هل الحقيقة معطى أم بناء؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عزيز نجمي
    أديب وكاتب
    • 22-02-2010
    • 383

    هل الحقيقة معطى أم بناء؟

    فاتحة الكلام

    يعتقد البعض أنه يعرف جيدا الحقيقة، ويتشبت بها،فهل الحقيقة معطى جاهز لا يسعنا إلا أن نطأطئ الرأس أمامه ونأخذ به أم أنها بناء منهجي صارم ضد المعرفة العامية والرأي والمعتقد الخطأ؟
    مثل هذا السؤال يفتح أمامنا آفاقا جديدة،خصوصا حينما نتيه أثناء البحث عن الحقيقة،محاولين إيجاد حلول تهدف الإرتقاء بواقعنا نحو الأفضل.
    الحقيقة قد تكون أمامنا أو خلفنا،في الماضي أو في الحاضر،لها ألف وجه،فهي قد تتمظهر على شكل حقيقة علمية،أوحقيقة فنية،أوحقيقة دينية،أو حقيقة سياسية...أكثر من ذلك قد تكون إما مطلقة أو نسبية،دقيقة أو تقريبية،يقينية أو ترجيحية أو احتمالية او إحصائية،مادية أوصورية...
    في طريقنا هذا ربما سنحمل القنديل،مقلدين في ذلك ما يحكى عن ديوجين الكلبي*الذي خرج ذات يوم يحمل مصباحا،في واضحة النهار،قاصدا السوق حيث عامة الناس منشغلين بحياتهم اليومية العادية،وهو يردد{أنا أبحث عن الحقيقة}.
    فهل يمكن أن نتيه عن الحقيقة إلى هذا الحد؟
    الجميع يدعي امتلاك الحقيقة،السلفيون،العلمانيون،الصوفيون،الإسلاميون... ...
    كيف يمكن أن نطمئن إلى وجود الحقيقة وبأننا لسنا فعلا ضحايا لخداع ممنهج وللبرمجة المتقنة لموظفي شركات الإشهار؟
    -يتبع-
    [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]
  • العربي الثابت
    أديب وكاتب
    • 19-09-2009
    • 815

    #2
    أستاذي الفاضل
    تحية حقيقية..
    سأتابع بحثك هذا إلى أن يتضح الاختلاف الحاصل في تحديد مفهوم الحقيقة ومدى مطابقتها للواقع، وبالتالي الاختلاف في حصر القيمة الأخلاقية والنظرية للحقيقة. وذلك ما سيؤكد نسبية الحقيقة. وقد ذهب كانط إلى القول في وجود حدود ميتافزيقية للحقيقة؛ غير أنني أميل لميشيل فوكو الذي يؤكد أن الحقيقة نتاج اجتماعي. أي أن المجتمع هو الذي ينتج الخطاب الذي يعتبره حقيقة. وبما أن الفلسفة وليدة عصرها، فإن ذلك ما يفسر تعدد الخطابات الفلسفية حول الحقيقة، وغالبا ما تضطر الفلسفة، من أجل تأسيس مفهوم جديد للحقيقة، أن تدخل في صراع مع السلطة المؤسسية للحقيقة.
    ومن هنا يبدو أن الحقيقة بناء لا معطى بناء على معطيات ظرفية تخضع هذه الحقيقة للتطور بحيث يستحيل الحديث عن حقيقة ثابتة فلكل أمة حقيقتها حسب ظروفها التاريخية والحضارية...
    لك الحقيقة كلها...
    العربي الثابت/المغرب
    التعديل الأخير تم بواسطة العربي الثابت; الساعة 21-05-2010, 20:22.
    اذا كان العبور الزاميا ....
    فمن الاجمل ان تعبر باسما....

    تعليق

    • عزيز نجمي
      أديب وكاتب
      • 22-02-2010
      • 383

      #3
      [quote=العربي الثابت;470744]أستاذي الفاضل
      تحية حقيقية..
      سأتابع بحثك هذا إلى أن يتضح الاختلاف الحاصل في تحديد مفهوم الحقيقة ومدى مطابقتها للواقع، وبالتالي الاختلاف في حصر القيمة الأخلاقية والنظرية للحقيقة. وذلك ما سيؤكد نسبية الحقيقة. وقد ذهب كانط إلى القول في وجود حدود ميتافزيقية للحقيقة؛ غير أنني أميل لميشيل فوكو الذي يؤكد أن الحقيقة نتاج اجتماعي. أي أن المجتمع هو الذي ينتج الخطاب الذي يعتبره حقيقة. وبما أن الفلسفة وليدة عصرها، فإن ذلك ما يفسر تعدد الخطابات الفلسفية حول الحقيقة، وغالبا ما تضطر الفلسفة، من أجل تأسيس مفهوم جديد للحقيقة، أن تدخل في صراع مع السلطة المؤسسية للحقيقة.
      ومن هنا يبدو أن الحقيقة بناء لا معطى بناء على معطيات ظرفية تخضع هذه الحقيقة للتطور بحيث يستحيل الحديث عن حقيقة ثابتة فلكل أمة حقيقتها حسب ظروفها التاريخية والحضارية...
      لك الحقيقة كلها...
      العربي الثابت/المغرب
      [/q
      الأخ الفاضل العربي الثابت
      جميل أن نلتقي في مثل هذه الربوع
      نتبادل أطراف الحديث
      لنعيد النظر من جديد
      أحيانا لنفحص الأسس
      أو على الأقل
      لنصقل ما نظن أننا تعلمناه
      صحيح أننا سنتوقف عند أطروحتي كانط وفوكو
      نظرا لأهميتهما..
      كما سنعرض لأطروحات أخرى
      مخالفة تارة ومكملة تارة
      سلامي إلى سارة

      تحياتي وتقديري
      [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

      تعليق

      • عزيز نجمي
        أديب وكاتب
        • 22-02-2010
        • 383

        #4
        دلالات وإشكالات

        إذا ما استقرأنا مختلف أشكال الفكر والكلام البشريين،فإننا نجد بأن الإنسان إنما يفكر ويتكلم من أجل الحقيقة وعلى أساسها،فالحقيقة هي أساس كل تفكير أو خطاب،أكثر من ذلك فالإنسان حينما يمارس التضليل أو الخطأ والوهم فإن المستهدف عنده هو الحقيقة.
        إن التفكير في الحقيقة والسعي وراءها يشترط وجود معيار لقياس الفكر الحق والقول الصادق،وإذا كان هناك اختلاف في تحديد هذا المعيارأو النموذج بين الناس فإن هذا أدى إلى اختلاف في تحديد لفظ الحقيقة.إن ما يفهم من هذا اللفظ،يختلف ويتلون قليلا أو كثيرا تبعا لاختلاف وتنوع الحقول المعرفية ومستوياتها:فالحقيقة في الخطاب الديني ليست هي نفسها في الخطاب العلمي ولا في الخطاب السياسي ولاهي نفسها في المتداول اليومي..
        تشير الحقيقة في دلالتها المتداولة إلى الواقع والصدق،فما هو حقيقي هو الشيء الواقعي،الموجود وجودا فعليا في العالم الخارجي والقابل للإدراك الحسي،والصادق أو الحق هو ما كان مطابقا للواقع،فالحصان اسم حيوان واقعي ملموس،وأرض فلسطين ما زالت محتلة،وسقطت بغداد يوم 9أبريل
        كلها أقوال صادقة لأنها مطابقة للواقع.أما إذا قلنا الحصان المجنح فهذا غير حقيقي لأنه غير موجود في الواقع،مثل قولنا أن الحصان المجنح هو مؤلف الكتاب الأخضر ،فهو قول كاذب\غير صادق\
        ينتج عن ذلك أن الواقع هو مرجع الحقيقة وأساسها،فما طابقه صادق وما خالفه كاذب ولا حقيقي.
        غير أن ما هو لا حقيقي يمكن أن يوجد ويتجلى داخل الواقع،فالحصان المجنح يظهر في لوحات فنية تباع وتشترى نظرا لقيمتها الجمالية.ويمكن أن نتحدث عن الذهب الحقيقي في مقابل الذهب الزائف،فهذا الأخير ليس في الواقع بالكيفية التي يبدو عليها،فليس له من الذهب إلا المظهر،لهذا فهو لا واقعي{يعتبر اللاواقعي نقيضا للواقعي،لكن الذهب الزائف هو أيضا موجود واقعيا.وبناء على ذلك نقول بكيفية أوضح:الذهب الواقعي هو الذهب الأصيل.لكنهما معا واقعيان،ليس الذهب الأصيل أقل واقعية من الذهب الرائج عير الأصيل}1
        هكذا يظهر بأنه يصعب إثبات حقيقة الذهب الأصيل بناء على واقعيته فقط.وبأن الدلالة المتداولة للحقيقة يكتنفها الغموض،فهي من جهة تدل على ما هو واقعي،ومن جهة أخرى تدل على ما هو غير واقعي ولكنه قابل للوجود ضمن الواقع،وإذن ليس كل ما هو واقعي حقيقيا.
        إذا ما انتقلنا إلى تحديد الدلالة اللغوية للحقيقة،يمكن أن نقول مع الجرجاني:{الحقيقة اسم لما أريد به ما وضع له.وهي فعيلة من حق الشيء إذا ثبت،بمعنى فاعلة،أي حقيق،والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الإسمية،كما في العلامة،لا للتأنيث.وفي الإصطلاح –اللغوي-هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح-يتم-به التخاطب –في مقابل المجازو-هي-الشيء الثابت قطعا ويقينا.يقال حق الشيء إذا ثبت.وهي اسم للشيء المستقر في محله وما به الشيء هوهو كالحيوان الناطق للإنسان}2
        من خلال هذا التعريف فالحقيقة اسم منقول من صفة(حقيق) لما هو ثابت ومستقر و يقيني.إن الكلمة الثابتة والمستقرة في معناها الإصطلاحي الأصلي حقيقة،أما المعنى الغير حرفي المحول فهو مجاز أو استعارة(الأسد-الأسد حيوان-هذا الرجل أسد) الجوهر الذي لا يتغير هو حقيقة إنه ماهية ثابتة تشكل أساس الشيء وكنهه،بينما الأشياء المتغيرة الزائلة والمتحولة هي مجرد أعراض.
        هكذا ينضاف إلى المعنى اللغوي للحقيقة (الحقيقة في مقابل المجاز)معنى أونطولوجي(الماهية في مقابل العرض) معنى منطقي يتجلى من خلال تعريف مفهوم الحق أو الصادق{الحق في اصطلاح أهل المعاني هو الحكم المطابق للواقع،يطلق على الأقوال والعقائد والمذاهب ...باعتبارها تشتمل على ذلك،ويقابله الباطل.والصدق قد شاع في الأقوال خاصة ويقابله الكذب.وقد يفرق بينهما،بأن المطابقة تعتبر في الحق من جانب الواقع،وفي الصدق من جانب الحكم.فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع،ومعنى حقيقته مطابقة الواقع إياه}3
        الحقيقة هنا صفة للحكم الذي يطابق الواقع،وتأخذ اسم الصدق حين يكون الحكم متطابقا مع الواقع،واسم الحق حين يكون الواقع هو الذي يطابق الحكم.
        المفهوم الدلالي للصدق نفسه عرف تطورات،فتحديد أرسطو للصدق في{مطابقة الفكر للواقع}جعله ينظر إلى الصدق باعتباره خاصية للفكر،مما استوجب ربط الفكر الذي يصدر الحكم بالواقعة المحكوم عليها.لكن تصديق القضايا أو تكذيبها بكيفية مطلقة زاد من صعوبة ضبط التحقق من وجود تطابق بين الفكر والواقع.
        تلك الدلالة الأخيرة للحقيقة عند الجرجاني هي التي سيركز عليها لالاند في معجمه الفلسفي،يقولك{الحقيقة la véritéهي خاصية ما هو حقce qui est vrai وهي القضية الصادقة.وما تمت البرهنة عليه.وشهادة الشاهد الذي يحكي ما فعله أو ما رآه.والحقيقة بمعنى أهم هي الواقع}و{الحق أو الصادقle vraiهو خاصية الحكم الجازم الذي يستوجب الموافقة التامة عليه.وما هو موجود فعلا...والشيء الأصيل في مقابل المزيف}
        وفي إطار تعليقه النقدي على هذه الدلالات،يرى لالاند أن دلالة الحقيقة بمعنى الواقع ،أي ما يوجد فعليا وواقعيا أصبحت مهملة في الفلسفة الحديثة والمعاصرة،بسبب ما تثيره في النفس من لبس وغموض.ويتبين من هذا أن الحقيقة في الوقت المعاصر،أصبحت تنحصر في مجال الفكر واللغة،ذلك أنه عندما لا يوجد فكر يحكم على هذا الواقع ولا لغة تعبر عن هذا الفكر لا تكون ثمة حقيقة.

        لكن ،يبقى مع ذلك بأن الواقع يعتبر دائما مرجعا للحقيقة،ما دامت تعني-الحقيقة-مطابقة الحكم(الفكر)للواقع.وهذا يثير الإشكالية الفلسفية التالية:ما علاقة الحقيقة بالواقع؟هل هي صورة للواقع منعكسة في الفكر ومعبر عنها بواسطة اللغة؟وهل يمكن القول بأن هناك حقائق خارج الفكر واللغة أم انها من إنتاج الفكر واللغة؟هل الحقيقة موضوعية أم ذاتية؟وهل هي واحدة أو متعددة؟مطلقة أو نسبية؟هل الحقيقة من شأن الفكر ومبادئه أم من شأن الأهواء والغرائز والرغبات أيضا؟هل هناك حقيقة معزولة خالصة نقية أم أنها دائما ترتبط وتختلط بأضدادها كالكذب والوهم والخطأ والخيال...أم أن ذلك جزء لا يتجزأ من نسيج خطاباتها؟

        -يتبع-
        [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

        تعليق

        • عزيز نجمي
          أديب وكاتب
          • 22-02-2010
          • 383

          #5
          سنحاول الإجابة عن الأسئلة السابقة من خلال المحاور الآتية:
          1-الحقيقة والواقع(المطابقة ومعايير الحقيقة)
          أ-الحقيقة بما هي واقع
          -أفلاطون
          -أرسطو
          ب-الحقيقة كمطابقة بين الفكر والواقع
          -ديكارت
          -لوك
          -كانط
          2-انواع الحقيقة
          -ابن رشد
          -باشلار
          -نيتشة
          -فوكو
          3-الحقيقة بما هي قيمة
          -جيمس
          -كانط
          خاتمة الكلام
          [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

          تعليق

          • عزيز نجمي
            أديب وكاتب
            • 22-02-2010
            • 383

            #6
            هل الحقيقة معطى أم بناء؟

            1-الحقيقة والواقع(المطابقة ومعايير الحقيقة)
            قبل الإجابة عن تلك الإشكالات المطروحة من خلال بعض النماذج الفلسفية،يستحسن بنا أن نتوقف عند مفهوم الواقع لمعرفة دلالته.فهو يدل على كل ما هو تجريبي عيني وقابل للإدراك الحسي المباشر، وقد يفيد أيضا وجودا أنطولوجيا معقولا يفرض نفسه على الذهن...هكذا يمكن أن يتأرجح مفهوم الواقع في دلالته الفلسفية بين ما هو عقلي وما هو مادي حسي،لذا نستطيع أن نقول بأن مفهوم الواقع فلسفيا يدل على كل معطى موضوعي يوجد خارج الذات،ويتميز باستقلاله عنها.
            هذا المعطى سيسهل علينا فحص العلاقة بين الحقيقة والواقع،ولتحقيق ذلك فإننا سنقارب هذه الإشكالية من خلال عنصرين أساسين:الحقيقة بما هي واقع،والحقيقة كمطابقة بين الفكر والواقع.
            أ-الحقيقة بما هي واقع
            *أطروحة أفلاطون(374-428 ق.م)
            يميز أفلاطون بين عالمين أو مستويين للحقيقة:عالم المحسوسات،ويمثل مستوى الحقيقة الظاهرة(الظنية)أو الوجود العياني الذي تشكله الاشياء المادية المحيطة بنا،كالكتب والحواسيب والجدران والجبال والأشجار...وعالم المثل،أي ذلك العالم العلوي المعقول الذي يمثل وحده مستوى الحقيقة الحقة،أو الوجود الحقيقي للأشياء في كمالها وثباتها.إن العالم الأول،أي عالمنا المحسوس هو عالم متغير،زائف،وناقص.وموجوداته لا تشكل إلا ظلالا أو أشباحا،لموجودات العالم المعقول الحقيقية،تماما كما هو الأمر بالنسبة لصورة هذه الشجرة المرسومة على الأرض أمامي،فهي ليست إلا ظلا للشجرة المشخصة الموجودة في عالم الواقع.
            لكن كيف نتمكن من معرفة هذا العالم العلوي المفارق،الحقيقي،الثابت والأزلي؟
            يجيبنا أفلاطون بأننا يمكن أن نتوصل إلى ذلك عن طريق العقل وحده،وبأن معرفة الحقيقة لا يمكن أن تتم إلأ بالتأمل العقلي،وعن طريق منهج الجدل الصاعد،لا عن طريق الحواس،لأن معارف الحواس متغيرة ،ظنية وزائفة وغير حقيقية.
            ولكي يقنعنا أفلاطون بأطروحته لجأ إلى توظيف أسطورة الكهف التي نجدها في محاورة الجمهورية بين ص:250…246ترجمة فؤاد زكريا.ومفادها كالآتي:
            لنتخيل أن أناسا أرغموا منذ صباهم على العيش تحت الأرض في كهف مظلم،قيدت أرجلهم وأعناقهم بأغلال(سلاسل وقيود)لا يستطيعون الحركة ولا الإلتفات،ولا يرون أمامهم غير ظلال لتماثيل بشرية وحيوانية تعكسها على الجدار الذي أمامهم نار ملتهبة توجد خلفهم في موقع عال.ويطوف بينها وبينهم أفراد يحملون بعض التما ثيل.هؤلاء المساجين لا يستطيعون رؤية أي شيء آخر غير تلك الظلال،ونظرا لكثرة اعتيادهم عليها يحسبونها موجودات حقيقية،وبالتالي لا يشكون في حقيقتها.ولنفترض أن واحدا منهم فكت قيوده،فنهض وتمكن من السير نحو النور،وصعد ثم خرج من باب الكهف،لا شك أنه سينبهر ويذهل عندما يرى نور الشمس ويبصر الأشياء على حقيقتها،إنه بذلك يكتشف عالما حقيقيا تغمره الشمس،عالم يختلف كثيرا عن الظلال والأشباح البشرية التي اعتاد رؤيتها في الكهف المظلم.
            يظهر مما سبق بأن الكهف أو السجن عند أفلاطون يمثل العالم المنظورأي العالم المحسوس الذي نعيش فيه،أما وهج النارالذي كان ينيرالسجن فهو يناظر ضوء الشمس،ورحلة الصعود لرؤية الأشياء في العالم العلوي فتمثل صعود العقل إلى العالم المعقول،والأشياء الحقيقية في واضحة النهار فهي تمثل عالم المثل الحقيقي.
            هكذا يظهر مع أفلاطون بأن العلاقة بين العالمين هي علاقة حقيقة بخيال،فالحقيقة يجسدها عالم المثل في صورته المطلقة والمجردة التي نصلها عن طريق الجدل الصاعد الذي ينتقل بنا من الأدنى إلى الأعلى،من الحسي إلى المجرد،ويخلصنا من أوهام المعرفة الحسية.
            سار ديكارت على نفس المسار تقريبا،حيث أنه ربط الحقيقة بالبداهة واعتبر المنهج ضامنا لعدم الوقوع في الخطأ مما اقتضى إلغاء الحس لأنه كثيرا ما يخدعنا.

            *أطروحة أرسطو(322-384 ق.م)
            يختلف أرسطو مع أستاذه أفلاطون في القول بوجود حقيقة ثابتة مفارقة لهذا العالم،فكل شيء في نظر أرسطو يوجد في هذا العالم هو عبارة عن ماهية*(جوهر)وصورة.والماهية هي الحقيقة الجوهرية الثابتة التي على المفكر أن يصل إليها وأن يدركها في شكلها المجرد.الحقيقة فعلا ليست ما يقدمه لنا الواقع الحسي،غير أنها لا توجد خارجه في عالم مفارق ومثالي،بل هي محايثة له،لأن المتغير لا يتغير إلا في إطار الثابت وعلى قاعدته،فنحن نقول بكل اطمئنان أن شخصا ما هو نفسه مع أن ملامحه تتغيرمن الطفولة إلى الشيخوخة،لأن وراء الأعراض هناك حقيقة جوهرية ثابتة تشكل الواقع الحقيقي،وهذا يعني أن الحقيقة بما هي واقع تظل عقلية معقولة،وليست الأعراض الحسية،سوى وسيلة لبلوغها عن طريق التجريد.ومن المستحيل بالنسبة لأرسطو اعتبار الواقع الحسي نسخة مشوهة لواقع لا مادي كما ذهب إلى ذلك أستاذه،فالحقيقة محايثة للواقع المادي وليست متعالية عليه.
            -يتبع-
            [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

            تعليق

            • عزيز نجمي
              أديب وكاتب
              • 22-02-2010
              • 383

              #7
              ب:الحقيقة كمطابقة بين الفكر والواقع

              *أطروحة رونيه ديكارت( 1650-1596م)
              إذا ما اعتبرنا الحقيقة بناء عقليا مجردا متجاوزا للإدراك الحسي،فإننا وجدنا في الأطروحتين السابقتين،الأفلاطونية والأرسطية،أنهما تعتبران الحقيقة بناء فكريا يتجلى بالنسبة لأفلاطون في تمثل واقع موضوعي مفارق للواقع المادي المحسوس،وبالنسبة لأرسطو في واقع محايث له...مع ديكارت سيختلف الأمر،فدعوة هذا الفيلسوف العقلاني إلى تجاوز المعرفة الحسية لا تعني بالضرورة إلى واقع غيبي ميتافيزيقي.
              الحقيقة عند ديكارت تعرف ببداهتها،أي بوضوحها وتميزها،إنها تسمو إلى مستوى الفهم الواضح،وهذه الحقيقة هي التي انتصرت في معركة الشك المنهجي،الذي يتخذ طريقا إلى معرفة الحقيقة،لأنه يؤمن بقدرة العقل على بلوغها،وليس الشك هنا غير بداية للبحث ووسيلة للمعرفة،وليس تلك النزعة الشكية أو الشك المطلق الذي لا يؤمن بأية حقيقة.
              إن الأفكار الواضحة تكتسي طابعا حدسيا لأنها تدرك بكيفية مباشرة دون حاجة إلى الواقع كمرجع ولا إلى الحواس كأدوات،العقل وحده هو مصدر الحقيقة اليقينية عند ديكارت لأنه يشتمل على جملة من الإستعدادات القبلية السابقة عن كل تجربة،ويستطيع الحصول على حقائق يقينية بقواه الخاصة دون حاجة إلى الحواس التي من طبيعتها أنها تخطئ.هكذا يظهربأن ديكارت أراد أن يعلي من قيمة الإنسان وقدرته على إنتاج الحقائق للسيطرة على الطبيعة،فالذات المفكرة عندما تفكر وفي اللحظة التي تفكر فيها فهي تعي وجودها بمعزل عن اتصالها بأشياء العالم الخارجي،وأول حقيقة تتوصل إليها هي إثبات وجود الذات من خلال عملية التفكير وهو ما يعرف عند ديكارت بالكوجيطو،أي تلك الحقيقة التي تتميز بالوضوح والبداهة(أنا أفكر إذن أنا موجود).
              لقد ركز ديكارت على أن الحقيقة بنت العقل وحده،ووضع منهجا يضمن من خلاله عدم الوقوع في الأخطاء،لهذا لا نستغرب من عنوان أهم مؤلفاته(مقال في المنهج).يقول:{أعترف بأني ولدت وفي نفسي نزعة عقلية تجعلني أجد اللذة القصوى في اكتشاف الحجج بنفسي،لا في الإصغاء لحجج الغير.وقد كان هذا دافعي الوحيد لدراسة العلوم منذ حداثة سني:فكنت كلما صادفت كتابا يمني القارئ باكتشافات جديدة،كنت أحاول النظر فيما إذا كان باستطاعتي الوصول إلى نتائج مماثلة بالإعتماد على فطنتي الطبيعية،وكنت لا أفوت على نفسي تلك اللذة البريئة،بالتعجل في قراءة الكتب،حتى أدركت أني كنت أتوصل إلى الحقيقة لا كما هو الأمر عند سائر الناس،بواسطة بحوث مضطربة لا جدوى منها تعتمد على الصدف أكثر من اعتمادها على منهج،بل بفضل عثوري،بعد تجربة طويلة،على قواعد يقينية...}3
              هكذا يظهربأن ما يميز الحقيقة عند عامة الناس وعند الفيلسوف هو أن هذا الأخير ليس هو ذلك الشخص الذي يدعي المعرفة،بل هو إنسان ينطلق من الجهل إلى المعرفة ومن المعرفة إلى الجهل،إنه رجل الإنكار والنفي من أجل الإثبات،وذلك وفق قواعد منهجية حددها ديكارت في قواعد المنهج وهي:
              -القاعدة الأولى:أن لا أقبل أي شيء على أنه حق سوى الأفكار الواضحة المتميزة.
              -القاعدة الثانية:وهي قاعدة التحليل أي تقسيم كل معضلة إلى عدد من الأجزاء الممكنة واللازمة لحلها على أحسن وجه.
              -القاعدة الثالثة:وهي قاعدة التركيب،أي أن نسير في تفكيرنا من البسيط إلى المركب،من الجزئي إلى الكلي.
              -القاعدة الرابعة(المراجعة):وهي أن نقوم بإعادة النظر في أفكارنا وفي مناهجنا ونتائجنا،حتى نتأكد من أننا لم نغفل أي شيء.
              أخيرا يمكن القول بأن ديكارت استند على تحليل رياضي كمنهج لبلوغ الحقيقة في استقلال عن الحواس،كم استند على فكرة الضمان الإلهي باعتبار الله كضامن لهذه الحقيقة العقلية الصورية{العقل الفطري لا يخطئ والله يضمن ذلك}.
              مع هذا الفيلسوف الذات إذن هي التي تنتج الحقائق المطلقة التي لا يرقى إليها الشك،بل إن وجود الذات هو أساس وأصل جميع الحقائق الأخرى. لكن ألسنا هنا بهذا الإعلاء لشان الذات نقصي بعدا أساسيا من أبعاد الوعي وهو البعد الخاص بالزمان؟
              ...تلك مشكلة أخرى...-يتبع-
              التعديل الأخير تم بواسطة عزيز نجمي; الساعة 26-05-2010, 14:43.
              [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

              تعليق

              • مهند حسن الشاوي
                عضو أساسي
                • 23-10-2009
                • 841

                #8
                [align=center]

                موضوع جميل وثري وشريف المضمون
                أعتقد أننا يجب أن نفرق بين الحق الذي نصل إليه عن طريق العقل بشكل مجرد (الفكر)، والحق الذي يصل إليه العقل بمشاركة الحواس أوالتجربة أوالإخبار الجازم (المشاهدة، التجريب، التواتر)، والأخير هو حق أيضاً غاية الأمر أنه لم يكن عقلياً محضاً..
                سنتابع هذه الطرح الجميل بشغف الى أن نرى نتيجته ...
                حتى ذلك الوقت أثبتها مع الود

                [/align]
                [CENTER][SIZE=6][FONT=Traditional Arabic][COLOR=purple][B]" رُبَّ مَفْتُوْنٍ بِحُسْنِ القَوْلِ فِيْهِ "[/B][/COLOR][/FONT][/SIZE][/CENTER]

                تعليق

                • عزيز نجمي
                  أديب وكاتب
                  • 22-02-2010
                  • 383

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة مهند حسن الشاوي مشاهدة المشاركة
                  [align=center]

                  موضوع جميل وثري وشريف المضمون
                  أعتقد أننا يجب أن نفرق بين الحق الذي نصل إليه عن طريق العقل بشكل مجرد (الفكر)، والحق الذي يصل إليه العقل بمشاركة الحواس أوالتجربة أوالإخبار الجازم (المشاهدة، التجريب، التواتر)، والأخير هو حق أيضاً غاية الأمر أنه لم يكن عقلياً محضاً..
                  سنتابع هذه الطرح الجميل بشغف الى أن نرى نتيجته ...
                  حتى ذلك الوقت أثبتها مع الود

                  [/align]
                  الأستاذ مهند حسن الشاوي
                  ما أكثرالمسرات في حياتنا يا أخي رغم مآسينا،
                  سررت بتثبيتك للموضوعين،
                  وكأني ربحت البليون،رغم أنه سيسبب لي مشكلة،إذ لا أعرف ماذا سأصنع به سوى أن أتبرع به للإخواننا في القدس.
                  سررت أيضا بقراءتك الراقية وبتفاعلك البناء.أتمنى أن أكون عند حسن ظنك،خصوصا وأنت من الأتقياء،وهم قلة.
                  وكأني أخافهم لأني أجلهم،لهم هيبة،أشعر بوجودهم في النيت،وفي بعض الفضائيات-ولا يهمني إن كانو من الشيعة أو من السنة-كما أحس بهم في فضاءات مديني،شوارعها،مساجدها...مواقفهم ومعاملاتهم هي ما يثيرني أكثر،قد أبالغ إذا ما تحدثت عنهم مقارنة بالسواد الأعظم من الناس.
                  تحيتي وتقديري
                  [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

                  تعليق

                  • عزيز نجمي
                    أديب وكاتب
                    • 22-02-2010
                    • 383

                    #10
                    جون لوك(1704-1632م)

                    رفض جون لوك معيار البداهة الذي قال به ديكارت،وهذا راجع إلى رفضه القول بوجود أفكار أولية وفطرية في العقل سابقة عن أي تجربة.فالعقل بالنسبة له-وبالنسبة لصديقه دافيد هيوم الفيلسوف التجريبي أيضا-العقل يولد صفحة بيضاء،والتجربة هي التي تمده بالمعارف والأفكار.من هنا فالتجربة هي المعيار الأساسي والوحيد للحقيقة.
                    إن البحث عن الحقيقة في نظره،يقتضي العودة إلى التحقق التجريبي للتأكد من صحتها،إنها تعني مطابقة الفكر للواقع التجريبي المعطى،فهي ليست بنت العقل،ومفاهيم الصواب تأتي في المقام الأول من الحواس التي تمدنا بالأفكار البسيطة،كالإمتداد والشكل والحركة،ثم يعمل العقل على الجمع بينها،لإنتاج الأفكار المركبة،كفكرة السببية* مثلا.

                    إن برهان الحواس لا يمكن إلغاؤه،لهذا ينبغي أن تتقوى ثقتنا بها،وإن لم تكن الحواس صادقة فكيف يمكن أن يكون هناك صدق في العقل؟
                    هكذا يظهر بأن هذا الإتجاه التجريبي وضدا على الإتجاه العقلاني،هو اتجاه ينكر وجود أي شيء اسمه العقل مستقلا عن الإحساسات والإنطباعات الحسية التي تزودنا بها أشياء العالم الخارجي عبر الحواس،والتي تترابط فيما بينها لتتشكل منها الأفكار والمعاني.يقول جون لوك:{أولا تملأ الأحاسيس،كما نقول،ذهننا بمختلف الأفكار التي لم تكن لدينا.ثم يعمل الذهن على جعلها عادية أو يجعلنا نستأنس بها في الذاكرة ثم يعطيها أسماء.بعد ذلك يعمل على تمثل أفكارأخرى يجردها انطلاقا من الأولى ثم يأخذ في استعمال الأسماء العامة.بهذه الطريقة يحضرالذهن الأفكار والألفاظ التي يمارس عليها قدراته الفكرية.}4
                    -يتبع-

                    [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

                    تعليق

                    • عزيز نجمي
                      أديب وكاتب
                      • 22-02-2010
                      • 383

                      #11
                      *أطروحة إيمانويل كانط (18O4-1724)
                      بالإختلاف مع العقلانيين والتجريبيين قدم كانط أطروحة حول الحقيقة حاول الجمع فيها بين التصورين السابقين،فالحقيقة بالنسبة إليه لا توجد في الواقع ولا في الفكر على نحو جاهز بل هي بناء وتشييد،إنها انتظام الواقع وفقا لبنية العقل ومقولاته،وهي تبنى بتكامل العقل والتجربة،أي بما هو قبلي(العقل)مع ما هو بعدي(التجربة).وفي هذا المعنى يقول:{المفاهيم العقلية بدون حدوس حسية تبقى جوفاء،والحدوس الحسية بدون مفاهيم عقلية تظل عمياء}فالعقل يعطي الصورة المنطقية للحقيقة أما مادتها فهي المعطيات الحسية التي هي مادة خامة يقوم العقل بتنظيمها وإعطائها شكلا أو صورة واضحة.
                      لنتأمل المثال الآتي:
                      -أرسلت الشمس أشعتها وسخنت الصخرة.
                      هنا نعبر عن علاقة ذاتية بين ظاهرتين تتعاقبان بشكل مألوف في شعورنا،وهما:
                      -الصخرة غير ساخنة
                      -الصخرة ساخنة بعد سقوط أشعة الشمس عليها
                      الحكم هنا هو حكم إدراك،وهو يعبر عن أحاسيسنا وانطباعاتنا،إنه حكم ذاتي يعبر عن تأثراتنا الحسية الذاتية.
                      أما إذا قلت:-الشمس هي السبب في سخونة الصخرة.فالحكم هنا هو حكم تجربة،لأننا نربط موضوعيا،وعن طريق علاقة ضرورية بين مفهوم ضوء الشمس ومفهوم سخونة الصخرة.هناك شيء أضافه الفهم من عنده،وبفضله أصبح للحكم قيمة موضوعية تصدق بالنسبة لكل شعور،إنه مفهوم السببية*وهذا المفهوم ليس إلا قالبا فارغا لا قيمة له بدون مدركات حسية،ومع ذلك لابد منه لكي تصبح المعرفة حقيقية.
                      الحقيقة إذن تتألف من مادة وصورة،الحساسية تقدم لنا مادة المعرفة،أما صورتها فنحصل عليها من الفهم،ولا يمكن الوصول إلى الحقيقة إلا باجتماعهما.
                      معرفة الحقيقة تبدأ باتصالنا المباشر بالموضوع،أي بتأثراتنا الحسية بهذا الموضوع،غير أن هذه التأثيرات لا تصبح معرفة حقيقية إلا إذا توحدت في في موضوع ما،وما يوحدها هو قدرتنا على التفكير في تلك التأثيرات،أي الفهم الذي يتوفر على مقولات قبلية تمكنه من ذلك،مثل السببية ومقولتي الوحدة والكثرة...(يمكن مراجعة موضوع المكان والزمان المنشور هنا بالمنتدي للباحث المقتدر مثنى حامد).
                      هكذا يمكن نستخلص ونقول بكل وضوح مع الأستاذ نجيب بلدي في معرض كلامه عن كانط بأنه{لقيام معرفة حقيقية لا بد من وجود عاملين،من جهة معطيات وأشياء تعرف،ومن جهة أخرى صياغة هذه المعطيات في صورة موضوعات واضحة للمعرفة.أما المعطيات فيقدمها الحس،الحساسية،وأما الصياغة فمن عمل الفكر وحده}5
                      من خلال هذا التحليل تصبح الحقيقة حسب كانط لا هي مادية ولا هي صورية،إنها مطابقة الفكر لذاته ومطابقته للواقع المادي،ومعيارها هو الإقتران ،بعبارة أخرى،الواقع عند كانط صار مجموعة من الظواهر التي يلزم بناؤها، كما أمسى العقل مجموعة من القدرات التي تستطيع أن تشكل معارف صادقة بواسطة الصور والمقولات القبلية السابقة عن التجربة.وبذلك يختلف كانط عن ديكارت،فإذا كان هذا الأخير يقول(أنا أفكر)أي أتأمل،فإن الأول يمكن أن يقول(أنا أركب وأربط وأصنع).
                      ومع ذلك،يستحسن أن نشير إلى أن كانط يضع حدودا للمعرفة لا يمكن تجاوزها،إذ مهما بلغت درجة معرفتنا،فإنها ستبقى نسبية ما دمنا نجهل حقيقة النومين(Noumene)والأمور الميتافيزيقية،فهو يميز بين الظاهر والشيء في ذاته.إذا ما أخذنا الوردة مثلا وأردنا أن نفحص ما تقدمه لنا الحدوس الحسية،لن نجد أكثر من اللون والشكل والرائحة والطعم...أي ما تقدمه لي حواسي،من خلال ما يظهر منها،وبالتالي فلا أستطيع أن أعرف إلا ظواهر الأشياء(phénomènes) أما الوردة في حقيقتها ،أي كونها أكثر من اللون والشكل والرائحة فلا سبيل لمعرفة ذلك.ما يضيفه الفهم من عنده فهو مجرد قوالب فارغة كما سبقت الإشارة،إنه إطارات تتشكل فيها تلك المعطيات الحسية.هنا ترتبط المعرفة بالذات العارفة،فقد تعني وردة بلون أحمر داكن إني أفتقدك كثيرا،كما يمكن أن تعني وردة صفراء أنت شمس حياتي،تماما كما هو الأمر بالنسبة لماء زم زم،فماء زم زم ماء لكنه بالنسبة للمؤمن يختلف عن الماء،فهو لما شرب له،وله قدسية معينة.هنا قد نجد بعض القواسم المشتركة مع ما ذهب إليه أستاذنا محمد شعبان الموجي في موضوعه الذي يحمل عنوان التفكير المسبق هل هو جناية أم بديهية؟
                      -يتبع-







                      [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

                      تعليق

                      • إيمان ملال
                        أديبة وكاتبة
                        • 07-05-2010
                        • 161

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة عزيز نجمي مشاهدة المشاركة
                        جون لوك(1704-1632م)

                        رفض جون لوك معيار البداهة الذي قال به ديكارت،وهذا راجع إلى رفضه القول بوجود أفكار أولية وفطرية في العقل سابقة عن أي تجربة.فالعقل بالنسبة له-وبالنسبة لصديقه دافيد هيوم الفيلسوف التجريبي أيضا-العقل يولد صفحة بيضاء،والتجربة هي التي تمده بالمعارف والأفكار.من هنا فالتجربة هي المعيار الأساسي والوحيد للحقيقة.
                        إن البحث عن الحقيقة في نظره،يقتضي العودة إلى التحقق التجريبي للتأكد من صحتها،إنها تعني مطابقة الفكر للواقع التجريبي المعطى،فهي ليست بنت العقل،ومفاهيم الصواب تأتي في المقام الأول من الحواس التي تمدنا بالأفكار البسيطة،كالإمتداد والشكل والحركة،ثم يعمل العقل على الجمع بينها،لإنتاج الأفكار المركبة،كفكرة السببية* مثلا.

                        إن برهان الحواس لا يمكن إلغاؤه،لهذا ينبغي أن تتقوى ثقتنا بها،وإن لم تكن الحواس صادقة فكيف يمكن أن يكون هناك صدق في العقل؟
                        هكذا يظهر بأن هذا الإتجاه التجريبي وضدا على الإتجاه العقلاني،هو اتجاه ينكر وجود أي شيء اسمه العقل مستقلا عن الإحساسات والإنطباعات الحسية التي تزودنا بها أشياء العالم الخارجي عبر الحواس،والتي تترابط فيما بينها لتتشكل منها الأفكار والمعاني.يقول جون لوك:{أولا تملأ الأحاسيس،كما نقول،ذهننا بمختلف الأفكار التي لم تكن لدينا.ثم يعمل الذهن على جعلها عادية أو يجعلنا نستأنس بها في الذاكرة ثم يعطيها أسماء.بعد ذلك يعمل على تمثل أفكارأخرى يجردها انطلاقا من الأولى ثم يأخذ في استعمال الأسماء العامة.بهذه الطريقة يحضرالذهن الأفكار والألفاظ التي يمارس عليها قدراته الفكرية.}4
                        -يتبع-
                        اختلطت علي الأمور فعلاً !
                        فقد وجدت هذا الموقف في موضوع الشخص والهوية حيث يقول إن الإحساس هو المحدد الأساسي لهوية الشخص، وليس الفكر أو الوعي كما يقول ديكارت لأن الإحساس سابق عن كل وعي !
                        وما أكثر المواقف المتشابهة التي أجدها في محاور أخرى غير الحقيقة! ما كل هذا التشابك إذن ؟ وهل يمكنني أن أعرف ما العلاقة بين أن الهوية والحقيقة حسب لوك !
                        استطاعت الإنسانية أن تحقق العظمة والجمال والحقيقة والمعرفة والفضيلة والحب الأزلي، فقط على الورق.

                        جورج برنارد شو


                        تعليق

                        • عزيز نجمي
                          أديب وكاتب
                          • 22-02-2010
                          • 383

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة إيمان ملال مشاهدة المشاركة
                          اختلطت علي الأمور فعلاً !
                          فقد وجدت هذا الموقف في موضوع الشخص والهوية حيث يقول إن الإحساس هو المحدد الأساسي لهوية الشخص، وليس الفكر أو الوعي كما يقول ديكارت لأن الإحساس سابق عن كل وعي !
                          وما أكثر المواقف المتشابهة التي أجدها في محاور أخرى غير الحقيقة! ما كل هذا التشابك إذن ؟ وهل يمكنني أن أعرف ما العلاقة بين أن الهوية والحقيقة حسب لوك !
                          حينما تختلط الأمور نأخذ قسطا من الراحة،ثم نعاود الكرة..
                          نعم هناك تداخل بين المواضيع..
                          أما بالنسبة لعلاقة الهوية والحقيقة حسب لوك،فيمكن القول بأنه إذا كان التغيير الذي يحصل لكل إنسان يعني إثبات التطورمع إرجاع جميع التغيرات إلى نفس الشخص،فما حقيقة هذه الهوية الثابتة،وعلى أي أساس تقوم؟هل على الذات المفكرة أم على الإحساس؟أم على الوحدة النفسية عبر الزمن النابعة من الطبع والذاكرة؟أم على الوحدة الدينامية لمكونات الجهاز النفسي؟أم على الإرادة؟
                          في هذا السياق جاء جواب لوك.فكل واحد منا يتعرف على نفسه كشخص،بالتعارض مع الأشياء،فهو ليس موضوعا من موضوعات العالم الخارجي،وحينما يريد أن يتحدث يقدم نفسه بقول أنا،كما يستطيع إعطاء طابع شخصي على مجموع تجاربه التي يرجعها إلى مركز الأنا،فهذا الحادث وقع لي أنا،وأنا الذي يفكر بهذه الطريقة أو تلك،والطفل الذي مازلت أذكره،والذي يختلف عما هو عليه الآن،هو مع ذلك أنا.
                          يقترح لوك لحل مشكلة الكيفية التي يحافط بها الإنسان على وحدة ذاته وبقائها في الزمن الإعتماد على مفهوم الهوية الشخصية انطلاقا من الشعور باعتباره قدرة تأملية،يقول:{الشخص فيما أعتقد،كائن مفكر عاقل قادرعلى التعقل والتأمل،وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها،وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة.ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله}
                          واضح أن الهوية الشخصية عند لوك تتكون من الشعور(أوالوعي)الذي يميز الشخص،المفكر والعاقل،ومن الذاكرة التي هي امتداد للشعور في الزمان والمكان.أعتقد أن هذا الكلام لا يتناقض مع ما أوردناه سابقا وهو أن العقل عند لوك يولد صفحة بيضاء.
                          والسلام
                          [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

                          تعليق

                          • إيمان ملال
                            أديبة وكاتبة
                            • 07-05-2010
                            • 161

                            #14
                            شكرا على التوضيح وكخلاصة لكل المواقف يمكن ان نقول بأن هوية الشخص ليست في ثباته وإنما في تغيره وصيرورته

                            دمتم بود
                            استطاعت الإنسانية أن تحقق العظمة والجمال والحقيقة والمعرفة والفضيلة والحب الأزلي، فقط على الورق.

                            جورج برنارد شو


                            تعليق

                            • عزيز نجمي
                              أديب وكاتب
                              • 22-02-2010
                              • 383

                              #15
                              المحور الثاني:أنواع الحقيقة
                              هل الحقيقة واحدة أم متعددة؟مطلقة أو نسبية؟وهل توجد صافية نقية أم ترتبط وتختلط بأضدادها كالكذب والوهم والخطأ؟
                              في سياق الإجابة عن الإشكال المطروح،يمكن التمييز بين موقفين فلسفين مختلفين:
                              -أولا:موقف فلسفي دوغمائي يدعي وحدة وثبات الحقيقة،وأن التعدد يكمن فقط في وسائل إدراكها والتعبير عنها..فإذا تأملنا أفلاطون في أسطورة الكهف،ستستخلص أن هذا الفيلسوف،قسم العالم إلى قسمين،واحد مثالي والآخر مادي،الأول مفارق للثاني،إنه عالم الحقيقة الذي لا يدرك إلا بالعقل،أما الثاني فهو عالم الأوهام والظلال،والمعرفة المستخلصة منه ظنية خاطئة.ومن هنا فالظن نقيض المعرفة وليس أرضيتها ونسيجها.تقريبا -وكما رأينا-سار ديكارت على نفس المسار،حيث نجد أنه ربط الحقيقة بالبداهة،واعتبر المنهج ضامنا لعدم الوقوع في الخطأ،مما اقتضى إقصاء الحس لأنه كثيرا ما يخدعنا.
                              وإذا كانت الحقيقة مرتبطة بالخطاب واللغة،وكانت وظيفة هذين الأخيرين هي التواصل،فإن الحقيقة لا تنكشف من تلقاء ذاتها،وإنما يتم إنتاجها وإثباتها لإقناع الآخرين بها،ويعد البرهان منذ أرسطو أفضل وسيلة لإثبات الحقيقة،وما تمت البرهنة عليه في الفلسفة وعلومها هو حقيقة يقينية لا تقبل الشك،يقول محمد بديع الكسم:{إن الحكم الذي يقرر نفسه على أنه صادق،يقرر نفسه أيضا على أنه قد أقيم على البرهان عليه.والبرهان هو،على وجه التحديد،ما يسمح له بأن يِؤكد نفسه،هو القوة التي تدعمه من الداخل،وتثبت صحته وصدقه.والواقع أن امتلاء الوعي بحقيقة من الحقائق،إنما هو إدراك هذه الحقيقة في ينابيعها وأسسها الشرعية...وإذا أخذنا بهذا المعنى للبرهان ...فلا يمكن لأي قضية أن تقرر نفسها بلا برهان.وعندما تحمل برهانها في نفسها نسميها بديهية}7
                              1-أطروحة محمد ابن رشد1126) م-1198 م)
                              في نفس السياق، يرى ابن رشد أن اختلاف طبائع الناس وقدراتهم المعرفية يستوجب تعدد واختلاف أنواع ومستويات الخطاب:البرهان في المرتبة الأولى وهو للفلاسفة،يأتي بعده الجدل لعلماء الكلام،ثم الخطابة للعامة...لهذا كان من الطبيعي حسب ابن رشد،أن يشتمل الخطاب الديني الإسلامي(الشريعة)على هذه الأشكال الثلاثة،لأن الرسالة السماوية موجهة إلى جميع الناس،على اختلاف مداركهم،مما يعني أن الحقيقة الإلهية واحدة وإن اختلفت طرق الوصول إليها والتعبير عنها.وحقيقة الحكمة الفلسفية لا تختلف عن حقيقة الشريعة الدينية ف{الحكمة صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة...وهما المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة}وهذا راجع إلى أنهما ترميان إلى هدف واحد هو:معرفة الحق{والحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له}
                              هكذا نتبين مع ابن رشد بأن الحقيقة واحدة من حيث الجوهر ولكنها متعددة ومختلفة من حيث مظاهرها وصيغها،والتي تعود إلى اختلاف طرق البحث ومعايير الحكم وأنماط الخطاب المعبر به عنها،وهذا التعدد والإختلاف مبرره اختلاف المجالات المعرفية،مثلا الدين والفلسفة،وبالتالي اختلاف الناس في سبل الوصول إليها،وبكل إيجاز يمكننا أن نقول:إن الحقيقة واحدة ومتعددة في نفس الوقت.يقول ابن رشد:{إذا كان فعل الفلسفة ليس شيئا آخرأكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع...فإن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها،وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم،كانت المعرفة بالصانع أتم،وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات وحث على ذلك...
                              فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل وتطلب معرفتها به فذلك بين في غير ما آية من كتاب الله تبارك وتعالى مثل قوله:{فاعتبروا يا أولي الأبصار}وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي أو العقلي والشرعي معا...ومثل قوله تعالى:{أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء}وهذا نص بالحث على النظر في جميع الموجودات.
                              وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها،وكان الإعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه منه،وهذا هو القياس...فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي،وبين أن هذا النحو من النظر-الذي دعا إليه الشرع وحث عليه-هو أتم أنواع النظر بأتم أنواع القياس وهو المسمى برهانا}8.
                              لكن هل هذا التصور الرشدي لتعدد ووحدة الحقيقة في نفس الوقت يعبر بالفعل عن التحقق الفعلي والواقعي للحقيقة على أرض الواقع أم أنه مجرد اقتراح نظري غير قابل للتطبيق مادامت الحقيقة التي كانت ومازالت تسيطر على المجتمع والفكر العربيين هي الحقيقة الدينية التي كانت تقصي جميع الحقائق رغم محاولات الفلاسفة الدفاع عن الحقيقة الفلسفية؟ ألا يتعلق الأمر بشروط سياسية واقتصادية وتاريخية هي التي تعمل على إنتاج الحقيقة ونشرها وفرضها؟
                              -يتبع-







                              [fieldset=ما هو ملائم]نلتقي لنرتقي[/fieldset]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X