الرسالة الخالية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د.طاهر سماق
    طبيب وشاعر سوري
    • 24-10-2009
    • 154

    الرسالة الخالية

    لي صديقٌ تجمعُني به صداقةٌ حميمة، وعلاقة وثيقة، وذكرياتٌ جميلة، ومغامراتٌ رائعة، وشكوىً من الإحباط، أيامَها كانت تُوَحِّدُنا.
    وفي غربةٍ لي .. في اليمن الشقيق، أرسل الكثيرُ من الأصدقاء رسائل لي .. إعتيادية، وأرسل لي هذا الصديق رسالة بدأهافي أعلى الصفحة بـ : أخي طاهر، وأنهاها في أسفل الصفحة بكلمة: دمت، وبين هاتين الكلمتين .. بياضٌ ببياض، فأرسلتُ له، وكأنما قرأتُ كلَّ إحباطاتِهِ في هذه الرسالة الخالية .. قلت:

    يؤلِمني القصور .. يؤلِمني الإحباط .. يؤلِمني أن لا أرتفِعَ بكَ إلى مصافي الملائكة.
    أي أحمدُ الحبيب .. لا تيأس .. فالزمن لا يزالُ ملكَ يدينا، وسنعيشُ أياماً أحلى من الفردوس .. سنكتبُ ذكرياتِنا ببتلاتِ الياسمين، وسننشدُها قصيدةً لأولادِنا، وسنملِكُ المستقبل، حتى لو لم نستطِع أن نملكَ الحاضر.

    فنحنُ أقوياء أيها الغالي، ولا ينقُصنا إلا الشجاعة في اتخاذ قرارِنا أن لا عودة إلى الوراء، فإما الغُنم وإما أن نستمدَّ من إخفاقِنا درساً يستنهِضُنا لنبدأ مسيرةً جديدة.

    خذها مني هديةً، روحي أيها الحبيب .. ولتعِش أبدَ الدهر مرفوعَ الجبين بأن لك صديقاً مخلصاً محباً اسمهُ طاهر .. ولن يَهُمَّنا بعد ذلك ثرثرة المثرثرين.
    وسنسكرُ سويّاً ونعربدُ سوياً ونصلي ونصوم سوياً.
    سنعيش الحياة بكلِّ متناقضاتِها، وسنسخرُ من كلِّ السفهاء والأغبياء، وما أكثرهم .. أولئك الذين لا يفقهون من الحياة شيئاً روحانياً سوى الأكلُ والنومُ وممارسة الجنس.

    هل هي النرجسية؟؟ …

    لا يا أحمد، فأنت أدرى بمن حولِنا من جهلة، وليس لنا أن نتنرجس، ولكنه الواقع .. الواقعُ المر .. المضحك ..
    فكثيراً ما حاولنا معاً انتشال بعضِ السفهاء من سفاهاتِهم، وبعضَ الجهلةِ من جهلِهم، ولكنَّهم .. ما أقصرَ نظَرَهُم وما أعمقَ تصوُّراتِنا للحياة.

    فالحياةُ فكر .. تمثال .. لوحة .. رسالة بلا سطور وبلا كلمات .. ما أعمَقَها من دلالات .. وما أذكى من خطَّها ومن يفهمها ..

    لقد قرأتُها أكثر من خمس مراتٍ .. ولم أملَّ قراءتَها بعد ..

    إنها أنشودةٌ سحرية .. ولا قصائد بودليير، وصلتْ إلى قدرَتِكَ على التعبيرِ فيها .. إنها أروعُ لوحةٍ رسمتها لي في أعماقِ ضميري ..

    حكتْ لي كلَّ شيء .. كلَّ شيءٍ على الإطلاق. وإذا لم تصَدِّق هذا الكلام فإنني سأعتذِرُ عن كلِّ ما أسلفتُ من الكتابة عنك .. وأسحبُ أقوالي، لأنها في غير موضِعِها ..

    ولكنني واثقٌ من كلِّ ما قُلتُ، وواثقٌ أنكَ ملأتَ الرسالةَ بكلِّ ما لديكَ قبل أن ترسلها .. وواثقٌ من أنها ليست دعابة ..
    أم أنني أنا الذي جُننت؟؟ .. لا أعتقدُ ذلك!

    لقد توقَّعتُ أن تصِلَني رسالةٌ منك ..
    وأكثرُ من ذلك، وأقسم، توقعتُ أن تأتي رسالتُكَ تماماً كما أتت .. ملآنةً فارغة ..

    ملآنةٌ لمن يستطيعُ أن يترجمَ ما فيها من أحاسيس .. وهو أنا !! .. ولو أنك لم تكن واثقاً من ذلك لما بعثتَ بها إليَّ أصلاً.
    وفارغةٌ .. من التُّرهات والتفاهاتِ التي تخطُّها الأقلام لقصارِ العقول

    يا لها من مؤنسٍ عجيب .. جنِّيةٌ بثوبٍ أزرق .. أسطوانةٌ مليئةٌ بالموسيقى الصامتة لكنني أيها الصديق .. أسمعُ دويَّها قويَّاً يهزُّ القلوب.

    24/7/1990
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الدكتور القدير طاهر سماق

    فالحياةُ فكر .. تمثال .. لوحة .. رسالة بلا سطور وبلا كلمات .. ما أعمَقَها من دلالات .. وما أذكى من خطَّها ومن يفهمها ..

    رسالة من أجمل ما قرأت كفكرة و كلمة معبرة عن القدرة على القراءة و التي إختزلت البياض و نسجت من خيوطه كلمات رائعة عن فلسفة الحياة و التواصل الوجداني بين الأحباب أحيانا يكون الصمت و الفراغ أبلغ من الكلام كانت رسالتك عبور إلى أخرى بدون سطور
    مع تحياتي و تقديري
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    تعليق

    • مهند حسن الشاوي
      عضو أساسي
      • 23-10-2009
      • 841

      #3
      [align=center]

      الأخ د. طاهر سماق
      قد يبوح الصمت أكثر مما يبوح الكلام
      وهذا ما تعرفنا عليه جلياً في رسالة صديقك الذي أنت أعرف به من نفسه كما أرى
      رسالتك باحت بمكنون ما أراد وأعطته شحنة أمل كبيرة على ما أظن
      لكني بصراحة لم أفهم كيف يمكن أن يعيش المرء المتناقضات ويكون سوياً
      ما أعرفه أن الشخصية القوية الكاملة هي التي تعيش الحياة وفق منظومة مترابطة من الأفكار والصفات والأعمال، يخلقها الاعتقاد الحق
      وأعتقد أن كلمة (ملآنة) غير ملائمة ، وصوابها (ملأى) والله أعلم
      سررت بقراءة رسالتك الجميلة .. لك تحيتي ومودتي

      [/align]
      [CENTER][SIZE=6][FONT=Traditional Arabic][COLOR=purple][B]" رُبَّ مَفْتُوْنٍ بِحُسْنِ القَوْلِ فِيْهِ "[/B][/COLOR][/FONT][/SIZE][/CENTER]

      تعليق

      • د. نديم حسين
        شاعر وناقد
        رئيس ملتقى الديوان
        • 17-11-2009
        • 1298

        #4
        أخي الدكتور طاهر سماق
        لقد قرأتُ رسالتيكما , صديقك وأنت , فوجدتُ وراء الأولى إنسانًا حزينًا يراسلُ صديقًا ذكيًّا . ووجدتُ وراء الثانية صديقًا حكيما . تالله لو استلمتُ رسالتك العامرة بالتفاؤل هذه لقطعتُ خيط القِنَّبِ من حول عنقي , وشنقتُ به يأسي !!
        دمتَ كما أنتَ صديقًا وفيًّا ... وشاعرا مبدعًا .

        تعليق

        • صالحة غرس الله
          عضو الملتقى
          • 09-05-2010
          • 79

          #5
          أن يكتب شخص بكل هذا الانفعال فهذا يعني أنه إنسان
          الرسالتان خلاصة الحياة
          الأولى قالت كل شيء دون كلام والثانية لخصت كل شيء
          الحياة بمتناقضاتها لا يجب أن تتحول إلى سياط يجلد أرواحنا
          لذلك لابد أن نحزن نبكي نعيش ونحب الحياة
          أجمل ما أثارني هذا الإنسان الذي يقف خلف السطور
          ينظر إلينا في شجاعة وإقبال رغم الانحدارات
          تحية لائقة بهذا التجلي

          تعليق

          • نجيةيوسف
            أديب وكاتب
            • 27-10-2008
            • 2682

            #6
            [align=center]قد مررت في لحظة حب اختلاء بأرواح أصحاب المكان علِّي أعيش همها وتعيش همي ، علّي أجد فيها ما يترجم رموز شجني .

            وجدت هنا واحة حب سام ، وعلاقة بيضاء نقية .

            وجدت بهاء ندر أن نلتقيه في زمن ضن بالصديق .

            صديق أعظم ما يمكن أن يؤذي به صديق ردفَ روحه بشك يحطم صدق وده ويقتل فيه حلم التوحد بين عقلين اتحدا وقلبين جملا روح ولاء وبنيا معا جدارا يقف أمام النوازل والنوائب وراحا يحكيان قصة الأخ حينما يعضد أخاه بسد حب ووفاء .

            وهنا طاهر صَدَق صديقه ، أحسّه وعاش نبضه فكان هو ذاك السد وذاك الأخ .

            تقبل كل آيات التقدير والإعجاب برسالتك لغة ومبنى ومعنى .

            دم بخير أبدا
            [/align]


            sigpic


            كلماتنا أرواحنا تهمي على السطر

            تعليق

            • منجية بن صالح
              عضو الملتقى
              • 03-11-2009
              • 2119

              #7
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              قرأت هذه الرسالة العديد من المرات و في كل مرة تتحفني بمعاني جديدة تتجدد في الذاكرة لتنمي فينا الجمال و الأصالة و التي نفتقدها في كثير من الأحيان
              رسالة راقية تبوح بحب الحياة من قلب ترقرق فيه الود كماء مطر عذب زلال
              رسالة نقترح تثبيتها

              تعليق

              يعمل...
              X