زيارة من أجل العم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سمير المنزلاوي
    عضو الملتقى
    • 26-09-2009
    • 44

    زيارة من أجل العم

    دخل على ابنته طالبة الجامعة و قال لها مفتخرا : بصى على الحمار الجديد الذي اشتريته من السوق !
    خرجت تهرول حيث ربطه أمام الباب، ثم رجعت ممتقعة الوجه تبحث عن طرحة لتغطى شعرها و قالت :
    هل هنت عليك يا أبى حتى تجعلني أنكشف أمام الأغراب؟
    : أغراب ؟ انه حمار !
    : لا وشرفك، انه إنسان مثلي و مثلك ، لكنه مسحور بفعل امرأة . قال لها بوجل :
    و كيف عرفت ، ولم أخفيت عنى هذا العلم ؟
    : اشتركت منذ سنوات في موقع سحرى على الشبكة الدولية ، و اننى قادرة بعون الله على نقل حجارة جبل قاف و خراب سبع مدائن عامرة حتى ينعق فيها البوم .
    : يا حبيبة قلبي لا أريد حجارة و لا مدنا خربة ، أريدك أن تعيدي هذا الرجل إلى صورته الآدمية إن كنت صادقة في أقوالك.
    دخلت المطبخ و ملأت كوبا من الثلاجة ثم عزمت عليه و رشته في وجهه صائحة : اخرج من حماريتك و عد إلى الحالة التي خلقك الله عليها ! هز أذنيه و ذيله و عطس و انتفض بشرا سويا قائلا: أشهد ألا اله إلا الله ، و أشهد أن محمدا رسول الله. أين أنا؟
    قالت نورا : أنت في قرية الرياض ، و هذا أبى إبراهيم العزبى ، أنا نورا التي فككت عنك السحر! ضرب أبوها كفيه و قال : آمنت بالله ، هذا شغل حواديت !
    أكل و شرب و غسل يديه ثم تناول برتقالا و شايا و قال :
    سيدي أنا ملكك ، اشتريتني بفلوسك و خلصتني .
    : حاشا ، نحن احتسبنا ثمنك عند الله ، لكننا نريد أن نعرف حكايتك قبل أن تنقضى أيام ضيافتك.
    قال : إن حكايتي لها العجب ، و لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن يعتبر . فقد كنت أعيش في قرية كبيرة ، أنعم بميراث يضم أرضا زراعية ، و جرارات!وحصلت على شهادة عالية في الأحياء. وكما تعلمون فان البطر يزيل النعم ، أهملت شغلي و درت في البيوت و المقاهي أثرثر و قد جاءني الشيطان من ناحية الفشر ، نعم ، في البداية جعلته مزاحا ، أشاكس به أترابي و أضاحكهم حتى فشا ذلك عنى ولم يعد أحد يصدقني، كانوا يلوون أشداقهم قائلين: لعلها لمعة من لمعاتك يا محمد يا أبو كمون! ضاقت الدنيا في عيني و كرهت البلد و الناس و الأرض ، و نويت أقلع عن عادتي الذميمة لتنسى بعد حين ، لكنني تذكرت شعبان الذي سلح في صلاة الجمعة البلد فبعت أرضى و دارى و أقمت في قرية يقال لها ديروط تبعد عنا مسيرة ساعتين بالسيارة .
    قالت نورا مقاطعة : و ما حكاية شعبان هذا؟
    سكت قليلا فقال الأب : و حق من فرج كربك و أزال همك ألا قصصت علينا ما جرى لشعبان الذي سلح في الجامع بالتمام و الكمال ليزداد سرورنا و يقصر ليلنا .
    قال : بلغني يا عم إبراهيم يا عزبى ، و يا نورا بنت عم إبراهيم أن رجلا يدعى شعبان السماحى كان يهبط قريتنا بعربة كارو ليبيع الفاكهة: مثل الجوافة المصرية و المشمش الحلبي و التين البرشومى و العنب الأزميرى، و ذات يوم أدركته صلاة الجمعة فربط الحصان و دخل إلى الجامع ، و حين اعتلى الخطيب المنبر تحركت بطنه ثم برقت وأ رعدت فقام يجرى إلى الميضأة لكنه لم يلحق نفسه و خذلته استه فاندفعت الحمم من البركان و لحق الأذى بكل إنسان ، هاج الجميع و ماجوا ، و اندفع يغادر البلد كاللص و قد انفطر قلبه من القهر و الكمد .ظل عشر سنوات لا يقربها و يبيع في قرى بعيدة لم تسمع بفعلته و لا تحفظ زلته . و ذات يوم برح به الشوق و لأجل المقدر قال لنفسه : لابد أن الحاضرين في الساعة المشئومة نسوا أو ماتوا فلأهبطن بدون العربة لأرى ماذا يكون ؟ في مدخل البلد تمهل و تسلل قرب امرأتين تغسلان الغلة في الترعة ،و استمع إلى حديثيهما فكادت نفسه تذهب حسرات .
    قالت نورا : و لم ؟
    قال : كانتا تتلاحيان حول عمر ابنيهما! ارتعش الصوتان و اهتزت الأذرع ، ثم هتفت إحداهن : ابني صغير يا أختي ولد يوم أن سلح البائع في الجامع!
    علا الضحك حتى امتلأت المآقي بالدموع و قال عم إبراهيم : هيا لتنام يا بنى و في الصباح تكمل لنا حكايتك مع المرأة التي سحرتك .
    في الصباح أفطروا رقاقا و عسلا و لبنا و بعد ن أخذوا كفايتهم غسلوا أيديهم و حمدوا ربهم و اعتدل عم إبراهيم و طلب من نورا أن تغلق النكد الذي يسيل من قناة الجزيرة و قال موجها حديثه إلى محمد أبو كمون :
    هل تتفضل علينا و تتم ما انقطع من حديثك ليلة البارحة ؟
    : من عيني ، فلت لكم اننى هاجرت فرارا من فشرى الذي سود عيشي و جعلني لعبة في يد الصغير و الكبير ، و عقدت العزم أن أبدأ من جديد ، لكن حظي العاثر أوقعني في سكة سعد منيسى و أخته الساحرة شربات .
    صرخت نورا صرخة عظيمة كاد الأب و الشاب يسقطان من هولها ثم احمرت عيناها كأن أحدا صب فيهما كأسين من دم. وقف الأب و حاول أن يسندها ، لكنها أشارت له بالجلوس و عادت إلى سيرتها الأولى في لمح البصر فقال : الحمد لله ، أكمل . قال : أقمت في بيت ملاصق لبيت سعد و أخته و صرنا كالأهل فانا بطبعي أحب الألفة و اللمة ، و لكي يقع المكتوب منذ الأزل سالنى سعد أثناء سهرة ممتعة عن قريتي فقلت على سجيتي اننى من قرية البصراط ، وجدته يقفز و تلحقه أخته كنها لولب .
    فهمت بعد أن هدأت أعصابهما أن عمهما حافظ منيسى هرب إليها منذ كان غلاما . انهالت على أسئلتهما ، و لكز الشيطان غدة الفشر فانفتحت على البحري ، حافظ الشحات الذي يهلل عليه العيال و يشيرون إلى خصيتيه المنتفختين كالبطيختين قائلين :
    أبو قليطه سافل بياع الفلافل
    جعلته صاحب أطيان و دكان و أولاده وكلاء نيابة و ضباط شرطة و موظفين في الجهاز المركزي للمحاسبات ، بل و لمحت إلى أنه ينوى الترشح لعضوية مجلس الشعب فئات ، و أن الحزب الوطني يرجوه و يرسل له الوسطاء فيقول : مش فاضي !
    من أجل نحسي التقطا الكلام كما تلتقط الدجاجة الجائعة حبة قمح ، و طارا بزيارة من العسل و القشدة و المش و البط المحمر إلى البصراط ، كنت جالسا على جمر ألعن نفسي و أكاد أقتلها من الندم. اشتريت سم فأر من الصيدلية و أذبته في كوب ماء لكن الروح حلوه . لم أستطع الانتحار و قلت : ليفعل الله ما يشاء . و نمت حتى يأتي القضاء المحتوم و لم أدر بنفسي إلا و هما يقفان على رأسي و قد صارا من الغضب كزقين منفوخين أو رخين مكلومين و قالت شربات بصوت كالقصف و عينين كالبرق : يا عرة الرجال تخدعنا و تجعلنا نذهب لهذا الصعلوك ؟
    ثم رشتني بكوب في يدها فوجدتني حمارا ، سحبنىأخوها و كان طول الطريق يضربني بلبلوب رمان و يشتمني بأمي و أبى . باعني في سوق ديروط لتاجر ، ثم اشتريتني أنت!
    انسجم عم إبراهيم العزبى :
    - الله يجازيك يا أبو كمون ، كأني في حلم !
    انسلت نورا إلى الداخل ، ثم نادت عليهما ، أخذه من يده :
    - نورا لا تكاد تترك الكمبيوتر !
    جلسا بينما هي منكبة على الجهاز ، امتلأت الشاشة بصورة فتاة قالت :
    هذه شربات منيسى مشرفة موقع السحر من أجل التغيير، أتعرفها؟ .
    جف ريقه و تسارعت ضربات قلبه ، كتبت عدة كلمات ، و تلقت الرد ، وضعت السماعات على أذنيها . نظرت ناحيته ، وقف :
    عفوا أريد أن أعود لشغلي و مصالحي .
    : انتظر . لا أصدق.
    اربد وجهها و انسكب كأسا الدم في عينيها ، تهمس لأبيها ، تغلق الشاشة و تواجهه : مجرم .
    : أنا ضيف.
    انسحب عم ابراهيم واجما و
    أسرعت نورا إلى المطبخ فجاءت بكوب ماء من الثلاجة ، عزمت عليه و رشته في وجهه فاستطالت أذناه و نبتت له قوائم و ذيل .
    التعديل الأخير تم بواسطة سمير المنزلاوي; الساعة 30-04-2010, 16:05.
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    قرأت ..
    بل أكلت حتة شوكولاتة بالحاجات
    بعد أن كسرت بصلة عقب فضيحة المسجد !!


    لى عودة للتعليق أستاذى

    محبتى
    sigpic

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      لقد أجبت هنا على أسئلة كثيرة ، تلح علىّ كثيرا ،
      و أنا ألجأ للتراث ، و أعيش ليالى من الألف ليلة
      فأجد نفسى محاصرا بالكثير ، هل ما نعيش الآن
      و على هذه الشبكة الرهيبة حقيقى أم هو الوهم ..
      هل ما نفعله هنا ، و هو بلا حدود ، يقاس بما أتى
      فى الليالى .. أم أنه تعدى ذلك بمراحل و مراحل ..
      لقد أجبت هنا عن حقيقة السحر الذى نعيشه كل يوم
      و هو بلا حدود كما قلت سابقا ، فهل لو عاش قيس
      فى زماننا هذا ، و على هذا الجهاز .. ربما لأختلف الأمر كثيرا،
      و اختلفت الموانع ، و لكن ربما لن يجد حاجة لأن يكون وليلى معا
      يكفيهما أن يحترقا هنا ، أن يحولا الأب المانع الزاجر إلى حمار مثلا
      أو كلبا يلهث فى صحراء الجهل !!
      لكن ماذا لو أن قيسا تجرأ ،
      و نال منها العنوان و التليفون
      هل سيظل مقتنعا ، و إلى آخر الشوط أنها فى انتظاره ؟
      فيجرى ، و بالفعل يتقابلا بالقبلات ،
      و الأحضان الحارة ، دون أن يدرى أنها كانت تخبىء رجلا فى جيبها أو حقبيتها بعد أن سحرته ، و حولته إلى عقلة أصبع ، تعيده لطبيعته كيفما شاءت ، و وقتما تريد !!
      مابال سرحت معك ، و قد فجرت هنا الكثير و الكثير من المناطق النائمة
      و التى امتلآت بالسافانا و الأعشاب الجهنمية !!

      للحديث شجون .. و معك أواصل الحديث فكن قريبا
      و لا تخذل يدى
      sigpic

      تعليق

      • سمير المنزلاوي
        عضو الملتقى
        • 26-09-2009
        • 44

        #4
        معك يا مولاى

        معك دائما و يدك فوق يدى . أحب القصة بعدك و لا أغار.

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          أنت تغرينى بتناول الوجبة كاملة
          مع ما فيها من بصل و عسل


          محبتى
          sigpic

          تعليق

          • إيمان الدرع
            نائب ملتقى القصة
            • 09-02-2010
            • 3576

            #6
            أستاذي الفاضل : سمير المنزلاوي:

            قرأت النصّ ،مهرولةً بين الحروف
            الوجبة دسمة جدأً..مليئة بالتوابل الحارّة..رموزها قويييية ، قاطعة كالسيف..
            يبدو أنني سأكتفي بالمحاورة الأجمل
            بينك... وبين الربيع..
            ففيها من الإمتاع ..
            ما يسدّ جوعنا الأدبي الذي يلازمنا ، كما الظل..
            هاقد هربتُ متذاكية ...من التعليق...
            دُمتَ بسعادةٍ....تحيّاتي ...
            التعديل الأخير تم بواسطة إيمان الدرع; الساعة 01-05-2010, 10:09.

            تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

            تعليق

            يعمل...
            X