أمام المرآة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالكريم وحمان
    أديب وكاتب
    • 18-05-2010
    • 127

    أمام المرآة

    انتهت محاضرتي لذلك الصباح و التي خصصتها لدراسة و تحليل قصيدة للشاعر الفرنسي شارل بودلير و توجهت إلى مكتبي أرتب أوراقي استعدادا لمحاضرتي الثانية حين تقدم مني أحد طلابي. نظرت في اتجاهه و أنا أقول لنفسي ربما استعصى عليه فهم جزء معين من المحاضرة و أراد أن يستزيد من الشرح. كان الشاب – و اسمه إسماعيل ايحمان - يبلغ حوالي الثالثة و العشرين من العمر – و هو متوسط عمر طلابي الجامعيين – نحيل و يرتدي نظارات سميكة .
    تقدم إلى مكتبي على استحياء و هو يحمل كتبه تحت إبطه الأيسر و يحمل في يده اليمنى دفترين من الحجم الكبير.
    قال لي بصوت منخفض بالكاد سمعته : أستاذ توفيق ، لقد كتبت محاولة أدبية و أتمنى لو تقرأها و تقول لي رأيك و انتقاداتك و ملاحظاتك.
    وقدم لي الدفترين. أخذتهما منه و قلت له و ابتسامة مرسومة على شفتي : سأعطيك رأيي في أقرب أجل.
    شكرني إسماعيل و خرج كبقية زملائه.
    خلال العشر سنوات الأخيرة ، قدم لي مجموعة من طلابي العشرات من محاولات أدبية أو شعرية لإبداء رأيي فيها. كنت أفرح لذلك و أقول في نفسي ربما يكون لي شرف تدريس أحد كتاب أو شعراء المغرب الذين سيروون أرض الإبداع المغربية بإبداعاتهم في المستقبل. و لكن كان دائما رجائي يخيب : كتابات أغلبها تقليد لهذا الكاتب أو ذاك الشاعر و تفتقر للخيال و الابتكار و الجودة. و كنت دائما اضطر لأجيب طلابي الحالمين بالمجد الأدبي أن يحاولوا مرة أخرى لعلهم يوفقون في المحاولة الثانية.
    لذلك ، فبمجرد عودتي لبيتي ، وضعت ً المحاولة الأدبية ً للطالب إسماعيل على مكتبي و نسيت أمرها بالمرة.
    بعد أسبوع ، تخلف مرة أخرى إسماعيل عن مغادرة المدرج كباقي زملائه الطلاب و أقبل باتجاه مكتبي ليسألني عن رأيي في محاولته الأدبية.
    نظرت إليه في أول الأمر و أنا أحاول تذكر عن أي شيء يتحدث.
    فساعدني على التذكر حين سأل: لقد أعطيتك روايتي الأولى و التي كتبتها في دفترين قدمتهما لك الأسبوع الماضي و وعدتني انك....
    قاطعته بقولي : آآآه.... الرواية.... اعذرني لأنني كنت مشغولا جدا طيلة الأسبوع بمراجعة أطروحات بعض الطلاب. ولكن ، سأقرأ محاولتك و أعطيك رأيي قريبا.أعتذر منك يا إسماعيل.
    و غادر الطالب المدرج محبطا.
    عند عودتي للبيت ، أخبرت زوجتي سلمى ما جرى مع الطالب. أخذت الدفترين و قالت أنها ستريحني من تلك المهمة.
    شكرتها و خرجت من البيت للقاء الأصدقاء في المقهى المعتاد.
    لذا عودتي للبيت ، وجدت زوجتي لا تزال منهمكة في قراءة رواية إسماعيل. سألتها : ألم تنتهي بعد من تلك المحاولة الأدبية؟
    لم ترفع رأسها عن الدفتر و لم تنظر ناحيتي ، بل اكتفت بأن قالت : العشاء في البراد.
    تناولت العشاء لوحدي و أشعلت التلفاز لمتابعة احد البرامج الأدبية المبرمج في إحدى القنوات الفرنسية حين دخلت زوجتي للغرفة و هي تحمل المحاولة الأدبية في يدها اليمنى. سألتها عن رأيها فيما قرأت.
    أجابتني بشكل مقتضب : تحفة و يجب عليك قراءتها.
    كنت أثق كثيرا في رأي زوجتي سلمى. فهي قارئة نهمة للروايات و الدواوين الشعرية و غالبا ما كانت تلفت نظري إلى أشياء أغفل عن ملاحظتها أثناء قراءتي لرواية ما أو قصيدة.
    أخذت منها الرواية و قصدت مكتبي لقراءة الرواية.
    لم اشعر بمرور الدقائق و الساعات. حين أتممت القراءة ، كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحا. و كانت جملة واحدة تتردد في ذهني : تحفة فنية تضاهي الأعمال الأدبية المطبوعة و المشهورة.
    في صباح اليوم الموالي ، فوجئت بجو حزن و كآبة يخيم على المدرج . حين استفسرت أحد الطلاب ما السبب ، أجابني بان الطالب إسماعيل ايحمان قد فارق الحياة على اثر حادثة سير مفجعة.
    بعد انتهاء دوامي ، عدت إلى بيتي و أبلغت زوجتي الخبر الفاجعة و سألتها ماذا أفعل في الرواية الرائعة للمرحوم. أجابتني دون تردد : سوف تذهب لتعزي والديه و تخبرهما أن ينشرا هذه الرواية الرائعة لتخليد ذكرى ابنهما.
    اقتنعت بفكرة سلمى فأخذت الرواية و اتجهت إلى سيارتي. و لكن، بدل الذهاب إلى بيت المرحوم إسماعيل، اتجهت إلى إحدى دور النشر.
    خرجت الرواية للوجود و كان اسمي هو المكتوب عليها و ليس اسم كاتبها الحقيقي.
    حينما أريت زوجتي سلمى أول نسخة ، غضبت و قالت أن ما فعلته يعتبر سرقة أدبية. لم أجبها و اكتفيت بالنظر بفخر إلى اسمي المكتوب على الصفحة الأولى للرواية .
    غضبت زوجتي سلمى و تركت البيت و هي تهددني أنها سوف تعقد مؤتمرا صحفيا تعري فيه كل الحقائق و تعيد لكل ذي حق حقه.
    و لكنها لم تفعل شيئا. جذبتها الأضواء التي سلطت علي كما يجذب نور المصباح الفراش و عادت لتلتقط لها الصور التذكارية و هي إلى جانبي، أنا الذي أصبحت المبدع و الأديب الكبير توفيق العنبري.
    بيع من الرواية ما يقرب من خمسة ملايين نسخة و ترجمت إلى العربية و الإنجليزية و الاسبانية و الألمانية و الروسية. و قمت بإلقاء محاضرات في دول أوربا و المشرق العربي و حتى في أستراليا. و قد تمكنت خلال أسفاري و محاضراتي من التقاء بكتاب لطالما أعجبت بكتاباتهم أمثال غابرييل غارسيا ماركيز و باولو كويلهو و عدد من الكتاب العرب .
    أجبت على كل تساؤلات النقاد و الصحافة العرب و العجم. و لكن كان هناك سؤال واحد و وحيد يتكرر لم أجد له جواب: متى ستصدر روايتك الثانية و هل ستنجح مثل روايتك الأولى؟
    و كنت دائما اسأل نفسي : هل حقا ستكون هناك رواية ثانية لي؟


  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    #2
    قصّة جميلة ، شيّقة ، وهادفة ، وذات مغزى..
    ظلمٌ مقيت ،عاشه إنسانٌ بقي في الظلّ حتى غيّبه الرحيل..
    كثيرة هي المواقف، التي يسرق فيها الإنسان، شريان الإنسان ، وعصارة
    فكره..وتدور الأضواء حول من لايستحقّها...بزيفٍ متقنٍ
    فكرة جميلة..وأسلوب سلس..
    وحزنت جداً...جداً على توووفيق...
    دُمتَ بسعادةٍ...تحيّاتي...

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

    تعليق

    • عبدالكريم وحمان
      أديب وكاتب
      • 18-05-2010
      • 127

      #3
      الأديبة ايمان الدرع
      سعيد أن القصة أعجبتك
      و شكرا لكلماتك
      لك كل الود و التقدير


      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميل القدير
        عبد الكريم وحمان
        نص جميل ولو أسهبت في بعض الأماكن
        كنت ستخرج بنص أجمل لو أنك تلافيت بعض التفاصيل الصغيرة جدا
        لكن النص فيه شجن أحببته
        و متى ستكتب روايتك الثانية وهل تستطيع ذلك؟؟
        سؤال سألت نفسي عنه
        وكيف يستطيع أستاذ أن يتحول بلحظة لسارق!!
        عبثية الحياة
        جميل زميلي ما قرأت لك
        وأبدا لا تنزعج من ملاحظاتي لأنها لصالحك صدقني
        ودي الأكيد
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          و كيف سيكتب الثانية و هو يقف أمام المرآة فلا يرى نفسه ؟و لكن أكيد مهما سلطت عليه الأضواء , سيبقى تعيسا ,لاأنه يرى صورته في كل العيون إلا في داخله.
          استمتعت بالقراءة لك.
          تحيّتي و احترامي.
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          • عبدالكريم وحمان
            أديب وكاتب
            • 18-05-2010
            • 127

            #6
            الأخت الفاضلة عائدة
            أولا لم و لن أنزعج من ملاحظاتك ما دامت في محلها و لصالح العمل
            بل هدا دليل على قراءة متأنية من جهتك الشيء الدي أسعدني
            و أتمنى أن لا تبخلي علي بملاحظاتك القيمة
            تقبلي تحياتي و ودي


            تعليق

            • عبدالكريم وحمان
              أديب وكاتب
              • 18-05-2010
              • 127

              #7
              الفاضلة آسيا
              لنشر قصة ثانية باسمه وجب عليه البحث عن عمل ادبي ثاني ليسرقه
              ادا أتيحت له الفرصة وينسبه لنفس لأن مثله لا أعتقد يتوقف أو يخجل
              أو لديه ضمير
              سعدت بتعليقك و لك كل الود


              تعليق

              • كربوب خديجة
                عضو الملتقى
                • 05-11-2009
                • 15

                #8
                نص قصصى يترجم لنا معاناة الكاتب المبتدىء الدى يبحت عن صوت ليستمر فى الكتابة والمشكلة ان هدا الصوت دمر توفيق مرتين المرة الاولى فى اللامبالاةوتعطيل فعل الرد والتانية فى سرقته لهدا العمل .وقد تكون المراة توبيخ للضمير وكتابة ل رواية تانية تتضمن سرالسرقة واعادة العمل الى صاحبه الاصلى وقد تكون دلالة على العجزوالفشل ,المهم انه نص ملىء بالمشاعر الانسانية ,اتلج الله صدرك يا عبد الكريم,

                تعليق

                • عبدالكريم وحمان
                  أديب وكاتب
                  • 18-05-2010
                  • 127

                  #9
                  أستاذة خديجة
                  بالنسبة لمرآة ، كل يمكن قراءتها كما يشاء
                  و لقد أعطيت قراءات متعددة
                  سعيد أن نصي نال استحسانك
                  لك كل الود


                  تعليق

                  يعمل...
                  X