إن الإنشائية في الأدب عامة لم تقم على التعارض بين الشعر والسرد أو القطيعة بينهما وحتى ما نادي به النقاد في فرنسا مثل Roman J akobson "رومان جاكوبسن" باعتبار الشعر نظاما استعاريا والنثر نظاما مجازيا وما أراد تكريسه " جون كوهين " Jean Cohen في ضرورة الفصل بين الشعر والنثر إلا أن العملية الإبداعية على مستوى الممارسة أثبتت التفاعل بين الجنسين .
ورغم الحدود الصارمة بين الأجناس التي سطّرتها المرجعية النقدية العربية أو الغربية ،فإنّ العملية الإبداعية عملت على كسر هذه الفواصل بتأليفها بين السّردي والشّعري و استطاعت الرواية كفن أدبي أن تحتضن الأشكال الأدبية القريبة منها وأن تصهر الشعري في بنيتها مما يحقّق لها قدرا كبيرا من الإنشائية والجمالية .
وفي الفترة التي دعا فيها البعض إلى الفصل بين الشعر والنثر فقد نشأت أجناس فرعية تأخذ من الشعر بعض سماته ومن النثر بعض مميّزاته مثل :(قصيدة النثر والقصة الشعريّة والنثر الشعري والشعر القصصي ) ومن المعروف أن الشعرالإنجليزي (هوبكينز
G M Hopkins و ت س إليوت T S Eliot قد استدعيا السرد في نصوصهما .
إنّ التاّلف بين النثر والشعر حفّز النقاد لدراسة هذه الظاهرة ورغم أنّ في المدوّنة العربية القديمة استقرّت فكرة الحدود الصّارمة بين الجنسين إلا أنّ واقع العمليّة الإبداعية دحض تلك الفواصل , وظلّ الشّعر يغذي تلك الأشكال السّردية ( السير الشعبية ، المقامة ، حكايات ألف ليلة وليلة، الإشارات الإلهية للتوحيدي ورسالة الغفراّن للمعري كتاب طوق الحمامة في الألفة والألاّف لابن حزم الأندلسي
أما في العصر الحديث فالتجربة الإبداعية محت الفواصل بين ما يسمّى بالأنواع الأدبية من شعر ونثر .ومن هنا نلاحظ عدم الانسجام بين الممارسة النقدية والممارسة الأدبية حسب ما أقره النقاد المحدثون ؟؟
إن كل نص روائي هو بقدر ما قصيدة وكل قصيدة هي في بعض الدرجات قصةً . وتجدر الإشارة أنّ إدوارالخراط من أبرزالمهتمين بدراسة هذه الظاهرة ,خصّص لها كتابين هما :"مهاجمة المستحيل " "والكتابة عبر النوعيّة ".
مع التذكير أن الإبداع العربي بلغ مع جبران خليل جبران (1883م- 1931م) مرحلة ، تناغم فيها السردي بالشعري وخلال الثمانينات ظهرت عدة روايات مثّلت هذه الظاهرة حسب قول" نزار قباني "رواية مغتسلة بأمطار الشعر" مثل رواية "الشحاذ " لنجيب محفوظ و رواية "رامة والتنين والزمن الآخر" لإدوار الخراط ورواية "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر و رواية "الماء والنار "لعبد الله علي خلفية وروايات أحلام مستغانمي" ذاكرة الجسد" و" فوضى الحواس " وغيرها .
إن الشّعرية في رواية "حدث في إسطنبول " تمثّل عنصرا أساسيا في إنشائية هذا النص فكيف تجلّى البعد الشّعري الذي هو في نفس الوقت بحث في أسلوبية الرواية و كيف تجلّت عناصر الشعرية في هذه الرواية ؟كيف بنى كريم معتوق العلاقة بين السردي والشعري وحقق التفاعل بين هذين الجنسين ؟
إنّ الرواية مثل القصيدة ذات إيقاعات متعددة ، إيقاع الحب وإيقاع المجتمع ،إيقاع السياسة . وإن دراسة تفاعل الشعري مع السردي ظاهرة تجيب عن هذه الأسئلة ما هي مظاهر شعرية اللغة؟ ما هي خصائص المعجم وطبيعته ؟ .بم تتميّز تراكيب الجملة وتراكيب المقاطع ؟ وكيف رسم الكاتب الصورة الشعرية وما صنوف الخرق والعدول فيها ؟ ما مظاهر الشعرية في
مستوى الحكاية ، السارد ، الأفكار ، حضور الأنا الغنائي شعرية الشخصيات ، شعرية المكان والزمان .
عامة كيف فارقت الرواية فضاءها السّردي ودخلت في فضاء الشّعر ، مع العلم أن حضور الشعري في الرواية يقتضي التمكن من تقنيات اشتغال كل من النص الروائي والنص الشعري أيضا .
رواية " حدث في إسطنبول " للشاعر كريم معتوق نص سردي من الحجم المتوسط يتضمن 208 صفحة ، صدرت في طبعتها الأولى عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات سنة 1996 م . جاءت الرواية في ستة فصول ، صوّر فيها الكاتب رحلة شاعر يدعى مرزوق يفرّ من واقعه ويسافر إلى إسطنبول لغرض الاستجمام والسياحة ، ويدخل في علاقة وجدانية قوية بسرعة غير عادية
بسبب الظروف المحيطة به ومن البداية يعلن الكاتب عن موضوع الرواية فهو قضية الحب وهو التيمة المتداولة في الشعر بقول كاتبها :" لقد درس الحب العذري وشعراءه وحفظ وأجاب في ورقة امتحان السنة الثالثة لمادة اللغة العربية إجابة كاملة ولكنه لم يكن يفهم مشاعرهم وكل علاقته بهم هي معلومات تاريخية ، إلى أن التقى بسلوى ، وأحب مثلهم الحب العذري " ( ص10 )
شعرية اللغة
لما كانت اللغة هي المحدّدة لشعرية الشعر , فإنّ الباحث في شعرية النص السردي يوجّه اهتمامه أساسا نحو اللغة . إن أصغر مكونات اللغة هو اللفظ المفرد قبل دخوله في نظام الجملة لذلك سننظر في المعجم الذي استعمله كريم معتوق في رواية "حدث في إسطنبول" مع العلم أن البحث في المعجم الخاص بالرواية ضمن مبحث خاص يكاد يكون معدوما وهذا له علاقة بقلة الدراسات التي تبحث في خصائص اللغة في الكتابة للروائية رغم أهميتها .
من المتفق عليه في الدراسات النقدية الحديثة تكاد تجمع على أن معجم الشعر هو معجم الذات والمشاعر في حين أن معجم الرواية هو معجم الموضوع المرجع والواقع ومن هذا المنطلق سنبرز المعجم الذي استخدمه كريم معتوق في روايته وما خصائصه ؟
مع التذكير أنّ النقد الحديث في مباحثه في شعرية الشعر أو شعرية الرواية يربط بين البحث في شعرية اللفظ وشعرية التركيب وشعرية
الصورة ، ومن هذا المنطلق فالتكرار يندرج ضمن هذا السياق إذ يكسب النص الروائي بعدا غنائيا ويحقق الوظيفة الجمالية والانفعالية .
نستدل ببعض العبارات لنلاحظ تواتر ظاهرة التكرار اللفظي
* "حيث يرى بقلبه نيفرا وليلى وبوحسن ويرى و يرى "
*" إنّ زيارة كهذه لابد أن تكون واجبة ، وتبقى دون هؤلاء نيفرا فإنّه يرى ملامحها بالعابرين ويفرح لرؤيتها و كأنّه يراها لأوّل مرّة "
*" كان يحمل في محفظته صورة ، أخرجها الآن بعد أن هجرها عدّة أيّام وانشغل عنها ، حاول الابتسام لها فلم يستطع ، فوعدها أنّه سيحاول في الأيام القادمة أخذ يقلب أوراق دفتره الصغير الممتلئ ويقرا ما كتبه في الأيّام التي مرّت عليه في إسطنبول منذ أن ركب الطائرة قبل أيّام " ص7
* " وما إن تجاوز مرزوق مكاتب المطار وبدأت مواجهته مع النّاس ابتداء من سائق سيارة الأجرة حتى بدأ يدرك شعور المليونير ، ولكن هذه الكلمة بلا قيمة في القاموس التركي ، فأنت تتحدث بالملايين من الليرات التي لا تكون أفعالها بهمة أقوالها ، لذلك يسمي الاتراك الغني باشا ، حتى المرة الأولى التي شعر فيها أنه مليونير لم يجد فيها متعة ، غير المتعة اللفظية ، وليست المتعة التي تمنى أن يلتقي بها من باب الفضول ، إنّه فضول كبير يصعب تحقيقه ، فمن امتلك زادت موارده بسرعة كبيرة ، لهذا يسمى المصريون المليون الأرنب " ( ص9 ).
يراوح كريم معتوق بين لغة المرجع والواقع ولغة الوجدان والبوح والمشاعر والانفعالات فهو يرسم الواقع بلغة شعرية محققة الوظيفة الانفعالية والتعبيرية، مفردات ذات إشعاع شعري ذات تأثير في القارئ تربط بين ذات الشاعر وذات المتقبل وتحكي حكاية حب الشاعر التي هي حكاية حب كل إنسان.
شعرية الصورة
إن لغة السّرد القصصي أو الروائي لغة ذات وظيفة إخبارية تنزع إلى تحديد الأشياء، وتسمية الموجودات بأسمائها، باعتبار أن غايتها قصّ الأحداث والإخبار عنها والتبليغ، لذلك تتّسم لغة السّرد الروائي بالوضوح والتصريح والتقرير، في حين أن لغة الشعر تبعد عن التسمية والتحديد وتتعالى عن الإخبار بطبيعتها الإشارية والإيحائية إذ ليس لها من وظيفة سوى الإحالة على ذاتها. وهذا لا يتم ما لم يتجه الشاعر إلى جملة من الصور البلاغية والأساليب المجازية ليجعل لغته لغة الجمال والتأثير.
ورواية كريم معتوق لا تخلوا من بعض الصور البلاغية والصياغات المجازية إلا أنها تأتي عفوية دون قصد أو تكلف:
* "كانت الطائرة تمضغ خمس ساعات حتى تخرج إطاراتها من مخابئها وتحتضن الأرض" (ص 8)
* "هذه خميرة من الأحاديث والمفاهيم عجنت عقلية مرزوق "(ص 30)
* "كيف كانت مدينة هايدل تفتح عينيها صباحا على نسمات النهر".
* واسعة مرايا القلب / فاختلطي بماء الروح / تتنبّه الكروم على الشفاه"
* "أرضعتني عطش السنين فكنت آخر من يرد رضابها عنّي"
ارتباط الشعر بنسيج السرد
توسّل كريم معتوق بعديد القصائد لإشاعة المناخ الشعري في الرواية واستدعى القصيدة على لسانه أو على لسان حبيبته أو على لسان أصدقائه للقول الشعري. والشخصية الرئيسة في الرواية الشّاعر مرزوق لا يفارقه دفتره الصغير الأحمر لكتابة الشعر ، يستحضره في كلّ المواقف بشكل مكثّف ويجد فيه تعبيراً عن ذاته وعن الواقع الذي يعيشه ووصف العالم البشري والطبيعي من حوله فهو شاعرٌ ويستحضر ثقافة أدبية شعرية فالمقاطع الشعرية في الرواية تنهض ببناء نسيج الحكاية وتمثّل خيطاً منصهرا في نسيجها، واستدعاء كريم معتوق للشعر يدعم شعرية الرواية ويرفع درجة الغنائية فيها إلى حدّ الإحساس بأنّا في حضرة الشعر لا في حضرة الرواية.
حضور الشعر في الرواية
1ً : كلّما مرّ علي الطول
تأتين ببالي
وإذا مرت بي الغابات
ناديت تعالي
وتمسّكت بأعصابي
تمسّكت بأطراف سؤالي
وتغنيت لكي تأتي :( ص 6، 7 )
القصيدة = 26 سطر
التذكر والحنين والبكاء على الحبيبة
موضوع الحب والغزل
إضفاء الشعرية في الرواية وكسر رتابة السرد
2 : إن قلت إني نسيتك فاضحكي
أو قلت إني ماعشقتك فاضحكي (ص 10)
الغزل والتغني بحب المرأة
3: ومررت حول البيت لا حباً
بألوان الجدار
بل ربما كي تسألي
من الذي جاء بك الآن ؟ (ص 11 )
القصيدة = 9 أسطر
4 : للشمس صوت في النهار * * فلتسألي عنه المساء
وصل تأبــطه اعتذار * * ماعاد يغريه اللقاء (ص12)
قصيدة عمودية من بيتين
علاقة الإنسان بالطبيعة
5 : لم تزل قربي وإن كانت بعيداً راحلةٌ
لم تزل فرشاتها والعطر
مازال ورود المغسلة وشظايا صور مستبسلة
كلما حدقت تدعونا إلى أن أكتب شيئا(ص28،29،30)
القصيدة = 24 سطراً
التذكر والوفاء والحنين إلى الماضي
6 : الساعة في يده اليمنى
تخفي أحزانا أصغرها
أكبر من أكبر مأساة
كبلاد ضيع آخرها (ص 49)
القصيدة = 8 أسطر
حزن الإنسان على فشلة في الحب
توكيد على حضورالأنا الغنائيّ
7 : تمشي على وجهي خطوط الأمس
تقرأ في عيون العابرين وأنتقي
صور العذاب (ص 52 )
القصيدة = 18 سطر
التعبير عن الحزن وعمق الأسى بفقدان الحبيب والشكوى
كسر رتابة السرد وتكثيف الشعرية
8: تتباهى هذه الليلة
في نصف قمر
وببحرين من الليل
وبحر من شجر
وبنورين
بياض الخد في الوجه
ومن نصف قمر (ص62 ، 63 )
القصيدة = 27 سطر
تغزل الشاعر بنيفرا وبجمالها الطاغي
9ً : مدت ذراعيها
فأطبقت الشفاه على الشفاه (ص 64 )
القصيدة = 5 أسطر
غزل إباحي وحب حسي
تقوية المناخ الشعري
10: سأراك غداً
وتقول غداً
ويمد القلب إليك يداً (ص 65)
القصيدة = 15 سطر
اللقاء بين الحبيب والحبيبة والتلهف لرؤيتها
هذه القصيدة على لسان نيفرا لتوسيع دائرة الشعر وأفقها
11 : ها هو المقهى
صباح الخير
فنجان من القهوة
أحلى ما يكون (ص 67)
القصيدة = 3 أسطر
وصف المكان وحميميته
12 : وهدى تقول إنني من العصر القديم
فلن أكون
يوما وحيد جمالها
وتظن بي كل الظنون (ص 89)
القصيدة = 6 أسطر
العلاقة الوجدانية بين الرجل والمرأة
على لسان سلامة الجفالي
توسيع دائرة الشعرية
13 : الأرض ضيقة
وواسعة مرايا القلب
فاختلطي بماء الروحي
تتنبه الكروم على الشفاه (ص 99)
القصيدة = 33 سطر
غزل إباحي واعترافات
تكثيف شعري وغنائية الأنا والخروج من إقاع السرد
14: في هذه الغابات حيث النهر طوقها سوار
حيث الاأهار كالأفعى تحاصرها الجبال
ولتفر من وجه الشمال
وتذوب في صدر الجنوب (ص109)
القصيدة = 7 أسطر
وصف الطبيعة
كسر إيقاع السرد
15 : فادخل الحانة تلق
مدن الصيف التي تألفها منذ الصغر
واخلع المعطف يكفيك الذي تحمل في صدرك
من هم ثقيل كالحجر
حينما تذكر أحوال العرب
هاهو النادل حياك في صبح عربي واحتجب (110،111ص)
القصيدة = عشر أسطر
صورة العربي المغترب
16 : تركت لي جسدا من ورق حيناً
وغابت بالجسد
ذاك من يتقد الحرف على صرته
إن جاء ..
ناداه مدد (ص 138)
القصيدة = 15 سطر
غزل إباحي شبيه بغزل أبي نواس
17 : أسلمت أوروبا لأوروبا
وقاومت ارتداد الحزن في شفتي
أطلقت السؤال
لأخلص التاريخ مما ألصقوا في ثوبه (ص 153،
154، 155)
القصيدة = 45 سطراً
تقوية الأنا الغنائية وواقع الإنسان العربي والصراعات بين الأديان والارتداد الفكري
قصيدة ذات بعد سياسي
18: كنت لي بعدا وكنت الملتقى ** وشباب رق حين ائتلقا
وبــراءات أراهـــا سبحــت ** حين أهديت إليها الغرقا (ص 159)
القصيدة = بيتان عموديان
الغزل في الحبيبة
19 : هارب منها ومن غاباتها * * ومن الحسن الذي فاض عليا
هارب من أمسها من غدها * * ومن الذكر وما تصنع فيــا
(ص 164 ، 165)
القصيدة = 9 أبيات
حنين وذكرة وتعلق بالحبيبة
20 : سأراك في صنعا
لنعيد جدولة السواعد
لا تعر وجها توضأ بالمحن (ص 168)
القصيدة = 13 سطر
أمل في رؤية الحبيبة
21 : سقط الفن هنيئا لكم بسقوط الفن أو بالانحدار (ص 193)
القصيدة = 3 أبيات
تصوير رداءة الفن التشكيلي
22 : شاعرٌ مر من هنا
مر لا بد أن يعود
صوته دفقة السنا والرياحين والورود (ص203)
القصيدة = 9 أسطر
صورة الشاعر الراحل
شعرية الحكاية:
إن موضوع الحب من مواضيع الشعر الأثيرة عبر العصور واستقر هذا الموضوع مع الغزل مع شعراء التجديد في القرن الثاني هجري ورغم التحولات في العصر الحديث وخاصة التي طرأت على القصيدة العربية والاتجاه نحو مواضيع جديدة فقد ظل موضوع الحب من المضامين المفضلة و رواية "حدث في إسطنبول" للشاعر كريم معتوق تقوم حكايتها على علاقة حب تجمع بين مرزوق ونيفرا وحكايات حب أخرى تجمع بين عدّة شخصيات. وقد صرح كريم معتوق من البداية بمضمون الرواية بقوله وهو في الطائرة " إلى أن التقى بسلوى و أحبّ مثلهم الحب العذري وعرف شعورهم وتمنى أن يعود إلى الجامعة ليضيف معلومات جديدة عن الحب العذري ... "( ص 10 )
وفي وصفه للحب مع الشاب العربي شمس :" الحب هو الشيء الوحيد الذي يهم كل الناس وهي الكتابة الوحيدة التي تهذّب الكاتب وترقّق كلماته وتجعله أكثر قدره على العطاء _ ويعرّفه بقوله _ "الحب هو احتوائية الإنسان لإنسان آخر بأجمل وأرق وأعذب احتوائية وهو أعزّ إذلال بل هو الإذلال الوحيد المحبّب وأفسح قيد يقيّد به المحبّ محبوبته. إنّه امتزاج كالكهرباء سالبٌ بموجب وهو مزيج من علاقة عاطفية وجنسية وإذا اكتفى بالعاطفية فقد أصبح حبا مريضا، ونزل إلى مرتبة الصداقة والزمالة "(ص 71 )
حكاية الحب القصيرة بين مرزوق ونيفرا والتي تكاد تخلو من الأحداث تمتد عبر الرواية وتنفتح عليها وعليها أيضا تنغلق وكأنّها المحور والجوهر ولمّا كان موضوع الحبّ أكثر المواضيع ارتباطا بالذّات فهو موضوع شعريّ بامتياز .
والشعرية لا تكمن في موضوع الحبّ في حدّ ذاته فحسب بل إنّ الشعرية تكمن في طبيعة حكاية الحب
حضور الأنا الغنائي في الرواية
إنّ الحضور المكثّف للشعر قوّى وجود الأنا الغنائي بصورة واضحة ، فالسارد في الرواية قائم بذاته في النص، مضطلع بوظائفه السردية ولكنّه يتحول من حين إلى حين وخاصة في المقاطع الشعرية إلى صوت آخر، فهو يظهر ليقطع خيط الحكي ويبوح بعواطفه وانفعالاته ويتغنّى بالحبيبة أو بجمال الطبيعة أو المكان وأحيانا يكشف عن رأيه ونقده لبعض المسائل والقضايا العربية أو الإنسانية ، إنّ هذا الصوت ليس صوت السارد الموضوعي بل هو صوت الأنا الغنائي الذي يكسب الرواية دفقاً شعريا ، بتواري الأنا السارد بحلول الأنا الغنائيّ وهذا يقويّ الشّعري في نسيج النصّ، فكما نلاحظ فالأنا الغنائي يعبّر عن الذات والوجدان في نفسه أو في نفس حبيبته أو في نفس أصدقائه ويصعّد الانفعالية في النصّ للتغنّي بعاطفة الحبّ.
كما أسهم حضور الأنا الغنائيّ في إبطاء حركة السّرد والحدّ من تقدّم الحكاية كما يعود هذا إلى قلة الأحداث في هذه الرواية وقد أسهمت هذه الوقفات الغنائية في إغناء الرواية عن شح الأحداث وحققت جماليتها وانسيابيتها .
شعرية الشخوص:
يمثل مرزوق الشخصية الرئيسة في الرواية وينهض بوظيفة السارد الموضوعي للأحداث وبوظيفة الأنا الغنائية وهو شاعرٌ قرر الرحيل لهدف الراحة والاستجمام في اسطنبول بعد فترة قصيرة من طلاقه
الذي جاء بعد خمس سنوات من الزواج.وهو المساهم في تحريك الأحداث وتسيير عملية القص التي استهلها وهو في طائرة العودة من إسطنبول استناداً على أسلوب الاسترجاع والتذكر، فيبدو متشائماً في أسبوعه الأول في إسطنبول من أبو حسن "قارط" الذي لازمه كظله وحدّ من حريته إلى حد التضجر "حصار قارط له كبير ومعاملته تضايقه" ، مرزوق جاء هارباً من همومه إلى ملاذ يصلح نفسيته التي شوهتها الأحزان فيتعرف على الفتاة الرائعة نيفرا فتأسست بينهما علاقة حب، عبر الكاتب عن سرعتها على لسان مرزوق " إنه مرزوقاً أسرع رجل في العالم يقع في الحب وقد عبر الكاتب عن هذا النوع من الحب الصاعقة بقوله "أحس مرزوق بان العلاقة مع نيفرا والتي لم تمض عليها 24 ساعة أخذت بعداً آخرا، حب من نوع خاص بل هو الحب الذي يؤمن به مرزوق ويأتي على غفلة وبسرعة، لا الحب الذي يتربى ويكبر مع الأيام كالعشرة (ص 112)" كأن نفسه مهيأة لهذا الشعور لعله فراغ الحياة" (ص 62).
وإذا كان مرزوق سرعان مايقع في عاطفة الحب فهو سرعان ما يقع تحت الإحساس بالذنب : " لقد كان كل مايقدم على معصية ، أحس أن الله يراه" وهذا الشعور يلازمه منذ الصغر.
مرزوق يبدو في الرواية رجلاً مدمناً السفر فهو يتذكر لبنان وألمانيا ...
مرزوق في بحث دائم عن الهروب يهرب من ذكرياته له نظرة دقيقة للمرآة يرى أنها كل ذاته فهو شبيه البطل الإشكالي ورمز المثقف الواعي بواقعه وبقضايا حاضره ومستقبله وذو قدرة على نقد الأشياء وهو الشاعر العربي الواعي بقضايا الإنسان العربي والعروبة وبطبيعة المجتمعات التي انعكست من خلال ثقافته. وهو ذو شخصية ملولة لا يحب الاستقرار على شيء ، محب التغير وله عين نافذة لنقد الأشياء، يميل إلى الكذب أحيانا لتقوية علاقته بالمرأة.
أوقعته الظروف في إسطنبول أن يتعرف على ليلى فيخون نييفرا التي أحبها في نفس اليوم فيعتذر محدثاً نفسه " اسمحي لي يا نييفرا أن أمارس معك أول خيانة وأسرع خيانة في العالم لحب كبير كالذي بيننا" (ص 124)
بو حسن قارط
تحتل هذه الشخصية الحضور الواسع في الرواية فهو رجل عربي في الستين من قرية اسكندرون بأنطاكيا تعرف عليه مرزوق في إسطنبول فقام بدور الدليل السياحي له، كان يصاحب الحجاج الأتراك لكنه غرر بالحجاج فأطرده صاحب الحملة ثم سجن ثلاث سنوات بتهمة تهريب البضائع، التصق بمرزوق إلى حد الإزعاج إذ يثقله بنصائحه ورعايته الزائدة يحمل نظرة دونية للشباب العرب له تاريخ حافل بالصدمات والأحزان، مستمع غير جيد كثير الكلام شبهه مرزوق بالليل الذي يريد أن يتخلص منه جسده الكاتب في صورة رجل محدودب الظهر ممسك بيديه سبحة صغيرة وسيجارة صغير، كثير التجسس على مرزوق وهو في عين الشاب سلامة الجفالي من مخلفات الحرب العالمية الأولى ، وانتهت صلاحيته من زمان، لا يتعاطف مع الآخرين لكثرة مآسيه .
نيفرا
هي ابنة أخت بو حسن قارط ، فتاة رائعة الجمال عيونها خضر تشبه الغابة فارعة الطول توطدت العلاقة بينها وبين مرزوق تبدو فتاة تركية لكنها تحن إلى جذورها العربية، فهي رمز الفئة الإجتماعية التي فقدت جذورها العربية بتغربها وهي التي تبحث عن هويتها وأصولها فهي تقول لمرزوق
لماذا لم تأت أيام الطفولة .. إنني كنت أبحث عنك ... "وقالت : بل كنت تشبثت هناك (أنطاكيا) وأعلنت إنني عربية حتى وإن تبرأ أهلي مني.. لم أجد نفسي من ذلك الزمن" أضعت أشياء كثيرة وضعت أنا من بينها ولم أجد نفسي من ذلك الزمن
تبدو نيفرا رمز المغترب الذي يحس بالضياع صورها الكاتب في الرواية ذات وعي وموقف من جدلية الإنسان مع الزمن.. " تقول : يأسف الإنسان على كل لحظة مرت في حياته دون تحقيق ذاته "
وصفها الكاتب على لسان مرزوق " نيفرا اسم على مسمى فهي نافرة النهد والشعر وأشياء أخرى وأن لجسدها لغة خاصة وثقافة خاصة. ومن ملامحها الجرأة والتحرر وخاصة في بناء علاقتها بمرزوق ومبادرتها السريعة للإنصياع، وصف الكاتب على لسانها : "كنت أن اتمنى أن أحضنك وأقبلك، كم كانت ملامحك رائعة وأنت تتكلم، وكم كانت ابتسامتك مثيرة" (ص 111)
ونيفرا دفعت بها جرأتها أن تدعو مرزوق إلى الحمامات المعدنية للإلتقاء به، ووصف الكاتب تحررها المفرط حين "التف ذراعها على رقبة مرزوق وهي شبه عارية" (ص117)
"واستدارت لتلتوي عليه وهي تهدي أحبك، أموت فيك" (ص 118)
الشخصيات الثانوية :- الجدة- الشبان العرب- السيد رحمي - زوجته
- مصطفى ابن السيد رحمي - زوجة مصطفى- عثمان البودر-الدكتور محمود الخرداوي- يوسف- سلوى- هدى
سلامة الجفالي
شاب فلسطيني أنهى دراسته الثانوية في غزة ثم هرب منها لسوء المعاملة في عهد جمال عبدا لناصر الذي كان يعطي امتيازات لطلبة غزة في تلك الفترة بعد حصوله على منحة دراسية تابع دراسة الطيران في باكستان وانتمى فيها بالجماعات الإسلامية وتعرف على جماعة الدعوة وطوائف أخرى، اضطر إلى تعاطي الحشيش وطبعت شخصيته بتناقضات مدينة لاهور، تضامن مع حزب العمال الكردستاني وخلال تدربه على الطيران أصيب بحادث كسرت فيه رجله، منتمن إلى عديد من الجمعيات العربية والدولية بالتعاطف مع المؤسسات الإنسانية ، خسر خطيبته بعد كسر رجله، ومنذ ذلك الوقت وهو فاقد للأمل يحس أن الدنيا خالية مما يستحق أن يعيش من أجله. وهو في عين مرزوق مراهق سياسي متأخر مختلف عنه في التفكير وفي مفهوم الإنسانية .
الدكتور محمود الخرداوي
من لواء الإسكندرون بأنطاكيا طبيب عمل في ألمانيا وأخذ الجنسية الألمانية تاجر بالأجهزة الطبية وتلاعب بأرواق التصدير فاكتشف أمره ، واتهم بالتهرب من الضرائب والتحايل والتزوير فأوقف عن ممارسة مهنته، ثم فتح مكتب للسياحة وعمل في تزويج الشباب العرب من ألمانيات كي يحصلوا على الإقامة والجنسية الألمانية مقابل مبلغ من المال. يصف الكاتب هذا الدكتور أنه زوج زوجته لأكثر من شاب عربي ولما أراد الفرار من القانون أصيب بحادث ماتت فيه زوجته وابنه وفقد هو الذاكرة التي عادت له بعد ثلاثة أشهر استرجع اللغة التركية والألمانية أما اللغة العربية قد ضل لايتذكرها. دافعت عنه نقابة الأطباء وأسقطت عنه كل التهم وخصصت له راتب شهري. رمز به الكاتب بالإنسان العربي المنبتّ الفاقد للذاكرة العربية.
خلاصة :
وإن استندت رواية حدث في أسطنبول لكريم معتوق على إمكانات اللغة فقد بوأت المضمون الشعري والموضوع الوجداني في الرتبة المركزية فكانت الرواية شبيهة بقصيدة مكتوبة على إيقاع عيني رئيسيين، إيقاع السرد وإيقاع الشعر، اللذان تتفرع عنهما إيقاعات الحب والسياسية ...
مما يؤكد القول بالمصالحة بين الشعر والسرد في علاقة تفاعل وانسجام
ورغم الحدود الصارمة بين الأجناس التي سطّرتها المرجعية النقدية العربية أو الغربية ،فإنّ العملية الإبداعية عملت على كسر هذه الفواصل بتأليفها بين السّردي والشّعري و استطاعت الرواية كفن أدبي أن تحتضن الأشكال الأدبية القريبة منها وأن تصهر الشعري في بنيتها مما يحقّق لها قدرا كبيرا من الإنشائية والجمالية .
وفي الفترة التي دعا فيها البعض إلى الفصل بين الشعر والنثر فقد نشأت أجناس فرعية تأخذ من الشعر بعض سماته ومن النثر بعض مميّزاته مثل :(قصيدة النثر والقصة الشعريّة والنثر الشعري والشعر القصصي ) ومن المعروف أن الشعرالإنجليزي (هوبكينز
G M Hopkins و ت س إليوت T S Eliot قد استدعيا السرد في نصوصهما .
إنّ التاّلف بين النثر والشعر حفّز النقاد لدراسة هذه الظاهرة ورغم أنّ في المدوّنة العربية القديمة استقرّت فكرة الحدود الصّارمة بين الجنسين إلا أنّ واقع العمليّة الإبداعية دحض تلك الفواصل , وظلّ الشّعر يغذي تلك الأشكال السّردية ( السير الشعبية ، المقامة ، حكايات ألف ليلة وليلة، الإشارات الإلهية للتوحيدي ورسالة الغفراّن للمعري كتاب طوق الحمامة في الألفة والألاّف لابن حزم الأندلسي
أما في العصر الحديث فالتجربة الإبداعية محت الفواصل بين ما يسمّى بالأنواع الأدبية من شعر ونثر .ومن هنا نلاحظ عدم الانسجام بين الممارسة النقدية والممارسة الأدبية حسب ما أقره النقاد المحدثون ؟؟
إن كل نص روائي هو بقدر ما قصيدة وكل قصيدة هي في بعض الدرجات قصةً . وتجدر الإشارة أنّ إدوارالخراط من أبرزالمهتمين بدراسة هذه الظاهرة ,خصّص لها كتابين هما :"مهاجمة المستحيل " "والكتابة عبر النوعيّة ".
مع التذكير أن الإبداع العربي بلغ مع جبران خليل جبران (1883م- 1931م) مرحلة ، تناغم فيها السردي بالشعري وخلال الثمانينات ظهرت عدة روايات مثّلت هذه الظاهرة حسب قول" نزار قباني "رواية مغتسلة بأمطار الشعر" مثل رواية "الشحاذ " لنجيب محفوظ و رواية "رامة والتنين والزمن الآخر" لإدوار الخراط ورواية "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر و رواية "الماء والنار "لعبد الله علي خلفية وروايات أحلام مستغانمي" ذاكرة الجسد" و" فوضى الحواس " وغيرها .
إن الشّعرية في رواية "حدث في إسطنبول " تمثّل عنصرا أساسيا في إنشائية هذا النص فكيف تجلّى البعد الشّعري الذي هو في نفس الوقت بحث في أسلوبية الرواية و كيف تجلّت عناصر الشعرية في هذه الرواية ؟كيف بنى كريم معتوق العلاقة بين السردي والشعري وحقق التفاعل بين هذين الجنسين ؟
إنّ الرواية مثل القصيدة ذات إيقاعات متعددة ، إيقاع الحب وإيقاع المجتمع ،إيقاع السياسة . وإن دراسة تفاعل الشعري مع السردي ظاهرة تجيب عن هذه الأسئلة ما هي مظاهر شعرية اللغة؟ ما هي خصائص المعجم وطبيعته ؟ .بم تتميّز تراكيب الجملة وتراكيب المقاطع ؟ وكيف رسم الكاتب الصورة الشعرية وما صنوف الخرق والعدول فيها ؟ ما مظاهر الشعرية في
مستوى الحكاية ، السارد ، الأفكار ، حضور الأنا الغنائي شعرية الشخصيات ، شعرية المكان والزمان .
عامة كيف فارقت الرواية فضاءها السّردي ودخلت في فضاء الشّعر ، مع العلم أن حضور الشعري في الرواية يقتضي التمكن من تقنيات اشتغال كل من النص الروائي والنص الشعري أيضا .
رواية " حدث في إسطنبول " للشاعر كريم معتوق نص سردي من الحجم المتوسط يتضمن 208 صفحة ، صدرت في طبعتها الأولى عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات سنة 1996 م . جاءت الرواية في ستة فصول ، صوّر فيها الكاتب رحلة شاعر يدعى مرزوق يفرّ من واقعه ويسافر إلى إسطنبول لغرض الاستجمام والسياحة ، ويدخل في علاقة وجدانية قوية بسرعة غير عادية
بسبب الظروف المحيطة به ومن البداية يعلن الكاتب عن موضوع الرواية فهو قضية الحب وهو التيمة المتداولة في الشعر بقول كاتبها :" لقد درس الحب العذري وشعراءه وحفظ وأجاب في ورقة امتحان السنة الثالثة لمادة اللغة العربية إجابة كاملة ولكنه لم يكن يفهم مشاعرهم وكل علاقته بهم هي معلومات تاريخية ، إلى أن التقى بسلوى ، وأحب مثلهم الحب العذري " ( ص10 )
شعرية اللغة
لما كانت اللغة هي المحدّدة لشعرية الشعر , فإنّ الباحث في شعرية النص السردي يوجّه اهتمامه أساسا نحو اللغة . إن أصغر مكونات اللغة هو اللفظ المفرد قبل دخوله في نظام الجملة لذلك سننظر في المعجم الذي استعمله كريم معتوق في رواية "حدث في إسطنبول" مع العلم أن البحث في المعجم الخاص بالرواية ضمن مبحث خاص يكاد يكون معدوما وهذا له علاقة بقلة الدراسات التي تبحث في خصائص اللغة في الكتابة للروائية رغم أهميتها .
من المتفق عليه في الدراسات النقدية الحديثة تكاد تجمع على أن معجم الشعر هو معجم الذات والمشاعر في حين أن معجم الرواية هو معجم الموضوع المرجع والواقع ومن هذا المنطلق سنبرز المعجم الذي استخدمه كريم معتوق في روايته وما خصائصه ؟
مع التذكير أنّ النقد الحديث في مباحثه في شعرية الشعر أو شعرية الرواية يربط بين البحث في شعرية اللفظ وشعرية التركيب وشعرية
الصورة ، ومن هذا المنطلق فالتكرار يندرج ضمن هذا السياق إذ يكسب النص الروائي بعدا غنائيا ويحقق الوظيفة الجمالية والانفعالية .
نستدل ببعض العبارات لنلاحظ تواتر ظاهرة التكرار اللفظي
* "حيث يرى بقلبه نيفرا وليلى وبوحسن ويرى و يرى "
*" إنّ زيارة كهذه لابد أن تكون واجبة ، وتبقى دون هؤلاء نيفرا فإنّه يرى ملامحها بالعابرين ويفرح لرؤيتها و كأنّه يراها لأوّل مرّة "
*" كان يحمل في محفظته صورة ، أخرجها الآن بعد أن هجرها عدّة أيّام وانشغل عنها ، حاول الابتسام لها فلم يستطع ، فوعدها أنّه سيحاول في الأيام القادمة أخذ يقلب أوراق دفتره الصغير الممتلئ ويقرا ما كتبه في الأيّام التي مرّت عليه في إسطنبول منذ أن ركب الطائرة قبل أيّام " ص7
* " وما إن تجاوز مرزوق مكاتب المطار وبدأت مواجهته مع النّاس ابتداء من سائق سيارة الأجرة حتى بدأ يدرك شعور المليونير ، ولكن هذه الكلمة بلا قيمة في القاموس التركي ، فأنت تتحدث بالملايين من الليرات التي لا تكون أفعالها بهمة أقوالها ، لذلك يسمي الاتراك الغني باشا ، حتى المرة الأولى التي شعر فيها أنه مليونير لم يجد فيها متعة ، غير المتعة اللفظية ، وليست المتعة التي تمنى أن يلتقي بها من باب الفضول ، إنّه فضول كبير يصعب تحقيقه ، فمن امتلك زادت موارده بسرعة كبيرة ، لهذا يسمى المصريون المليون الأرنب " ( ص9 ).
يراوح كريم معتوق بين لغة المرجع والواقع ولغة الوجدان والبوح والمشاعر والانفعالات فهو يرسم الواقع بلغة شعرية محققة الوظيفة الانفعالية والتعبيرية، مفردات ذات إشعاع شعري ذات تأثير في القارئ تربط بين ذات الشاعر وذات المتقبل وتحكي حكاية حب الشاعر التي هي حكاية حب كل إنسان.
شعرية الصورة
إن لغة السّرد القصصي أو الروائي لغة ذات وظيفة إخبارية تنزع إلى تحديد الأشياء، وتسمية الموجودات بأسمائها، باعتبار أن غايتها قصّ الأحداث والإخبار عنها والتبليغ، لذلك تتّسم لغة السّرد الروائي بالوضوح والتصريح والتقرير، في حين أن لغة الشعر تبعد عن التسمية والتحديد وتتعالى عن الإخبار بطبيعتها الإشارية والإيحائية إذ ليس لها من وظيفة سوى الإحالة على ذاتها. وهذا لا يتم ما لم يتجه الشاعر إلى جملة من الصور البلاغية والأساليب المجازية ليجعل لغته لغة الجمال والتأثير.
ورواية كريم معتوق لا تخلوا من بعض الصور البلاغية والصياغات المجازية إلا أنها تأتي عفوية دون قصد أو تكلف:
* "كانت الطائرة تمضغ خمس ساعات حتى تخرج إطاراتها من مخابئها وتحتضن الأرض" (ص 8)
* "هذه خميرة من الأحاديث والمفاهيم عجنت عقلية مرزوق "(ص 30)
* "كيف كانت مدينة هايدل تفتح عينيها صباحا على نسمات النهر".
* واسعة مرايا القلب / فاختلطي بماء الروح / تتنبّه الكروم على الشفاه"
* "أرضعتني عطش السنين فكنت آخر من يرد رضابها عنّي"
ارتباط الشعر بنسيج السرد
توسّل كريم معتوق بعديد القصائد لإشاعة المناخ الشعري في الرواية واستدعى القصيدة على لسانه أو على لسان حبيبته أو على لسان أصدقائه للقول الشعري. والشخصية الرئيسة في الرواية الشّاعر مرزوق لا يفارقه دفتره الصغير الأحمر لكتابة الشعر ، يستحضره في كلّ المواقف بشكل مكثّف ويجد فيه تعبيراً عن ذاته وعن الواقع الذي يعيشه ووصف العالم البشري والطبيعي من حوله فهو شاعرٌ ويستحضر ثقافة أدبية شعرية فالمقاطع الشعرية في الرواية تنهض ببناء نسيج الحكاية وتمثّل خيطاً منصهرا في نسيجها، واستدعاء كريم معتوق للشعر يدعم شعرية الرواية ويرفع درجة الغنائية فيها إلى حدّ الإحساس بأنّا في حضرة الشعر لا في حضرة الرواية.
حضور الشعر في الرواية
القصيدة
موضوعها
وظيفتها
تأتين ببالي
وإذا مرت بي الغابات
ناديت تعالي
وتمسّكت بأعصابي
تمسّكت بأطراف سؤالي
وتغنيت لكي تأتي :( ص 6، 7 )
القصيدة = 26 سطر
التذكر والحنين والبكاء على الحبيبة
موضوع الحب والغزل
إضفاء الشعرية في الرواية وكسر رتابة السرد
2 : إن قلت إني نسيتك فاضحكي
أو قلت إني ماعشقتك فاضحكي (ص 10)
الغزل والتغني بحب المرأة
3: ومررت حول البيت لا حباً
بألوان الجدار
بل ربما كي تسألي
من الذي جاء بك الآن ؟ (ص 11 )
القصيدة = 9 أسطر
4 : للشمس صوت في النهار * * فلتسألي عنه المساء
وصل تأبــطه اعتذار * * ماعاد يغريه اللقاء (ص12)
قصيدة عمودية من بيتين
علاقة الإنسان بالطبيعة
5 : لم تزل قربي وإن كانت بعيداً راحلةٌ
لم تزل فرشاتها والعطر
مازال ورود المغسلة وشظايا صور مستبسلة
كلما حدقت تدعونا إلى أن أكتب شيئا(ص28،29،30)
القصيدة = 24 سطراً
التذكر والوفاء والحنين إلى الماضي
6 : الساعة في يده اليمنى
تخفي أحزانا أصغرها
أكبر من أكبر مأساة
كبلاد ضيع آخرها (ص 49)
القصيدة = 8 أسطر
حزن الإنسان على فشلة في الحب
توكيد على حضورالأنا الغنائيّ
7 : تمشي على وجهي خطوط الأمس
تقرأ في عيون العابرين وأنتقي
صور العذاب (ص 52 )
القصيدة = 18 سطر
التعبير عن الحزن وعمق الأسى بفقدان الحبيب والشكوى
كسر رتابة السرد وتكثيف الشعرية
8: تتباهى هذه الليلة
في نصف قمر
وببحرين من الليل
وبحر من شجر
وبنورين
بياض الخد في الوجه
ومن نصف قمر (ص62 ، 63 )
القصيدة = 27 سطر
تغزل الشاعر بنيفرا وبجمالها الطاغي
9ً : مدت ذراعيها
فأطبقت الشفاه على الشفاه (ص 64 )
القصيدة = 5 أسطر
غزل إباحي وحب حسي
تقوية المناخ الشعري
10: سأراك غداً
وتقول غداً
ويمد القلب إليك يداً (ص 65)
القصيدة = 15 سطر
اللقاء بين الحبيب والحبيبة والتلهف لرؤيتها
هذه القصيدة على لسان نيفرا لتوسيع دائرة الشعر وأفقها
11 : ها هو المقهى
صباح الخير
فنجان من القهوة
أحلى ما يكون (ص 67)
القصيدة = 3 أسطر
وصف المكان وحميميته
12 : وهدى تقول إنني من العصر القديم
فلن أكون
يوما وحيد جمالها
وتظن بي كل الظنون (ص 89)
القصيدة = 6 أسطر
العلاقة الوجدانية بين الرجل والمرأة
على لسان سلامة الجفالي
توسيع دائرة الشعرية
13 : الأرض ضيقة
وواسعة مرايا القلب
فاختلطي بماء الروحي
تتنبه الكروم على الشفاه (ص 99)
القصيدة = 33 سطر
غزل إباحي واعترافات
تكثيف شعري وغنائية الأنا والخروج من إقاع السرد
14: في هذه الغابات حيث النهر طوقها سوار
حيث الاأهار كالأفعى تحاصرها الجبال
ولتفر من وجه الشمال
وتذوب في صدر الجنوب (ص109)
القصيدة = 7 أسطر
وصف الطبيعة
كسر إيقاع السرد
15 : فادخل الحانة تلق
مدن الصيف التي تألفها منذ الصغر
واخلع المعطف يكفيك الذي تحمل في صدرك
من هم ثقيل كالحجر
حينما تذكر أحوال العرب
هاهو النادل حياك في صبح عربي واحتجب (110،111ص)
القصيدة = عشر أسطر
صورة العربي المغترب
16 : تركت لي جسدا من ورق حيناً
وغابت بالجسد
ذاك من يتقد الحرف على صرته
إن جاء ..
ناداه مدد (ص 138)
القصيدة = 15 سطر
غزل إباحي شبيه بغزل أبي نواس
17 : أسلمت أوروبا لأوروبا
وقاومت ارتداد الحزن في شفتي
أطلقت السؤال
لأخلص التاريخ مما ألصقوا في ثوبه (ص 153،
154، 155)
القصيدة = 45 سطراً
تقوية الأنا الغنائية وواقع الإنسان العربي والصراعات بين الأديان والارتداد الفكري
قصيدة ذات بعد سياسي
18: كنت لي بعدا وكنت الملتقى ** وشباب رق حين ائتلقا
وبــراءات أراهـــا سبحــت ** حين أهديت إليها الغرقا (ص 159)
القصيدة = بيتان عموديان
الغزل في الحبيبة
19 : هارب منها ومن غاباتها * * ومن الحسن الذي فاض عليا
هارب من أمسها من غدها * * ومن الذكر وما تصنع فيــا
(ص 164 ، 165)
القصيدة = 9 أبيات
حنين وذكرة وتعلق بالحبيبة
20 : سأراك في صنعا
لنعيد جدولة السواعد
لا تعر وجها توضأ بالمحن (ص 168)
القصيدة = 13 سطر
أمل في رؤية الحبيبة
21 : سقط الفن هنيئا لكم بسقوط الفن أو بالانحدار (ص 193)
القصيدة = 3 أبيات
تصوير رداءة الفن التشكيلي
22 : شاعرٌ مر من هنا
مر لا بد أن يعود
صوته دفقة السنا والرياحين والورود (ص203)
القصيدة = 9 أسطر
صورة الشاعر الراحل
إن موضوع الحب من مواضيع الشعر الأثيرة عبر العصور واستقر هذا الموضوع مع الغزل مع شعراء التجديد في القرن الثاني هجري ورغم التحولات في العصر الحديث وخاصة التي طرأت على القصيدة العربية والاتجاه نحو مواضيع جديدة فقد ظل موضوع الحب من المضامين المفضلة و رواية "حدث في إسطنبول" للشاعر كريم معتوق تقوم حكايتها على علاقة حب تجمع بين مرزوق ونيفرا وحكايات حب أخرى تجمع بين عدّة شخصيات. وقد صرح كريم معتوق من البداية بمضمون الرواية بقوله وهو في الطائرة " إلى أن التقى بسلوى و أحبّ مثلهم الحب العذري وعرف شعورهم وتمنى أن يعود إلى الجامعة ليضيف معلومات جديدة عن الحب العذري ... "( ص 10 )
وفي وصفه للحب مع الشاب العربي شمس :" الحب هو الشيء الوحيد الذي يهم كل الناس وهي الكتابة الوحيدة التي تهذّب الكاتب وترقّق كلماته وتجعله أكثر قدره على العطاء _ ويعرّفه بقوله _ "الحب هو احتوائية الإنسان لإنسان آخر بأجمل وأرق وأعذب احتوائية وهو أعزّ إذلال بل هو الإذلال الوحيد المحبّب وأفسح قيد يقيّد به المحبّ محبوبته. إنّه امتزاج كالكهرباء سالبٌ بموجب وهو مزيج من علاقة عاطفية وجنسية وإذا اكتفى بالعاطفية فقد أصبح حبا مريضا، ونزل إلى مرتبة الصداقة والزمالة "(ص 71 )
حكاية الحب القصيرة بين مرزوق ونيفرا والتي تكاد تخلو من الأحداث تمتد عبر الرواية وتنفتح عليها وعليها أيضا تنغلق وكأنّها المحور والجوهر ولمّا كان موضوع الحبّ أكثر المواضيع ارتباطا بالذّات فهو موضوع شعريّ بامتياز .
والشعرية لا تكمن في موضوع الحبّ في حدّ ذاته فحسب بل إنّ الشعرية تكمن في طبيعة حكاية الحب
حضور الأنا الغنائي في الرواية
إنّ الحضور المكثّف للشعر قوّى وجود الأنا الغنائي بصورة واضحة ، فالسارد في الرواية قائم بذاته في النص، مضطلع بوظائفه السردية ولكنّه يتحول من حين إلى حين وخاصة في المقاطع الشعرية إلى صوت آخر، فهو يظهر ليقطع خيط الحكي ويبوح بعواطفه وانفعالاته ويتغنّى بالحبيبة أو بجمال الطبيعة أو المكان وأحيانا يكشف عن رأيه ونقده لبعض المسائل والقضايا العربية أو الإنسانية ، إنّ هذا الصوت ليس صوت السارد الموضوعي بل هو صوت الأنا الغنائي الذي يكسب الرواية دفقاً شعريا ، بتواري الأنا السارد بحلول الأنا الغنائيّ وهذا يقويّ الشّعري في نسيج النصّ، فكما نلاحظ فالأنا الغنائي يعبّر عن الذات والوجدان في نفسه أو في نفس حبيبته أو في نفس أصدقائه ويصعّد الانفعالية في النصّ للتغنّي بعاطفة الحبّ.
كما أسهم حضور الأنا الغنائيّ في إبطاء حركة السّرد والحدّ من تقدّم الحكاية كما يعود هذا إلى قلة الأحداث في هذه الرواية وقد أسهمت هذه الوقفات الغنائية في إغناء الرواية عن شح الأحداث وحققت جماليتها وانسيابيتها .
شعرية الشخوص:
يمثل مرزوق الشخصية الرئيسة في الرواية وينهض بوظيفة السارد الموضوعي للأحداث وبوظيفة الأنا الغنائية وهو شاعرٌ قرر الرحيل لهدف الراحة والاستجمام في اسطنبول بعد فترة قصيرة من طلاقه
الذي جاء بعد خمس سنوات من الزواج.وهو المساهم في تحريك الأحداث وتسيير عملية القص التي استهلها وهو في طائرة العودة من إسطنبول استناداً على أسلوب الاسترجاع والتذكر، فيبدو متشائماً في أسبوعه الأول في إسطنبول من أبو حسن "قارط" الذي لازمه كظله وحدّ من حريته إلى حد التضجر "حصار قارط له كبير ومعاملته تضايقه" ، مرزوق جاء هارباً من همومه إلى ملاذ يصلح نفسيته التي شوهتها الأحزان فيتعرف على الفتاة الرائعة نيفرا فتأسست بينهما علاقة حب، عبر الكاتب عن سرعتها على لسان مرزوق " إنه مرزوقاً أسرع رجل في العالم يقع في الحب وقد عبر الكاتب عن هذا النوع من الحب الصاعقة بقوله "أحس مرزوق بان العلاقة مع نيفرا والتي لم تمض عليها 24 ساعة أخذت بعداً آخرا، حب من نوع خاص بل هو الحب الذي يؤمن به مرزوق ويأتي على غفلة وبسرعة، لا الحب الذي يتربى ويكبر مع الأيام كالعشرة (ص 112)" كأن نفسه مهيأة لهذا الشعور لعله فراغ الحياة" (ص 62).
وإذا كان مرزوق سرعان مايقع في عاطفة الحب فهو سرعان ما يقع تحت الإحساس بالذنب : " لقد كان كل مايقدم على معصية ، أحس أن الله يراه" وهذا الشعور يلازمه منذ الصغر.
مرزوق يبدو في الرواية رجلاً مدمناً السفر فهو يتذكر لبنان وألمانيا ...
مرزوق في بحث دائم عن الهروب يهرب من ذكرياته له نظرة دقيقة للمرآة يرى أنها كل ذاته فهو شبيه البطل الإشكالي ورمز المثقف الواعي بواقعه وبقضايا حاضره ومستقبله وذو قدرة على نقد الأشياء وهو الشاعر العربي الواعي بقضايا الإنسان العربي والعروبة وبطبيعة المجتمعات التي انعكست من خلال ثقافته. وهو ذو شخصية ملولة لا يحب الاستقرار على شيء ، محب التغير وله عين نافذة لنقد الأشياء، يميل إلى الكذب أحيانا لتقوية علاقته بالمرأة.
أوقعته الظروف في إسطنبول أن يتعرف على ليلى فيخون نييفرا التي أحبها في نفس اليوم فيعتذر محدثاً نفسه " اسمحي لي يا نييفرا أن أمارس معك أول خيانة وأسرع خيانة في العالم لحب كبير كالذي بيننا" (ص 124)
بو حسن قارط
تحتل هذه الشخصية الحضور الواسع في الرواية فهو رجل عربي في الستين من قرية اسكندرون بأنطاكيا تعرف عليه مرزوق في إسطنبول فقام بدور الدليل السياحي له، كان يصاحب الحجاج الأتراك لكنه غرر بالحجاج فأطرده صاحب الحملة ثم سجن ثلاث سنوات بتهمة تهريب البضائع، التصق بمرزوق إلى حد الإزعاج إذ يثقله بنصائحه ورعايته الزائدة يحمل نظرة دونية للشباب العرب له تاريخ حافل بالصدمات والأحزان، مستمع غير جيد كثير الكلام شبهه مرزوق بالليل الذي يريد أن يتخلص منه جسده الكاتب في صورة رجل محدودب الظهر ممسك بيديه سبحة صغيرة وسيجارة صغير، كثير التجسس على مرزوق وهو في عين الشاب سلامة الجفالي من مخلفات الحرب العالمية الأولى ، وانتهت صلاحيته من زمان، لا يتعاطف مع الآخرين لكثرة مآسيه .
نيفرا
هي ابنة أخت بو حسن قارط ، فتاة رائعة الجمال عيونها خضر تشبه الغابة فارعة الطول توطدت العلاقة بينها وبين مرزوق تبدو فتاة تركية لكنها تحن إلى جذورها العربية، فهي رمز الفئة الإجتماعية التي فقدت جذورها العربية بتغربها وهي التي تبحث عن هويتها وأصولها فهي تقول لمرزوق
لماذا لم تأت أيام الطفولة .. إنني كنت أبحث عنك ... "وقالت : بل كنت تشبثت هناك (أنطاكيا) وأعلنت إنني عربية حتى وإن تبرأ أهلي مني.. لم أجد نفسي من ذلك الزمن" أضعت أشياء كثيرة وضعت أنا من بينها ولم أجد نفسي من ذلك الزمن
تبدو نيفرا رمز المغترب الذي يحس بالضياع صورها الكاتب في الرواية ذات وعي وموقف من جدلية الإنسان مع الزمن.. " تقول : يأسف الإنسان على كل لحظة مرت في حياته دون تحقيق ذاته "
وصفها الكاتب على لسان مرزوق " نيفرا اسم على مسمى فهي نافرة النهد والشعر وأشياء أخرى وأن لجسدها لغة خاصة وثقافة خاصة. ومن ملامحها الجرأة والتحرر وخاصة في بناء علاقتها بمرزوق ومبادرتها السريعة للإنصياع، وصف الكاتب على لسانها : "كنت أن اتمنى أن أحضنك وأقبلك، كم كانت ملامحك رائعة وأنت تتكلم، وكم كانت ابتسامتك مثيرة" (ص 111)
ونيفرا دفعت بها جرأتها أن تدعو مرزوق إلى الحمامات المعدنية للإلتقاء به، ووصف الكاتب تحررها المفرط حين "التف ذراعها على رقبة مرزوق وهي شبه عارية" (ص117)
"واستدارت لتلتوي عليه وهي تهدي أحبك، أموت فيك" (ص 118)
الشخصيات الثانوية :- الجدة- الشبان العرب- السيد رحمي - زوجته
- مصطفى ابن السيد رحمي - زوجة مصطفى- عثمان البودر-الدكتور محمود الخرداوي- يوسف- سلوى- هدى
سلامة الجفالي
شاب فلسطيني أنهى دراسته الثانوية في غزة ثم هرب منها لسوء المعاملة في عهد جمال عبدا لناصر الذي كان يعطي امتيازات لطلبة غزة في تلك الفترة بعد حصوله على منحة دراسية تابع دراسة الطيران في باكستان وانتمى فيها بالجماعات الإسلامية وتعرف على جماعة الدعوة وطوائف أخرى، اضطر إلى تعاطي الحشيش وطبعت شخصيته بتناقضات مدينة لاهور، تضامن مع حزب العمال الكردستاني وخلال تدربه على الطيران أصيب بحادث كسرت فيه رجله، منتمن إلى عديد من الجمعيات العربية والدولية بالتعاطف مع المؤسسات الإنسانية ، خسر خطيبته بعد كسر رجله، ومنذ ذلك الوقت وهو فاقد للأمل يحس أن الدنيا خالية مما يستحق أن يعيش من أجله. وهو في عين مرزوق مراهق سياسي متأخر مختلف عنه في التفكير وفي مفهوم الإنسانية .
الدكتور محمود الخرداوي
من لواء الإسكندرون بأنطاكيا طبيب عمل في ألمانيا وأخذ الجنسية الألمانية تاجر بالأجهزة الطبية وتلاعب بأرواق التصدير فاكتشف أمره ، واتهم بالتهرب من الضرائب والتحايل والتزوير فأوقف عن ممارسة مهنته، ثم فتح مكتب للسياحة وعمل في تزويج الشباب العرب من ألمانيات كي يحصلوا على الإقامة والجنسية الألمانية مقابل مبلغ من المال. يصف الكاتب هذا الدكتور أنه زوج زوجته لأكثر من شاب عربي ولما أراد الفرار من القانون أصيب بحادث ماتت فيه زوجته وابنه وفقد هو الذاكرة التي عادت له بعد ثلاثة أشهر استرجع اللغة التركية والألمانية أما اللغة العربية قد ضل لايتذكرها. دافعت عنه نقابة الأطباء وأسقطت عنه كل التهم وخصصت له راتب شهري. رمز به الكاتب بالإنسان العربي المنبتّ الفاقد للذاكرة العربية.
خلاصة :
وإن استندت رواية حدث في أسطنبول لكريم معتوق على إمكانات اللغة فقد بوأت المضمون الشعري والموضوع الوجداني في الرتبة المركزية فكانت الرواية شبيهة بقصيدة مكتوبة على إيقاع عيني رئيسيين، إيقاع السرد وإيقاع الشعر، اللذان تتفرع عنهما إيقاعات الحب والسياسية ...
مما يؤكد القول بالمصالحة بين الشعر والسرد في علاقة تفاعل وانسجام
تعليق