يا غالـي يا ابن الـ ..غالـي
* سمعت الأم جرس الباب .. جرَّت ساقيها المصابين بالروماتيزم وأخذت تبرطم
بكلمات اعتادت أن تكررها كلما سمعت جرس الباب .. ميييين .. مين اللي
بيضرب الجرس ؟!! آآهـ ـ قطيعة تقطع الروماتيزم وسنينه ..أيوه.. أيوه هو
مافيش صبر...
قال يا قاعدين يكفيكوا شر الجايين .. وتفتح باب الشقة ..
وإذا بها وجها ً لوجه أمام ابنتهاـ التي تقف وتضع بجانبها حقيبتي سفر كبيرتين..
وتمسك بيدها ابنها الذي لم يتعد الثالثة من عمره.. ما أن رأت الأم نظرات
الحزن في عيني ابنتها .. حتى انطلق لسانها بما تكتمه في قلبها وهي تحتضنها ..
وتقول : أنا قلبي كان حاسس ـ وقلبي عمره ما يكذب أبدا ً.. أنا قلت لأبوكي ـ
البنت خسارة فيه ـ وخصوصا ً لماعرفت إنه هايخدك معاه في بلاد الغربة ..
يجي أبوكي يشوف ..!! تبتلع الابنة بقايا دموعها ـ ولم تنبس بكلمة.. وتسترسل
الأم في كلماتها المأثورة التي تندب بها حظ ابنتها.. تنظر الى ابنتها التي تضع
يدها على خدها وتقول: يا عيني على حظك يا بنتي ـ كانت جوازة الندامة ـ
جوازة الشوم واللوم.. وتنظر إلى حفيدها بامتعاض .. وتقول لابنتها : إرم له
ابنه وأنا بكرة أجوزك سيد سيده .. كده يا بنتي ياخدك لحم ويرميك عضم !! .. لم
تتحمل الابنة هذه الكلمات القاسية وتغمض عينيها فتنزل دموعها تجري بغزارة
تبلل شعر صغيرها ... لم تتحمل الأم رؤية دموع ابنتها.. وبكل ما لديها من قوة
تصرخ في وجهها قائلة: أيوة إرميله ابنه..و.. !! وبفؤاد جريح تصرخ الابنة بعد
ان ضغطت الأم عليه بقوة.. تصرخ من أعماقها : كفاية يا ماما.. كفاية..(عبد
الحميد) مات.. مات!!
تخبط الأم على صدرها بقوة ـ وهي تقول بذهول : مات ؟! يا خبر أسود ..!! وتطلق صرخة قوية مدوية.. يتجمع عليها الجيران .. لم
يمهله القدر إلي أن يشتري الفاخرة الشقة والسيارة كما وعدها عند عودتهم ..!
تسألها جارة ممن تجمعن - عن سبب وفاته المفاجئة .. فتصغي كل الآذان التي
يقتلها الفضول في معرفة الحكاية..!! ومن خلال دموعها تحكي لهن باقتضاب
شديد حكاية موته المفاجئ ـ بسبب إصابته الشديدة أثناء عمله في أحد حقول
البترول ـ حيث أنه يعمل مهندس بترول.. واستطردت تقول: حَسِبَت الشركة التي
كان يعمل بها أن التعويض الذي دفعته لي يستطيع أن يعوضني عنه.. وانفجرت
في بكاءٍ شديد وهي تحتضن صغيرها .. وتتسلل ابتسامة الى شفتيها وإن كان
يغلفها الحزن .. حين سمعت أمها تقول لمجموعة النسوة اللائي يتجمعن حولها :
ده كان مهنيها .. كان مستتها .. عمره ما زعلها بكلمة ـ كل جوابتها بتقول كده ..
وتستطرد الأم حديثها : كان ها يشتري لها شقة في مصر الجديدة ـ وعربية آخر
موديل .. وفلوسهم كانت جاهزة .. وتنظر الى ابنتها وتسألها في خبث: هل قمتِ
بتحويل رصيدكم هناك الى رصيدكم هنا في مصر؟؟ فتهز الابنة رأسها
بالإيجاب ..!! فتخفي الأم سعادتها ـ وتواصل حكيها للجيران : المرحوم كان
غالي عندي .. كأنه ابني .. وتختلس نظرة الى حفيدها ـ فتجده ينظر إليها في
براءة وهويمد لها يده الصغيرة.. وتمسك الجدة يد حفيدها وهي تقول له : تعالى ..
تعالى يا غالي .. يا ابن الـ ...غالي ...!!!
******************
تعليق