قراءة نقدية في ديوان : (( روح بلقيس )) للشاعرة بلقيس: إكرام الجنابي
الطبعة الأولى 2010 م / دار المحجة البيضاء / بيروت - لبنان
الطبعة الأولى 2010 م / دار المحجة البيضاء / بيروت - لبنان
عندما نقرأ إهداء الشاعرة إلى والدها وقد قدمته على الوطن والشعب , نلمس وبالحس العفوي تأثير هذا الرجل في بناء الذات لديها وقد يكون هو دافعا لشعرها وصقل موهبتها , ثم تؤكد الشاعرة إكرام الجنابي وبواو العطف الإهداء إلى الوطن الذي سمته ( العراق الحبيب) وهذا يعني محركا آخر لهواجسها ووجدانها الشعري وشعورها بالغربة , وهي المهاجمة عبر نوافذ الاغتراب وهي تبحث عن تحرير العراق وتضميد جراحاته لا بل قد تبكي عليه وهذا حال كثير من الشعراء في المهجر وأكدت ذلك في قولها نبكي العراق مآثر ومفاخر وهذا البيت في صدره وعجزه يؤكد التحام الشاعرة بالأرض وبالقيم التي تعشعش في وجودها وهي ترى الصورة المشوهة التي بات العراق عليها .
تتفاخر الشاعرة إكرام الجنابي بوطنها إلى درجة لو كانت الفرات ملحا أجاجا لشربته وارتوت من مائه ولم تنس حبيبها الذي ساوت بينه في الفراق وبين بغداد , فكلاهما كربة وهما الأقرب إلى قلبها , كذلك تؤكد على القارئ بأنها تستمد قوتها منه في تواضع جميل , من هنا يتبين لنا أن هناك تشابكا وجدانيا بين الوطن والغربة والحبيب وما جرى لهذا الوطن وهي بالقلم والكلمة تفصح كما قلنا في مجمل من المحاور السياسية والاقتصادية الاجتماعية والرومانسية وتشابك هذه الدوافع النابعة من المدرسة الاجتماعية التي تؤكد على تأثير المجتمع وقدرته وهي تحاول بكلماتها أن تستنفر فيه مجد العراق ليكون قادرا على حراك كل شيء في حياة العراق وهذا ما يؤكده عالم الاجتماع دوركايم فهي لم تذهب الى فهم الوقائع على غير حقيقتها او تفسرها وفقا لصور ذهنية تمر بها بل هي قد مرت وبالأساس الحسي لا الصوري وقد هجرت العراق خوفا من التطرف والتهميش والإقصاء والتصفية الجسدية ونحن نعلم الأجواء التي يحتاجها القلم خاصة وهو يسطر لنا الشعر, وقد لا اذهب بعيدا عندما أشبه تدفق روحها الشعرية بالرقص الصوفي .
أرجو من القاري الكريم أن يعلم ان كلماتي ليست بصدد شرح أبيات شعرها او نقدها وإنما هي حوار قيمي أخلاقي مجتمعي , لنتعرف أين تقف الشاعرة إكرام الجنابي وهل نستطيع الغور في سبر سيكولوجيتها وبما لا شك فيه وأنا أتصفح قصائدها المس بان الكثير من الأعراف والقيم والتقاليد مخزونة لديها فيما يسمى علميا( سيكولوجيات الأنا العليا) وهي تغرف منها لتسطرها قلائد شعر من ياقوت على صدر العراق وشعبه , ولم تنس إكرام الجنابي ضمن هذا التشابك حسها الأنثوي وهي تناجي حبيبها وقد نلمس في شعرها أبياتا جاءت لدى الشعراء الصوفية وهم يتغنون بالخالق عز وجل في شعرهم فإكرام تقول : (( هواك في قلبي جرى كما جرى فيه الدم )) , انه صورة ولو كانت نعاسية لكنها قد نشعر ونحس بها والظاهر ان حبيبها هذا قد ترك بصمته في ذاتها أما هي فتذهب الى اللا منتهي في الذات وتستخرج مواقع لها وله فوجدت كما تقول : (( الهوى يلد الهوى في الذات )) .
تعيد الشاعرة المقارنة بين ترك حبيبها لها وترك بغداد وهي تزداد كربة بهذا البعد نلمس في القصيدة التي مطلعها : ((حاورته شعرا فقال تعال ليرى رهيف مفاتني وجمالي ))هنا كما قلت نلمس الشجاعة الفكرية وكأنك تقرأ قصة من قصص غادة السمان وعزفها كما يقال , تقول الشاعرة إكرام : حتى استبد بنا العناق وإنني قد غبت عن دنياي وهو حيالي)) وقد تكون الشاعرة قد أدركت انه هو العشق والتعشق وقد غابت عن الدنيا .
في هذه القصيدة نلمس شيئا من وجوديتها لكنها لم تنس خصال حبيبها وتصفها بخير خصال وهي العراقية التي نشأت في حاضنة عائلية اجتماعية قيمية أخلاقية لكن شيطان الشعر يتغلب وهي التي توحي لنا مقدار ذلك الحب الذي يذوب فيه الوجد كما جاء في القصيدة الثامنة وقد تكون الشاعرة قد خلقت من احدهم حبيبا ليلهما الشعر وقد تكون إشكالية ضعف الفهم والحوار لعدم إدراك المتغير فذهبت الى القوة المطلقة التي تركت آثارها على الحبيب والوطن .
ففي هذا الرقص من الإيثار الجنسي والروحي سحرا , الشاعرة تستفز في حبيبها الكثير , فهي تتدفق تارة ببطء وتارة بعنف وهي تبحث وتحاول ان تكتشف أشياء كثيرة قد يكون هذا في المنظور الانثربولوجي ,حيث هناك طقوس لديها في الحب وفي الحنين الى الوطن فترسم لنا صور جمالية ندركها بقراء واحدة او نظرة واحدة لان الكثير من قصائدها تعبر عن محاكاة ثبت واقعه ام لا يثبت حقيقة كان ام لا , يذكر الفيلسوف أرسطو أن الأشياء يمكن أن تكون موضع إعجاب في حالة إدراكها بنظرة واحدة ,والسؤال الذي يطرح نفسه علي من أين أتت هذه المهجرية لشاعرة العراقية بكل القياسات الساسولوجية ؟ وقد اطلع على تاريخها ومن دونه فانه ( الموهبة ) , والموهبة هي عطاء من الله او قد تكون مجمل التفاعلات المكانية والزمانية والاجتماعية والسياسية فتجلت فيها سريالية لا تفصح عنها رغم أنني لا أجد أية ازدواجية في تلك المقاييس سواء في شكلها المطلق او النسبي , رغم أن الإيقاع واضح في التركيب الموسيقي لتدفق كلماتها وأخيرا استطيع القول ان الشاعرة إكرام من صحيبات يوسف في التعبير عن علة خلجاتها وشفافية وجدانها المحفوف بكل آيات الحب واللهفة والشوق فهي زليخا وهي الخنساء في شجاعتها الفكرية وإيمانها وقوة عريكتها وهي ليلى الاخيلية في أدب سطورها واختيار كلماتها المعبرة المفعمة , وهي فينوس في إلهية سطورها الروحانية والرومانسية , وتعد هذه الشاعرة من القليلات اللواتي قرأت لهن ولو كانت قاصة لشبهتا بغادة السمان في البحث والكشف عن حقائق الأمور في الرومانسية والحنين
إن إكرام شاعرة فذة تبعث لنا أجمل السطور الحرة الساحرة عبر الأثير في دولة لا تعرف معنى الحرية خارج حدودها دولة محتلة مغتصبة لكل حقوق الإنسان .
الدكتور كما ل الدين قاسم الصعب
العراق / بغداد
16-5-2010
العراق / بغداد
16-5-2010
__________________
جاسم محمد صالح
باحث ومؤرخ عراقي
كاتب متخصص في ادب الطفل
بغداد العروبة / عراق العروبة
تعليق