الشيخ الإمام وشيطاني
فرغ الشيخ الإمام من صلاة العشاء بعد أن روح عنا وأراحنا بركعات خاشعات ، تزينها قراءة متقنة مرتلة بصوت قوي واضح وندي ، لا تجد أمامه إلا أن تندفع إلى الخشوع والتدبر اندفاعا ، ثم التفت إلى المصلين وأشار إليهم بيده أن امكثوا ، فمكث البعض وانصرف آخرون ، ثم ألقى في نصف ساعة تقريبا درسا في الفقه اعتاد إلقاءه عقب عشاء كل خميس ، وبعد أن فرغ من درسه المفيد هممت بالانصراف ، فسمعته يناديني ويشير إلى بالحضور، فذهبت إليه وجلست بين يديه متوقعا تنبيها لي لخطأ في الصلاة وقعت فيه ، وما أكثر الأخطاء التي ينبه إليها المصلين في هذا الصدد ، أو تخصيصي بموعظة كما اعتاد أن يفعل أحيانا مع بعض المصلين انفرادا ، أو ربما يريد مني استشارة قانونية سريعة مثلما أراد غيره غير مرة .
وكانت الأخيرة فعلا ،
وكانت عن قضية يريد رفعها لواحدة من الأخوات الفضليات ضد زوجها الذي حسب رواية شيخنا الإمام أذاقها الهوان ، فحددت له موعدا لتأتيني بالمكتب
لتعرض علي موضوعها ووعدته ببذل قصارى جهدي ، ووعدته أيضا بمراعاة ظروفها المادية السيئة للغاية – كما طلب مني وأكد علي - .
وفي الموعد المحدد جاءت سيدة منقبة ، بدا لي من ملامح عينيها أنها في أواخر الثلاثين من عمرها ، وجلست برهة هادئة ترد على تحيتي بشيء من الحذر والهدوء ، فبدأت زمام المبادرة بالكلام ، ثم سألتها عن موضوعها وماهي القضية التي ترغب في رفعها ،
فسردت على مسامعي قصة مجملها ، أنها وصلت مع زوجها الذي أنجبت منه ثلاثة من الأطفال خلال زيجة استمرت عشر سنوات ، إلى مرحلة اللاعودة ، نظرا لأنه يسيء معاملتها ولا يحسن عشرتها ، وتريد أن ترفع عليه قضية خلع
ولما كان من عادتي في مثل هذه القضايا أن أحاول الصلح والتصالح بين طرفي النزاع تحسبا للأجر والثواب من الله تعالى خاصة في حالة وجود أطفال قصر ، فقد عرضت عليها مقابلة زوجها وترتيب موعد أو لقاء بينهما بمكتبي ، فوافقت بعد تردد ، ولم أمهلها فرصة للتراجع فهاتفت زوجها وطلبت منه الحضور في التو والحال لمكتبي لتبادل النقاش وكيفية معالجة هذه المشكلة ، فوافق بعد تردد أيضا ،
وبعد حوالي نصف ساعة حضر إلى المكتب واستمعت منه كما استمعت منها ، واشتكى منها كما اشتكت منه ، وسرد على مسامعي قصص أخرى ، مجملها أنه وصل معها أيضا إلى طريق اللاعودة .
بيد أن سرا ما لاحظت أن الرجل يتكتمه ولا يريد أن يبوح به ، أمامها هي على الأقل ، أو ربما منعه كبرياءه وعزة نفسه من البوح به ، ولكن تحدثت به عيناه المختنقة بالدموع ، ولمحته من خلال لحظات صمت طويلة ونظرات زائغة إلى زوجته أثناء حديثها ودفاعها المستميت عن نفسها وسرد مشاكلها وأسبابها ومبرراتها لطلب الطلاق ،
وما بين الصوت العالي والإصرار على الطلاق من المرأة ، والنظرات والصمت الرهيب والسر الدفين من الرجل ، دق رنين الموبايل الخاص بي ، فإذا به الشيخ الإمام يطلب مني المضي قدما في قضية الخلع ويعاتبني على محاولاتي الصلح بينهما .
وأنهيت المكالمة في اللحظة التي أوحى إلي فيها شيطاني بالحقيقة ، وعرفت عندها السر الدفين الذي يأبى الزوج أن يبوح به ، وتأبى معه الزوجة إلا الطلاق مضحية بعشرة السنين وثلاثة أطفال في عمر الزهور ، أصرت على أن يأخذهم أبيهم معهم ليتولى هو تربيتهم .
وانتهى الاجتماع إلى الطريق الذي اختاره كليهما لأنفسيهما ، أو أختاره لهما الشيخ الإمام ، ألا وهو طريق اللاعودة ، وتقرر رفع دعوى الخلع ، ومضى الزوج إلى حال سبيله بعد أن تعهد بتربية أبنائه والاهتمام بشئونهم وبعد أن تعهد أيضا بتنفيذ ما سوف يحكم به القضاء ، ومضت الزوجة إلى حال سبيلها بعد أن طلبت منها إعداد التوكيل وتجهيز المستندات المطلوبة وحددت لي الغد موعدا لإحضار المطلوب .
وجاء الغد ولم تحضر الزوجة ، ومضي أكثر من غد ولم تحضر ، وصليت خلف الشيخ الإمام أكثر من صلاة ولم يفاتحني في الأمر ، واستحييت أو ربما رفضت أن أساله عن سبب تأخر المرأة في إحضار التوكيل والمستندات لرفع الدعوى ، علما بأنني لم أطلب منها إلا أتعابا زهيدة تنفيذا لوعدي للشيخ الإمام بمراعاة ظروفها المادية السيئة .
ومع الأيام كدت أن أنسى الأمر برمته ، وكدت أن ألعن شيطاني على وحيه السيئ وسوء ظنه الذي أوهمني به .
وبعد حوالي ستة أشهر رن هاتفي برقم الزوجة تستشيرني في مسألة أخرى حول حقوق الزوجة المتزوجة عرفيا ، فأجبتها ، ثم سألتها عما فعلت في قضيتها ، فتعجبت وقالت لي ألم يخبرك الشيخ الإمام ؟ فقلت لها لا .
فضحكت ثم بكت ، أو بكت ثم ضحكت ، أو كلاهما معا ، لست أدري ،
ثم قالت :
تنازلت لزوجي عن كل شيء بما في ذلك الأولاد ، ورددت إليه كل شيء بما في ذلك الأولاد أيضا ، وانتهت العدة وتزوجت من آخر .
فقلت لها : ألف مبروك المهم أنك تكوني مرتاحة ،
فقالت : لا والله ( ما اسخم من ستي إلا سيدي ) ،
قلت : يعني إيه ؟
قالت : يعني الشيخ الإمام اسخم من اللي قبله ، كلهم عجينه واحدة ، هو السبب في طلاقي ، وعدني ، وفرش لي الأرض ورودا ، وقال لي ما قال ثم تزوجني عرفيا ، وظهر بعد ذلك أنه متزوج غيري ثلاثة ، واحدة فقط رسمي والباقي وأنا قطعا منهم عرفي .
فضحكت بدوري ولكني لم أبكي ، لأن الضحك عندي كالبكاء ، وجهان لعملة واحدة ، شأنه شأن كل الأضداد والمتناقضات ، لا فرق بين الحق والباطل ، ولا بين الصدق والكذب ، ولا بين الحقيقة والوهم ، في زمن صارت فيه كل الأشياء سراب ، وكل المبادئ تحمل كل الاحتمالات .
وانطلق أذان العشاء فأغلقت مكتبي وتركت ما في يدي وهرولت إلى المسجد ، لا يصحبني إلا شيطاني الآثم الذي يوحي إلي بكل ظن سيء ، لعلي أدرك الصف الأول فاستمع إلي الشيخ الإمام وهو يرتل أحلى الكلام بصوت قوي واضح وندي لا تجد أمامه إلا أن تندفع إلى الخشوع والتدبر اندفاعا .
وأدركت الصف الأول فعلا ، واستمعت فعلا ، ولكني وأسفاه وأسفي على ما فرطت من عمر خلفه ، لم أخشع ولم أتدبر
وكانت الأخيرة فعلا ،
وكانت عن قضية يريد رفعها لواحدة من الأخوات الفضليات ضد زوجها الذي حسب رواية شيخنا الإمام أذاقها الهوان ، فحددت له موعدا لتأتيني بالمكتب
لتعرض علي موضوعها ووعدته ببذل قصارى جهدي ، ووعدته أيضا بمراعاة ظروفها المادية السيئة للغاية – كما طلب مني وأكد علي - .
وفي الموعد المحدد جاءت سيدة منقبة ، بدا لي من ملامح عينيها أنها في أواخر الثلاثين من عمرها ، وجلست برهة هادئة ترد على تحيتي بشيء من الحذر والهدوء ، فبدأت زمام المبادرة بالكلام ، ثم سألتها عن موضوعها وماهي القضية التي ترغب في رفعها ،
فسردت على مسامعي قصة مجملها ، أنها وصلت مع زوجها الذي أنجبت منه ثلاثة من الأطفال خلال زيجة استمرت عشر سنوات ، إلى مرحلة اللاعودة ، نظرا لأنه يسيء معاملتها ولا يحسن عشرتها ، وتريد أن ترفع عليه قضية خلع
ولما كان من عادتي في مثل هذه القضايا أن أحاول الصلح والتصالح بين طرفي النزاع تحسبا للأجر والثواب من الله تعالى خاصة في حالة وجود أطفال قصر ، فقد عرضت عليها مقابلة زوجها وترتيب موعد أو لقاء بينهما بمكتبي ، فوافقت بعد تردد ، ولم أمهلها فرصة للتراجع فهاتفت زوجها وطلبت منه الحضور في التو والحال لمكتبي لتبادل النقاش وكيفية معالجة هذه المشكلة ، فوافق بعد تردد أيضا ،
وبعد حوالي نصف ساعة حضر إلى المكتب واستمعت منه كما استمعت منها ، واشتكى منها كما اشتكت منه ، وسرد على مسامعي قصص أخرى ، مجملها أنه وصل معها أيضا إلى طريق اللاعودة .
بيد أن سرا ما لاحظت أن الرجل يتكتمه ولا يريد أن يبوح به ، أمامها هي على الأقل ، أو ربما منعه كبرياءه وعزة نفسه من البوح به ، ولكن تحدثت به عيناه المختنقة بالدموع ، ولمحته من خلال لحظات صمت طويلة ونظرات زائغة إلى زوجته أثناء حديثها ودفاعها المستميت عن نفسها وسرد مشاكلها وأسبابها ومبرراتها لطلب الطلاق ،
وما بين الصوت العالي والإصرار على الطلاق من المرأة ، والنظرات والصمت الرهيب والسر الدفين من الرجل ، دق رنين الموبايل الخاص بي ، فإذا به الشيخ الإمام يطلب مني المضي قدما في قضية الخلع ويعاتبني على محاولاتي الصلح بينهما .
وأنهيت المكالمة في اللحظة التي أوحى إلي فيها شيطاني بالحقيقة ، وعرفت عندها السر الدفين الذي يأبى الزوج أن يبوح به ، وتأبى معه الزوجة إلا الطلاق مضحية بعشرة السنين وثلاثة أطفال في عمر الزهور ، أصرت على أن يأخذهم أبيهم معهم ليتولى هو تربيتهم .
وانتهى الاجتماع إلى الطريق الذي اختاره كليهما لأنفسيهما ، أو أختاره لهما الشيخ الإمام ، ألا وهو طريق اللاعودة ، وتقرر رفع دعوى الخلع ، ومضى الزوج إلى حال سبيله بعد أن تعهد بتربية أبنائه والاهتمام بشئونهم وبعد أن تعهد أيضا بتنفيذ ما سوف يحكم به القضاء ، ومضت الزوجة إلى حال سبيلها بعد أن طلبت منها إعداد التوكيل وتجهيز المستندات المطلوبة وحددت لي الغد موعدا لإحضار المطلوب .
وجاء الغد ولم تحضر الزوجة ، ومضي أكثر من غد ولم تحضر ، وصليت خلف الشيخ الإمام أكثر من صلاة ولم يفاتحني في الأمر ، واستحييت أو ربما رفضت أن أساله عن سبب تأخر المرأة في إحضار التوكيل والمستندات لرفع الدعوى ، علما بأنني لم أطلب منها إلا أتعابا زهيدة تنفيذا لوعدي للشيخ الإمام بمراعاة ظروفها المادية السيئة .
ومع الأيام كدت أن أنسى الأمر برمته ، وكدت أن ألعن شيطاني على وحيه السيئ وسوء ظنه الذي أوهمني به .
وبعد حوالي ستة أشهر رن هاتفي برقم الزوجة تستشيرني في مسألة أخرى حول حقوق الزوجة المتزوجة عرفيا ، فأجبتها ، ثم سألتها عما فعلت في قضيتها ، فتعجبت وقالت لي ألم يخبرك الشيخ الإمام ؟ فقلت لها لا .
فضحكت ثم بكت ، أو بكت ثم ضحكت ، أو كلاهما معا ، لست أدري ،
ثم قالت :
تنازلت لزوجي عن كل شيء بما في ذلك الأولاد ، ورددت إليه كل شيء بما في ذلك الأولاد أيضا ، وانتهت العدة وتزوجت من آخر .
فقلت لها : ألف مبروك المهم أنك تكوني مرتاحة ،
فقالت : لا والله ( ما اسخم من ستي إلا سيدي ) ،
قلت : يعني إيه ؟
قالت : يعني الشيخ الإمام اسخم من اللي قبله ، كلهم عجينه واحدة ، هو السبب في طلاقي ، وعدني ، وفرش لي الأرض ورودا ، وقال لي ما قال ثم تزوجني عرفيا ، وظهر بعد ذلك أنه متزوج غيري ثلاثة ، واحدة فقط رسمي والباقي وأنا قطعا منهم عرفي .
فضحكت بدوري ولكني لم أبكي ، لأن الضحك عندي كالبكاء ، وجهان لعملة واحدة ، شأنه شأن كل الأضداد والمتناقضات ، لا فرق بين الحق والباطل ، ولا بين الصدق والكذب ، ولا بين الحقيقة والوهم ، في زمن صارت فيه كل الأشياء سراب ، وكل المبادئ تحمل كل الاحتمالات .
وانطلق أذان العشاء فأغلقت مكتبي وتركت ما في يدي وهرولت إلى المسجد ، لا يصحبني إلا شيطاني الآثم الذي يوحي إلي بكل ظن سيء ، لعلي أدرك الصف الأول فاستمع إلي الشيخ الإمام وهو يرتل أحلى الكلام بصوت قوي واضح وندي لا تجد أمامه إلا أن تندفع إلى الخشوع والتدبر اندفاعا .
وأدركت الصف الأول فعلا ، واستمعت فعلا ، ولكني وأسفاه وأسفي على ما فرطت من عمر خلفه ، لم أخشع ولم أتدبر
تعليق