حين يتوئم الشاعر عباءة المحاماة السوداء بعباءة البياض
*** مدخل
هو الشاعر محمد الصابر ،الذي لبس عباءة بياض الصفحات، جنبا إلى جنب عباءة المحاماة السوداء ،فكما يقف أمام منصة القضاة للمرافعة عن المظلوم ،تراه من وجهة أخرى يعلو منصة الشعر في شموخ ،من خلال ديوانه" الجبل ليس عقلانيا "،للمرافعة والدفاع عن الإنسانية كليا، متأبطا سيفه الجاد ،ليُجهز على الدهاليز المعتمة ،ممزقا أشرطة الظلمات المخبولة ،منازلا الكون على سرير الكلمة الروحية ،على مدى 112 صفحة توزعت 24 قصيدة، تتراوح عناوينها بين القصر والطول ،جُمعت بين دفتي غلاف أنيق ،استحوذ عليه اللون الفيروزي يتدرج بين الفاتح والمغلوق ،تتوسط إحدى الدفتين صورة لعينيِ الشاعر ،وعلى اليسرى شذرات من معينه ،وطبعا هذا الوازع الفني لم يأت من فراغ ،بل له دلالة عميقة في نفس الشاعر ،فاللونان قد يعنيان تماس زرقة السماء، مع زرقة مياه البحر والعينان ترمزان إلى وقفة الشاعر التأملية لمداهما البعيد الذي لاقرار له...
***الأضمومة
1- طقوس الكتابة
تتنوع الكتابة لدى الشاعر بين الشذرات، كسائر الشعراء في قصائد مشطرة ،وبين الانسياب الشعري على شكل فقرات نثرية ،وكأنه نص سردي كما في صفحة: 62
وهذا ليس له غير تفسير واحد : أحيانا تنهال على الشاعر دفقات شعرية في شلال هاطل دون نضب ،فتنهمر القصيدة كلية في عبة ماء واحدة مكتملة ، ولاينقصها شيء ، تغمر بظلالها كل المنحدارات السائبة ،وأخرى قد تتعاقب على مهلها شذرة شذرة وعلى فترات ،قد تستغرق أياما ،أو شهورا ،ويمكن سنة أو أكثر ...على العموم ،سواء ذا أو ذاك ،فالشاعر جاب في مرافق النوعين معا ،تخوم الكون بزاد من الأسئلة ،يحاول من خلالها فك رموز الالتباس ،وألغاز الخدع والحقيقة ..
يقول:
من أين لي بخدع
شبيهة بقطرات المطر
تجعلني أكثر تسامحا
مع مخالب اليقين
ص:52
2- تأملات الشاعر اللامنتهية
حمل الشاعر محمد الصابر على أكتافه ثقل الأقوال الجافة الفارغة ،والأمل مشتت الشمل ،ولما تعب سار لايلوي على أحد،يطارد حدوسه ،في خضم معركة كبيرة ليحقق أحلامه ،غير أن الخيبات تنصب أمامه جدار الشؤم ،فيعود أدراجه ،ينتحب حظه ،حين يدرك من خلال تجاربه أن الواقع سيبقى على حاله ،مهما حاول المبدع أو الفنان تشخيص قضاياه ،لأن الأدمغة المتحجرة لن تحفر فيها الأفكارالمتنورة ،
يقول:
أن لهم أفكارا مجعدة مثل قشرة الطماطم
لأنهم لايقرؤون الشعر الخالص
ص:64
وهذه العودة إنما هي عودة إلى مكامن الروح، وماتنطوي عليه من هموم وآلام اختمرت في نفسيته ..وحين لم يعد في وسع الشاعر الصبر ،لتحمل وضع مبتل بالهموم الإنسانية ،عاد إلى طفولته ليتنسم ذكرياته الجميلة العبقة ،بقيم البراءة ،فيستعيد أبهى اللحظات ..
يقول :
دعنا نعد إلى
حائط المطبخ المفحم
كي نرى
غبار الطحين الممزوج بشعاع الشمس
ص:71
ولايعود الشاعر إلى الطفولة كلحظة مترعة بالبياض فقط ،بل ليستعيد على صفحاتها ،طفولته الإبداعية ،وبداية الكتابة الشعرية ،وهو حنين عشقي إلى فترات الحبو على حصير الشعر ،وعذوبة خربشاتها ليرشف سعادته التي اغتصبها منه الدهر ..
يقول :
دعنا نعد إلى طفولة الشعر
حيث الليل بفكيه العظيمتين
يمضغ الأساطير
.ص:70
*** التيمات
1- الشعر
سكن الشاعر كغيره من الشعراء المتنُ الشعري ،وغار بسيوفه المهندة في كبد ه ثم تمدد في أحشائه ،ليس بغرض التباهي به ،أو لاجتياز به مساحة وعرة من الحياة ،أو لكسب لقب الشاعر ،وإنما ليسبر به غور الكون ،ويتوغل به في السراديب المعتمة ،من المجتمع ،من الإنسان ،من القضايا ،بل من الواقع المعيش برمته ،فلايجد التنسك إلا في محراب الشعر ،ولايتعبد إلا في خلوة الشعر ،ولايتغنى إلا بحروف الشعر ،ولايتلو غير القصائد الشعرية ...
يقول:
حروفي بغرائزها
التي تثير الضجة في الأشياء
ص:78
فبالشعر سيغني الشاعر ،لكن ليس غناء الطرب بغرض المتعة ،بل الغناء الذي يقرع طبول التغيير ،صارخا ضد وضع هيمن عليه الطغاة ،ضد من يحاولون توقيف المسيرة المأمولة، بالفرح المنشودة بوضع طاهر ونظيف ..
سأغني لك
وأنا يغطيني ريش كبير
تحت عواصف
كي نفزع الليل
ص:82
2- قضايا الإنسان وهمومه
يغوص الشاعر في الهم الكوني واليومي ،يسكب حروفه مطرا كداعية إلى السلام ،نظرا لما يحاصر الإنسانية من حروب ،وعلى قضايا تحصد أرواح البشر ثم تقذف بهم إلى الجحيم ،وعلى أوطان تسقط مندحرة تحت أقدام شعوبها ،مشنوقة برسن الاغتصاب ،فتُسلب منها خيراتها ...
يقول:
حتى تأتيهم السكينة
من غيمة وحيدة تتسكع في الليل
لتبعث السلام في الأرض
ص:86
3- الحلم والأمل
يوسع الشاعر في الحلم مداه ،يركض خلف هواجس الأمل ،التي تؤسس للآتي بألوان قوس قزح،متسلحا بأصغر رشفة للوصول إلى هدفه المنشود كما الطبيب الذي لايتأتى في إجراء العملية ولو ب1 في 100 ..ألا وهو عيش الإنسان بكرامة في وضع يليق ، ومن منا لايحلم بحياة فوق البرج العالي ، وهذا الحلم هو المحفز القوي على الكتابة ..
لاتفكري في أي شيء
مازال لدينا نصف رطل من الزمن
وقليل من الشمس على الوسادة
ص:89
فشاعرنا لاتحبطه المزريات ، ولن تنال من قواه تردي الأوضاع ،فهو اعتاد الإبحار في صروف الدهر بكل تلاوينها ،بل درب نفسه على احتساء المر والحلو ،واختراق المشاق ،واعتلاء الشواهق مهما كان علوها شديدا ..
يقول:
هيا
ندرب عواطفنا
على السباحة
كالدلفين
ص:93
*** مدخل
هو الشاعر محمد الصابر ،الذي لبس عباءة بياض الصفحات، جنبا إلى جنب عباءة المحاماة السوداء ،فكما يقف أمام منصة القضاة للمرافعة عن المظلوم ،تراه من وجهة أخرى يعلو منصة الشعر في شموخ ،من خلال ديوانه" الجبل ليس عقلانيا "،للمرافعة والدفاع عن الإنسانية كليا، متأبطا سيفه الجاد ،ليُجهز على الدهاليز المعتمة ،ممزقا أشرطة الظلمات المخبولة ،منازلا الكون على سرير الكلمة الروحية ،على مدى 112 صفحة توزعت 24 قصيدة، تتراوح عناوينها بين القصر والطول ،جُمعت بين دفتي غلاف أنيق ،استحوذ عليه اللون الفيروزي يتدرج بين الفاتح والمغلوق ،تتوسط إحدى الدفتين صورة لعينيِ الشاعر ،وعلى اليسرى شذرات من معينه ،وطبعا هذا الوازع الفني لم يأت من فراغ ،بل له دلالة عميقة في نفس الشاعر ،فاللونان قد يعنيان تماس زرقة السماء، مع زرقة مياه البحر والعينان ترمزان إلى وقفة الشاعر التأملية لمداهما البعيد الذي لاقرار له...
***الأضمومة
1- طقوس الكتابة
تتنوع الكتابة لدى الشاعر بين الشذرات، كسائر الشعراء في قصائد مشطرة ،وبين الانسياب الشعري على شكل فقرات نثرية ،وكأنه نص سردي كما في صفحة: 62
وهذا ليس له غير تفسير واحد : أحيانا تنهال على الشاعر دفقات شعرية في شلال هاطل دون نضب ،فتنهمر القصيدة كلية في عبة ماء واحدة مكتملة ، ولاينقصها شيء ، تغمر بظلالها كل المنحدارات السائبة ،وأخرى قد تتعاقب على مهلها شذرة شذرة وعلى فترات ،قد تستغرق أياما ،أو شهورا ،ويمكن سنة أو أكثر ...على العموم ،سواء ذا أو ذاك ،فالشاعر جاب في مرافق النوعين معا ،تخوم الكون بزاد من الأسئلة ،يحاول من خلالها فك رموز الالتباس ،وألغاز الخدع والحقيقة ..
يقول:
من أين لي بخدع
شبيهة بقطرات المطر
تجعلني أكثر تسامحا
مع مخالب اليقين
ص:52
2- تأملات الشاعر اللامنتهية
حمل الشاعر محمد الصابر على أكتافه ثقل الأقوال الجافة الفارغة ،والأمل مشتت الشمل ،ولما تعب سار لايلوي على أحد،يطارد حدوسه ،في خضم معركة كبيرة ليحقق أحلامه ،غير أن الخيبات تنصب أمامه جدار الشؤم ،فيعود أدراجه ،ينتحب حظه ،حين يدرك من خلال تجاربه أن الواقع سيبقى على حاله ،مهما حاول المبدع أو الفنان تشخيص قضاياه ،لأن الأدمغة المتحجرة لن تحفر فيها الأفكارالمتنورة ،
يقول:
أن لهم أفكارا مجعدة مثل قشرة الطماطم
لأنهم لايقرؤون الشعر الخالص
ص:64
وهذه العودة إنما هي عودة إلى مكامن الروح، وماتنطوي عليه من هموم وآلام اختمرت في نفسيته ..وحين لم يعد في وسع الشاعر الصبر ،لتحمل وضع مبتل بالهموم الإنسانية ،عاد إلى طفولته ليتنسم ذكرياته الجميلة العبقة ،بقيم البراءة ،فيستعيد أبهى اللحظات ..
يقول :
دعنا نعد إلى
حائط المطبخ المفحم
كي نرى
غبار الطحين الممزوج بشعاع الشمس
ص:71
ولايعود الشاعر إلى الطفولة كلحظة مترعة بالبياض فقط ،بل ليستعيد على صفحاتها ،طفولته الإبداعية ،وبداية الكتابة الشعرية ،وهو حنين عشقي إلى فترات الحبو على حصير الشعر ،وعذوبة خربشاتها ليرشف سعادته التي اغتصبها منه الدهر ..
يقول :
دعنا نعد إلى طفولة الشعر
حيث الليل بفكيه العظيمتين
يمضغ الأساطير
.ص:70
*** التيمات
1- الشعر
سكن الشاعر كغيره من الشعراء المتنُ الشعري ،وغار بسيوفه المهندة في كبد ه ثم تمدد في أحشائه ،ليس بغرض التباهي به ،أو لاجتياز به مساحة وعرة من الحياة ،أو لكسب لقب الشاعر ،وإنما ليسبر به غور الكون ،ويتوغل به في السراديب المعتمة ،من المجتمع ،من الإنسان ،من القضايا ،بل من الواقع المعيش برمته ،فلايجد التنسك إلا في محراب الشعر ،ولايتعبد إلا في خلوة الشعر ،ولايتغنى إلا بحروف الشعر ،ولايتلو غير القصائد الشعرية ...
يقول:
حروفي بغرائزها
التي تثير الضجة في الأشياء
ص:78
فبالشعر سيغني الشاعر ،لكن ليس غناء الطرب بغرض المتعة ،بل الغناء الذي يقرع طبول التغيير ،صارخا ضد وضع هيمن عليه الطغاة ،ضد من يحاولون توقيف المسيرة المأمولة، بالفرح المنشودة بوضع طاهر ونظيف ..
سأغني لك
وأنا يغطيني ريش كبير
تحت عواصف
كي نفزع الليل
ص:82
2- قضايا الإنسان وهمومه
يغوص الشاعر في الهم الكوني واليومي ،يسكب حروفه مطرا كداعية إلى السلام ،نظرا لما يحاصر الإنسانية من حروب ،وعلى قضايا تحصد أرواح البشر ثم تقذف بهم إلى الجحيم ،وعلى أوطان تسقط مندحرة تحت أقدام شعوبها ،مشنوقة برسن الاغتصاب ،فتُسلب منها خيراتها ...
يقول:
حتى تأتيهم السكينة
من غيمة وحيدة تتسكع في الليل
لتبعث السلام في الأرض
ص:86
3- الحلم والأمل
يوسع الشاعر في الحلم مداه ،يركض خلف هواجس الأمل ،التي تؤسس للآتي بألوان قوس قزح،متسلحا بأصغر رشفة للوصول إلى هدفه المنشود كما الطبيب الذي لايتأتى في إجراء العملية ولو ب1 في 100 ..ألا وهو عيش الإنسان بكرامة في وضع يليق ، ومن منا لايحلم بحياة فوق البرج العالي ، وهذا الحلم هو المحفز القوي على الكتابة ..
لاتفكري في أي شيء
مازال لدينا نصف رطل من الزمن
وقليل من الشمس على الوسادة
ص:89
فشاعرنا لاتحبطه المزريات ، ولن تنال من قواه تردي الأوضاع ،فهو اعتاد الإبحار في صروف الدهر بكل تلاوينها ،بل درب نفسه على احتساء المر والحلو ،واختراق المشاق ،واعتلاء الشواهق مهما كان علوها شديدا ..
يقول:
هيا
ندرب عواطفنا
على السباحة
كالدلفين
ص:93
***اللغة والأسلوب
اللغة هي مادة الأديب ووسيلته التعبيرية بكل استعاراتها البلاغية، وأنماط تركيبها، ومفهومياتها الحسية الفعالة عما يخالج نفسه،وشاعرنا انفرد بمنطوقه اللغوي، فطرزه بشكل رفيع بصور متكاثفة ،وإيقاع ناعم ،ملبسا إياها غرائب الألفاظ تارة ،و لمسة سُخرية ،وأخرى بتكرار لازمة التساؤل حين يقول :
تعلمني
كيف أمد جناحي في الهواء
كيف أدفع الهواء بصدري المليء بالريش
كيف أضرب صفحة الماء
ص:83
السخرية والهزل
ينحو الشاعر منحى آخررائقا ، ليضفي على لغته لبوسا هزليا ساخرا، ليس بغرض استعراض الفرجة للتلهية ، أو للتهريج من منظور فارغ ،وإنما لكي يقدم حملته النقدية والانتقادية ،ملففة في ثوب استهزائي، ليتدفق النص في مرح بحمولته التوعوية الهادفة للكشف والاستبصار ،جادا في الهزل هازلا في الجد ..
يقول :
يارب
أطعمهم من موائدك
وكلل رؤوسهم بالقصائد
ص:85
ويقول :في نفس الصفحة
لأن الأرض لاتعرفهم
لم يركضوا عليها حفاة
ولم ينبطحوا تحت الظهيرة
لاحظوا معي هذه السخرية اللاذعة، التي تلخص في شذرات معدودة قضية إنسانية شاملة ،أي أن الأرض ليست ملكا للدخلاء ،فهم لم يتعبوا من أجلها ،ولاهم لفحتهم الشمس لاستصلاحها أو حمايتها ،والكلام يطول ..
تعلمني
كيف أمد جناحي في الهواء
كيف أدفع الهواء بصدري المليء بالريش
كيف أضرب صفحة الماء
ص:83
السخرية والهزل
ينحو الشاعر منحى آخررائقا ، ليضفي على لغته لبوسا هزليا ساخرا، ليس بغرض استعراض الفرجة للتلهية ، أو للتهريج من منظور فارغ ،وإنما لكي يقدم حملته النقدية والانتقادية ،ملففة في ثوب استهزائي، ليتدفق النص في مرح بحمولته التوعوية الهادفة للكشف والاستبصار ،جادا في الهزل هازلا في الجد ..
يقول :
يارب
أطعمهم من موائدك
وكلل رؤوسهم بالقصائد
ص:85
ويقول :في نفس الصفحة
لأن الأرض لاتعرفهم
لم يركضوا عليها حفاة
ولم ينبطحوا تحت الظهيرة
لاحظوا معي هذه السخرية اللاذعة، التي تلخص في شذرات معدودة قضية إنسانية شاملة ،أي أن الأرض ليست ملكا للدخلاء ،فهم لم يتعبوا من أجلها ،ولاهم لفحتهم الشمس لاستصلاحها أو حمايتها ،والكلام يطول ..
***اللمسة الحداثية
يضرب الشاعر مضاجع الشعر الحديث ،بكل المقاييس ،بالحفر العميق في اللغة ،وقلب تربتها وتحويلها إلى حدائق، تتسربل بصورها الشعرية المربكة ،وتطريزها السريالي والغرائبي ،بكل ما تتدلى به من رموز أسطورية وإيحائية ومجازية ،تدغدغ تخييل القارئ ،فتحرك مهجته بدهشة عالية ..
يقول :
الفرخة العجوز التي هوت على ظهرها
تمد رجلا وتلكز الهواء بالأخرى
ص:72
طقوس الكتابة لديه عصارة رؤيا حدسية، كطلقات رصاصية ، موجهة بتصويبات سديدة إلى قارئه ،ولن يستطيع مواجهتها ، إلا بدرع قوي من المعرفة ،يصور فيها شاعرنا العالم في شكله الفوضوي ،حيث أصبح التنافر سيد المقام في أركانه ،وبين وكناته شروخ عميقة ،ومهمة الشاعر لملمة هذه الفوضى والترميم بالجمع بين المتنافر بكل غرائبه ، لإضاءة جوانبه الدامسة ،وإعادة قبحه إلى نضارة وجمال ...
يقول :
أيها الشيخ الذي يتظاهر وحده
مطالبا بعودة الثعالب التي أكلت النجوم
ص:73
1- السريالية والغرائبي
لغة الشاعر غير مألوفة تخلق الدهشة والانبهار ،تطرح لدى المتلقي أكثر من سؤال ،كلما حاول الربط بين عباراتها لبلوغ المعنى ،أومجاسرة ألفاظها لسبرغور الدلالة ،فكلما أعاد القراءة تمنعت عن اختراقها ،تتحصن بأغوارها العميقة ومتاهاتها اللامتناهية ،لاحظوا معي هذه الشذرات الجميلة :
ألا ترون
مواء الثعالب عالقا بقميصي
والفلين يغلف أنفاسي
ص:74
هل للثعالب مواء؟نقول مواء القطط ،ثم هل المواء يعلق بالقميص ؟تبدو لنا الشذرات كأنها هراء وكلام لاطائل منه ،لكن حين نتمعنها بحدس عميق، نجدها تنطوي على دلالات رمزية شاسعة غائرة بين السطور ،توحي لنا بالكثير من الأشياء ،فالثعالب هم الطغاة المهيمنون، ومواؤهم نجاسة قذرة علقت بأصالتنا وتاريخنا ،وهذه قمة الاشتغال الفني لشاعرنا على نصوصه ،فأجاد وأبرع ..
حتى أوضح أكثر تأملوا حين يقول :
من عيني
لايخرج النمل إلا ليأكل الضوء
وليلتهم الظلمة
ص:75
هل النمل يأكل الضوء ؟؟؟؟ ،وهل يخرج من العين ؟؟؟؟ لقد شبه الشاعر بالنمل كل الكائنات الفوضوية ، التي تميت الأشياء الجميلة ،بكل قيمها النبيلة ،بتوظيف نمط التجميع والتوليف بين المتنافر ،ليوحد الأشياء في لحمة واحدة ،حتى لايترك قيد أنملة مسافة بينها ،وهذا من فرط حس الشاعر وغيرته على مايتبدى بالطبيعة والإنسان ...
2- السهل الممتنع
ضرب الشاعر في اللغة، مضاجع السهل الممتنع بكل المقاييس ،فجمع بين الغرائبي والمدهش والسريالي والمتنافر والرمزي والإيحائي ، في لغة بديعة تتحلى بصور شعرية ،فحول نصوصه بحنكته الفريدة، إلى دوائر بلون قوس قزح ،تعمي المتلقي أو أي متصفح ،فتقرع حدسه وتشبع نهمه الشديد..
يقول :
تعالي
إحساسي شاحب
كالزمن
إذ يعود محمولا على أجنحة الفراش
تتبعه أمتعته القديمة
ص:87
وطبعا هذا لن يعاسر الشاعر مادام يكتب من خياله الخصب ،ورؤياه العميقة ،ومدفوناته في النفس ،وحدوسه المتلاحقة ،حيث كرر الشاعر لازمة "الحدوس" في جل النصوص
يقول :
الثعبان الذي يبكي من سطوة الود القوارير المليئة بالحدوس ..
ص:62
خلاصة
كما رأينا لقد أعاد الشاعر محمد الصابر ، صياغة الواقع بكل حمولته صياغة جديدة ،موظفا فيها خبراته وممارساته وثقافته ،وتجاربه المعيشة ،معانقا الأشياء بشكل انسيابي ،كاشفا عن الحقيقة في ابتكار خيالي صرف، بكل أبعاده ،وعناصره ،وتجلياته، منفردا بنبرة صوتية خاصة... والقارئ لديوان "الجبل ليس عقلانيا ،يعيش بملء مشاعره لحظات من المتع الجمالية يؤثثها التيمي واللغوي والفني ...
الشاعر المغربي محمد الصابر ،أضاف إلى مكتبتنا المغربية والعربية قطرة شهد ،فتذوقوها ،فإنكم إن فعلتم ،ستواضبون على رشفها مع نسمة الصباح .........
مالكة عسال
بتاريخ 29/04/2010
يقول :
الفرخة العجوز التي هوت على ظهرها
تمد رجلا وتلكز الهواء بالأخرى
ص:72
طقوس الكتابة لديه عصارة رؤيا حدسية، كطلقات رصاصية ، موجهة بتصويبات سديدة إلى قارئه ،ولن يستطيع مواجهتها ، إلا بدرع قوي من المعرفة ،يصور فيها شاعرنا العالم في شكله الفوضوي ،حيث أصبح التنافر سيد المقام في أركانه ،وبين وكناته شروخ عميقة ،ومهمة الشاعر لملمة هذه الفوضى والترميم بالجمع بين المتنافر بكل غرائبه ، لإضاءة جوانبه الدامسة ،وإعادة قبحه إلى نضارة وجمال ...
يقول :
أيها الشيخ الذي يتظاهر وحده
مطالبا بعودة الثعالب التي أكلت النجوم
ص:73
1- السريالية والغرائبي
لغة الشاعر غير مألوفة تخلق الدهشة والانبهار ،تطرح لدى المتلقي أكثر من سؤال ،كلما حاول الربط بين عباراتها لبلوغ المعنى ،أومجاسرة ألفاظها لسبرغور الدلالة ،فكلما أعاد القراءة تمنعت عن اختراقها ،تتحصن بأغوارها العميقة ومتاهاتها اللامتناهية ،لاحظوا معي هذه الشذرات الجميلة :
ألا ترون
مواء الثعالب عالقا بقميصي
والفلين يغلف أنفاسي
ص:74
هل للثعالب مواء؟نقول مواء القطط ،ثم هل المواء يعلق بالقميص ؟تبدو لنا الشذرات كأنها هراء وكلام لاطائل منه ،لكن حين نتمعنها بحدس عميق، نجدها تنطوي على دلالات رمزية شاسعة غائرة بين السطور ،توحي لنا بالكثير من الأشياء ،فالثعالب هم الطغاة المهيمنون، ومواؤهم نجاسة قذرة علقت بأصالتنا وتاريخنا ،وهذه قمة الاشتغال الفني لشاعرنا على نصوصه ،فأجاد وأبرع ..
حتى أوضح أكثر تأملوا حين يقول :
من عيني
لايخرج النمل إلا ليأكل الضوء
وليلتهم الظلمة
ص:75
هل النمل يأكل الضوء ؟؟؟؟ ،وهل يخرج من العين ؟؟؟؟ لقد شبه الشاعر بالنمل كل الكائنات الفوضوية ، التي تميت الأشياء الجميلة ،بكل قيمها النبيلة ،بتوظيف نمط التجميع والتوليف بين المتنافر ،ليوحد الأشياء في لحمة واحدة ،حتى لايترك قيد أنملة مسافة بينها ،وهذا من فرط حس الشاعر وغيرته على مايتبدى بالطبيعة والإنسان ...
2- السهل الممتنع
ضرب الشاعر في اللغة، مضاجع السهل الممتنع بكل المقاييس ،فجمع بين الغرائبي والمدهش والسريالي والمتنافر والرمزي والإيحائي ، في لغة بديعة تتحلى بصور شعرية ،فحول نصوصه بحنكته الفريدة، إلى دوائر بلون قوس قزح ،تعمي المتلقي أو أي متصفح ،فتقرع حدسه وتشبع نهمه الشديد..
يقول :
تعالي
إحساسي شاحب
كالزمن
إذ يعود محمولا على أجنحة الفراش
تتبعه أمتعته القديمة
ص:87
وطبعا هذا لن يعاسر الشاعر مادام يكتب من خياله الخصب ،ورؤياه العميقة ،ومدفوناته في النفس ،وحدوسه المتلاحقة ،حيث كرر الشاعر لازمة "الحدوس" في جل النصوص
يقول :
الثعبان الذي يبكي من سطوة الود القوارير المليئة بالحدوس ..
ص:62
خلاصة
كما رأينا لقد أعاد الشاعر محمد الصابر ، صياغة الواقع بكل حمولته صياغة جديدة ،موظفا فيها خبراته وممارساته وثقافته ،وتجاربه المعيشة ،معانقا الأشياء بشكل انسيابي ،كاشفا عن الحقيقة في ابتكار خيالي صرف، بكل أبعاده ،وعناصره ،وتجلياته، منفردا بنبرة صوتية خاصة... والقارئ لديوان "الجبل ليس عقلانيا ،يعيش بملء مشاعره لحظات من المتع الجمالية يؤثثها التيمي واللغوي والفني ...
الشاعر المغربي محمد الصابر ،أضاف إلى مكتبتنا المغربية والعربية قطرة شهد ،فتذوقوها ،فإنكم إن فعلتم ،ستواضبون على رشفها مع نسمة الصباح .........
مالكة عسال
بتاريخ 29/04/2010
تعليق