قصة قصيرة - ولادة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الهيتي
    عضو الملتقى
    • 22-01-2010
    • 15

    قصة قصيرة - ولادة

    قصة قصيرة - ولادة

    السادسة صباحا

    ألان، وبعد مخاض ظلام الليل الحالك، أعلنت الساعة السادسة صباحا دخولها تلك المدينة الصغيرة الواقعة على ضفاف نهر الفرات، لتعلن الفرح ولو لساعات قليلة فيها. أخذت المدينة تسبح في زرقة هذا الصباح الربيعي، وتضحك ملء فمها عندما بدأ الفرات بمغازلتها ، فاغتسل وجهها برذاذ ماؤه المقدس. أخذت الشمس تتسلق سلمها الوهمي المتكون عبر آلاف السنين إلى مكانها - هناك - في كبد السماء، لتمارس طقوسها المعهودة (طقوس الغفران) ، ولتكفر عن ذنب كانت قد ارتكبته ليلة أمس، فتنشر خيوطها، وترفع عن المدينة ما تبقى من غطاء الليل، لتبدأ تراتيل الصباح، وأنشودة الحياة والموت عبر زقزقات العصافير، وصرخات السنين الغابرة.

    في تلك الجهة، وعلى يسار المدينة تنطوي بيوت صغيرة ( ذات جدران مهشمة وسقوف بالية) على أهلها، فهي آخر من رفعت عنها الشمس غطاء الليل، فانكسر الضوء عبر شبابيكها.وأخذت غرفها تسبح فيه، فارتفعت منها صلوات وتراتيل الخوف من المجهول:

    - يا الله.... يا الله.... يا الله

    (وحدها هذه النداءات كانت تشق عنان السماء، فتطفئ تلك النار التي تستعر في صدور الأمهات). بدأت ساعات الفرح القليلة بالانسحاب عندما ارتفعت من إحدى البيوت صرخات الوجع والقهر، وضعت على رأسها وشاحا اسودا ثم غابت كما غاب عن المدينة شبانها الذين مازالوا يسقطون واحدا تلو الأخر في ساحات القتال وجبهات الموت البربرية.



    التاسعة صباحا

    في تمام التاسعة ، اخترقت المدينة وعبر شوارعها الضيقة مركبة (زيتونية اللون)، وقفت أمام بيت أبو بلال... تجمهر الناس من حولها - كان الجميع بانتظار الخبر الذي تحمله - نزل من المركبة جندي، وأخذ يطرق الباب بقوة، فخرج العجوز أبو بلال وهو يتوكأ على عصاه، فقال الجندي:

    - بيت أبو بلال حجي ؟
    - نعم .. خو ما كو شي وليدي؟!
    فأردف الجندي بحزن : (البقاء لله حجي).

    وقع الخبر على العجوز كالصاعقة، فأقعده أرضا، وراح ينوح ولده، ويناجي بأحزانه تلك الأيام الخوالي....
    تنهد الجميع بعد رحلة البكاء الطويلة ، سحبوا أنفاسا عميقة بعدها أطلقوا كل ما تعلقت في صدورهم الخربة من أدران الزمن.

    الثامنة ليلا

    تركت الشمس مكانها، واختفت خلف الزمان والمكان ، لتمارس طقوسا لم ولن نعرفها، تركت المدينة تصارع المجهول لوحدها، تتخبط بالساعات القادمة، وما تحمله من مفاجآت ، كانت أولى هذه المفاجآت أن تشق عنان السماء، وان تتبدد وحشة الليل، صرخات موجعة لم تكن صرخات الموت... كانت صرخات مخاض الولادة ، ولادة جديدة تناقلتها البيوت لترسم على وجوه شيوخها ابتسامة أمل بغد تولد فيه الحياة بعد الموت، ولادة جعلت العجوز أبو بلال يرتل:

    (يا رب ... فبعد الموت ولادة!!)


    محمود عبدالبديع الهيتي
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الرائع
    محمود عبد البديع الهيتي
    هلا ومليون غلا بك ها هنا بيننا
    نص رائع
    قرأته سابقا وعدت له بنفس الروحية
    فجيعة الموت قاسية تقهر القلوب
    لكن الولادة تقدر أن تمسح بعض الألم وتفتح أبواب الحياة
    نص رائع مفعم بسمفونية الفناء والحياة
    معذرة من أصابعي التي دخلت دون استئذان
    هيا بني إقرأ للزميلات والزملاء
    شاركهم رؤيتك ليستأنسوا برأيك
    حللت أهلا ونزلت سهلا بديع
    ودي ومحبتي لك
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • فواز أبوخالد
      أديب وكاتب
      • 14-03-2010
      • 974

      #3
      مرحبااااااا بك أخي محمود عبدالبديع الهيتي

      قصة رااااااااائعة

      بإنتظار جديدك .. تحيااااتي لك .
      [align=center]

      ما إن رآني حتى هاجمني , ضربته بقدمي على فمه , عوى من شدة
      الألم , حرك ذيله وولى هاربا , بعد أن ترك نجاسته على باب سيده .
      http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=67924

      ..............
      [/align]

      تعليق

      • العربي الثابت
        أديب وكاتب
        • 19-09-2009
        • 815

        #4
        [align=center]مرحبا بك زميلي المقتدر بين أحبابك هنا..
        من رحم الموت تنبعث الحياة..
        أعجبت بهذا الحكي المتوازن بالرغم من كونه يطفح بالألم..
        سلمت أناملك ودوما سأتابع نصوصك..
        دمت بألف خير..
        العربي الثابت -المغرب[/align]
        اذا كان العبور الزاميا ....
        فمن الاجمل ان تعبر باسما....

        تعليق

        • الهيتي
          عضو الملتقى
          • 22-01-2010
          • 15

          #5
          شكرا لك من كان هنا ( عائدة محمد - العربي الثابت - فواز )

          سأوافيكم بكل ماهو جديد ....... وسأكون متابعا لكتابات الاخرين من المبدعين هنا .

          مودتي ............

          تعليق

          يعمل...
          X