهتم بك أحد ثانية يا شلبي، أعطوك حقك و خلاص!
في هذه الليلة جاءني صلاح أبو سيف في المنام راكبا في هودج تحيط به المزامير و كان بصحبته صلاح منصور و حسن البارودي و قال لي :
- لا داعي للفذلكة ، أعرف كل ما تقول ، لكن هناك ضرورات فنية !
لم تمض أيام حتى ذهب شعبان الخياط يطالب بفلوسه ، و قابلته الحاجة زبيده محاولة تأجيل الدفع : و النبي النقطة تأخرت ! لنا أكثر من ألف جنيه .
: يا حاجه أنا آخرى يوم الصباحية . من أين آكل ؟
: اصبر علينا يا شعبان .
: هل يصبر عيالي على الجوع ؟ أم يتوقف مدرسو الرياضة و الانجليزى عن القبض منى ؟
: يومان أو ثلاثة و تصلك فلوسك .
هنا لم يتحمل عمنا شلبي و طق في مخه أن يمسح بكرامة شعبان الأرض ، لأنه جعله لا يساوى نكله أمام حمامة ، المهم طلع من حجرته تهفف حوله رائحة الفرح بينما تبدو يداه حمراوين من أثر الحناء . استخدم أخشن نغمات صوته زاعقا و مشوحا في وجهه:
كفاية فضائح . فلوسك ستأخذها على البلغة .
العبارات الساخنة نزلت على شعبان فالتهب و زفر كل صمته و تعبه الطويل و تصلب قدميه :
تشتمني يا خرع ، لو أنت رجل حقيقي ادفع شقائي بدل أن تتقمع على حسابي بالصوف و السكروته و الصديرى الحرير!
حاول شلبي أن يمسك فيه ،
تدخل الناس و شدوه إلى دكانه يأكل بعضه . لم يعد شاعرا بنفسه و لا قادرا على تحريك الدواسة فجلس ساهما يرتفع صدره و ينخفض!
يوم الجمعة خرج شلبي مغتسلا معطرا تكاد الحته ا لصوف تأكل منه ، شمت النساء رائحته داخلة عليهن في الدور فخرجن ينظرن إلى الشباب الغض المتمايل كغصن لاعبه الهواء. كل واحدة قالت في سرها : عقبى لابني ، أشوفه عريس يملأ هدومه .
في الطريق إلى الجامع قابل زملاء الفصل ووقف معهم ، كانوا مصرين على جرجرته إلى الأعمال الخاصة التي يقوم بها ليلا . سحب نفسه و أسرع بعيدا و هو يقول : خليكم في الفيزيا يا أولاد ستين كلب !
ملأ خياشيم المصلين عطرا ، و جلس يستمع إلى الخطبة ، كان يتوق إلى الخروج لأن برام الزفر نضج ، بعد الغداء سيقفز كل السدود و سيجرب الطريقة الجديدة التي تعلمها من بسيونى الرملي و هو يحلق له آخر الليل!
أراد أن ينفذها ، إلا أن كلمات بسيونى رنت في أذنه :
- طريقة الساقية يا واد يا شلبي محتاجة عافية ، لازم تخبط قبلها برام معمر و تحبس بالشاي .
بمجرد أن قال الشيخ فتح الله السلام عليكم و رحمة الله ، طار فورا إلى الحذاء اللميع كما يطير العصفور حين يفتح القفص و دفع المتزاحمين على الباب حتى وجد نفسه في الباحة. كان شعبان واقفا في انتظاره ، نسى البرام و الساقية و وقف شعر رأسه العاري الذي فرقه من اليسار و جعله يبرق بالزيت الأصلي . اتجه ناحيته منوما كما يفعل القط أمام الفار ، و يبدو أن غريمه تدرب جيدا على الموقف ، فأمسك رقبته و دفعها إلى داخل فتحة الجلباب حتى نزل الجسم كله إلى الأرض و خرج الثوب في يده كأنه كان معلقا على حامل خشبي . طواه على ذراعه وا نصرف بخطوات واسعة . أما شلبي فوقف حائرا بالفانلة و الصديرى و اللباس و التف الناس حوله لا ينطقون . في هذه اللحظة رأيت صلاح أبو سيف خلف الكاميرا ، أشاح بوجهه عنى و صرخ في الواقفين ، فأحضروا مزامير و طبول و بدأت الزفة حارة صاخبة : امتثل شلبي شامخا فيما أحدق به اثنان يسندانه و يمسحان عنه العرق ثم الملح الذي هطل مع الزغاريد من فوق السطوح ، ومارس الخلفيون حقهم و منعه المحدقان من الحركة و قطع الجميع المسافة في أكثر من ساعة و صلاح يجرى هنا و هناك، يظهر و يختفي كالقطار وسط المزارع ، الكاميرا تعلو و تهبط و تتلوى و تسقط ، كلما نظرت إليه يدير عينيه ، لما وصلت الزفة إلى الدار خرجت الحاجة زبيدة و حمامة تطلقان الزغاريد و قام أحدهم بحمله بين ذراعيه ثم ألقاه على السرير !
تعليق