ماء الغدير - قصة - نزار ب. الزين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نزار ب. الزين
    أديب وكاتب
    • 14-10-2007
    • 641

    ماء الغدير - قصة - نزار ب. الزين

    [align=center]
    ماء الغدير
    قصة
    نزار ب. الزين *
    [/align]

    [align=right]الغديرهو اسم القرية يقطنها فرع من عشيرة الصوّان مُنحت لهم أرضها من قبل حكومة الانتداب ضمن برنامج لتوطين البدو الرحل ، و بنيت بيوتها فوق خرائب بلدة رومانية أو بيزنطية أو ربما من العصر الحجري ، أصابها زلزال أو ربما انفجار بركان ، فدمرها و هجّر من بقي حيا من سكانها إن بقي أحياء ! ذلك أن البلدة بجدرانها وأسقفها و أبوابها و نوافذها قُدت جميعاً من الحجر الأسود ، مما جعل الكارثة يومئذ - على ما يبدو - مأسوية .
    المحظوظ من المستوطنين الجدد من كان نصيبه فيها غرفة أو اثنتين سليمتين فانه سيرمم بقية المنزل ليعود كما تركه أصحابه ، أما الآخرون فقد استخدموا أحجار الخرائب لبناء بيوتهم كيفما اتفق . و كذلك فإن الدرب الرئيسي و الدروب الفرعية ملأتها الأحجار السوداء من كل القياسات فجعلت من المستحيل أن تمر فوقها أية مركبة ،أما الدرب الوحيد الصالح فهو الذي يربط بين مخفر الدرك بالطريق العام و هو شارع عريض و لكنه ترابي .
    و تحيط بالقرية أراضٍ استزرعوها رغم صعوبة استصلاحها ، و لكن النبعتان الغربية و الشرقية ، كانتا تشجعان السكان الجدد على الإستمرار ، رغم صعوبة المناخ و تدني الحرارة إلى ما دون الصفر معظم أيا الخريف و الشتاء .
    عندما تهطل الأمطار تفيض النبعتان بالماء و تظهر ينابيع أخرى هنا و هناك ، فتغرق ما زرعه السكان و قد تخربه ، أما في الصيف فتكاد النبعتان - و خاصة الشرقية منهما تجفان - مما جعل الزراعة الصيفية مستحيلة !
    دوما ، كان السكان يشكون من اضطراب مصدرهم المائي ، فيفيض عندما لايكون له حاجة و ينضب عند الحاجة ، إلا أن إمتلاكهم لبعض الماشية ، كان يمنحهم بعض التعويض .
    كان الأستاذ مروان ، يستمع متأثرا إلى مشكلتهم ، و يناقشهم أحيانا حول إمكانية حفر بئر قد يكون ماؤه غزيرا ، كما فعل أهل قرية الختمية التي لا تبعد أكثر من بضعة كيلومترات ، و لكنهم كانوا يرفضون الفكرة بحجة أن الأرض صخرية و أن أدواتهم البدائية لن تمكنهم من ذلك ، و عندما اقترح عليهم استقدام آلة حفر هزوا رؤوسهم آسفين ، لأن إمكانياتهم المادية لا تسمح لهم بذلك !

    *****
    و ذات يوم
    و بينما كان الأستاذ مروان في العاصمة في زيارة الأهل
    قابل أحد أقاربه و هو مهندس بناء
    سأله " أين يُدرِّس" ، فأجابه " في قرية الغدير "
    تبسم قريبه هذا ، ثم سأله :
    - أتدري أنني كنت المهندس الذي أشرف على بناء مدرسة الغدير ؟
    دهش مروان لهذه المصادفة و لكنه فوجئ أكثر عندما أضاف :
    - إصغ يا مروان إلى القصة العجيبة التي حدثت لي هناك !
    فبينما كنا نحفر لبناء أساسات المدرسة ، سمعنا هديرا غامضا ، حفرنا أكثر ، ففوجئنا بمجرى ماء قوي ، جرف أداة الحفر التي كان يستخدمها أحد العمال ...
    و لكن في اليوم التالي و بعد أن استدعينا قائد المخفر ليشاهد معنا ما شاهدناه ، كانت الصدمة ، أن ذلك المجرى قد غار و اختفى !
    أجابه مروان متحمسا :
    - هذا معناه أن المنطقة تعوم فوق بحر من المياه .
    - محتمل ، لأن المنطقة تقع على أحد سفوح جبل الشيخ ، و الثلج كما تعلم يغطي قمم الجبل صيفا شتاء ، مما يشكل مصدرا مائيا لا ينضب .

    *****
    لم ينم مروان تلك الليلة و هو يفكر بالخبر السعيد الذي سينقله لسكان قرية الغدير ، فقد يقضي على فقرهم و يرحمهم من ابتزاز أبو عادل المرابي ، و أبو شاكر البقال اللذان ما فتئا يستنزفانهم ،

    *****
    منذ لحظة وصوله إلى القرية و قبل أن يستريح ، توجه إلى مضافة المختار ، الذي استدعى وجهاء القرية بدوره ( إلى مؤتمر قمة !. )
    كانوا بين مصدق و مكذب ..
    و لكن الأستاذ مروان أوضح لهم أهمية الأمر ، و أن من أخبره مهندس معروف ، و لا بد أن أحدهم أو بعضهم تذكره .
    و بعد مداولات ، تخللها الكثير من المشاجرات و المهاترات ...
    استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل ، ثم استغرقت اليوم التالي بطوله ...
    صدر قرار غير ملزم ...
    أن يكلفوا شبان القرية بالبدء بحفر بئر بجوار المدرسة ....

    *****
    بدؤوا الحفر متحمسين و هم يهزجون ....
    فترت حماستهم بعد ساعة أو تزيد قليلا .....
    كُسرت مِجرفة محمد العبد الله ، فانسحب غاضبا !
    ثم بدؤوا ينسحبون الواحد تلو الآخر !!!
    حاول الأستاذ مروان ثنيهم عن ذلك...
    قال أحدهم : " إننا كمن ينطح رأسه بالصخر "
    قال آخر: " أتعبتنا يا أستاذ مروان بلا طائل ..."
    آخرون رفضوا حتى الإصغاء إليه ، أداروا ظهورهم له ، ثم غادروا و هم يغمغمون ..
    وقف مروان على حافة الحفرة الجافة التي لا يزيد عمقها عن المتر الواحد ، و قد غمره شعور بالخيبة و الإحباط ..
    و في الأيام التالية ، ظل مروان يسمع التعليقات اللاذعة و التلميحات الساخرة أينما سار أو زار فيتجاهلها...
    و ظل يقرئ السلام فيردون سلامه بجفاء أو لا يردون ...

    *****
    أما في المدرسة ، فقد حاول ابن المختار إحراجه ، فسأله و قد رسم على شفتيه ابتسامة خبيثة :
    - يقولون في القرية أن ماء الغدير إبتلعته أفعى ألفيَّة ، يا استاذ !!!...
    و قبل أن يتم كلامه دوت ضحكات التلاميذ .
    تمكن الأستاذ مروان بصعوبة من ابتلاع غضبه ، ثم بادرهم قائلا بأعلى صوته :
    " درس اليوم سيكون عن ماء الغدير ، و عن المياه الجوفية بشكل عام"
    و بعد أن شرح لهم كيف تتسرب المياه بين الصخور لمسافات شاسعة ، فتشكل مجارٍ خفية و على أعماق مختلفة ، منها ما ينبثق تلقائيا كنبعي الغدير الشرقي و الغربي ، أو ما يُجر صناعيا عن طريق حفر الآبار ، كما حصل في قرية الختمية ؛ ثم أضاف مؤكدا بصوت الواثق من كل كلمة يتفوه بها :
    " الإنسان الجاد المخلص لبلده لا يستسلم أبدا ، كما فعل شبان الغدير منذ يومين .. و ما فشلوا فيه كان نتيجة خمولهم و يأسهم السريع ، و ليس نتيجة معلومات خاطئة أو مزحة ثقيلة كما يشيعون ! "
    ثم أضاف :
    " ما فشلوا فيه قد تنجحون فيه أنتم عندما تكبرون ، فقط إذا تحليتم بالجد و وحدة الراي و الصبر و المثابرة . "
    *****
    ثم استعرت حرب تشرين
    الطاغوث الذي استنسخوه على ضفاف التايمز ، من جينات عمرها أكثر من ألفي عام ، التقطوها من أحافير التاريخ ..
    أصبح عملاقا ..
    فبدأ قفزته الكبرى الثانية ....
    فاستولي من ضمن ما استولى ، على الغدير و ما جاورها...
    ثم طالت أذرعه الأخطبوطية قمة جبل الشيخ ..
    ثم أمده عمه جورج بآلة سبر تعمل بالموجات الزلزالية .
    و أمده صديقه العم سام بآلتي حفر لم يروا مثلهما إلا ايام تمديد خط التابلاين .
    و أمده صديقه الحميم بعد عداوه الهِر هانز بأنابيب فولاذية قطر واحدها مترا أو يزيد .
    و أمده حبيبه مسيو روجيه بعدة مضخات قادرة على شفط بحر .
    و صحا أهل الغدير ذات يوم ليفاجؤوا بنضوب النبع الشرقي !
    و لكنهم فجعوا بعد عدة أيام بنضوب النبع الغربي !!!
    و إذ جازف أحدهم فاقترب من السور الشائك المقام قرب المدرسة و النبع الغربي..
    سمع هدير الماء يطغي على صخب المضخات !
    [/align]

    [align=right]---------------
    **ألفية : معمِّرة ألف سنة
    ---------------
    [/align]

    [align=right]* نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com
    البريد : nizar_zain@yahoo.com
    [/align]
  • اوراق الثريا
    عضو الملتقى
    • 18-10-2007
    • 92

    #2
    الاخ الكريم الكاتب والقاص
    نزار ب. الزين
    لك شكري على
    كتاباتك القيمة التي اشعر بضرورة قراءتها
    لما تحمله من فن و ذوق وقيمة ادبية كبيرة
    لا زلت اتابع حلقات الموضوع

    تعليق

    • سمير طبيل
      عضو الملتقى
      • 04-12-2007
      • 120

      #3
      [align=center]الحكيم نزار
      .
      .
      اولا لقد سررت جدا بوجدك هنا
      القصة من الواقع وهذا عهدي بك دائما
      لكن اجمل ما في القصة انها هناك فوق جبل الشيخ
      و كانك تقول ان اصولنا نحن العرب هناك في الجولان منذ الازل


      //
      تح ـياتي
      [/align]

      تعليق

      • اسلام المصرى
        عضو أساسي
        • 16-05-2007
        • 784

        #4
        ولن نتخاذل عن عروبتنا اتشرف بمرورى على قصتك الرائعة
        فينا الاصل العربى ولن يتحول
        [color=#00008B][size=7][align=center]"واإسلاماه"[/align][/size][/color]

        [align=center][img]http://www.almolltaqa.com/vb/image.php?u=46&dateline=1179777823[/img][/align]
        [CENTER][SIZE="5"][COLOR="Black"]دعائكم لى بالشفاء[/COLOR][/SIZE][/CENTER]

        تعليق

        • نزار ب. الزين
          أديب وكاتب
          • 14-10-2007
          • 641

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة اوراق الثريا مشاهدة المشاركة
          الاخ الكريم الكاتب والقاص
          نزار ب. الزين
          لك شكري على
          كتاباتك القيمة التي اشعر بضرورة قراءتها
          لما تحمله من فن و ذوق وقيمة ادبية كبيرة
          لا زلت اتابع حلقات الموضوع
          ========================
          [align=right]أختي الفاضلة ثريا
          الشكر الجزيل لمتابعتك لما أكتب و ألف شكر لثنائك الدافئ
          عميق مودتي
          نزار
          [/align]

          تعليق

          • نزار ب. الزين
            أديب وكاتب
            • 14-10-2007
            • 641

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة سمير طبيل مشاهدة المشاركة
            [align=center]الحكيم نزار
            .
            اولا لقد سررت جدا بوجدك هنا
            القصة من الواقع وهذا عهدي بك دائما
            لكن اجمل ما في القصة انها هناك فوق جبل الشيخ
            و كانك تقول ان اصولنا نحن العرب هناك في الجولان منذ الازل

            //
            تح ـياتي
            [/align]
            ============================================
            [align=right]أخي الكريم الأستاذ سمير
            شكرا لزيارتك و تعقيبك الدافئ
            دمت بخير
            نزار
            [/align]

            تعليق

            • نزار ب. الزين
              أديب وكاتب
              • 14-10-2007
              • 641

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة اسلام المصرى مشاهدة المشاركة
              ولن نتخاذل عن عروبتنا اتشرف بمرورى على قصتك الرائعة
              فينا الاصل العربى ولن يتحول
              ==========================
              [align=right]مرحبا أخي إسلام بإطلالتك الأولى على أحد نصوصي
              شكرا لروحك الوطنية الوثابة و لثنائك الدافئ
              مودتي و تقديري
              نزار
              [/align]

              تعليق

              يعمل...
              X